ملف المونديال السياسي 974
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي
إعداد / علي عطروس / «لا» 21 السياسي -
مارادونا الذي يشبهنا
في اليابان لم يسمحوا بدخول مُدمني المحظورات، لذلك لم يستطع مارادونا السفر لحضور كأس العالم 2002. رد دييغو مارادونا حينها: «منعوني من حضور مباريات المنتخب الوطني بسبب المخدرات، وسمحوا بدخول منتخب ومشجعي الولايات المتحدة، الذين ألقوا عليهم قُنبلتين ذريتين».
شكراً قطر لفك الحصار عن قاع الفيد
تشير المعطيات الواردة من كل الاتجاهات إلى أن مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين قطريين نجحوا في العبور نحو تمديد هدنة اليمن عبر مساعٍ كبرى بُذلت أولاً مع أنصار الله من جهة، ومن جهة أخرى مع السعودية. وهذا الاندفاع القطري مرده أمران رئيسيان: الأول: الاستفادة من لحظة انتهاء الانتخابات الأمريكية وما تمخض عنها أمريكياً وإقليمياً من نتائج تعزز الحزب الديمقراطي وأجندته المتقاربة مع قطر بعد أن أصيب الجمهوريون بخسارة في انتخابات مجلس الشيوخ.
أما السبب الرئيسي والذي دفع القطريين للذهاب نحو تمديد الهدنة فهو: تأثير أي انفجار إقليمي -وتحديداً في جغرافيا النزاع في اليمن- على كأس العالم والإقبال العالمي عليه، وخاصة أن دول الخليج -وعلى رأسها السعودية- مستفيدة من كأس العالم من خلال استخدام المطارات والمواصلات والشركات السعودية الحاضرة بقوة في المونديال القطري.
ما سيؤثر على المطارات وشركات الطيران هو هزة أمنية قد تنفجر خلال تلك المرحلة. وهذا الواقع يحتم على الدوحة استخدام كل قدراتها الدبلوماسية لتثبيت الاستقرار اليمني ولو حتى نهاية العام أو بالأدق حتى نهاية المونديال.
ينقسم اليمنيون حيال الدور القطري في بلادهم، والذي يصفه بعضهم بـ«المشبوه» دافعاً إيّاهم إلى الانخراط في الحملة المنتقِدة لاستضافة قطر الفعالية الرياضية الأهمّ في العالم كما يشير رشيد الحداد في الأخبار. ويفرز الحداد المنقسمين، حيث يستذكر الفريق المناهض لهذا الدور مشاركة الدوحة في «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية مطلع عام 2015. كما يجادلون بوقائع كثيرة، من بينها إنشاء قطر تشكيلات مسلّحة موالية لها في شمال غرب مدينة تعز، ودعمها المتواصل لمليشيات «حزب الإصلاح». أمّا الفريق الموالي لنظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح فيتّهمها بالوقوف وراء ما آل إليه الوضع في اليمن، فيما يقف الموالون للإمارات على النقيض من الموالين لـ«الإصلاح»، الذين يبدون الأكثر حماساً لتنظيم الدوحة النسخة الحالية من بطولة كأس العالم. ولعلّ ما عمّق من ذلك الانقسام هو تسييس مشاركة اليمنيين في فعاليات المونديال، وقصْرها تقريباً على الموالين لـ«الإصلاح».
ولمتابعة المباريات يحتاج اليمنيون لشراء أجهزة استقبال، خاصة والاشتراك في شبكة «بي إن سبورت» مقابل 450 دولاراً، فيما لجأ المقتدِرون مادّياً إلى حجْز غرف في الفنادق التي أعلنت توفير خدمات مشاهدة البطولة بشكل مباشر، كما ووفر بعض رجال الأعمال شاشات عرض في بعض الميادين العامة لإتاحة المشاهدة للآلاف من الناس.
والتقط الزميل محمد العماد خيط الوساطة القطرية، إضافةً لكل ما سبق، ليرقع خرق المشاهدة الدولارية المشفرة لمباريات الكأس، ويبث عبر شاشة قناة «الهوية» مواجهات المونديال، وبأسفل الشاشة يكتب بالخط العريض: «الجماهير اليمنية ومن وسط الحصار تشكر قطر لفك الحصار بعرض المونديال»، أو بالقريب من ذلك لينتهي العدوان وفقاً لذلك بـ«شكراً تميم»، بعد أن كان بدأ بـ«شكراً سلمان»!
وتزامناً مع شكر العماد المستمر للدوحة فإن قيادات بارزة في حكومة الإنقاذ تهنئ السعودية بفوز منتخبها المفاجئ على الأرجنتين! وزير الإعلام برر تهنئته بأنها كانت مجرد اختبار للإيمان. ورئيس لجنة الأسرى عبدالقادر المرتضى اعتذر عنها. أما نائب وزير الخارجية فثابتٌ على العهد وعلى التهنئة من أول تغريدة وحتى آخر قطرة دم من أجساد أطفال حافلة ضحيان!
جديد لبنان وقديم اليمن: مبروك سموك!
بلغة فيها الكثير من المبالغة التي وصلت إلى حدّ الإهانة للشعوب العربية قالت قناة «الجديد» اللبنانية إنّ «المنتخب السعودي يرفع بقدمه رؤوس العرب»!
ليس مستغرباً على هكذا قناة هكذا نفاق وهكذا لغة، وهي التي صارت محسوبة اليوم ضد محور المقاومة في لبنان والمنطقة.
الغريب أن ثمة لغة مشابهة نطق بها البعض من المحسوبين علينا في محور المقاومة هنا في اليمن، والذين تناسوا أن أقدام المجاهدين هي التي رفعت رؤوسهم ليضعوها تحت أقدام السعوديين من جديد كما فعل من في قناة «الجديد».
