«لا» 21 السياسي -
في خطوة فاجأت كثيرين، يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للاعتراف بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، وفقاً لما ذكره وزير الدفاع البريطاني السابق غافين ويليامسون، وموقع «سمافور» الإخباري. وبما أن «أرض الصومال» تقع بالقرب من شبه الجزيرة العربية، ستوفر هذه الخطوة للغرب موطئ قدم جديداً في حربه ضد اليمن، الذي فرض، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حصاراً على السفن المتجهة إلى «إسرائيل». لكن هذه الخطوة ستتسبب في الوقت نفسه في تعميق الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، مثل مصر وتركيا، اللتين تربطهما علاقات وثيقة مع الصومال.
منذ بداية الحرب اليمنية عام 2014، سعت الإمارات العربية المتحدة إلى إيجاد شركاء في منطقة القرن الأفريقي لمواجهة حكومة صنعاء. وفي العام 2016، وقعت اتفاقية بقيمة 442 مليون دولار لبناء ميناء في مدينة بربرة في «أرض الصومال»، والتي تبعد 260 كيلومتراً فقط عن مدينة عدن اليمنية. وبعد عام، توسع الميناء ليشمل قاعدة بحرية وجوية، تُستخدم منذ العام 2018 لشن هجمات داخل اليمن. ولا تزال القاعدة العسكرية تتوسع، حيث تُبنى حظائر جديدة لاستيعاب مزيد من الطائرات.
وفقاً لموقع «ميدل إيست مونيتور»، تعمل الإمارات العربية المتحدة حالياً على التوصل إلى اتفاق بين «أرض الصومال» و«إسرائيل». في سعيها للحصول على موطئ قدم بالقرب من البحر الأحمر وخليج عدن، كانت «إسرائيل» واحدة من الدول القليلة التي أقامت علاقات دبلوماسية مع «أرض الصومال» عام 2010، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها. وازداد اهتمام الكيان الصهيوني بالمنطقة منذ أن بدأ اليمن بشن ضربات مباشرة ضده رداً على الإبادة في غزة. وبموجب الاتفاق الذي تتوسط فيه الإمارات، ستبني «إسرائيل» قاعدة عسكرية في «أرض الصومال» مقابل الاعتراف بها كدولة مستقلة. وسيمكنها هذا الموطئ من الرد مباشرة على اليمن بدلاً من الاعتماد على الدول الغربية.
اهتمام مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بـ«أرض الصومال» لم يظهر إلا مؤخراً، رغم إعلانها الاستقلال منذ 33 عاماً. وفيما يعزو هؤلاء هذا الاهتمام إلى كونها ديمقراطية مستقرة، فإن الحقيقة هي أن أهميتها تكمن في كونها مركزاً متزايداً للنفوذ العسكري الغربي في مواجهة اليمن.
وتدعم مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أيضاً «أرض الصومال» في مواجهة التوسع الصيني في منطقة القرن الأفريقي.
الخطر الأكبر في اعتراف الولايات المتحدة بـ«أرض الصومال» لا يكمن في إغضاب الصومال، بل في إغضاب حلفائها. أصبحت مصر والصومال حليفين مقربين بسبب عدائهما المشترك لإثيوبيا؛ إذ أدى بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى تقليص كمية المياه التي تتدفق في نهر النيل، مما أغضب مصر. وباعتبارها دولة حبيسة لا ساحل لها، وقعت إثيوبيا و«أرض الصومال» مذكرة تفاهم هذا العام تمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر عبر ميناء بربرة. ورداً على ذلك، وقعت مصر اتفاقية دفاع مع الصومال.
وفي العام 2017، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لها في مقديشو، وهي قاعدة «كامب توركسوم»، التي يمكنها تدريب ما يصل إلى 10,000 جندي. وقدمت أنقرة مليار دولار من المساعدات إلى أديس أبابا بين العامين 2011 و2022. وفي المقابل، مُنحت تركيا معاملة تفضيلية في استكشاف النفط. لذلك، ستؤدي مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و«أرض الصومال» إلى تقويض وجود تركيا في المنطقة وطموحها في تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة.
الأسبوع الماضي، جمعت تركيا قادة إثيوبيا والصومال للتوقيع على إعلان أنقرة. ورغم أن معظم بنود الإعلان جاءت غامضة، إلا أنها تُعتبر مع ذلك اختراقاً دبلوماسياً، إذ وافقت إثيوبيا والصومال على احترام وحدة أراضي كل منهما. وبموجب الاتفاقية، ستستمر إثيوبيا والصومال في الحوار بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهما. كما أنها لا تؤثر على وصول إثيوبيا إلى ميناء بربرة في أرض الصومال، لكنها تقلل آمال «أرض الصومال» في الحصول على اعتراف إثيوبي.
اعتراف الولايات المتحدة بـ«أرض الصومال» من شأنه أن يُغضب مصر وتركيا. فمصر ستعتبر الخطوة انحيازاً إلى عدوها إثيوبيا، وتركيا ستراها تهديداً لنفوذها الإقليمي وإنجازها الدبلوماسي. كما أن الولايات المتحدة قد تخسر حليفين لعبا دوراً مهماً في الإبادة التي ترتكبها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين في غزة؛ إذ ترفض مصر فتح حدودها مع غزة، بينما تستمر تركيا في إرسال صادرات حيوية، مثل الفولاذ، إلى «إسرائيل». وقد تعكس الدولتان هذه السياسات انتقاماً من الاعتراف بـ»أرض الصومال».
وطالما استمرت الإبادة الجماعية في غزة والحرب في اليمن، ستبقى «أرض الصومال» لاعباً أساسياً للغرب. اعتراف ترامب بهذه الجمهورية سيوفر الأمن الذي تحتاجه دول مثل الإمارات و»إسرائيل» لمواصلة حملتها العسكرية ضد اليمن، وسيساعد في مواجهة النفوذ الصيني. ولن يكون للصومال مكان كحليف للولايات المتحدة، لكن ذلك سيكون أقل أهمية مع تدهور الوضع الأمني.
مع ذلك، يكمن التحدي الأكبر في موقف مصر وتركيا. فمصر تعتمد على الصومال كجزء من استراتيجيتها لمواجهة إثيوبيا، بينما ترى تركيا في الصومال فرصة لتحقيق طموحاتها النفطية. المفارقة أن اعتراف الولايات المتحدة بـ«أرض الصومال»، والذي يهدف إلى حماية «إسرائيل» من هجمات اليمن، قد يضعُف إذا قررت مصر أو تركيا إعادة النظر في مواقفهما تجاه «إسرائيل».


أيدان ج. سيماردون - موقع (The Cradle)
* العنوان الأصلي للمقالة: الاعتراف بـ»أرض الصومال».. هل يشكل تغييراً جيوسياسياً كبيراً في غرب آسيا؟