تقرير - عادل بشر / لا ميديا -
بجسده النحيل وبشرتهِ السمراء التي تعكس معيشة المدينة الساحلية، تسلل الطفل ذو الاثني عشر ربيعاً إلى الثلاجة الخاصة بحفظ المشروبات الغازية باردة، ألقى بنفسه في قاعها، وغط في نوم عميق، مُتمنياً أن يمضي بقية عمره في هذه المساحة الباردة من الجنة، بعيداً عن الجحيم الذي يتَّقِد قيد خطوة منه.
أمضى الأب نصف النهار باحثاً عن طفلهِ، يُسائل عنه الناس الغادين والرائحين، حتى فوجئ بأحد العاملين في كافتيريا مجاورة لهم، يزف له بشرى العثور على فقيده في جوف الثلاجة.
هذه القصة شهدتها مدينة الحديدة، مطلع العشر الأواخر من مايو/ أيار الجاري، وفقاً لعدد من رواد التواصل الاجتماعي، ورغم احتوائها على جانب من الطرافة، إلا أنها تكشف بعضاً من يوميات أهالي محافظة الحديدة، الذين يعيشون أوضاعاً مأساوية هي الأسوأ والأكثر بؤساً، بالمقارنة مع المحافظات الأخرى، جراء اشتعال حرارة الصيف، وارتفاع تعرفة التيار الكهربائي، في حال وُجِد هذا التيار.
وبخلاف ما أعلنته وسائل إعلام رسمية مؤخراً، حول توصيل التيار الكهربائي لأكثر من سبعة آلاف أسرة في مدينة الحديدة بدعم من صندوق دعم كهرباء الحديدة، أفاد صحيفة "لا" سُكان محليون بذات المدينة، أن تلك الأخبار لم يجدوا أثراً لها في أحياء الحديدة وأزقتها، وأن تعرفة التيار الكهربائي الحكومي للكيلو وات لا تختلف كثيراً عن تعرفة التيار التجاري، مؤكدين أن الكهرباء الحكومية تفرض عليهم مبلغ 250 ريالا للكيلو الوات الواحد، بفارق 20 ريالا فقط عن القيمة التجارية.
وقال الأهالي في اتصالات متفرقة للصحيفة، إن معاناتهم تزداد يوماً بعد آخر، مؤكدين أن أسعار الكهرباء لا يقوى عليها الناس الميسورون، فكيف بالبسطاء وهم الأغلبية.
وأوضحوا أن عددا من الأسر أصيب أولادها بطفح جلدي نتيجة الحر الشديد وغياب وسائل التبريد، حيث لا تستطيع تلك الأسر استخدام المكيفات التي تستهلك التيار الكهربائي بكثرة، خصوصاً في ظل انقطاع المرتبات وعدم توفر فرص عمل كريمة، مُبدين تخوفهم من ارتفاع حالات الطفح الجليدي بين الأطفال وازدياد الأمراض نتيجة الارتفاع الكبير للحرارة ومازلنا في بداية فصل الصيف.
وأشار الأهالي إلى أنهم يلجؤون إلى استخدام الكراتين والمراوح اليدوية بهدف التخفيف من هذه المعاناة، فيما قامت بعض الأسر ببيع ممتلكات لها من مجوهرات أو غيرها لشراء ألواح شمسية وبطاريات ومراوح صغيرة يجلسون بقربها، في محاولة للحصول على القليل من "البرود" وخصوصاً للأطفال، بينما يلجأ البعض إلى ارتداء ملابس داخلية مبلّلة بالمياه حتّى يتمكنوا من النوم، فيما ينام الرجال فوق الأسطح بأجساد شبه عارية تُغري البعوض المنتشر بكثرة في المناطق الساحلية.
وتساءل الأهالي عن دور صندوق دعم الكهرباء، الذي تم إنشاؤه بدرجة أساسية للتخفيف من معاناة أبناء الحديدة، بدعم تعرفة التيار، كخطوة أولى تمهيداً إلى جعلها مجانية، في فصل الصيف.