القرامطة الجدد
في كتاب «قطر، الصغيرُ القبيح... هذا الصديق الذي يريد بنا شرّاً» (Le vilain petit Qatar... Cet ami qui nous veut du mal) ينقل المؤلِّفان الفرنسيان نيكولا بو وجاك-ماري بورجيه عن حاكم قطر السابق حمد بن خليفة بن ثاني قوله: «أنا قرمط الجديد»؛ والقرامطة هم أتباع حمّاد قرمط، الذي قاد حركة تمرد مسلّحة ضد الدولة العباسية واستطاع فرْض نفوذه على مناطق واسعة قبل أن يقيم دولته في شرق شبه الجزيرة، حيث كانت أشهر معاركه تلك التي خاضها مع أنصاره في مكة مُهاجِمين الحرم وخالِعين باب الكعبة ومقتلِعين الحجر الأسود الذي احتملوه إلى البحرين واحتفظوا به هناك لِما يزيد عن عشرين عاماً.
إخوانستان
وفق ما يروي الدكتور فؤاد إبراهيم سيرتهم في قطر في كتابه «الإخوان المسلمون في الخليج»، فللإخوان مع قطر قصة طويلة عائدة إلى تاريخ هجرتهم الأولى إليها من مصر عام 1954، حيث حظوا مذّاك بسطوة معنوية كبيرة على الشعب القطري وتفرّدوا بالسيطرة الكاملة على حقل التعليم قبل أن ينتقلوا في مطلع الثمانينيات من المرحلة الدعوية المحضة إلى المرحلة الحركية، ثمّ مع وصول حمد بن خليفة إلى سدة الحكم يُفسح لهم المجال لأن يشغلوا مساحة وازنة في الجهاز البيروقراطي للدولة القطرية - بعدما وجد فيهم الأمير الجديد خيْر مطيّة لتوسيع نفوذ بلاده الخارجي.
قطر: قعر لندن وبئر واشنطن
قطر, المشيخة التي صنعتها بريطانيا في القرن التاسع عشر هي ذاتها الإمارة التي ارتبطت بالإمبراطورية الآفلة عنها الشمس بمعاهدة عام 1916، والتي نصت في مادتها الخامسة على تعهد حاكمها الثالث عبد الله بن جاسم آل ثاني بألا يَمنح «أيّ امتيازات أو احتكارات أو مساعدات لأيٍّ كان لصيد اللؤلؤ من دون موافقة الحكومة البريطانية»، في مقابل حصول بلاده على الحماية من غزوات جيرانها، ثم ومع دخول عصر النفط نالت بريطانيا امتياز التنقيب عن البترول في قطر عام 1949.
لاحقاً تمت عملية تسلُّم قطر -كشبيهاتها- وتسليمها بين الإمبراطوريتَين المنصرفة (البريطانية) والصاعدة (الأمريكية).
وبين هذه وتلك تتباهى قطر بأن الأمريكيين لم يتهاونوا مع التهديد السعودي بغزوها عام 2017، فقد كانت «قاعدة العديد» هي السبب الحقيقي في الحؤول دون دخول ما تسمى «قوات درع الجزيرة» غازية، والتي دخلت قبل انطلاق فعاليات كأس العالم للمساهمة في تأمين المونديال؛ تماماً كما يتفاخر آل ثاني بأن البريطانيين كان لهم دورهم الرئيس في منْع عبد العزيز آل سعود من اجتياحهم عام 1922.
ومثل باقي شقيقاتها النابتات على ضفاف الرمال والريال فإن قطر ليست أكثر من كيان وظيفي محض تديره سلالة بني ثاني كمتعهد يتولى رعاية الموارد البتروكيمياوية الهائلة لشبه الجزيرة القطرية حصراً وفق مصالح الولايات المتحدة وتوجيهاتها، فيما تقدّم أراضيها كقاعدة انطلاق إقليمية للجيش الأمريكيّ («قاعدة العيديد» أكبر مواقع القوات الأمريكيّة في الشرق الأوسط) ومركز عمليات استخباري لإدارة حروب العم سام في اليمن والعراق وسورية وليبيا وإيران وأفغانستان.
يمثل القطريون 11 في المائة فقط من إجمالي السكان، ويعدون أقلية نادرة في قلب بحر من الأجانب الذين يعيشون بينهم والبالغ عددهم أكثر من مليونَي نسمة (ثلاثة أرباعهم من الذّكور). ويتموضع القطريون بحكم المولد في طبقة أولى على قمة السلم الاجتماعي، ويحظون -بغض النظر عن الكفاءة أو مستوى التعليم- بالرواتب المرتفعة والمناصب القيادية في الحكومة والمؤسسات، ويسهل لزائر الدّوحة تمييز هذه الفئة الذهبيّة من خلال السيارات الفارهة للرجال والأزياء وحقائب اليد باهظة الثمن للنساء، ويندرج الآخرون في نظام طبقي قائم على الأصل القومي وفق ما وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالعنصرية في تقريره عن قطر عام 2020، حيث تعتمد الرواتب والمكانة حصراً على لون البشرة وجواز السفر الذي تحمله ومقدار رضا كفيلك القطري عنك وترتيب ذاك الكفيل في هيكلية القبائل القطريّة.
وتعد قطر اليوم رابع أغنى دولة في العالم من حيث مستوى دخل الفرد؛ لكن هناك تفاوتاً صارخاً في توزيع الأجور، حيث البذخ الصارخ للقطريين في موازاة بؤس معظم أفراد الطبقة العاملة الذين يحصل أحدهم على أقل من 1000 ريال (275 دولاراً) شهرياً في المتوسط، وهذا فقط على إثر تطبيق صارم لحد أدنى للأجور عام 2019 بعد ضغوط دولية مرتبطة بكأس العالم.
