حوار: يارا بليبل
تتراكم خيبات دول تحالف العدوان مع كل خطوة توهمهم بقرب تسجيل أي خرق أو نصر وهمي في مسار الحرب على اليمن.
لم يكن تغييب عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر إلا قراراً إجرائياً لتكتيك تتبناه الرياض وأبوظبي للخروج من اليمن بأقل الخسائر الممكنة؛ إذ لا يمكن فصل هذا التفصيل عن سياق التطورات المسجلة على مستوى الهدنة الإنسانية والعسكرية المعلنة مطلع نيسان/ أبريل الماضي.
تعتقد السعودية أن المسرحية التي أقدمت عليها ستوفّر لها الحُجة للنأي بنفسها عن الحرب، وأن الخطوة المذكورة هي من ضمن الإجراءات الممهِّدة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، وأنه بإزالة هادي -رمز هذه الحرب- يزول أحد أهم أسبابها بعدما كان وجوده على رأس ما يسمَّى «الشرعية»، المشرِّع لها، والمحرِّض على استمرارها، وأن من شأن تلك الإجراءات أن تفتح الباب على ديناميات سياسية جديدة قد تُحدِث خرقاً في جدار الأزمة.
وبعدما اتضح أن حسابات الحقل لن تتقاطع وحسابات البيدر، يعمد النظام السعودي والإماراتي إلى عرقلة مسار المفاوضات في الأردن، الهادفة لتمديد الهدنة وتطبيق بنودها لناحية فتح المنافذ البرية والبحرية والجوية.

جنوح العدو إلى هدنة جاء تفادياً لذروة الردع
وفي ضوء كل هذه المعطيات، اعتبر رئيس تحرير صحيفة «لا» اليمنية اليومية، صلاح الدكاك، في تقييمه للهدنة مع قرب انتهاء مفاعيلها رسميا، أن «جنوح العدو إلى هدنة جاء تفادياً لذروة عالية من ذروات رد وردع يمني تصاعدي، فشل العدو في الاحتماء من جحيمه بعد سبعة أعوام وله ما بعده».
وتابع: «قبولنا بالهدنة كان سعياً لتخفيف معاناة شعبنا المحاصر والمعتدى عليه، وهو ذاته المسعى الذي استهدفته عمليات الرد والردع قبل الهدنة، حيث حملت اسم «عمليات كسر الحصار»».
وفي استعراضه لبنود الهدنة في سياقها الإنساني لفت رئيس تحرير صحيفة «لا» اليمنية إلى أن «معظم البنود لا تزال بعد مُضِي زمنها عالقة ومعطلة بفعل تنصل العدو والتواطؤ الأممي معه»، مؤكداً أن الأصل يتمثل في «إنهاء شامل للحصار ووقف كامل للعدوان بأشكاله المختلفة، لاسيما العسكرية والاقتصادية وانسحاب القوات الأجنبية من كامل التراب اليمني».
وأضاف: «نحن نخوض حربنا الدفاعية منذ البدء لتحقيق هذه الغايات وتثبيت هذه الحقوق المشروعة والطبيعية، لا لندخل في متوالية حصار وعدوان بالتقسيط تحت مسمى هُدَن لا تؤتي أكلها».

