«لا» في قلب كارثة ملحان
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا
تقرير - بشرى الغيلي / لا ميديا -
مناظرها الساحرة، وبيوتها المعلقة على قممِ الجبال، وحقولها السندسية الجميلة، صار معظمها أثراً بعد عين، طريق مقطوعة، ومبانٍ معلقة على حافةِ الهاوية ومهددة بالانهيار بأيةِ لحظة، وبشر شردوا من بيوتهم وقراهم، وخدمات شبه منعدمة، ذلك هو المشهد العام الذي خلفته كارثة السيول في مديرية ملحان -المحويت، تعتبر مديرية ملحان منكوبة بالكامل، مع بروز مخاوف واسعة من السدود التي ماتزال معلقة على رؤوس الناس في القرى، وهو ما يتطلب تحركًا سريعًا من السلطة المحلية، لإزالة وتفريغ الخزانات من المياه، إذ ستكون الأضرار وخيمة إذا لم يتم اتخاذ القرار الحاسم ضد الأشخاص الذين لا يقومون بتفريغ خزاناتهم تحسبًا لأي طارئ، وبعد مرور ثلاثة أسابيع من كارثةِ السيول التي حلّت بالمنطقة، فانقطعت الأخبار عن الكارثة ومآسيها، وهنا قامت صحيفة «لا» بدورها الإعلامي المعهود في مشاركةِ الآخرين معاناتهم من خلال تسليط الضوء على سكان مديرية ملحان، ومحاولتها أن تعيد لفت أنظار المختصين ليهتموا بنداءات السكان، وحتى الغياب الإعلامي والصحفي جعل الكارثة مجرد ترند وانتهت صلاحيته، بينما الوضع الإنساني مأساوي هناك عكس ذلك تماما.
قرى معلقة على حافةِ الهاوية
عبده علي جبلي - أحد سكان المنطقة- ينقل المشهد: «قرية العبر هي المنطقة الثانية من حيث الضرر، فقد جرفت السيول كل مداخلها، وهدمت بعض المنازل وأصبح الكثير منها معلقًا وعلى وشك الانهيار في أي لحظة حال حدوث أمطار جديدة على المنطقة..». ويضيف جبلي أن الأهالي وجّهوا نداءات استغاثة منذ حدوث الكارثة ولم تصل إليهم فرق إنقاذ.
ويستطرد: «لا نستطيع العبور بالسيارات والخروج من القرية، وحتى لجان الإنقاذ التي وصلت المنطقة، كلها لا تفي بالغرض».
يختم جبلي: «كذلك عدد من القرى والمناطق التي لم تصل إليها البوكلين (إحدى معدات فتح الطريق) ولشدة الدمار الذي حصل في الخط يحتاج وقتا من ثلاثة أشهر إلى سنة حتى يتم إصلاح الطريق مع العلم أن السيارات التي اعتمدوا عليها في نقل المواد لاتزال محجوزة في رؤوس الجبال بسبب الأمطار التي أدت إلى قطع الطرق ويبلغ عدد السيارات التي جرفتها السيول سبع سيارات..».
خمسة سدود جرفت الأخضر واليابس
مواطن آخر يدلي بتصريحه في وصف المشهد، وهو حسن المذاب، أحد مواطني قرية المذاب بعزلة همدان الذي يقول: «الطريق الرابطة بين القرى التي جرفتها السيول مقطوعة، ونحن الآن محاصرون من دخول السيارات من كل الاتجاهات؛ ففي المذاب انفجرت خمسة سدود متوسطة، فيما سقطت منازل عدة على ساكنيها، حيث جاءت الانهيارات والانزلاقات من قرية الظهاري، وأخذت في طريقها الأخضر واليابس، وقلبت عالي القرية سافلها، بما فيها المدرجات الزراعية».
ويصف المذاب الكارثة التي حلت بهم بالقول: «نحن في القرية لم نشهد ولم نسمع عن حدوث مثل هذه الكارثة في همدان من عشرات السنين، إنّها فاجعة كبيرة ومؤلمة، والصور تبين مدى حجم الضرر الكبير الذي نعيشه، نعاني صعوبة في إحصاء الوفيات والدمار الحاصل؛ لأنّ المنطقة متناثر وبعيدة، وعلى مدى يومين ونحن نحاول الوصول إلى بعض القرى، وقد تم تكليف أشخاص متطوعين من أبناء المنطقة للمساعدة في الإحصاء، حيث نحن محاصرون حرفيًّا، حتى الدابة لا تجد لها مكانًا للعبور من الطريق، وأما الوضع المعيشي فالأهالي يذهبون إلى التسوق من الخميس للخميس، كما جرت العادة، ولكن نحن الآن محاصرون».