وبينما يعيش القطريون وكبار المغتربين في قصور أو فلل أو مجمعات سكنيّة ميسورة أو عمارات فارهة، فإن ثلثي السكان يعيشون في مناطق مكتظة، إذ يتكدس عدة أفراد في غرفة واحدة.
مطحنة كأس العالم
أجابت الشرطة القطرية على مالكولم بيدالي، وهو أحد العمال الكينيين -وفق ما يورد موقع «أوريان 21» في مقالة بعنوان «كأس العالم 2022 في قطر/ الخليج: نظام تشغيل يجب تفكيكه- لدى احتجاجه على حشره ورفاقه في زريبة تعجّ بالصراصير والبقّ وتفتقر إلى التكييف في بلد تصل فيه الحرارة إلى خمسين درجة مئوية، بالقول: «ماذا تريد؟! أن تكون بمرتبة ملك؟! أو أن تكون لديك فيللا؟!».
وقد أثار بعض الصحافيين الغربيين (ممن لم تصل إلى هواتفهم رسائل الحوالات القطرية) بعض الصخب حول أوضاع مروعة يواجهها عمال وافدون استجلبوا بكثافة للعمل لتشييد الملاعب الفخمة التي تستضيف المونديال.
فتحدث تقرير لـ«الغارديان» البريطانية عن ظروف عيش شبيهة بالعبودية واحتجاز جوازات السفر وإقامة دون المستوى المطلوب وأجور متدنية قد لا تدفع كاملة. وهناك تقرير في العدد الأخير من «تايم» الأمريكية عن عدد يقارب الـ7 آلاف من العمال الذين لقوا حتوفهم بسبب إجبارهم على العمل ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة والرطوبة العالية. وتقدر منظمة «بلاي فير قطر» أن نحو 65 عاملاً ماتوا مقابل كل مباراة تلعب في هذه الدورة لكأس العالم، وأن كل ملعب من ملاعبها السبعة بني على جثث ألف عامل على الأقل.
فانيلات مزيفة وكومبارس منتخبات
وظفت الدوحة جمهوراً غير حقيقي (هندياً في الغالب وعربياً بالدرجة الثانية) بديلاً للجمهور الحقيقي الذي لم يأتِ بأعداد كبيرة. ولأن حجم مواطني قطر النصف مليون نسمة غير متناسب مع حدث كبير كمونديال كأس العالم فقد استأجر القطريون المقيمين لملء المدرجات والساحات، فيما منعوا اليمنيين -على سبيل المثال- من المشاركة في الأعمال أو الاحتفال بالمونديال، استكمالاً لعدوانهم المستمر منذ ثماني سنوات.
المونديال السياسي
بلغت كلفة تنظيم كأس العالم في جنوب أفريقيا ثلاثة مليارات دولار فقط، وهي استثمارات لها عائد طويل، بحكم أن المنشآت والبنية التحتية يمكن الاستفادة منها من قبل المجتمعات المحلية، وهو أمر غير ممكن في قطر، التي أنفقت ثلاثمائة مليار دولار لتنظيم النسخة الحالية من المونديال، وذلك بحكم محدودية عدد السكان وصغر الجغرافيا. إنه الاختلال الحاد في التكاليف والإيرادات، والذي لا يمكن بالطبع أن يحدث إلا في بلد لا محاسبة فيه ولا رقابة.
صحيفة «إيكونوميست» البريطانية نشرت تقريراً تحدثت فيه عن حقيقة ما إذا كان كأس العالم مضيعة هائلة للمال في ظل تزايد حذر الدول المضيفة.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن قطر أنفقت 300 مليار دولار في 12 عاماً منذ فوزها بحقوق استضافة كأس العالم، وهي تتوقع أن تضخ البطولة 17 مليار دولار فقط في اقتصادها. وقد ذهب الكثير من هذه النفقات إلى البنية التحتية، بما في ذلك خط مترو جديد تم بناؤه لاستيعاب 1.5 مليون زائر. ويرى المنظمون أن هذه الإنشاءات ستخدم غرضها حتى بعد انتهاء كأس العالم.
وأوردت الصحيفة أن أغلب البلدان المضيفة لأحداث رياضية كبيرة بين عامي 1964 و2018 تكبدت خسائر كبيرة، ومن بين 14 حدثا لكأس العالم، كانت روسيا الوحيدة التي حققت فائضاً قدره 235 مليون دولار في 2018، مدعومة بصفقة ضخمة لحقوق البث.
وأوضحت الصحيفة أن جميع النفقات الرئيسية تقع تقريباً على عاتق البلد المضيف؛ حيث يغطي الفيفا التكاليف التشغيلية فقط، ومع ذلك فإنه يستحوذ على معظم الإيرادات. وقد بدأ سكان المدن المضيفة بالتشكيك في الفائدة من إنفاق حكوماتهم مليارات الدولارات على الأحداث الرياضية الكبيرة، ونتيجة لذلك يتطوع عدد أقل من البلدان لاستضافتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التكاليف الضخمة جديدة على عالم الرياضة، ففي كأس العالم عام 1966 الذي شارك فيه 16 فريقاً، كانت التكلفة حوالى 200,000 دولار لكل لاعب (بأسعار 2018).
وبالمقارنة، قفز هذا الرقم إلى 7 ملايين دولار في عام 2018؛ حيث يتسبب في هذه التكاليف بناء المزيد من الملاعب الجديدة لكل بطولة، فقد تم بناء سبعة من الملاعب الثمانية الموجودة في قطر، في المقابل لم تقم إنجلترا ببناء أي ملعب جديد عام 1966.
