اليمن بالحبر الغربي -
«الشرق الأوسط الكبير، ولاسيما دول الخليج، إحدى أهم ركائز العلاقات الخارجية لباكستان».
 هكذا وصف عمر كريم، الزميل الزائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، التطور الجاري باتجاه تعميق علاقات سياسية وأمنية واقتصادية واسعة بين الطرفين، مشيرا إلى أن جيش إسلام آباد هو عمود هذا التعميق وضامنه.
وذكر كريم، في تحليل نشره بموقع «منتدى الخليج العربي»، أن دول مجلس التعاون الخليجي وباكستان كانت ضمن المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة، وجميعهم حافظوا على تحالفهم الخاص بقضايا الأمن الإقليمي في العقود التي تلت ذلك.
كما تستضيف دول الخليج ملايين الباكستانيين المغتربين، وتمثل التحويلات التي يرسلها هؤلاء المغتربون جزءا حيويا من الاقتصاد الباكستاني.
ولا تزال باكستان شريكاً موثوقاً به في المجال الأمني، حيث لعبت دورا في تطوير وتحديث القوات المسلحة لدول الخليج. وقد تعزز هذا الارتباط من خلال العلاقات الشخصية الودية بين العائلات المالكة في الخليج والنخب المدنية والعسكرية الباكستانية.
وخلال العقد الماضي، أدى التدهور الاقتصادي المطرد في باكستان إلى اعتماد أكبر بكثير على الدعم المالي الخارجي؛ ما أنهى أي مظهر من مظاهر التكافؤ في علاقات إسلام آباد مع دول مجلس التعاون الخليجي. وهنا برزت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باعتبارهما أهم المانحين، وأصبح لهما نفوذ كبير بالشؤون السياسية والاقتصادية لباكستان.
لكن هذا التقارب تزامن مع تآكل الثقة بين سماسرة القوة المدنيين في باكستان والنخب الخليجية، لاسيما تلك الموجودة في السعودية والإمارات، ليصبح الجيش الباكستاني القناة الأخيرة المتبقية للعلاقة الثنائية.
في عام 2008 تزعمت باكستان حكومات مدنية اسمياً، إثر رحيل الحاكم العسكري السابق الجنرال برويز مشرف؛ لكن علاقة البلاد بدول الخليج دخلت منطقة قاسية نسبياً خلال السنوات الخمس التالية، وتحديدا خلال قيادة رئيس الوزراء الليبرالي آصف علي زرداري وحزب الشعب الباكستاني في الفترة من 2008 إلى 2013.
وقد تسببت الخصومة بين زرداري وبعض قادة الخليج في اتجاه هؤلاء القادة إلى الانخراط في محادثات مباشرة مع قيادة الجيش الباكستاني. لكن هذا النمط تغير مؤقتا مع انتخاب نواز شريف، المؤيد بشدة للسعودية في عام 2013؛ لكن قراره البقاء على هامش التدخل العسكري باليمن في العام التالي أثار غضب قادة المملكة، وألقى بظلال من الشك على العلاقات الأمنية الباكستانية مع الخليج.
كما انخرط وزير الداخلية الباكستاني آنذاك، تشودري نزار علي خان، في حرب كلامية مع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بعدما انتقد الأخير باكستان لعدم دعمها دول الخليج في قتالها ضد الحوثيين.
ودفع تراجع العلاقات مع السعودية والإمارات الجيش الباكستاني إلى التدخل في الشؤون الخارجية للبلاد، وممارسة دبلوماسيته الخاصة، بدءا من عام 2014 عندما سافر قائد الجيش، الجنرال رحيل شريف، إلى الرياض وأبوظبي؛ ما ساعد على تهدئة بعض التوترات الثنائية.
وأراد الجيش الباكستاني إعادة تأهيل علاقته مع السعودية بشكل خاص. وبعد فترة وجيزة من الاجتماعات، وافقت إسلام آباد على إرسال قوات إلى الرياض. كما أعلنت الانضمام إلى «التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب» الذي تقوده المملكة منذ عام 2015، وتولى قائد الجيش الباكستاني، المتقاعد الآن، رحيل شريف، مسؤولية هذا الكيان الجديد عام 2017.
