بينما روسيا وإيران تعززان أوراقهما في المنطقة... بروفة تركية أمريكية للانسحاب من سورية
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا
دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
يشهد الميدان السوري تطورات متسارعة بعيدة عن الأضواء، عناوينها بدء الانسحاب العملي لتركيا من الأراضي السورية، وزيادة إمساك روسيا بالملفين السوري والتركي، والتصعيد الإيراني الروسي في وجه أمريكا.
وفي آخر هذه التطورات، تركيا بدأت عملياً بتنفيذ خطوات عسكرية وسياسية مطلوبة منها لتحقيق المصالحة مع سورية، والانسحاب من الأراضي التي تحتلها، سواء بشكل مباشر أو عبر المجموعات التي تعمل بإدارتها وأمرتها في مناطق شمال سورية.
ففي إسطنبول، عقد وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، اجتماعاً مع قادة المعارضة السورية ضم رئيس الائتلاف هادي البحرة، ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، ورئيس ما يسمى الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى.
وخلال الاجتماع، أخبر فيدان المجتمعين بأن ملف المعارضة السورية أصبح بيد موسكو، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تقارباً سورياً تركياً، برعاية روسية، وأنهم ليس لهم أي مصلحة بالاصطدام مع الدولة السورية.
وفي الميدان العسكري، قامت تركيا خلال الأيام القليلة الماضية بتفكيك وسحب آليات ومعدات عسكرية وتجهيزات لوجستية، من مناطق في عفرين ومناطق أخرى شمال حلب.
كما تم إنشاء قاعدة عسكرية سورية روسية في بلدة عين العرب (كوباني) شمال حلب، القريبة من الحدود التركية، وتقع خلف خطوط ما يسمى الجيش الوطني والمجموعات المسلحة التي تديرها تركيا.
هذه التطورات جاءت بتوافق روسي تركي، بهدف حل عقدة المخاوف التركية من موضوع الحدود، ومطالبتها بتعديل اتفاق أضنة حول أمن الحدود بين البلدين، ورفض الجانب السوري أي تعديل للاتفاق، وبقاء هذه النقطة وحيدة تعرقل الوصل إلى تفاهمات تركية سورية بشكل نهائي.
وتم الاتفاق على أن تقوم سورية وروسيا بتسيير دوريات مشتركة على الحدود السورية التركية، على أن تسير تركيا دورياتها ضمن أراضيها.
كما تشير الوقائع الميدانية إلى أن نقطة عين العرب ستكون نقطة انطلاق القوت السورية والروسية للسيطرة على كامل منطقة شمال حلب، فور الانسحاب التركي منها. وهناك معلومات تؤكد أن هذه القوات ستدخل قريباً، وبالتنسيق مع تركيا، إلى مدن منبج والباب واعزاز، وهذا يعني السيطرة على كامل المنطقة من حلب وصولاً إلى الحدود التركية شمالاً، وهذا سيؤدي إلى قطع خطوط التواصل بين مناطق سيطرة قوات «قسد» في مناطق شرق الفرات ومدينتي عفرين وعين العرب، ومناطق سيطرتها شمال حلب.
الملاحظ أن هذه التطورات ترافقت مع الأحداث المتسارعة التي وقعت في مناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها القوات الأمريكية بالتعاون مع مليشيا «قسد» العميلة، حيث شنت قوات العشائر، الموالية للدولة السورية وتتلقى دعما مباشراً من إيران، هجوماً واسعاً على قوات «قسد» في أرياف دير الزور، وتمكنت من السيطرة على مواقع ومناطق واسعة تقع تحت سيطرة «قسد»، ووصلت حتى حقل العمر النفطي، حيث توجد واحدة من أكبر القواعد الأمريكية غير الشرعية في سورية.
وكان لافتا أن قوات العشائر شنت الهجوم بدون أي حساب للموقف الأمريكي واحتمالات الرد، رغم أنها أصبحت على تماس مباشر مع الجنود الأمريكيين.