تجديد الهدنة حاجة لدول العدوان
وبالحديث عن المفاوضات الجارية في العاصمة الأردنية عمّان بين وفد صنعاء والأطراف الموالية للعدوان وما ستؤول إليه الأمور، لاسيّما حظوظ تمديد الهدنة ونجاح الموفد الخاص للأمم المتحدة في تمريرها، ربط صلاح الدكاك تقديره «بطبيعة أداء وفد الخونة لمشاورات عمّان ومدى ما يمتلكونه من صلاحيات للبت في الموضوعات والقضايا قيد التشاور»، مشيرا إلى أن وفد الخونة في واقع الحال المشهود «لا يحاور بالإنابة عن الداخل الوطني ومعاناة شعبنا اليمني سواء في تعز أو غيرها من محافظات الجمهورية، بل يحاور بالإنابة عن مآزق دول العدوان ومخاوفها وأطماعها، حيث يتخذ الوفد من معاناة أهلنا في النطاق المحتل من تعز شماعة وحائط مبكى، والحقيقة أن هذه المعاناة هي نتاج مباشر لاستجلاب الخونة عدواناً كونياً على شعبنا وبلدنا».
وأوضح الدكاك: «لقد عمل التحالف وأدواته منذ البدء على مفاقمة المعاناة كسلاح بُغية تركيع شعبنا وتمزيق نسيجه الاجتماعي وترابه السيادي. ووفقاً لهذه الحقائق فإن الخونة لا يرون في هذه المعاناة مشكلة، بل مطلبا ورأسمالا يخشون خسارته. لكنهم في هذا الطور من الاشتباك الذي لحق بأربابهم فيه مستوى عالٍ من الألم مقروناً بسلسلة الهزائم التي لحقت بهم ميدانياً، علاوة على المناخ الدولي المضطرب بفعل الحرب في أوكرانيا».
كل ما ورد، وفقاً لرئيس تحرير صحيفة «لا» اليمنية، «يجعل حاجة دول التحالف أقرب لجهة مراكمة هدنة منها لجهة استئناف العدوان العسكري»، وبالتوازي «محاولة الاستفادة من الوقت لمقاربة خيارات عدوان آمنة، إذا أمكن، على غرار ما يجري من إعادة ترتيب أوراق عصابات الاحتلال المسلحة واللعب بورقة ما يسمى مجلس رئاسي».
وأعرب عن رؤيته لكون «تمديد الهدنة هو الأرجح، وأن فتحاً جزئياً لمنافذ تعز وغيرها سيحصل»، مشيرا إلى مبادرة رئيس الجمهورية المشير مهدي المشاط المعلنة من طرف واحد، والهادفة إلى «تخفيف المعاناة عن أهلنا في تعز وذلك عبر فتح المنافذ التي اقترح وفدنا الوطني فتحها في تعز ورفض وفد الخونة فتحها».
واستكمل الكاتب اليمني مفصلاً ملف المعابر بالقول: «المنافذ التي اقترح وفدنا فتحها كلها تؤدي إلى الحوبان بفارق ربع ساعة عن الطريق الذي يصر وفد الخونة على فتحه، والذي يمثل جبهة مشتعلة ملتحمة مكانياً بالنطاق السيادي غير المحتل من تعز»، موضحاً أن إصرار وفد الخونة على طريق بعينه الهدف منه «تعطيل مقترح فتح المنافذ الأخرى التي تحقق الغرض المتمثل في إنهاء معاناة أهلنا في النطاق المحتل وخارجه وتجنيبهم مشقة السفر الطويل».
«في المحصلة، إن كل الطرق تؤدي إلى جغرافيا السيادة، حيث فضاء العيش يتسع لطيف المكونات الاجتماعية اليمنية بعيداً عن مقاصل الفرز الطائفي والعنصري التي تثخن رقاب اليمنيين في الجغرافيا المحتلة»، بحسب الدكاك.
وأردف: «نحن مثلاً مُهجَّرون قسراً من منازلنا في تعز بقوة السلاح والاعتداءات والجرائم التي ارتكبتها عصابات التحالف بحق ذوينا، وحتى لو فتحت جميع المنافذ إلى المدينة فإننا غير قادرين على العودة إلى منازلنا والعيش بصورة طبيعية مع بقاء سواطير ومقاصل الاحتلال ومرتزقته مشرعة فوق رقاب المختلفين في الرأي والانتماء والمذهب، بينما يجتمع في جغرافيا السيادة كل الطيف الاجتماعي، بمن فيه المعادون علناً لأنصار الله ولنا وحتى عائلات وأبناء معظم العسكريين المرتزقة تقيم في محافظات السيادة مثل إب وصنعاء».

الحل بمنأى عن الوصاية والهيمنة الخارجية
أكد صلاح الدكاك أنه بصفته الصحفية غير مخوّل تحديد أولويات صنعاء؛ «لكن يمكن الجزم بالمحددات الكلية التي تقارب من خلالها القيادة أفق الصراع والحل، وهي تصب في ما ذكرته سابقاً من إنهاء كافة أشكال العدوان والحصار على شعبنا وبلدنا بصورة شاملة، وخروج قوات الاحتلال الأجنبي، والإقرار بوحدة التراب اليمني والسيادة الوطنية الكاملة عليه، والدعوة إلى حوار وطني يمني- يمني شامل بمنأى عن الوصاية والهيمنة الخارجية يفضي لحل المعضلات الداخلية بكافة أشكالها، وهي بالأساس معضلات أنتجها زمن الوصاية واستثمر ويستثمر فيها».