وقالت الصحيفة إنه بغض النظر عن الجانب الاقتصادي، تكافح قطر أيضاً من أجل الحفاظ على المكانة التي تهدف المدن المضيفة إلى جذبها عبر الحدث. فوفقاً لأحد التحليلات، فإن ثلثي التغطية الإعلامية البريطانية في الفترة التي سبقت كأس العالم كانت انتقادية.
هذه قطر وليست مخيم جنين
تلفزيون الكيان العبري سبق الجميع إلى البثّ المباشر لفعاليات مونديال قطر، تزامُناً مع اتّخاذ قرار السماح بإقامة خطّ جوّي مباشر بين «تل أبيب» والدوحة لنقل 10- 20 ألفاً من الصهاينة (من غير المعروف شغفهم بكرة القدم)، فضلاً على فتح مكتب اتصال «إسرائيلي» دائم في العاصمة القطرية لرعاية شؤونهم، وبِغير ذلك ما كانت قطر لتنال شرف التنظيم مِن بين المنافسين الكبار والشرسين عادةً.
التطبيع مرفوض شعبياً في قطر مثلما هو مرفوض من كلّ الشعوب العربية، وفق ما يشير إليه البيان الصادر عن «تجمّع شباب قطر ضدّ التطبيع»، رفضاً لاتفاقية التطبيع المونديالي مع العدو.
ولعلّ «الإسرائيليين»، وتحديداً مُراسلي القنوات العبرية، لم يُدهَشوا بحجم النبذ الذي قابَلهم به العرب خلال فعاليات كأس العالم في قطر.
إلى الآن لم يُتّهم المشجّعون العرب بمعاداة السامية لرفضهم إجراء مقابلات مع القنوات العبرية خلال فعاليات كأس العالم في قطر. لكن، قد لا يكون مستغرباً إنْ خرج أحدهم لإعلان ذلك في الأيام المقبلة؛ إذ لم يبقَ مراسل «إسرائيلي» واحد، من الموفَدين إلى الدوحة إلّا وتم تجاهله ورفضه من قِبَل مشجّعين عرب أثناء محاولته الحديث إليهم.
غير أن ما حصل مع مراسل «القناة 12» العبرية، أوهاد حِمو، بُعيد افتتاح المونديال، كان الأعنف إلى الآن. حِمو الذي تحدّث إلى صحيفة «معاريف» العبرية عن تجربته في قطر اعتقدَ أن «الحدث رياضيٌّ بالمطلق، ولا علاقة له بالسياسة»، وكأنه يتحدّر من سويسرا لا من الكيان!! ولكن منذ وصوله إلى الدوحة، بدا منبوذاً كزملائه الآخرين، بعدما «اكتشف فجأة» أنه يمثّل دولة احتلال تمارس إجرامها اليومي على الشعوب العربية عامةً، وشعب فلسطين خاصة، وهو نفسه يغطّي هذا الإجرام ويدافع عنه.
يقول حِمو: «عندما نكشف عن هويتنا ونوضح أننا من قناة إسرائيلية، يرفضون التحدّث معنا». ومع ذلك، فهو لا يَعتبر التواجد هناك «ضرباً من ضروب التحدّي»، على اعتبار أن «هذه قطر وليست مخيم جنين».
ولعلّ طمأنينته هذه عائدة إلى كون قطر وافقت على افتتاح استوديو لهيئة البثّ الرسمية العبرية «كان» على أراضيها، رغم أن قوانين الفيفا لا تجبر البلد المُضيف على مخالفة قوانينه، وهو ما رأت فيه مجموعة «شباب قطر ضد التطبيع»، «تطبيعاً مرفوضاً لا نجد له ما يبرّره»، لافتةً، في بيان، إلى «عدم اتّساقه مع ردّة الفعل الجماهيرية المُدافعة عن هوية وأولويات شعوب المنطقة»، مؤكدة أن «الشعب القطري لن يدّخر جهداً للتضييق على الوجود الصهيوني، وهذه رسالة ندرك تماماً أن العدو سيفهمها جيداً».
شال ورأسان
بعيداً عما روجت له وسائل الإعلام النفطية من حضور وظهور ابن سلمان في حفل افتتاح المونديال وارتدائه الشماغ القطري، ثم ظهور ابن حمد بالشماغ السعودي في مدرجات مباراة السعودية مع الأرجنتين، إلا أن المسألة في الأصل هي مسألة وظيفية وتبادل أدوار، فلا ريب في أن مونديال قطر يثير حسد السعودية والإمارات اللتين تتفوقان حتى اللحظة على نظام الدوحة؛ الأولى بفعل حجمها وتَحكمها بأسواق النفط العالمية، والثانية بالدور الذي تلعبه منذ سنوات طويلة كمركز إقليمي - دولي تتّخذه الشركات العالمية مقرّاً رئيساً لاصطياد العقود من دول الخليج النفطية كافة.
ويقدّم الحدث الرياضي الأكبر صورة مختلفة لقطر بوصْفها دولة ذات بنية تحتية عالمية المواصفات قادرة على القيام بدور المركز الإقليمي بالمنافسة مع الإمارات والسعودية - وهي التي لعبت بالفعل أدواراً سياسية تتجاوز حجمها بكثير في هذه المنطقة المضطربة.