وأعادت هذه الخطوات الثقة بشكل أكبر بين الجانبين، ومنحت باكستان وجوداً مادياً في أي مبادرة أمنية ترعاها السعودية. وفي غضون ذلك، استمرت العلاقات العسكرية بين الطرفين في التقدم بفضل التدريبات السنوية التي تجريها أقسام مختلفة من القوات المسلحة لكل منهما.
واستمرت دبلوماسية الدفاع تحت قيادة الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي حل محل شريف كرئيس جديد لأركان الجيش الباكستاني في نهاية عام 2016، ونجح في تطوير علاقة عمل وثيقة وودية مع الحكام في السعودية والإمارات وقطر والبحرين.
كما ظل باجوا قادراً على الاحتفاظ بالاستقلال الاستراتيجي لباكستان، حسبما يرى كريم، مشيرا إلى أن القائد الباكستاني تجنب بشكل ودي توريط بلاده في الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج عام 2017.
لكن بعد إلغاء الهند الوضع الخاص لإقليم كشمير عام 2019، عادت علاقة باكستان مع السعودية والإمارات للتدهور، نظراً لقلقها من الضرر المحتمل الذي قد تسببه علاقاتهما السياسية والتجارية مع الهند، وعدم تأييد الرياض وأبوظبي لموقف إسلام آباد حول مصير الإقليم بشكل قاطع.
كما أن محاولات رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك، عمران خان، أن يكون جزءاً من المحور الموازي في العالم الإسلامي، بقيادة تركيا، لم تساعد في تحسين علاقاته الخليجية أيضاً.
ومع ذلك، تمكن باجوا من تفادي الانهيار شبه الكامل لعلاقات باكستان مع الرياض وأبوظبي، مرة أخرى، بفضل علاقته الشخصية الوثيقة مع العائلتين المالكتين بالسعودية والإمارات.
ومع تغيير القيادة العسكرية لباكستان، بتولي الجنرال عاصم منير منصب رئيس الأركان، استمرت العلاقات الوثيقة مع منطقة الخليج، خاصة أنه كان ضابطا ضمن الوحدة العسكرية الباكستانية المتمركزة في السعودية.
وهنا يشير كريم إلى أن دور منير، القيادي السابق في وكالة الاستخبارات الباكستانية، بالإضافة إلى قيادته جناح المخابرات العسكرية، أعطاه وعياً أكبر كثيرا من أسلافه بمخاوف دول مجلس التعاون الخليجي، ولذا قرر القيام بأول رحلة خارجية له إلى السعودية والإمارات.
ويشير قرار السعودية والإمارات وضع اللمسات الأخيرة على حزم المساعدات المالية الجديدة لباكستان بعد رحلة منير مباشرة، إلى التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه «دبلوماسية الجيش» على العلاقات الثنائية خارج المجال الأمني، خاصة أن أصحاب السلطة المدنية الباكستانية قاموا بعدة محاولات فاشلة للحصول على المساعدات نفسها دون جدوى.
لكن ما الذي يمكن أن يقدمه الجانب الباكستاني للخليج مقابل سخائه المالي؟ يجيب كريم بأن العلاقة بين الأنظمة الملكية العربية وإيران لا تزال متوترة، خاصة بعد تعليق المفاوضات لاستعادة الاتفاق النووي، ما قد يصل بالبيئة الاستراتيجية الخليجية قريباً إلى مرحلة حافة الهاوية النووية.
وأشار إلى أن مكانة باكستان كقوة نووية، فضلاً عن علاقاتها الاستراتيجية والأمنية الوثيقة مع السعودية والإمارات، تجعلها لاعباً مهماً في هذه المواجهة. ولأن علاقاتها مع البلدين أصبحت تتحدد بشكل متزايد من خلال التغييرات في المشهد الأمني الإقليمي، فإن الجهات الفاعلة المسؤولة عن إدارة الاستراتيجية الأمنية لباكستان، وعلى رأسها الجيش، ستحتل مركز الصدارة في توجيه تلك العلاقات.

منتدى الخليج الدولي