قاضي الملاعب السابق قيس العماري يكشف المستور لـ«لا الرياضي»:لجنة الحكام منذ عهد الأشول إلى يومنا هذا محسوبيات ومناطقية وتوريث
- تم النشر بواسطة أنور عون / لا ميديا

حاوره:أنور عون / لاميديا -
عشق التحكيم إلى أبعد حدود العشق، وانخرط في هذا المجال ومارس هوايته ورغبته في إدارة مباريات كرة القدم كحكم جريء ومتحفظ سنوات امتدت 14 سنة، ونجح في إشباع رغبته التحكيمية، ولم ينسَ في الوقت ذاته مستقبله العلمي ونجح فيه إلى حد كبير.
التقيناه وحاورناه مصادفة، فتحدث بصدق ودون تحفظ، وشخّص علل التحكيم بشفافية.
إليكم تفاصيل الحوار الشيّق والجريء مع الحكم الكروي السابق قيس محمد علي العماري.
كابتن، لنبدأ من دوافع اختيارك لمجال التحكيم...؟
- عشقت التحكيم إلى درجة غير عادية، وكنت أقوم بالتحكيم في مباريات الحواري والمدارس.
طبعاً لم أستمر، واتجهت للدراسة والتحكيم، وكانت بدايتي عام 91، وكنا نتسلم 150 ريالاً أجور تحكيم وتنقل بين المحافظات، حتى موسم 2014 وصلت أجور الحكم إلى 8 آلاف ريال.
أي أنك عاصرت اتحاد علي الأشول واتحاد القاضي (رحمهما الله) وصولاً إلى اتحاد العيسي. كيف كانت رحلتك التحكيمية خلالها؟
- رحلة مليئة بكل متناقضاتها. بداية جدية وأجواء رائعة، كنت فيها متحمساً وطموحاً إلى أبعد الحدود، وحريصاً على خدمة رياضة وطني بكل أمانة، لاعتقادي بأن "لكل مجتهد نصيب"، وكل واحد سينال ما يريد، وفق معايير متعارف عليها: الكفاءة، الاجتهاد، التعامل بصدق، القدرات، والأمانة في الملعب عند تأدية الواجب؛ لكن السنوات دارت بمتعرجات واختلال تحكيمي بشكل عام.
هل بالإمكان أن توضح الصورة أكثر؟
- منذ بداية مشواري إلى يومنا هذا والخلل التحكيمي يتكرر عاماً بعد آخر؛ لأن معظم القائمين على لجنة الحكام لم يتغيروا، هم الأشخاص أنفسهم يتداولونها مع كل الاتحادات، ولذلك تستمر حكاية الاختلالات، الفاشل يأتي قبل الناجح، لا يوجد معايير للاختيار، مش مهم المؤهلات البدنية والدراسية. نعم، حدث مثل هذا ويحدث في أوقات كثيرة. حتى المراقبون فإن السواد الأعظم منهم لا يفهمون قانون كرة القدم، باستثناء بعض الحكام الدوليين السابقين، بل إن منهم من لا يستطيع كتابة تقرير عن المباراة، والبعض يتلقى معلوماته من المدرجات!
أليس في هذا قسوة على لجنة الحكام؟
- أبداً، هذه حقائق عشتها، فأنا داخل مجال التحكيم على مدى 14 سنة. رأيت وعشت أشياء محزنة جداً في معظم مراحل لجنة الحكام، كانت تصدع بها رؤوسنا بأساليب مختلفة: صاحب تعز يدعم ابن محافظته، صاحب الحديدة يأتي ويفعل المثل، صاحب عدن يكرر الأسلوب نفسه... طغت المحسوبية والمناطقية في أوقات كثيرة على حساب كفاءة الحكام، وعلى حساب التحكيم في الوقت ذاته.
وأزيدك من الشعر بيتاً: في لجنة الحكام تجد الرئيس يدعم ابنه، والمراقب يفعل بالمثل... أصبح الأمر وراثياً، وعلى حساب الدكفاءات ، وهذا الأمر يحدث من زمان إلى يومنا هذا.
تحدثت بشكل عام، فماذا عنك أنت؟ هل واجهتك مواقف موجعة داخل البيت التحكيمي؟
- كثيرة؛ لكني سأوجز لك الأهم باختصار، وتتعلق بشراء الذمم من قبل بعض المراقبين. تخيل أنك تدير المباراة بأمانة وحيادية مطلقة، فتجد المراقب بعدها يبيعك بـ"عشوة"، وقد تم مثل هذا في منزل أحد الشخصيات، ولا داعي للدخول في التفاصيل، لأنها ستوجع كثيرين، وكل واحد يعرف إخطاءه الفادحة.