ووجه الأهالي مناشدات للقيادتين الثورية والسياسية في صنعاء بإيلاء أبناء تهامة الاهتمام المناسب، وإنقاذهم من جحيم الحر الذي يستعر يوماً بعد آخر، مطالبين رئيس الجمهورية مهدي المشاط ومعه رؤساء وأعضاء البرلمان والشورى والوزراء، بالحلول ضيوفاً في الحديدة خلال فترة الصيف وإدارة شؤون البلاد من عروس البحر الأحمر.

مدير كهرباء الحديدة
صحيفة "لا" تواصلت مع مدير كهرباء الحديدة عبدالمجيد الولي، ونقلت له هموم وشكاوى المواطنين التي يعرفها جيداً، حيث أكد أن الكهرباء موصلة لمعظم السكان، عدا بعض المناطق في أطراف المدينة، لم تصلها الشبكة الكهربائية حتى اليوم.
وقال الولي: حارتا البيضاء وجبل النار وحارة ثالثة بجوارهما، لا توجد فيها شبكة كهربائية نهائياً، وقد قمنا بعمل دراسة لإيصال الشبكة إلى الحارات الثلاث، التي يقدر عدد مشتركيها بنحو ألفي مشترك، وهذه الدراسة قدمناها للسلطة المحلية الأسبوع الماضي وننتظر ما سيقررونه بهذا الشأن.
وحول التعرفة الكهربائية التي يشتكي منها المواطنون، قال مدير كهرباء الحديدة: "قمنا مؤخراً باعتماد 36 ألف مشترك بسعر منخفض للتيار الكهربائي، تم تقسيمه حسب مقدار الاستهلاك للكهرباء، فإذا كان الاستهلاك 1-50 كيلو وات، يكون سعر الكيلو الواحد بـ100 ريال، و50-100 كيلو وات، يرتفع سعر الكيلو الوات الواحد إلى 150 ريالا، وما زاد عن المائة كيلو تكون تعرفة الكيلو الواحد بـ250 ريالا.

إهمال الأمن
المهندس عبدالمجيد الولي وهو يحاول الدفاع عن كهرباء الحديدة التي هو مدير لها، تطرق إلى عدد من المشاكل التي قال إنهم في قطاع الكهرباء بالحديدة يعانون منها وتعتبر من بين أسباب ارتفاع تكلفة التيار، وأبرزها سرقة التيار من قبل بعض الأهالي الذين يقومون بالتوصيل من خلف العدادات أو التلاعب ببيانات العدادات أو التوصيل لمنازل أخرى ليست مشتركة بشكل رسمي.
وقال إن "خمسين بالمائة من التيار يعتبر فاقدا بسبب السرقات الحاصلة وعدم قيام الجهات الأمنية بواجبها في ضبطهم".
وأضاف: "قدمنا للجهات الأمنية عشرات البلاغات حول من يقومون بسرقة التيار، وطالبنا ضبطهم، ولكننا لم نجد أي تجاوب من قبل أجهزة الأمن، الأمر الذي نضطر نحن إلى ملاحقة عصابات تخريب الكهرباء في الحارات والأزقة". مشدداً بالقول: "نحن نرفع الأدلة والبيانات للجهات الأمنية ولكننا لا نجد أثراً لهم، والتفاعل مع بلاغاتنا صفر، لا يقومون بواجبهم في ضبط المخربين للكهرباء، ونتمنى لو يكون هناك نيابة خاصة بجرائم تخريب الكهرباء".
وأكد مدير كهرباء الحديدة أن صندوق دعم الكهرباء مازال موجوداً لكنه "توسع في مهامه ولم يعد مقتصراً على موضوع الكهرباء".
وأضاف: "الصندوق تشعَّب في أشياء كثيرة، لذلك أصبح أقل اهتماماً بدعم الكهرباء، المرتبطة بحياة الناس".
وتشهد محافظة الحديدة صيفًا ساخنًا يتزامن مع ارتفاع التيار الكهربائي الحكومي والتجاري، فضلًا عن الأمراض التي بدأت تنتشر، وتهدد أرواح السكان، وتضاعف مآسيهم.
وبحسب بيانات مؤسسة الكهرباء فرع الحديدة، يصل عدد المشتركين في التيار الحكومي بالحديدة إلى حوالي 85 ألف مشترك، بينهم 47 ألف مشترك فاعلون، يتفرع منهم 10 آلاف مشترك من المحلات والمؤسسات التجارية، و37 ألف منزل.