دمشق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
عقد حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية مؤتمره العام، وانتخب الأمين العام للحزب، وقيادته المركزية، واللجنة المركزية.
المؤتمر حظي بمتابعة وترقب من المجتمع السوري، لكي يقرأ عناوين المرحلة المقبلة، خاصة وأن سورية تمر بظروف صعبة جدا، على كافة الصعد، وهناك صراع مرير على هوية سورية الوطنية والقومية، فكان المؤتمر المؤشر إلى المرحلة المقبلة.
ما ميز هذه الدورة من مؤتمر البعث أنه لأول مرة يعتمد الانتخابات الديمقراطية لإيصال أعضاء المؤتمر العام للحزب، ثم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية (برلمان الحزب) ثم أعضاء القيادة المركزية (قيادة الحزب).
أسفر عن الانتخابات تجديد انتخاب الرئيس بشار الأسد أميناً عاماً للحزب، وطال التغيير معظم أعضاء المؤتمر العام، وكل أعضاء القيادة المركزية، وهو ما أعطى قيادة أكثر شباباً وحماساً للعمل الحزبي والوطني، وهو ما يعول عليه في المرحلة المقبلة، ويأمل منه غالبية المجتمع السوري تعاملاً جديداً، ومقاربة غير تقليدية، وخاصة في القضايا الداخلية.
وبموجب نظام الحزب، الذي اتخذ في المؤتمر الماضي، يعتبر رئيس الحكومة، ورئيس مجلس الشعب، حكماً، عضوين في القيادة المركزية، وبالتالي فأي تغيير يطال المنصبين مستقبلاً سيعني دخول من يشغل المنصبين في القيادة المركزية.
كما اتخذ قرارا بفصل القيادة الحزبية عن المسؤولية الإدارية في الحكومة (باستثناء رئيسها) وفي بقية المناصب، في الإدارة العامة، وفي المحافظات، بهدف تميكن الحزب من أخذ دوره في تحديد السياسات العامة للحكومة، التي سيكون مهمتها تنفيذ هذه السياسات.
أبرز فعاليات المؤتمر كانت الكلمة التي ألقاها الرئيس الأسد، وتميزت بعناوين ومواقف واضحة ومهمة جداً، حدد فيها مواقف سورية، والخطوط العامة للسياسات السورية، الداخلية والخارجية.
فقد أكد الرئيس الأسد أهمية دور الأحزاب العقائدية اليوم، كما هو حال حزب البعث، في ظل "الحروب ذات الطابع الثقافي"، وبروز العقائد المتطرفة، كالنازية الجديدة، والليبرالية الحديثة، والتطرف الديني.
وفي الوضع السياسي، أكد الرئيس الأسد أن العنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، "وأبرز ما فيه عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق، منذ نشأة هذه القضية في عام 1948، فاليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم، وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم".
وأكد الرئيس الأسد أن "الحرب على غزة فضحت دعاة الاقتداء بالغرب في عالمنا العربي، وفي سورية". وأضاف: "لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، موقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية، ولم يهتز للحظة أو ظرف، ولا أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، بكل الظروف التي مرت بها سورية".
وشدد الرئيس الأسد على موقف سورية الثابت من الصراع العربي الصهيوني، "فلا شيء يبدل موقفنا أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه، ضمن إمكانياتنا، للفلسطينيين أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني، سنقوم به دون أي تردد".
وحول المقاومة، قال الرئيس الأسد: "موقفنا من المقاومة، وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم، أو ممارسة، لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن فلا يستحق وطناً بالأساس، فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان، وربما بالقوة، وأحياناً بالوجود، أو الكينونة، لكن إلى حين".
واستفاض الرئيس الأسد في الحديث عن التداعيات الناجمة عن التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، وعن انكشاف كذب السياسات الغربية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، وقال: "عندما نرى القمع الوحشي، الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية، ومثلها في فرنسا وألمانيا... هذا القمع الوحشي وغير المسبوق، الذي نراه، يُعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام".
كما استفاض الرئيس الأسد في تشخيص الوضع الداخلي، وضرورة الاهتمام بمختلف شرائح المجتمع، وأكد أن "رؤية الحزب المقصود فيها كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه المواطنين، بمختلف القضايا والقطاعات، وتأتي السلطة التنفيذية لتحويل هذه الرؤية إلى برامج تنفيذية، والعنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً وبالنسبة لكل المواطنين في سورية، هو الوضع المعيشي".
تبرز أهمية المؤتمر من أنه سيكون فاتحة لسلسلة من الاستحقاقات في مجال السياسة الداخلية في سورية، حيث سيتبعها تشكيل حكومة جديدة، وانتخابات مجلس الشعب، والإدارة المحلية، وصولاً إلى انتخابات الرئاسة، في العام 2028.
يضاف إلى ذلك، التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، ووجود سورية في قلب وجوهر هذه الصراعات، بما تحتله من موقع جيوسياسي يجعل الصراع فيها وعليها شرساً جداً، باعتبارها بلداً مفتاحياً ومؤثراً في كل هذه الصراعات، وهو ما يجعلها في قلب العاصفة، وتتطلب الكثير من الحكمة والحنكة، في إدارة هذا الصراع، والمحافظة على هوية سورية الوطنية والقومية، حتى تبقى محافظة على دورها ووجودها كبلد مؤثر في المنطقة، وفي الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وهو الدور الذي عرفت به على مدى تاريخها.
هذا يعني أن سورية، شعباً وقيادة، أمام ثلاث سنوات حافلة بالنشاطات المحلية، وتحمل الكثير من التحديات، وسيكون تأثيرها ليس فقط على الساحة السورية الداخلية، وإنما على كامل المنطقة، والصراعات التي تعصف بها، والهدف ليس فقط هوية سورية، وإنما هوية كامل المنطقة، وتوجهاتها ومساراتها، وفي أي اتجاه تسير، وهل ستبقى خاضعة لإرادة القوى الخارجية، وتحديدا تحالف قوى الاستعمار الغربي، أم أنها ستكون لأول مرة في تاريخها الحديث أمام فرصة لانتصار قواها الوطنية والمقاومة، التي ستجعل منها دولا تمتلك إرادتها، وتسيطر على ثرواتها، وتكون أساساً لمفهوم جديد للأمن القومي العربي، ويؤسس لنهضة عربية تكون سورية أساسها وفي قلبها.