ضامن الهدنة هو الجهوزية للرد الحاسم
أما بالنسبة لتمديد الهدنة، فرأى الكاتب اليمني أن «المطلوب هدنة تفضي لانفراج معيشي واقتصادي وإنساني كامل وملموس»، الأمر الذي يتحقق بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة كلياً كحق لا كتنازل من قبل العدو، وكذلك توجيه ثروات اليمن المغتصبة في النطاق المحتل وجغرافيا السيادة لصرف رواتب كامل موظفي الجهاز الإداري للدولة في الجمهورية اليمنية دون استثناء، وهذا يتطلب الاتفاق على آليات ممكنة، منها عودة البنك المركزي لوضعه الطبيعي، وسحب العملة المزورة التي أدت لتضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار.
وشدد الدكاك على أن ما ورد «يحتاج إلى ضمانات حقيقية. ولا ريب أن الضامن الأبرز هو جهوزية قواتنا المسلحة للرد الحاسم». واستدرك قائلاً: «بالعموم إن الدخول في سلسلة هدنات دون مقاربة أفق للحل السياسي الشامل وفقاً للمحددات السالفة سيكون بمثابة هروب من جذر القضية المتمثل في إنهاء الوصاية الأجنبية على اليمن وغرق في مقاربة أعراضها ونتائجها».

اقتتال خونة وصراع مرتزقة
وفي التطرق إلى الخلافات بين ما يسمى «المجلس الرئاسي» وحزب الإصلاح، لاسيّما لناحية التأثير على مسار المفاوضات، رأى الدكاك أن «ما يسمى حزب الإصلاح قد تم إبعاده بصورة متعمدة من واجهة الإطار الخياني الجديد الذي طوت به دول العدوان صفحة العميل هادي وكبار رموز وقيادات الخونة»، لافتا إلى أنه «بالنظر إلى النطاق المحتل من محافظة تعز، فإن الشق البحري بالإضافة إلى مركز مديريات الحجرية حيث المرتفعات المشرفة على ساحل المخاء وباب المندب، تم ضمها لسيطرة العميل طارق عفاش بوصفه خصماً لنفوذ قوة الإصلاح العميل، لينحصر نفوذ الأخير في أجزاء من مديريات مدينة تعز عاصمة المحافظة».
وأوضح أن «هذا الأمر كان وما يزال موضع اقتتال بيني صامت وضاج أحياناً. واليوم فإن مجلس العار يسعى لسحب البساط الأخير من يد الإصلاح العميل، فيما يعجز طرفا الارتزاق عن التوصل لتسوية مشتركة لتشاطر النفوذ، بفعل تباين قنوات العمالة بين سعودية وإماراتية وحتى تركية».
ولفت الكاتب إلى أن «مأزق الإصلاح العميل في تعز يتجلى أكثر في حال فتح منافذها، حيث سيفقد دعواه الوجودية. كما أن استمرار إغلاقها سيجعله يخسر شارع النطاق المحتل لصالح العميل عفاش أو سيرغم على الدخول في تسوية تسلبه النفوذ ويصبح فيها تحت إمرته».

عدوان فاشل إلا في قتل الأبرياء
وفي الختام، تناول رئيس تحرير صحيففة «لا» اليمنية اليومية في حديثه ملف أدوات النظام السعودي في الميدان اليمني، مشيرا إلى أن «مكمن الفشل السعودي تمثل منذ البدء في انعدام ثقته بعملائه، لذا كان دائماً يلجأ لتدوير الوجوه بين فترة وأخرى بينما لا يمنحها سلطات حقيقية على أرض الواقع، وإنما يبقي على زمام الفعل بيده».
واستشهد بـ»العميل هادي والعميل العليمي؛ فكلا الدميتين يقف على أرض رخوة ومضطربة، ويمكن للرياض أن تقامر بالدمية الجديدة من الدنبوع كما فعلت مع الدنبوع نفسه، فالأمر مرهون بحاجة السعودية ومن ورائها أربابها لافتداء المصالح الحيوية للهيمنة الأمريكية أمام خطر داهم ووشيك يتمثل في ذروات الرد والردع اليمني المتصاعدة براً وبحراً وجواً واليد اليمنية الطائلة في عام ثامن لعدوان فشل في كل شيء إلا في قتل النساء والأطفال وتدمير البنى التحتية».

1 حزيران/ يونيو 2022