جمعها: علي عطروس / لا ميديا -

منذ سنتين تشن مملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض المعروفة باسم عائلتها الحاكمة خلافاً لما هو معتمد في مختلف البلاد التي يظل اسمها التاريخي هو اسم دولتها فلا يلغيه نسب من ساقه التآمر الدولي بحكمها حربا وحشية غير مبررة ولا أسباب لها غير الأحقاد والأطماع والسيطرة على اليمن.
طلال سلمان، 2017


طلال سلمان:هل ذهب عمري هدراً؟!

«إلى اللقاء! ما أسرع السنين! ما أبطأ الأيام! 
ما أطول النهارات! ما أقصر الليالي! 
ما أقسى العيش! ما أمتع الحياة! 
ما أعظم الحرية! 
ما أحط القمع والعسف والاستكانة والاستسلام! 
ما أمر الاحتلال!
ما أشرف المقاومة! ما أتفه الـ»نعم»! 
ما أكرم الـ«لا» مجلجلة وجليلة في وجه الظالم والمهيمن والطاغية  والمحتكر والمغتصب والمستغل والطائفي والدخيل!».

وأنا أواكب تفاعله مع المقالات التي نُشرت عشية قراره إغلاق “السفير” في آذار/ مارس 2016، “هل قرأتَ ما كتبه فلان؟” سألتُه وأنا أشير إلى مقال يبدي فيه صاحبه أسفه لأن “السفير” ستتوقف عن الصدور، منتقداً، في استعراضه لتاريخ الجريدة، أداءها خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). أجاب: “قرأته، واتصلت بكاتب المقال شكرته، برغم قراءته الظالمة”.
هذا ما جعله يعلن استسلامه مع قراره إغلاق “السفير” في نهاية العام 2016: “لا يمكنني أن أقاوم اغتراب المجتمع عن ذاته. يصعب عليّ أن أقرّ بأن هذا الواقع القائم الآن هو الحقيقة الباقية والخالدة إلى الأبد”.
تدرّج من أسفل السلم، من محرّر تحت التمرين، إلى مصحح، إلى محرّر، إلى محقق، إلى سكرتير تحرير، إلى مدير تحرير. هذا مهنياً. أما سياسياً، فقد ساهمت نشأته في منزل والد دركي، يتنقل في إقامته بين المناطق اللبنانية، في إبعاده عن الطائفية. كانت كلمة “متوالي” تلاحقه في المدارس التي تعلّم فيها، بما أنه الشيعي الوحيد فيها. “الآخرون، في سلوكهم معي آنذاك، كانوا أصحاب فضل. كبرت لا طائفياً فعلاً، وكبرت من دون مشاكل. أن تكون غريباً يعني أن تكون مؤدباً، أن تنتبه لتصرفاتك مع الناس. يعني بالمسار الطائفي الذي واجهته، صرت أكره الطائفية. هذا قبل الأيديولوجيات. عرفت باكراً أن الطائفية معادية لكرامتي كبني آدم”.
كانت “السفير” تتحضر للولادة في ظلّ ظروف سياسية توحي بالقدرة على النصر. فقد كانت مناخات حرب 1973 لا تزال تخيّم على الوطن العربي، “ورغم فجيعتنا بالانسحاب المصري من الحرب، إلا أننا شهدنا نصراً يتحقق، وتأكدنا أنه يمكن لجيشين عربيين أن يشتركا في معركة ضد العدو الصهيوني وأن يحققا انتصارات، أي أن هناك قدرة الإمكان”. ومع الإيمان بهذه القدرة، خاضت “السفير” معركتها إلى جانب المقاومة منذ اليوم الأول لانطلاقها، “خصوصاً أن الوجود الفلسطيني في لبنان كان لا يزال يقدّم وجهه الأفضل، وجه المناضلين المتوجهين إلى فلسطين”.
محلياً، كان لبنان يعيش حيوية سياسية. “كان هناك أمل. كان هناك أمل بالإصلاح في ظلّ وجود حركة وطنية معافاة إلى حدّ ما، وحركة نقابية مهمة، وحركة طلابية ممتازة، التقوا جميعهم في “السفير”. يعني كان هناك جوّ من النهوض إذا أردنا أن نسميه كذلك لمجموعة من الأسباب، سواء الأسباب المطلبية، أو الأسباب السياسية ذات العلاقة بقضية فلسطين، أو ترسّبات ما تبقى من حرب 73”. يحكي سلمان عن مناخ مشجّع يعطي أملاً. وقد اعتبرت “السفير” أنها جريدة هؤلاء الناس بمطالبهم، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى القومي العربي. وهذا ما عبّرت عنه بشعارَيْها: “صوت الذين لا صوت لهم”، “جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان”. الاغتراب عن الذات ذاك العصر، عشية العام 1974، مختلف عنه عشية العام 2017. الاختلاف ليس شكلياً، بل جذرياً، حتى أن طلال سلمان لم يتردّد في القول: “هذا الأمر لا يحزنني فقط؛ بل يفجعني. أشعر بأن عمري كلّه راح هدراً”.
“أخبريني عن لبنان، أين السياسة في كلّ ما نعيشه؟! هل هذه الخبريات والقصص والتشنيعات التي يتبادلها السياسيون، سياسة؟! انظري إلى سورية: حرب، إلى العراق: حرب، إلى اليمن: حرب... هذه المنطقة كلها حروب. العدو الصهيوني هو الوحيد المرتاح. مصر غرقانة بفقرها وتعاستها وبتعاسة الحكم الموجود فيها. ليبيا اندثرت. تونس ترتج ولا نعرف إذا كانت ستنجو أم لا. الجزائر مغمى عليها. والمغرب منعزل بنفسه منذ زمن. عصري الذي عشته هو عصر العداء للكيان الصهيوني، وليس سقوطه عنه. هذه كانت قضيتك المركزية. هي كانت الشعلة التي تستقطب كلّ العرب. حالياً كلّ عربي غرقان، إما بدمه وإما بمشاكله، ولا أحد يفكر بفلسطين نهائياً. نحن نعيش عصراً آخر، عصراً باتت فيه عبارة الوطن العربي مادة للسخرية، بينما أنا مؤمن بوجود وطن عربي واحد، ولو كانت الظروف معاكسة حالياً، ظروف تدفع الناس إلى التقوقع. أما بالنسبة لي، فهذا هو الأمل، وهذا هو الحلم، إذا أردت أن تسميه حلماً، أنا عشته شخصياً”.
هل يعني هذا أن “الوطن العربي” الذي آمن به كثيرون من قرّاء الجريدة كان وهماً؟! “لا؛ لكنه ينتمي إلى عصر آخر. بات يجب أن أقتنع. يوجد خمسون دليلاً حسياً أن عصري انتهى، وعصر “السفير” انتهى، وشعارها كذلك. أنا مؤمن بأن الوطن العربي قائم، وقد يرجع في جيل ثانٍ أو ثالث؛ لكن في هذه اللحظة هو غير موجود. عندما زرت الجزائر في الستينيات الماضية، ورغم أن أهلها لا يتكلمون العربية، شعرت بأني في بلادي وبين أهلي، أنهم إخوتي، وأن نضالهم رفع لي رأسي، أنا الذي سُجنت في بيروت من أجل الجزائر. اليوم ماذا؟! وُلدت “داعش” ووُلدت “النصرة”! حتى شخصياً، أحفادي يتحدثون الانكليزية في البيت. حفيدتي ابنة الـ22 عاماً، سألتها إن كانت تقرأ “السفير” فقالت لي: “أتفرّج عليها”! لا أستطيع أن ألومها. يبدو أن الجريدة لا تخصّها، لا تشعر بأنها تعبّر عنها. إذا خسرت هذا الجيل، كيف يمكن للجريدة أن تعيش؟! لا جريدة قادرة على الاستمرار وكلّ قرّائها أعمارهم تتجاوز الأربعين. الكلّ يقول لك: “كبّر الخط”، لأنه بات يستعمل النظارات. صدقاً أنا أتلقى اتصالات تطالبني بتكبير الخط، فأعرف أن قارئي تجاوز الخمسين. نادراً ما أجد شاباً يحمل جريدة. هذا دليل أن عصري انتهى”.
مهــــــا زراقـــــط - 
كاتبة وصحافية وأكاديمية



في وداع طلال سلمان

ما أروع أن تكون أنت الكل، وجهك هو الوجه، صوتك هو الصوت والصدى، خطك هو الخط والرسالة، ورايتك هي الراية، من استظل بها وُلد فخلد، ومن أضاعها ضاع في سديم حدوده النسيان والعار ولعنة الأجيال! ما أجلّ أن تكون السيف وزند الصلابة، واليد غير راعشة وغير راجفة وغير مرتبكة، والعين ثاقبة البصر، والطعنة المقدسة لا تخطئ هدفها ولا ترتد عنه وفيه رمق فهو العدو العدو! 
طلال سلمان..  إلى اللقاء يا كلنا!.

أذكره، وقد بدأت “السفير” تعاني ضيق تمويل، أن فاتحني، صيف 2002، بسؤال عمّا لو أمكن للبنك العربي شراء حصّة منها. كان عارفاً بمعارضتي –وغيري– شراء رفيق الحريري لتلك الحصّة، وبعلاقة وثقى لعائلتي بآل شومان. قصدتُ عمان وتحدثت الى الراحل عبد المجيد؛ لكنه اعتذر، لحرص البنك على اجتناب السياسة بالمباشر. حين عدت، سألني الرأي في جوزف سماحة، ولم أكن أعرفه شخصياً بعد. أجبت: قلمٌ أخّاذ ونافذ؛ لكن صاحبه شخصية قلقة ومتوترة، فمن عرفات “اليوم السابع” إلى ابن سلطان “الحياة” وبينهما تأييده، ولو العابر، لاتفاق 17 أيار/ مايو. لكنني، في عموم، أزكي تولّيه رئاسة التحرير، وسأحدّث مركز دراسات الوحدة العربية لـ”تكريسه” في حفل كوكتيل على طرف ندوة له بعد أيام. تمّ ذلك يومها، ونشأت لي معه آصرة ودودة مع الراحل جوزف.
المرّة التي جفا فيها أبو أحمد نحوي قليلاً كانت يوم انشقّت “الأخبار” عن “السفير”، صيف عام 2006. لعلّه اعتقد أنني كنت في صورة الأمر. والحال أنني لم أعرف به إلا من جوزف لمّا أتى الدار البيضاء، مطالع أيار/ مايو منه، لحضور دورة المؤتمر القومي العربي، ولم أكن أعرف لوقتها أياً سواه ممن شاركوه مشروع “الأخبار”. بعبارة، كان موقفي مع جوزف في نيّته المفهومة، ومع “السفير” في منعته المأمونة. وسرعان ما زال الجفاء بعدها ببرهة، ولو أنه ما إن دقّت ساعة بوح عنده حتى طفت علائم المرارة على وجهه: لقد أشعلتُ لجوزيف أصابعي العشرة فماذا أراد أكثر؟! وكنت أجيب: كلكم في بيت واحد من منزلين، فكان يتمتم بما أضحكني ولا أستطيع خطّه.
ضرب "الربيع العربي" أبا أحمد كالصاعقة، لاسيما ما آلت اليه حال سورية جرّاءه، والتقيت به حسب طلبه بعد أن سمع أنني في دمشق يوم 24 تموز/ يوليو 2011 في بيروت. استمع إليّ على مدى قرابة ساعة، ومعه في الصالون الأخَوان نصري الصايغ وياسر نعمة، لأخلص فيه إلى أن الأزمة السورية الكبرى على مفترق طرق: إما حل سياسي سريع لها، وإما هي ذاهبة إلى حرب طويلة بمليون ضحية. بهت الثلاثة، وما إن خرج الاثنان إلى أعمالهما وجدته وقد اتصل بهيكل، وكان في إجازة اسكتلندية، ووضع المكالمة على السمع. وبعد التحايا، طلب مني تلخيص ما قلت لهيكل ففعلت، فبادرني الأخير بسؤال لينين الأشهر: "ما العمل؟". قلت: أن تأتيا دمشق وتحاورا الرئيس وصحبه وكذلك معارضي الداخل. ردّ هيكل: أنا مستعد أن أُسقط تحفّظي على مسألة التوريث وأقصد دمشق، فسورية ما فتئت عندي الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، وأنتما تعرفان مدى افتتاني بـ"الشام"، وبما ساوى تعلّقي بمصر، لكن مهمّة كتلك اقتضت تحضيراً مسبقاً، وليس خيراً منك لها، فأنت أخبرنا بسورية، ثم إنك فيها جسدياً ولو زائراً. قلت: لكن معارفي من معارضين، هم أعضاء في المؤتمر القومي العربي، لا تكفي لتمهيدٍ فيما إطلالتي على أهل الحكم نزر يسير. تدخّل أبو أحمد قائلاً: سأعطيك اسم صديق قريب جداً من صاحب القرار. فأجبته: شريطة أن توقف مقالاتك الناقدة خلال المحاولة. صار الحوار عملاني الطابع. قال هيكل: إن نجح التمهيد فأرى أن "لجنة حكماء" تضمّنا إلى سليم الحص ومحسن العيني وعبد الحميد المهري وكلوفيس مقصود تقطن دمشق، لا ضيفاً على طرف، وتتواصل مع الكلّ، غبّ الطلب. ضحكت وقلت: الله يستر أن تلاقي مصير ما حاولتَه خريف عام 1990 بخصوص الأزمة الكويتية. فقال: فال الله ولا فالك يا شيخ! وضعتُ نصاً لمبادرة وافقوا عليه ودار بين المعنيين من متلقّيها؛ لكن المحاولة واجهت سداً من التمنّع لا أستطيع المكابرة في اجتناب تحديد طرفه؛ لقد أتى من المعارضة في الأساس، وبتحريض ممن كان صديقاً وشريك مشروع لدزينة سنوات، أو هكذا كان الظنّ!
كمال خلف الطويل - كاتب عربي
الصحافة اللبنانيّة عاصمتها "السفير"


أرثيك وأبكي زماننا العربي الرديء

قاومتَ، وقاومتَ من أجل ألا تتوقف «السفير» عن الساحة الإعلامية والسياسية. بعت ما تملك من أراضٍ من أجل أن تبقى الصحيفة، ومن أجل ألا تُرتهن لأكثر من نظام كان مستعداً لشرائها. ولكنك لم تستطع أن تكمل المشوار. فكما قلت: انتهى عهد الصحافة المكتوبة، ولم يبق سوى إعلام الأنظمة، وهو إعلام «عاهر»؛ لأن من يمتلكونه «عهرة».
أتذكر أول مرة تعرفت فيها عليك في العام 1980 حين أتيت إلى الرياض ضمن وفد يضم رؤساء تحرير الصحف اللبنانية لمقابلة العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، عندما كان ولياً للعهد حينها. ووسط هذا الجمع من كبار الصحافيين اللبنانيين، أعطاك الملك فهد اهتماماً خاصاً، بأن خلع عباءته وألبسك إياها. هل ذلك لأنك كنت معارضاً للسعودية؟ أم لأنك تكلمت أمامه عن اعتزازك بناصريتك وعروبتك وإيمانك بقضية فلسطين؟ سأفشي سراً تعرفه أنت لأني قلته لك: برغم أنك كنت تبدو معارضاً للسعودية بسبب علاقتك بالزعيم الليبي معمر القذافي، إلا أن العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبد العزيز، كان يُحبك ويودك، في حين أن الملك سلمان بن عبد العزيز وأخاه الأمير طلال بن عبد العزيز كانا يكنان لك كبير الاحترام. وهل تذكر مرة حين جمعتك مناسبة في الرياض بالأميرين، طلال وسلمان، وقلت لهما: «ها أنا ذا طلال وسلمان»؟
سليمان نمر 
 كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية



الصحافة اللبنانيّة عاصمتها «السفير»

«أنا ابن هذا الوطن العربي، الذي فُرض عليه البؤس وفُرض عليه التردّي وفُرضت عليه الهزيمة». وعن فلسطين قال: «بالنسبة إليّ، فلسطين ليست قطعة أرض، وشعباً مضطهداً ومقهوراً. 
هي القضية المركزية للأمة. ما زال شعبها يقاوم، بالحجارة وسكاكين المطبخ. هذا شعب حي وعظيم. هذا شعب لا يمكن أن يستكين».