مافيا «فيفا»
«الاتحاد الدولي لكرة القدم» (فيفا)، هذه الهيئة المنظمة للعبة كرة القدم في العالم، تضع حكومات ورؤساء وبلداناً تحت رايتها، وتشهر البطاقات الصفراء والحمراء بوجه كل من يحاول مساءلتها، وتطلق صفاراتها المدوية ليسمعها كل من يجادلها.«حقيقة فيفا» سلسلة من أربع حلقات وثائقية تتبع القواعد المعتادة لهذا النوع من الإنتاج، دون تجاوز الخطوط الإشكالية الرئيسية. مع ذلك، فإن التوثيق مهمّ بما يكفي لنشاهد فصوله الأربعة.
منذ نشأته، كانت شرعية «فيفا» محلّ تساؤلات. هنا نتحدث عن فضائح فساد هزت كرة القدم في العقود الأخيرة: استغلال النفوذ، الرشوة، الابتزاز، هدايا، وجوائز تُسلَّم باليد لصالح قلة.
«نتفليكس» سجّلت هدفاً في هذا الوثائقي. رغم أنه ليس مدروساً جيداً، إلا أنّ وصوله إلى المصادر والصحافيين وأصحاب نفوذ داخل «فيفا»، يجعله نقطة انطلاق لفهم بيروقراطية ودكتاتورية كرة القدم. يتبع الوثائقي تاريخ «فيفا»، منذ ولادته عام 1904، وعلاقته بالعلامات التجارية مثل «كوكاكولا» و»أديداس»، وصولاً إلى مونديال قطر.
الوثائقي يحمل توقيع المخرج البريطاني دانيال غوردن، الذي أنجز العديد من الأعمال الرياضية المماثلة («لعبة حياتهم» 2001)، وحقّق نجاحاً كبيراً بشريطه الوثائقي «جورج بست بنفسه» (2017) عن اللاعب الإنكليزي الأسطوري جورج بست. رغم أنّ شريطه «حقيقة فيفا» لا يوفّر فعلياً أي معلومات جديدة تتعلق بفضائح الفساد داخل «الاتحاد العالمي لكرة القدم»، إلا أنه يقدم ملخصاً للفضيحة بأكملها، مُرفقة بتصريحات الفاعلين والمتهمين الرئيسيين الذين يعرضون جانبهم من القصة.
تعيدنا السلسلة إلى السبعينيات، عندما جاء البرازيلي جواو هافيلانج لرئاسة «فيفا»، وبدأت عملية تحويلها من منظمة للهواة إلى إحدى أقوى المنظمات في العالم. سنرى كيف منح هافيلانج كأس العالم في عام 1978 للأرجنتين، التي كان يتزعمها خورخيه فيديلا الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري قبل ذلك بعامين. كما نرى كيف قام رئيس شركة «أديداس»، هورست داسلر، برشوة هافيلانج، وحصل على الحقوق التجارية والتسويقية لشركته (ISL) حتى عام 2001، عندما أعلنت إفلاسها. لسنوات، كان جوزيف سيب بلاتر اليد اليمنى لهافيلانج، ثم تولى منصب الرئيس من عام 1998 وحتى العام 2015.
الجزءان الأوّلان من السلسلة يشرحان -على عجالة- ما سبق ذكره بدقة. يقدمان الخلفية اللازمة لنصل إلى الحاضر، ونفهم أبعاد العفن المختبئ في تنظيم كأس العالم والمكتسبات والقوة التي منحتها للجميع للإفلات من العقاب. يتضمّن الوثائقي مقابلات مع أشخاص متورطين في ما حدث، كرئيس «فيفا» السابق سيب بلاتر، والرئيس الحالي جياني إنفانتينو، وأعضاء رئيسيين في «فيفا» أمثال جيروم فالكي، وجوكا كفوري، وريكاردو تيكسيرا، وميشيل بلاتيني، ومحمد بن همام وغيرهم.
في الجزء الثالث، نفهم الرهانات المالية وخلفيات اختيار قطر لاستضافة كأس العالم. بشهادة بلاتر نفسه، يخبرنا بأنّه ليس مسؤولاً عن الفساد في «فيفا»، وهو ينام بضمير مرتاح.
يرينا الوثائقي الحرب الكبيرة بين بلاتر والقطري محمد بن همام عندما حاول الأخير منافسة بلاتر لرئاسة «فيفا»، وأدى ذلك لانسحابه من المنافسة ومن الكرة بشكل عام. الفصل الثالث هو ذروة السرد في التحالفات والرشوة والاحتيال، التي بلغت ذروتها باستضافة قطر للكأس.
يتحدث موظفون سابقون في «فيفا» وأعضاء في اللجنة التنفيذية عن الفساد ونجاح العرض القطري، ويسردون قصصاً عن المفاوضات والظروف المليئة بالنقود التي تتجول في الفنادق. لكنّ القطريين بدورهم يواظبون على نفي كل شيء.
يجادل الوثائقي كيف لعب ميشيل بلاتيني، الرئيس السابق لـ»الاتحاد الأوروبي لكرة القدم»، دوراً مهماً في منح قطر الاستضافة. يقال إنّه قبل تسعة أيام من التصويت، تناول نجل أمير قطر الغداء مع رئيس فرنسا آنذاك، نيكولا ساركوزي، الذي تدخّل شخصياً لإقناع بلاتيني بدعم قطر. لكن الأخير قال إنّه قرر دعمهم حتى قبل لقاء ساركوزي. الملفت أنّه في تلك الفترة، اشترى القطريون فريق «باريس سان جيرمان»، وأبرموا صفقة مع شركة «إيرباص»، واشترت شبكة «بي إن سبورت» حقوق بث الدوري الفرنسي، كما ابتاع سلاح الجو القطري آلات حربية فرنسية تقدر قيمتها بنحو 14.6 مليار دولار.
في الفصل الرابع، تبدأ التحقيقات العملية من قبل المدعي العام في نيويورك ومكتب تحقيقات «فيفا» ومكتب التحقيقات الفدرالي. لم تكن استضافة قطر للكأس السبب الوحيد للتحقيقات.