كما لوحظ أن «قسد» وجهت عدة نداءات للقوات الأمريكية للتدخل، لكنها لم تستجب لنداءاتهم، بخلاف المرات السابقة، التي كان فيها الأمريكيون ينجدون قوات «قسد» عند أي هجوم، ولم تتحرك القوات الأمريكية إلا عند وصول قوات العشائر إلى حقل العمر النفطي، وهذا التدخل لم يكن لنجدة «قسد»، وإنما لمنع سيطرة قوات العشائر على كامل الحقل، وكان واضحا أن الأمريكيين كانوا حريصين على عدم سقوط ضحايا من العشائر.
هذه التطورات المتسارعة اعتبرها المراقبون بروفة أولى للانسحاب الأمريكي من سورية، وهذا سيترك «قسد» لمصيرها، كما حصل خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مع توقعات بأن يتم هذا الانسحاب قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية.
«قسد» يبدو أنها قرأت الرسالة الأمريكية جيداً، بأنه لا مستقبل لهم في المنطقة، وأن الأمريكيين لن يدافعوا عنهم، وهو ما عمق الانقسام داخلها بين جناح يؤيد التوصل إلى اتفاق مع دمشق، يرأسه قائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، وجناح متشدد لا يزال يكابر في القبول بتفاهم مع دمشق، ويرأس هذا الجناح المسؤولة السياسية لـ«قسد» إلهام أحمد، وقائد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، صالح مسلم، المرتبط مع قيادة كردستان العراق. لكن هذه التطورات دفعت قيادة «قسد» لمحاولة التواصل مع القيادة السورية، والطلب من مظلوم عبدي فتح حوار مباشر لترتيب أمورها مع دمشق من الآن.
ما يجري لا يمكن فصله عن التطورات داخل فلسطين المحتلة، والرد من محور المقاومة على اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في طهران والقيادي في حزب الله فؤاد شكر وضرب الحشد الشعبي في موقع جرف النصر في العراق، وقبلها ضرب ميناء الحديدة اليمني، فالعشائر المؤيدة للدولة السورية، التي هاجمت مواقع «قسد» وأصبحت على تماس مع القواعد الأمريكية وتتلقى التأييد القوي من إيران، وزعت بيانا قالت فيه إن ما جرى هو الجولة الأولى من معركة تحرير المنطقة من «قسد»، ويعدون العدة للجولة الثانية، وهدفها إخراج «قسد» من كامل ريف دير الزور.
القوات الأمريكية قرأت ما جرى وبيان العشائر بأنها المعنية فيه قبل «قسد»، ويضع قواتها أمام تهديد حقيقي ومباشر، وفي وقت حرج وغير مناسب لها، مع عدم وجود مصلحة لها بالتصعيد مع إيران، ومع محاولتها تخفيف التوتر في المنطقة.
كما أن ما يجري مرتبط ارتباطاً مباشراً بالملف الأوكراني، حيث روسيا، التي يهمها تطويق أمريكا في منطقة غرب آسيا وتوريطها، التي تعتبر خط التماس الأول للدفاع عن أمنها القومي، أصبحت تمسك بمعظم أوراق الملف السوري، وأصبحت أقرب إلى تركيا من الولايات المتحدة، وسارعت لتسليم إيران معدات عسكرية متطورة، منها منظومة دفاع جوب من طراز (إس 400)، وتهديد بوتين بتسليح كل من يعادي الولايات المتحدة، والرد الأمريكي على ذلك بزيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ومساعدتها في الخرق الذي قامت به في منطقة كورسك الروسية.
رغم كل هذه التشابكات وتعقيداتها، يمكن تسجيل أن الملف السوري يسير إلى مزيد من الانفراج، مع جدية أنقرة في الانسحاب من سورية، وتقديمها كل ما هو مطلوب منها لتحقيق المصالحة مع دمشق، ومع زيادة المؤشرات إلى قرب الانسحاب الأمريكي، وهذا يؤكد أن سورية مقبلة على تطورات هامة تعطي محور المقاومة المزيد من النقاط في صراعها الشرس مع العدو الصهيوني الأمريكي، ويزيد مراكمة انتصارات هذا المحور.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا