اليمن بالحبر الغربي -
سلطت مجلة «إيكونوميست» البريطانية الضوء على فرص بقاء اليمن متماسكاً، مشيرة إلى أن الدول المفككة في الشرق الأوسط «ليست نادرة»، كالعراق وليبيا وسورية؛ لكن اليمن هو الأكثر تفككاً على الإطلاق.
وذكرت المجلة أن اليمن ظهر كخليط من الفصائل المتنافسة خلال السنوات الماضية، وفي العام الماضي جاء وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين، الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من أراضي اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، بمثابة مؤشر إلى تحقيق الاستقرار في البلاد؛ لكن الحفاظ على تماسك البلاد ووحدتها ظل حبرا على ورق.
فقد مكن وقف إطلاق النار الهش الحوثيين من إحكام قبضتهم على المنطقة الخاضعة لسيطرتهم وأضعف القوات المصطفة ضدهم، بحسب المجلة البريطانية، التي أشارت إلى تنافس 9 فصائل مختلفة على الأقل على السلطة في اليمن.
وبينما يدعي مجلس القيادة الرئاسي أنه يسيطر على اليمن بأكملها، تصفه «إيكونوميست» بأنه «صاحب أصغر بصمة» بين جميع الفصائل الساعية إلى السلطة في البلاد، إذ يقتصر دوره على مجرد جناح من القصر الرئاسي في عدن، ثاني أكبر مدينة في اليمن، بالقرب من الطرف الجنوبي للبلاد.
وتشير «إيكونوميست» إلى أن الخصومات الخليجية تشجع الخلافات اليمنية، فالجنوبيون، بقيادة الزبيدي، يرفعون علماً انفصالياً فوق رقعة شاسعة مما كان يُعرف سابقاً باسم «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية»، قبل أن تتحد مع الشمال في عام 1990.
وتضع دولة الإمارات نصب أعينها الموانئ وآبار النفط في جنوب اليمن. ورغم أنها سحبت قواتها منذ عام 2019، إلا أنها لا تزال تدعم الزبيدي عسكرياً ولديها قواعد خاصة بها في منطقته.
ويسعى السعوديون إلى إحباط طموحات الإمارات، من خلال تأجيج الطموحات المحلية ضد أبوظبي، وتشجيع طموحات القبائل اليمنية القديمة ضد دولة الزبيدي الانفصالية المحتملة، كما يأملون شق ممر بري بين الشمال والجنوب إلى المحيط الهندي.
وبينما ترتبط محافظتا مأرب وتعز بعلاقات وثيقة مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، ترغب سلطنة عمان، الجار الشرقي لليمن، في جلب محافظة المهرة اليمنية، المتاخمة لها، تحت جناحها، خوفاً من الخسارة أمام دول الخليج الأكثر ثراءً.
ويدعم هذا التشرذم موقف الحوثيين، الذين كانوا قبل 20 عاماً عبارة عن عصابة قوية من القبائل الشمالية المتمردة، تتبع فرعاً من الإسلام الشيعي، وكان عليهم في كثير من الأحيان الاختباء في الجبال والكهوف من السلطات في صنعاء.
وحافظ الحوثيون على صنعاء والساحل الشمالي وصولاً إلى ميناء الحديدة، رغم سنوات من الهجمات اليمنية المضادة، المدعومة من السعودية. ورد الحوثيون على القصف الجوي السعودي بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة في عمق المملكة، إضافة إلى هجمات أخرى في عمق الإمارات.
ومنذ آذار/ مارس 2022 يحاول السعوديون إغراء الحوثيين مرة أخرى بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، فرفعوا حصارهم عن الحديدة، واستأنفوا الرحلات الجوية إلى صنعاء، وأرسلوا وفداً للتفاوض مع الحوثيين دون استشارة مجلس القيادة الرئاسي.
كما سمح السعوديون لقائد حوثي بالسفر مع أتباعه إلى السعودية لأداء فريضة الحج في مكة، واقترحوا دفع رواتب الموظفين الحكوميين تحت إدارة الحوثيين.
بل إن بعض مستشاري المملكة أشاروا إلى أن المسؤولين السعوديين قد يشكلون تحالفاً كاملاً مع الحوثيين، بعد التقارب بين المملكة وإيران في آذار/ مارس الماضي.
وتشير «إيكونوميست»، في هذا الصدد، إلى أن وقف إطلاق النار شجع الحوثيين على مواجهة السعودية، وجعلهم في حالة احتفال بـ»انتصارهم» على أغنى دول المنطقة ويطالبون بتعويضات.
وعندما وصل وفد سعودي إلى صنعاء، في نيسان/ أبريل الماضي، استهزأ به قياديون حوثيون، باعتباره معتديا وليس صانع سلام.

«إيكونوميست»