كل ما حصل في الماضي لعب دوراً في ذلك. أحد مسؤولي كرة القدم الأكثر إثارة للجدل، الأمريكي تشاك بليزر، قدّم معلومات كافية لمحاكمة ما يصل إلى أربعة عشر شخصاً واعتقال سبعة من مسؤولي «فيفا» في عام 2015، بتهمة الرشوة والابتزاز والاحتيال وغسيل الأموال. وقد أظهرت التحقيقات كيف أن «فيفا» يعمل كمنظمة إجرامية على مستوى عالمي، وضعت دولاً بأكملها على الحبال، مستفيدة اقتصادياً من حالات الفقر في المناطق الأكثر حرماناً. وأحد العناصر الأكثر إثارة للاهتمام هو «الغسل الرياضي»، تلك الممارسة التي تستخدم الحكومات من خلالها الرياضة لتحسين سمعتها.
رغم المؤامرات المعقدة لشراء الأصوات وحقوق كرة القدم والألعاب المالية والاقتصادية، إلا أن الوثائقي تمكّن من شرحها بوضوح. «فيفا» مؤسسة قوية اقتصادياً تدّعي انحيازها السياسي على الورق فقط، كما كان يكرر جواو هافيلانج: «السياسة وكرة القدم لا يجتمعان». لكن الحقيقة أنّ حيادها المزعوم هو في المظهر فقط، ومن الصعب كسر الصلات بينها وبين عالم السياسة. الفساد في «فيفا» ليس إدارياً أو فردياً، إذ يكشف الوثائقي أن كل الدول مشاركة في هذا الفساد، بل إنّ المدير الإعلامي السابق لـ»فيفا» غويدو توغنوني لخّص الوضع بجملة: «إذا سألت ما إذا كان فيفا يمكن أن ينتهي من الفساد، عليك أن تسأل ما إذا كان الفساد يمكن أن ينتهي في العالم كلّه. لا، لا يمكن ذلك، هذا مستحيل».
(FiFA Uncovered) على «نتفليكس»
نقلاً عن «الأخبار» اللبنانية (بتصرف)
إنفانتينو يعترف: أنا شاذ!
كرة القدم هي سياسة من الطراز الأول على المستوى العالمي، وبالتالي لا يمكن فصل هذا عن ذاك. وقد أبرزت استضافة قطر كأس العالم هذا التفاوت السياسي في منظور الدول للقيم المختلفة بين الجنوب والشمال. في هذا السياق من التوترات أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) خطاباً إلى اثنين وثلاثين منتخباً تشارك في المونديال يدعوها إلى «التركيز على كرة القدم». لم يكن أمام إنفانتينو، رئيس «فيفا»، أي خيار سوى أن يقول في المؤتمر الصحفي الافتتاحي في ليلة الافتتاح: «اليوم أنا عربي، واليوم أنا أفريقي، واليوم أنا مثلي، واليوم أنا معاق، واليوم أنا عامل مهاجر». وتابع: «ينبغي لنا كأوروبيين أن نعتذر للشعوب عمّا قمنا به على مدى 3 آلاف سنة قبل إعطاء الدروس. العديد من المؤسسات الأوروبية تعمل في قطر وتجني أرباحاً مالية، الجميع موجود هنا في قطر من أجل إنجاح كأس العالم، ومتأكد أنها ستكون الأفضل».
وسبق ذلك أن خاطب إنفانتينو روسيا في قمة العشرين في إندونيسيا بإيقاف الحرب في أوكرانيا تزامناً مع مونديال الدوحة، وهو نفسه الذي -قبل وخلال مونديال موسكو 2018- لم ينبس بشفة بشأن إيقاف العدوان على اليمن.
المونديال الرملي
في الأسابيع الأخيرة قبل مونديال الدوحة باتت مسابقة كأس العالم لكرة القدم في الإمارة الغنية محاصرة بسيل من الانتقادات الفرنسية. الخضر البيئيون يصفون ظروفها بأنها غير بيئية ولا تراعي المناخ، وتستهلك كماً من الطاقة، وينتج عنها الكثير من ثاني أكسيد الكربون... وتركز المنظمات غير الحكومية في انتقاداتها على الجانب اللاإنساني لظروف عمل العمال منذ عام 2010. يضاف إلى ذلك الشق القضائي الذي يتمحور حول سؤال بسيط: ما إذا كانت قطر قد رشت مسؤولين أو استعملت علاقاتها مع فرنسا نيكولا ساركوزي للفوز بتنظيم المونديال؟
كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى وصول حامل اللقب، المنتخب الفرنسي، في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى الدوحة وسط انتقادات من معظم وسائل الإعلام الفرنسية، سواء لعدم احتجاج الفريق على كل ما يتعارض وحقوق الإنسان أو لعدم موافقة المنتخب على ارتداء شارة بألوان المثليين أو لعدم احتجاج اللاعبين على ظروف عمل العمال الذين قضوا إبان بناء الملاعب الخيالية. وعندما سئل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن هذه الحملات، أعلن قبيل انتهاء قمة بالي معارضته لمقاطعة كأس العالم، ودعا إلى عدم «تسييس الرياضة». بعد حديث ماكرون تقدم الاتحاد الأوكراني لكرة القدم بطلب إلى «فيفا» يؤكد دعم طهران للحملة العسكرية الروسية على أراضيها (بالمُسيرات) ويطالب باستبعاد منتخبها من المونديال، في حين طالبت دول مثل بريطانيا باستبعاد إيران لأسباب تتعلق بالاحتجاجات التي تشهدها بعض المدن الإيرانية.
