دمشق - خاص / لا ميديا -
 بدأت تتكشف معالم صفقة يتم الإعداد لتفاصيلها، ووضع اللمسات النهائية عليها، بين السلطة السورية الجديدة والكيان «الإسرائيلي»، تمهد لتوقيع اتفاق سلام وبدء مرحلة التطبيع، ودخول سورية في «الاتفاق الإبراهيمي».
صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نقلت عن المبعوث الأمريكي إلى سورية، توماس باراك، قوله إن سورية و«إسرائيل» تجريان مفاوضات جدية، وقطعتا أشواطاً، بوساطة الولايات المتحدة، تهدف إلى استعادة الهدوء على «حدودهما» المزعومة.
مصدر رسمي سوري أكد بشكل غير مباشر هذه الأخبار، قائلاً إن «التصريحات المتعلقة بتوقيع اتفاقية سلام مع الاحتلال الإسرائيلي -في الوقت الراهن- تُعدّ سابقة لأوانها. لا يمكن الحديث عن احتمالية التفاوض حول اتفاقيات جديدة، إلا بعد التزام الاحتلال الكامل باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وانسحابه من المناطق التي توغل فيها».
أما التفاصيل الأهم فقد كشف عنها الباحث «الإسرائيلي» أرييل أوسيران (Ariel oseran)، الذي قال في لقاء مع قناة «آي نيوز 24» العبرية إنه على تواصل مع مصادر سورية مقربة من الشرع، وأن هذه المصادر كشفت له عن أهم تفاصيل وكواليس هذه المفاوضات.
وقال أوسيران إن «الاتفاق لن يكون مجانياً»، وأن «سورية ستطالب بثلث الجولان، الذي احتلته إسرائيل في حرب العام 1967، حتى تتمكن من على الأقل من تسويق فكرة السلام في الداخل السوري».
وكشف أوسيران، نقلاً عن المصادر السورية، عن وجود سيناريوهين مطروحين حالياً للتسوية بين «إسرائيل» وسورية: السيناريو الأول يتمثل في احتفاظ «إسرائيل» بمناطق استراتيجية في مرتفعات الجولان تعادل ثلث أراضيها، وتسلم ثلثاً لسورية، وتستأجر الثلث الآخر من سورية، لمدة 25 عاماً.
أما السيناريو الثاني فيتحدث عن احتفاظ «إسرائيل» بثلثي الجولان، وتسليم سورية الثلث المتبقي، مع إمكانية تأجيره (يعني لا انسحاب كامل)، مع تسليم سورية منطقة طرابلس اللبنانية ومناطق لبنانية أخرى في الشمال والبقاع، على أن يتم السماح لـ«إسرائيل» بمد خط مياه من الفرات، ضمن اتفاقية تركية - سورية - «إسرائيلية».
ونقل أوسيران عن المصدر السوري تفسيره لهذا الطرح بأن سورية ترغب في استعادة السيادة على أراضٍ اقتطعت منها عند إعلان «لبنان الكبير»، في بدايات القرن العشرين، خلال فترة الانتداب الفرنسي.
ومن الغريب أن أوسيران فسر مطالبة سورية بثلث الجولان بأن «الجانب السوري يرغب في تحقيق إنجازات، على رأسها استعادة أجزاء من الجولان، التي تحظى باعتراف أمريكي للسيادة الإسرائيلية عليها».
كما أشار أوسيران إلى أن «إسرائيل» استولت على مناطق جديدة داخل الأراضي السورية، بعد سقوط نظام الأسد، ويتم التفاوض حولها، والانسحاب «الإسرائيلي» منها، بموجب هذه المفاوضات، كي تتمكن السلطة في دمشق من تسويق السلام مع «إسرائيل» شعبياً، وهذه الرواية تتوافق مع ما يتم تسريبه من الجانب السوري من أخبار حول هذه المفاوضات.
وحول موقف لبنان من هذه الأخبار أكد الباحث «الإسرائيلي» أنه يعتقد بأن المسؤولين اللبنانيين يسمعون الآن بهذه الأخبار لأول مرة.
هذا يؤكد أن ما يجري يتم بعيداً عن اللبنانيين، ويتناقض مع التوافقات السورية اللبنانية، التي تمت في نيسان/ أبريل الماضي، بين الشرع ورئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، حول ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين؛ لكن الوقائع والتجارب تؤكد أن كل هذه التوافقات والتفاهمات لا تعني شيئاً في حال تم الاتفاق على هذا السيناريو بين السوريين و«الإسرائيليين» وبرعاية أمريكية.
كما من المهم الملاحظة أن هذه الأخبار تزامنت مع تسريبات تقول بأن السعودية والولايات المتحدة تؤيدان إعادة تفويض سورية لإدارة لبنان، لضبط الأوضاع فيه، والتي لم تشهد استقراراً منذ الانسحاب السوري منه، بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري في العام 2005.
ما يميز هذه الأخبار والتفاصيل التي يتم الحديث عنها أنها مختلفة كل الاختلاف، في الشكل والمضمون والتفاصيل، عن كل ما جرى سابقاً من اتصالات ومفاوضات حول الجولان السوري، منذ احتلالها من قبل العدو الصهيوني عام 1967، وإمكانية تحقيق السلام بين الجانبين، وخاصة أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، ووديعة رابين التي تعهد فيها بالانسحاب الكامل من الجولان، مقابل توقيع اتفاقية سلام مع سورية؛ لكن هذه المفاوضات توقفت بسبب عشرات الأمتار فقط حول بحيرة طبريا رفض الأسد الأب التخلي عنها.
هذه الأخبار لا يمكن فصلها عن حوادث تبدو منفصلة؛ لكن لا يمكن فصلها عن هذه التطورات، أبرزها ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن إنزال جوي «إسرائيلي» تم بخمس طائرات حوامة في منطقة يعفور بريف دمشق، والتي تقيم فيها الطبقة الغنية والعديد من السفراء والدبلوماسيين العرب والأجانب.
واللافت أن هذا الإنزال تزامن مع العرض الذي شهدته دمشق لإعلان «الهوية البصرية للدولة السورية الجديدة»، وتم وسط صمت مطبق من السلطات السورية، ولم تعرف أسبابه ونتائجه، وتراوحت التوقعات حوله بين أن تكون عملية أمنية أو نقل وفد «إسرائيلي» لعقد لقاء مع مسؤولين سوريين.
كما تلاه، في اليوم التالي للعرض، حريق ضخم وقع قرب قصر الشعب في جبل قاسيون، حيث مكتب رئيس السلطة أحمد الشرع، وقيل إنه ناتج عن احتراق مطعم خارجي بإحدى حدائق القصر.
وسط هذه الأخبار المتلاحقة والتفاصيل التي تتوالى، من المتوقع ألا يطول الوقت حتى تخرج كل هذه الاتصالات والاتفاقات إلى العلن، والانتقال إلى ما تتطلبه من إجراءات سياسية ودبلوماسية. ومن المؤكد أن هذه الفترة لن تتجاوز نهاية العام، وهي الفترة التي منحتها الإدارة الأمريكية للشرع وحكومته لتنفيذ المطلوب منهم، وفي المقدمة السلام والتطبيع مع الكيان «الإسرائيلي» والدخول في «الاتفاق الإبراهيمي».