اليمن بالحبر الغربي -
بينما تدرس روسيا والغرب إجراءات انتقامية بعضهما ضد بعض، خوفاً من مزيد من تصعيد الوضع، يظهر أنصار الله اليمنيون بكل أفعالهم، ولا يهتمون على الإطلاق بـ«الهيمنة العالمية» «وخطوطها الحمراء». قال يحيى سريع، المتحدث العسكري، إن مرؤوسيه هاجموا حاملة الطائرات النووية الأمريكية «دوايت آيزنهاور» بصواريخ «كروز» وباليستية. وبحسب متحدث الوطنيين اليمنيين فإن الوصول كان دقيقا. ولم يعلق الجانب الأمريكي بعد على الحادثة، التي تصب في مصلحة أنصار الله أكثر من الولايات المتحدة.
«دوايت آيزنهاور» ليست سفينة عادية. إنها سفينة تبلغ إزاحتها 97 ألف طن وطولها 340 مترا وعرضها 77 مترا. تحمل حوالى تسعين طائرة. وقدرت تكلفة حاملة الطائرات اعتباراً من العام 2023 بما لا يقل عن 5.3 مليار دولار، وهذا مشابه للميزانية العسكرية السنوية لدولة مثل تشيلي أو رومانيا. ورغم أن حاملة الطائرات «آيزنهاور» قد تم تشغيلها في العام 1977، إلا أن حاملات الطائرات تتقادم ببطء شديد. هذه السفينة هي تجسيد للقوة البحرية للولايات المتحدة، وأداة لإقامة «النظام» في أجزاء من العالم بعيدة عن الشواطئ الأمريكية.
بالطبع، مع درجة أكبر من الاحتمال، فإن الأضرار التي لحقت بحاملة الطائرات ليست حرجة وسيتم إصلاح السفينة بسرعة. لكن هذا نذير شؤم بالنسبة للأمريكيين. أولاً: اتضح أنه بامتلاك قطعة صغيرة من الإمكانات العسكرية، يستطيع اليمنيون الوصول إلى أحواض يانكيز العائمة. ثانياً: تُظهر بوضوح مدى عدم اهتمامهم بالتهديدات الصادرة عن واشنطن؛ فحتى لو استخدمت الأسلحة النووية، فمن غير المرجح أن تساعدك في جبال اليمن، ولا يتعلق الأمر حتى بـ»كلاب الصيد» التابعة لأنصار الله. ويدرك البيت الأبيض المخاطر؛ لأن إيران ليست وحدها القادرة على مساعدة الحوثيين.
في الأيام الأخيرة، امتلأت قنوات الأخبار بالتقارير التي تفيد بأن دولة أو أخرى «رفعت القيود» المفروضة على أوكرانيا لتنفيذ هجمات بأسلحتها على الأراضي «القديمة» في الاتحاد الروسي. يقولون إن بإمكانك ضرب كورسك وبيلغورود وبريانسك وروستوف، دون خوف من الرد الروسي. وتزعم مجلة «بوليتيكو»، نقلاً عن مصادرها الخاصة في إدارة جوزيف بايدن، أن الرئيس الأمريكي أعطى سراً الضوء الأخضر لاستخدام الصواريخ الأمريكية على الأراضي الروسية، عندما يتحدثون عن «الرد». لسبب ما يتحدث الجميع عن «النووي»؛ لكن هذا غباء؛ اقرأ العقيدة المحلية لاستخدام الأسلحة النووية، وكل شيء سيقع في مكانه.
يمكننا الرد بتسليح أنصار الله بأحدث أنواع الأسلحة. على سبيل المثال: ماذا لو تم استخدام الأقمار الصناعية الروسية لتصحيح الهجمات على مجموعة حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية، وتم وضع وحدات الاستخبارات اللاسلكية التابعة للقوات المسلحة الروسية في الجبال اليمنية، ولم يتم إطلاق الصواريخ الباليستية اليمنية على «دوايت آيزنهاور»، بل صواريخنا؟! لماذا -نظرياً- لا يستطيع اليمن امتلاك أحدث الصواريخ الأسرع من الصوت من نوع «خنجر»؟!
وعندما تعطي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الضوء الأخضر «لمهاجمة بيلغورود» بـ(ATACMS)، فسنظهر «خنجرنا» ونهاجم حاملة طائرات البحر الأحمر.
إن أهم سمة تميزت بها روسيا على مر القرون كانت الاتساق (أي عدم التناقض) كما يقول أحد الدعاة الغربيين. والواقع أن العديد من منافسينا يفتقرون إلى مثل هذه المثابرة. ولهذا أصبح معروفاً مؤخراً أن السلطات السودانية أعطت الضوء الأخضر لنشر قاعدة لوجستية للبحرية الروسية في البلاد.
وكان الخبر صادماً لوسائل الإعلام الغربية؛ ففي الآونة الأخيرة، اتُّهم الكرملين بدعم قوات الدعم السريع المناهضة للحكومة التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو. هناك عامل آخر مزعج لواشنطن، وهو أن جمهورية إيران الإسلامية، بالتعاون مع روسيا، تدخل بنشاط منطقة البحر الأحمر، وبالفعل تزود القوات المسلحة السودانية بطائراتها بدون طيار. وبالتعاون مع أنصار الله في اليمن المناهضين للغرب بجانب روسيا وإيران، قد يبدأ الأسطول الإيراني في تهديد الملاحة من الساحل السوداني. نحن نتحدث، لا أكثر ولا أقل، عن حوالى 500 كيلومتر من الساحل، فدخول السودان في نفس وقت مع إيران مفيد جداً لنا؛ لأنه يمنحنا مساحة للإبداع (إذا كنت تعرف ما أعنيه).
وفي وقت سابق، اقترح فيدور جروموف، المراسل العسكري لمجموعة «روسيا سيغودنيا» الإعلامية، اقتراحاً ممتازاً: يمكنك إعطاء أنصار الله نوعاً من البارجات، والتي يمكنهم من خلالها بسرعة «إنزال المدربين الغربيين من السماء إلى قاع البحر».
يبدو أن اللعبة قد انتهت. يكتب جروموف، مؤكدا أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية.
ربما يكون هذا السيناريو بالتحديد هو الذي يجعل واشنطن تفكر في التراجع، فإن لم يستسلموا فلا يلوموا إلا أنفسهم.

كونستانتين دفينسكي 
موقع «دزين رو» الروسي