وبالعودة إلى الانتقادات فإنها حاضرة بقوة في أوروبا وتستهدف الدولة المضيفة لكأس العالم؛ لكن ليس لها صدى في بقية العالم.
هذا هو الحال في الأرجنتين على سبيل المثال، حيث تكررت الجملة التالية مراراً وتكراراً منذ أسابيع: «مستحيل أن نتحدث بغير كأس العالم. هذا هو تكريم لآخر كأس يخوضها ليونيل ميسي البالغ من العمر 35 عاماً».
وفي الشارع، النشوة منتشرة ولا مكان لمخاوف وهوس البلدان الشمالية. السنغال تنعى غياب نجمها ساديو ماني المصاب مع ناديه بايرن ميونخ، والاهتمام منصب على سعر القمصان الرسمية لـ»أسود التيرانجا»، فهو أكثر أهمية مما تهتم به «أوروبا الغنية».
حتى بين الدول المنحازة للغرب، مثل كوريا الجنوبية واليابان، تعتبر قضايا الضرر البيئي أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان مهمة؛ لكن مشاركة منتخباتها الوطنية تبدو أكثر أهمية الآن. الانتقادات نادرة في الصحف اليابانية أو الكورية. وقد كتب صحفي ياباني أن مشجعي كرة القدم لا يشعرون بالقلق. ملاحظة مماثلة في كوريا الجنوبية الذين يتبعون بشراهة بطلهم القومي سون هيونغ مين.
الألبيسيليستي يعود
في مونديال إسبانيا 1982 خاض منتخب الأرجنتين مباراة الافتتاح بصفته حامل اللقب بتواجد كوكبة من النجوم الكبار على رأسهم الأسطورة الراحل دييغو مارادونا، ورغم ذلك خسر اللقاء الأول أمام بلجيكا؛ لكن بعدها واصل المشوار وتخطى الدور الأول ولعب في مجموعة بثاني الأدوار تضم البرازيل وإيطاليا قبل أن يودع بعد التعرض للهزيمة مرتين.
ومن جديد كان منتخب الأرجنتين الضحية بعد أن واجه حامل لقب النسخة السابقة (1986) نظيره الكاميروني بتواجد الأسطورة مارادونا؛ لكن رأسية فرانكويس أومان غيرت المعادلة وأسقطت كتيبة «التانغو» في فخ الخسارة التي وصفها كارلوس بيلاردو، مدرب الأرجنتين حينها، بأنها «أسوأ لحظة في مسيرته الرياضية». ورغم ذلك واصل منتخب «الألبيسيليستي» المشوار قبل بلوغ النهائي في مونديال إيطاليا لكنه خسر اللقاء النهائي أمام ألمانيا بهدف دون رد.
تاريخ كأس العالم يخبرنا أن الهزيمة في المباراة الأولى ليست مقياساً، خاصة بالنسبة لمنتخبات كبرى في مستوى المنتخب الأرجنتيني، فالمنتخب الإسباني هُزم في مباراته الأولى في مونديال 2010؛ ولكنه تمكن لاحقاً من تعديل مساره والفوز باللقب في نهاية المطاف، وهو أمر مرجح للمنتخب الأرجنتيني؛ ولكن فقط في حالة قدرة المدرب على التحرر ولو قليلاً من الاعتماد بشكل كبير على ليونيل ميسي، سواء كاسم على أرضية الملعب أو كخطة رئيسية.
بالمناسبة، وعلى ذكر ميسي، فقد أعادت تقارير صحافية أمريكية إلى الواجهة العقد الترويجي الذي يربط السعودية بلاعب المنتخب الأرجنتيني ليونيل ميسي.
ويأتي الحديث عن الاتفاق بعد الهزيمة المفاجئة التي مني بها منتخب «التانغو» أمام المنتخب السعودي (2-1) ضمن منافسات الجولة الأولى لدور المجموعات في كأس العالم - قطر 2022.
وبحسب مقال نشره موقع «ذي أتليتيك» الأمريكي فإن ميسي (34 عاماً) وافق في أيار/ مايو الماضي على الترويج للسياحة في السعودية، ما من شأنه أن يشكل دعماً كبيراً للمشروع الثلاثي الذي ستتقدم به السعودية ومصر واليونان لاستضافة كأس العالم 2030.
وقال الموقع إنه كان من المفترض أن ينضم ميسي إلى مبادرة الترويج لأمريكا اللاتينية لاستضافتها كأس العام في 2030، جنباً إلى جنب مع لويس سواريز؛ «لكن منذ أيار/ مايو الماضي ظهر تطور جديد؛ عندما وقّع ميسي اتفاقية مربحة للترويج للمملكة السعودية».
وأضاف: «أول شيء يجب قوله هو أن الاتفاقية تهدف إلى الترويج للسياحة في ذلك البلد، بدلاً من عرض كأس العالم 2030 نفسه، ومع ذلك فإن الهدف الوطني للسعودية مرتبط بـ»رؤية 2030». لذلك، يبدو أن الرهان على كأس العالم 2030 مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرؤية الشاملة 2030».
ولم يتم إعلان طول وشروط اتفاقية ميسي؛ ومع ذلك، أشارت عدة مصادر مطلعة على أدوار السفراء في منطقة الخليج، والتي طلبت عدم ذكر اسمها لمنع التداعيات، إلى أن «صفقة ميسي قد تصل قيمتها إلى 5 أضعاف الرسوم السنوية التي يبدو أنها عرضت على رونالدو ورفضها، وهي 5 ملايين جنيه استرليني سنوياً».