طبعاً هذا إلى جانب أن بعض المراقبين لا يفهمون قانون كرة القدم، وهي مصيبة، بينما تجد لاعباً من السبعينيات يصبح مراقباً لحكم تأهيله مواكب للعصر. وهنا الكارثة؛ لأن المراقب عقليته واقفة عند حقبة الستينيات والسبعينيات ومفاهيم قوانينها الكروية.
قلت سابقاً إن كثيراً من السلبيات ما تزال حتى الآن، هلا توضح ذلك؟
- حسناً، سأحكي لك نقطتين هامتين: خضت مع مجموعة من الحكام مؤخراً دورة مقسمين مراقبين للحكام، وللأسف وجدت النتائج كما هي؛ ما تزال الشلليات مسيطرة.
النقطة الثانية تكمن في دورة الحكام التي أقيمت قبل الدوري الحالي، معلوماتي المؤكدة تفيد بأن مجموعة من الحكام فشلوا في الدورة، وآخرين نجحوا، والمفاجأة المدوية أن بعض الذين فشلوا مُنحوا الشارة الدولية. ألم أقل لك: "ديمة وخلفنا بابها"؟!
برأيك، هل الحكام مظلومون؟
- الكثير منهم مظلومون، ويكفي النظر إلى أحوالهم. انظروا إلى أدواتهم، ملابسهم... ستجدون أنها من أردأ الماركات، الأحذية غير مناسبة للملاعب، الأجور زهيدة، وإذا وقف النشاط اضطر كثير منهم إلى بيع أدواته الرياضية. ولهذا أنصح زملائي الحكام الذين تربطني بهم علاقة حب وإخاء في كل محافظات الجمهورية ألا يعتمدوا على الرياضة فقط، وأن يعملوا على تأهيل أنفسهم علمياً، حتى لا تسوء أحوالهم عند توقف الأنشطة.
وإذا سألناك عن أبرز قادة لجنة الحكام، وعن أفضل حكم عاصرته؟
- محمد سنهوب كان متميزاً؛ قوة شخصية، ناجحا، كفاءة، كاريزما، مستقيم في حكمه.
لكن طالته بعض الانتقادات...؟
- من وجهة نظري كان هو الأنجح، والحكم الفاشل الذي تضررت مصالحه هو من انتقده!
أما أبرز حكم فهو مختار صالح. قدراته أهلته لكي يصبح من أفضل المحاضرين الدوليين. ورغم ذلك تجد من يحاربه، حتى لا يستفيد الحكام من خبراته.
وكيف ترى إقامة الدوري على مجموعتين؟ هل أنت مقتنع بهذه الطريقة؟
- نعم، مقتنع جداً، ففي ظل هذه الظروف تخفف الأعباء والتكاليف، إلى جانب أنها تبعد الرياضي عن المناطقية. كما أن استمرار الدوري تحت أي ظرف أمر مهم للرياضيين من شتى النواحي.
بعد مشوراك التحكيمي، كيف هي علاقاتك بزملائك الحكام؟
- أكثر من رائعة، في عموم محافظات الجمهورية. لكن أعتب على البعض الذين ما يزالون بعقليات "الحشوش" على زملائهم في ظهر الغيب، أقول لهم: لنرتقي قليلاً، ولنترك تلك العادة السيئة.
طبعا أنت أب لأربعة أولاد، هل ترى في أحدهم ميولاً رياضية؟
- أبداً. وبدوري أبعدتهم عن المجال الرياضي؛ لأنه مقبرة للمواهب وضياع للمستقبل في بلادنا. يكفي عشقي "الأهبل" للتحكيم، الذي أعاقني عن دراساتي العليا.
كلمة أخيرة تود طرحها...؟
- أتمنى من الله عز وجل أن يصلح أحوال بلادنا، ونعود أفضل مما كنا، ويصلح نفوسنا.
أتمنى التوفيق لكل رياضي حقيقي يعمل بتفانٍ، ولكل إداري يعمل بضمير، ولكل إعلامي يكتب بتجرّد بعيداً عن الانتماءات الضيقة. وأتمنى من كل رياضي عفا عليه الزمن أن يحترم تاريخه ويبتعد عن الفتن بين الحكام.
وفي الأخير أشكر صحيفة "لا" والقائمين عليها.
المصدر أنور عون / لا ميديا