أكثر من 35 عاماً جمعتني مع «أبي أحمد»، أشاكسه وأشاغبه وأتعلّم منه الكثير الكثير. وذات يوم طلبت منه أن يأتي زائراً لمصر كي يرى «مصر الجديدة» في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، رحمه الله، بعدما غاب عنها طويلاً، وقلت له: «أنت إنسان لا يمكن التأثير عليك إلّا بما ترى وتفهم وتقتنع، لذلك تعال يا سيدي وشوف بنفسك أحوالنا».
ردّ «أبو أحمد» بحزن مقلق وغضب مكتوم: «أنا ممنوع من زيارة مصر منذ سنوات طويلة».
بصراحة أحزنتني هذه المعلومة. ثمّ سألته: «يعني لو تمّ رفع المنع فهل يمكن أن تزور القاهرة؟!».
ردّ على الفور: «بشرط واحد: أن أكون ضيفك، وليس ضيف الحكومة».
عدت إلى القاهرة ورجوت الرئيس مبارك أن يتمّ رفع المنع وعدّدت له أهميّة ألا يُتّخذ مثل هذا الإجراء مع رجل بقيمة وقامة الأستاذ طلال سلمان. طلب منّي الرئيس مبارك أن أعاود الاتصال صبيحة اليوم التالي، وبالفعل اتّصلت فوجدته يقول لي ساخراً: «أنت عارف أنّ صاحبك قد شتمنا بقسوة؟!».
بعد جدل طويل وصبر عظيم من الرئيس على إلحاحي وافق على رفع المنع وقال محذّراً: «خلّي بالك، أنت المسؤول أمامي».
بعد يومين سافرت إلى بيروت وأبلغت «أبا أحمد» الخبر السعيد، فلم يصدّق في بادئ الأمر، ثمّ قال لي مشترطاً: «سوف آتي الأسبوع المقبل. بس تاخدني من الطائرة المقبلة من بيروت وتوصّلني بعد الزيارة إلى الطائرة المغادرة ولا تتركني طوال فترة إقامتي».
رتّبت برنامجاً لـ»أبي أحمد» يضمّ عشاء مع أصدقاء الستّينيات الذين افتقدهم، وقمت بتنظيم زيارة له لهيئة التصنيع العسكري ولقاء مع الأخ جمال مبارك، واللواء عمر سليمان، ورجل الأعمال الصديق الدكتور إبراهيم كامل.
اصطحبت «أبا أحمد» إلى مشروع مساكن «زينهم»، وهو منطقة شعبية تعاني بسبب المرافق السيّئة، وجعلته يزور مشروع إسكان حديث بناه الدكتور إبراهيم كامل على نفقته الخاصة لسكّان المنطقة.
خرج «أبو أحمد» من الزيارة بصورة صادقة عن مصر المحروسة في ذلك الوقت. ولأنّه يحترم ما يرى ويلمس، ولأنّه رجل لا يحرّكه سوى عقله، عاد إلى بيروت وكتب 3 مقالات في الصفحة الأولى من جريدة «السفير» يعكس فيها بأمانة كلّ ما عايشه في هذه الزيارة.
حينما قرأ الرئيس مبارك المقالات هاتفني قائلاً: «والله ده راجل محترم».
كنت أقول له دائماً ممازحاً: «لو أجرى الطبيب تحليلاً لك فسوف يكتشف أنّ حبر الطباعة يسيطر على دورتك الدموية».
كتب الحبيب «أبو أحمد»: «مصر دولة عاصمتها عماد الدين أديب»، واليوم أكتب عنه قائلاً: «الصحافة اللبنانية عاصمتها التاريخية جريدة السفير».
وداعاً يا «أبا أحمد» حتى نلتقي عند مليك مقتدر!
عماد الدين أديب 
كاتب وصحفي مصري


أستاذ طلال ستبقى الأول.. حبّاً أو اختلافاً
 إنه الأستاذ طلال سلمان. لا حاجة لتعريفات إضافية، فالأستاذ طلال لم ينل لقب «الأستذة» عنوة أو خوّة أو سطواً على مهنة ليست من قماشته. كأنما طلال سلمان المولود ذات يوم من إحدى السنوات، وُلِد ليكون عَلَماً في جبين الصحافة في لبنان منذ الأخوين اللبنانيين سليم وبشارة تقلا مؤسسي جريدة «الأهرام» في أواخر القرن التاسع عشر.
كان الأستاذ طلال سلمان متعدد الحضور: هو المتواضع إذا أراد ذلك، ذو الهيبة التي لا تقبل أخذاً ورداً، رئيس التحرير والقابض على وجهة الجريدة سياسياً، الزميل في طبقات المبنى في كل أقسام الجريدة، من الرياضة إلى مقالات الرأي إلى صفحة الوفيات... هو رب العائلة، وكان أفرادها هنادي وربيعة وأحمد وعلي يلهون بين طبقاتها منذ صغرهم. وهو البهيج بكل جوارحه في السهرات التي أقامها احتفالاً بتأسيس مولوده الجديد «السفير». كم كان يدهشنا بحيويته التي أعطته كل هذا الدفق في المتابعة والكتابة و»تطريز» الافتتاحيات بقلم رشيق سريع ملتهب! وكم كنا نخشاه في تقصير يبدو في عملنا، أو شطحاتنا المهنية! لم يكن يحمل عصا لتصويب هنا وهناك، لكنه بقلمه، وإيمانه بحرية الكلمة التي سيترك العنان لحبرها، كان أشبه بمايسترو، بدكتاتور، وإن لم يكن يجيد سلوكيات هذه الصفة التي لطالما صارع أصحابها انتقاداً وتلطيشاً.
منى سكرية - كاتبة وصحافية لبنانية