كرة القدم: رياضة اشتراكية ولعبة رأسمالية
من مارادونا وبيليه وكرويف وبلاتيني... إلى ميسي ورونالدو ونيمار... كان لاعبو كرة القدم رموزاً وأبطالاً قبل أن تحولهم العولمة إلى أرقام في بورصة المضاربات ومصدراً للدخل القومي وعلامات تجارية للعولمة.
لقد مرّ كل شيء وصار من الماضي البعيد، وصارت كرة القدم لعبة مملّة هدفها الإشهار والربح والمال والسباق الجنوني للشركات ووكلاء اللاعبين والبيع والشراء، وبات لاعبو كرة القدم الآن مجرّد دمى وآلات لجمع المال.
في كتابه «فيم نفكر حين نفكر في كرة القدم؟» يضع الفيلسوف البريطاني سايمن كريتشلي موضوع كرة القدم تحت مجهر البحث الفلسفي، ويجد أن كرة القدم بجوهرها لعبة جماعية تطغى عليها النزعة التعاونية بين اللاعبين، بل إنه فقط من خلال التعاون تكون اللعبة، ومهما كان اللاعب بارعاً فإنما هو عنصر في بنية. ويرى كريتشلي أن الطابع السياسي الذي يمكن أن نستقيه من كرة القدم هو الاشتراكية. غير أن اللعبة لا تحفزّ المشاعر الاشتراكية على الإطلاق، وإن أثارتها فتأتي هزيلة وغير واقعية، بسبب هيمنة رأس المال على تفاصيل اللعبة ومنظّميها. بيد أن هذه الهيمنة التي هي جزء من عالم كرة القدم تبعث على القيء والقرف، جرّاء الوجه النقيض للاشتراكية، أي النيوليبرالية المتأصلة في اللعبة.
من الأفضل بكثير عدم معرفة الأشياء السيئة والفساد الذي يحدث في كرة القدم، لكي تحب فريقك وتدعم منتخبك. ومن الأفضل عدم معرفة أجور اللاعبين والصفقات التجارية بين الفرق وتسلّل السياسة. بإمكانك أن تفر من كل هذا بأن توجه نظرك إلى المستطيل الأخضر مباشرةً، لتثري مشاعرك بكروت التشفير، ولتدر مليارات الدولارات إلى جيوب الفاسدين الإقليميين وإلى أرصدة النافذين الإنترناشيونال.
في مونديال 1978 كانت الأرجنتين البلد المضيف لبطولة العالم، وكانت كلّ مباراة للمنتخب الوطني في البطولة احتفالاً متجدّداً بمعشوقة الجماهير في طول البلاد وعرضها. لكن الكاتب الأرجنتين الأشهر خورخي بورخيس له رأي آخر. تعمّد بورخيس آنذاك تحديد موعد إحدى محاضراته لتتزامن مع مباراة الأرجنتين الأولى في البطولة، الأمر الذي وجد فيه كثير من الأرجنتينيين تعالياً واحتقاراً للثقافة الشعبية التي تجد في كرة القدم سبباً من أسباب الفرح، واحتفالاً يومياً بالأمل والحياة.
في رأي بورخيس، كرة القدم أفدح جرائم الإنكليز. فاللعبة الأرستقراطية الإنكليزية صارت شغف اللاتينيين في تلك الأحياء النائية، نقلها إليهم البحارة الإنكليز، فوضعوا فيها سحرهم، وأعادوا اكتشافها، كأنهم خالقوها.
من الصعب أن تقنع شعباً كبر وهو يلعب الكرة في الأحياء الشعبية، بمنطق بورخيس، فكيف لمن كانت كرته المرقّعة متعة حياته الوحيدة، أن يهتم لنظريات بورخيس حول التعصب الكروي والدوغمائية؟! وكيف يتفهّم الأرجنتينيون أسباب بورخيس وقد خرج جميع أبطالهم من تلك الملاعب، وداعبت كُلّ أساطيرهم تلك القطعة الجلدية المدوّرة؟! حتى أرنيستو تشي غيفارا، ذلك الثائر الأممي، الذي أنجبته الأرجنتين وأهدته إلى العالم، أحبّ كرة القدم.
في ذلك العام، ربحت الأرجنتين كأسها العالمي الأول، ورفع الأرجنتينيون كؤوس الاحتفال في ساحات بوينس آيرس العامة حتى ساعات الصباح، وربما كان بورخيس الأرجنتيني الوحيد الذي نام في تلك الليلة.
هناك من يجد في كرة القدم وسيلةً لإلهاء الشعوب الفقيرة عن الثّورة ضد ناهبيها؛ لأنّها تعطيهم ذلك الإحساس الخادع بالمتعة والرضا. وهناك من يسخر من ذلك الكلام الذي يجد في حبة الطماطم سبباً لاستكانة الشّعوب واختلال ميزان العدالة الاجتماعية.
ومن الغرف الضيقة لنادي «كورينثيانز» قاد البرازيلي سقراط انقلابه الصغير على النظام الدكتاتوري، فأسّس مع رفاقه تجمعاً ديمقراطياً للنادي، متحدياً قمع المجلس العسكري الذي حكم البرازيل آنذاك.
بعد ذلك بأكثر من عقدين من الزمن، كان مارادونا قد انضم إلى التظاهرات المناهضة لجورج بوش على هامش القمة الرابعة للأمريكتين، التي استضافتها الأرجنتين في العام 2005. ارتدى نجم الأرجنتين يومها فانيلة سوداء، تتوسّطها صورة لجورج بوش تحيط بها الدماء من كل جانب، وقد كُتب أعلاها: «مجرم حرب». لم يتوقّف بعدها مارادونا عن انتقاد أمريكا وسياساتها منذ عهد بوش حتى عهد ترامب.
المصدر «لا» 21 السياسي