خسائر تجارية
أضرار السيول الجارفة وصلت للمحال التجارية وما يعتمد عليه المواطنون في مصدر دخلهم، يتحدث عن ذلك محمد الملحاني (صاحب محل في سوق الولجة): «جرف الوادي دكاكين كل من هائل الشاذلي، ويحيى حريش، ومحمد السياني، والشرزي، كانت تحوي تلفونات وإلكترونيات ومواد غذائية وسلاحًا وخضروات، وتقدر تكلفة الخسائر بنحو 30 مليون ريال يمني».
النزوح إلى المدارس
المواطن علي محمد الملحاني الذي نزح إلى مدرسة النهضة في قرية الظهاري بعزلة همدان، يقول: «ذهبت البيوت، الأموال، المواشي، البيوت معلقة في الجو، الحواجز انفجرت والطريق أصبحت أكثر وعورة إلى درجة أنّ كل شخص يجر الآخر، وحين خرجنا من المحل (القرية) انعدمت المواصلات، والحياة لدينا صعبة جدًّا، نناشد الدولة والناس الخيرين ألا يتركوا هذه المنطقة المنكوبة، وألا يخفت ذلك الاهتمام».
فقدنا أسرنا ومنازلنا
محمد شايع، أحد الناجين برفقة ولديه من سقوط الصخور والانزلاق في قريةِ العبر وبني شايع وجد صعوبة في تعبيره عن الفاجعة: «حسبي الله ونعم الوكيل... وعبر صحيفتكم «لا» أناشد كلا من السلطة المحلية، والدولة، أناشد الجميع النزول الميداني إلى منطقتنا ومشاهدة ما حل بنا، وبلغ عدد الوفيات أكثر من 16 حالة وفاة، وانتشلنا أربعة أطفال من تحت الأرض، والبقية ذهبوا مع الانزلاق، ولم يتم العثور عليهم، ولم يعد هناك زوجة، وبنت، وبيت، ولا علم ولا خبر، الحمد لله على ما أصابنا».
بينما أضاف أحد أبنائه إلى كلامه: «عدنا لبيوتنا آمنين، وخرجنا منها بدون شيء نرتديه، حتى الطعام لم نستطع الحصول عليه، نزحنا هنا في الظهاري، وفروا لنا ملابس، وقدموا لنا المساعدة، أصبحنا بدون منازل ونقود، حتى الأسرة توفي الكثير منهم، ولم يتبق لنا سوى «شخصين» في حين راح ضحية كارثة السيول 16 شخصا مع السيل، وأربعة أطفال تم العثور عليهم تحت الأنقاض».
المساعدات لا تتناسب مع حجم الكارثة
من جانبه تحدث أحمد دحان، مدير فرع الهيئة العامة للزكاة بمديرية ملحان -المحويت لـ«لا»: «بتوجيهات حكومة البناء والتغيير، وزيارة وزير النقل والأشغال العامة محمد قحيم تم تقديم المساعدات للمتضررين واستنفدت جميع الإمكانيات المتاحة، لأن حجم الكارثة أكبر من المتاح، والقيادة السياسية على اطلاع دائم، والكارثة في معظم مديرية ملحان ومنها عزلة المعازبة الأخرى التي لم تسلم من كارثة السيول التي حلت بالمنطقة، فقد تسببت في قطع طريق الإسفلت الذي يغذي خمس عزل في ملحان، وهي: عزلة بني مليك، وهمدان، والعصافرة، وبني علي، وباحش؛ ممّا سبّب معاناة كبيرة للمواطنين، حيث يعتبر المنفذ الوحيد لدخول البضائع والمواد الغذائية التي يقوم بشرائها المواطنون عبر التسوق في أسواق مديرية باجل التابعة لمحافظة الحديدة ومنطقة الكدن».
ويضيف دحان أن ما تم تقديمه من المواد الغذائية والطعام لا يكفي مع حجم الكارثة، التي تتطلب أن تكون المساعدات بما يتناسب معها، و»نريد المساعدة من كل من يهمه الأمر، سواء الجهات الرسمية والمسؤولين أو أصحاب الخير، والمنظمات الإنسانية، وكل من يحمل في قلبه ذرة من رحمة».
ختم دحان أنه في المنطقة (سوق الولجة)، وهو أحد الأسواق الشعبية، يقصده المواطنون من قرى وعزل مديرية ملحان، مرتين في الأسبوع، يومي الأحد والأربعاء، ويأتي إليه الباعة من أنحاء تهامة، يعرضون بضائعهم، وفي المقابل يعرض أهالي ملحان منتجاتهم من الموز والقات والحطب والبن، إضافة إلى قسم مخصص لبيع الأسماك وآخر لبيع الأغنام، و«كل ذلك جُرِف بواسطة السيل الذي دخل السوق بعد أن جرف العبّارات في منطقة بطاش، وبعض مزارع الدجاج، وتسبب بأضرار في الممتلكات، ومنها جرفُ أربعة دكاكين لبيع المواد الغذائية والإلكترونيات، وعدد من سيارات المواطنين داخل السوق».
وفي أحدث بيانات إحصائية للكارثة التي أدت إلى تضرر نحو 1300 أسرة، وتدمير 28 منزلًا بالكامل، ونزوح 300 أسرة، إضافة إلى أكثر من 216 رأسًا من الماشية والأبقار في عزلة همدان، في حين دمرت السيول الطريق الرئيسية بمسافة تقدر بأكثر من 18 كيلومترًا مربعًا.
نداء استغاثة
وضمن سياق هذا التقرير الخاص تحدث لصحيفة «لا» الشيخ عبدالله أحمد المذاب، شيخ عزلة همدان بمديرية ملحان بالقول: «برغم دعوتنا واستغاثتنا للدولة، ولمن في قلبه مثقال ذرة من رحمة أو إنسانية، لم تتم الاستجابة إلا بمعدة واحدة، وهي «بكلين» لهمدان كلها، ولها ثلاثة مداخل: مدخل بني جريش، رباط شعر، ومدخل من عزلة هباط، ومدخل من المعزبة سوق الولجة باب الشاوري، رباط علي جوف والظهاري، ولازال البكلين في نصف الطريق، ومازالت بعض القرى محاصرة، وقد وعدتنا الجهات المختصة أثناء الحادثة، أنها ستوفر لنا أربع قطع، وللأسف حتى اللحظة لم تصل أي قطعة سوى البكلين الذي لايزال في نصف الطريق».
وأكد الشيخ المذاب أن عزلة همدان وبعض القرى وهي جحشر، ومحلاتها والمصنعة ومحلاتها، ورباط علي جوف والمذابين، والظهاري، لم تصلهم أي مساعدة من الجهات التي وصلت مساعداتها لبعض العزل والقرى، التي تضررت بالكامل وانجرفت مزارعهم، وخزاناتهم، وتهدمت منازلهم، وتشققت البعض منها، و«إلى حد الآن ماتزال عزلة همدان محاصرة من كل مداخلها، وكذلك انعدام الدواء، والغذاء».
وختم الشيخ المذاب بتوجيه دعوته عبر صحيفة «لا» للجهات المختصة، والخيرين، لفك حصار عزلة همدان مديرية ملحان، بفك الطرقات والمرافق الخدمية.
أخيراً، نخلص إلى القول بأن المنطقة بحاجة إلى اهتمامٍ مكثف حتى تستعيد حياتها الطبيعية، وأثناء إعداد هذا التقرير وتواصل صحيفة «لا» مع سكان الأهالي المنكوبين، والمتضررين كانوا كالغريقِ الذي يمسك بقشّة، بمعنى أن من يسألهم عن أوضاعهم لوصف المأساة ونقلها للرأي العام، ظنوا أننا بصدد تقديم مساعدات لهم، وحاولنا إقناعهم وتوضيح دورنا الذي يقتصر فقط على نقلِ معاناتهم، وإسماع الجهات المختصة نداءاتهم، واستغاثاتهم.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا