«لا» 21 السياسي -
تركي الفيصل هو الرئيس السابق للمخابرات السعودية، ويعد -إضافة إلى أخيه خالد الفيصل وابن عمه بندر بن سلطان- من المقربين القلائل من «كُبار» بني سعود إلى ابن سلمان. يقول الفيصل إن بلاده تشعر بأن أمريكا خذلتهم فيما يتعلق بالعلاقة معهم، لاسيما تجاه التهديدات الأمنية التي شكلتها «جماعة الحوثي» -كما يسميها هو- على المملكة والمنطقة بأسرها.
تصريح تركي الفيصل، الذي أعرب فيه عن خيبة أمل السعودية من علاقتها بأمريكا، هو نتيجة تراكمات ليست وليدة الساعة، والانشقاق الفعلي بين السعودية وأمريكا بدأ منذ بدء العدوان على اليمن وإعلانه من واشنطن، وهي الخيبة المتبادلة بين الدوق والبيدق بعد فشلهما في اليمن.
وإذا كان لا بد من اعتذارات -يؤكد الأمريكيون- فيجب أن تكون السعودية هي التي تتخذ الخطوة الأولى، وتؤكد أنها ستقدم ما يكفي لضمان المصالحة.
يبحث السعوديون بالفعل عن مخرج من الحرب على اليمن، كما يؤكد على ذلك آرون ديفيد ميلر في (سي إن إن) الأمريكية، وقد أزالوا الشهر الماضي إحدى العقبات الرئيسية أمام التسوية عبر إجبار «عبد ربه منصور هادي» على الاستقالة، بحسب ميلر.
يضيف ميلر أن الولايات المتحدة ترى أنه يمكن إتمام المصالحة عبر تقديم بعض الضمانات الأمنية التي من شأنها تهدئة المخاوف السعودية والإماراتية بشأن تهاونها في أعقاب الهجمات اليمنية؛ ويستدرك: «لكن الحقيقة أن الأمر لن يتم بهذه السرعة»؛ فالتوترات الشديدة بين الولايات المتحدة والسعودية لم تحدث بين عشية وضحاها ولن تُحل بطريقة سحرية، إلا إذا تم محاكاة حالة المحاباة التي أنشأتها إدارة دونالد ترامب من خلال تدليل ابن سلمان والنهوض للدفاع عنه فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والحرب على اليمن ومقتل خاشقجي.
ويخلص ميلر إلى أنه إذا أرادت السعودية الخروج من عزلتها فيجب أن يقدموا ضمانات فيما يتعلق بالنفط وخاشقجي واليمن. وفي المقابل فإن أي ضمانات أمنية يريدونها يجب أن تكون معقولة ولا تقيد الولايات المتحدة بسياسات «سلطوي قاسٍ ومتهور» قد يرغب في توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران.
وعن الخيبة السعودية الأمريكية المتبادلة ذاتها، نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» تقريراً أعدَّه روبيتر ماسون، وهو زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تحدث فيه عن فتور العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. ويخلُص الكاتب إلى أن الجهود الاقتصادية والدبلوماسية المتجددة إلى جانب حزمة عسكرية جديدة يمكن أن تضطلع بدور مهم في الخروج من المأزق الحالي بين البلدين.
يقول ماسون: «وبالطريقة ذاتها التي خفَّفت بها الجهود الاقتصادية والدبلوماسية المتجددة حِدَّة التوترات عقب أزمة النفط عام 1973 وهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، قد يؤدي نهج مماثل إلى جانب حزمة عسكرية جديدة تهدف إلى تهدئة المخاوف السعودية بشأن استمرار هجمات الحوثيين والنفوذ الإيراني دوراً مهماً في الخروج من المأزق الحالي».
من هنا ووفقاً للمعادلة الأمريكية المطلوبة يأتي تطويع واشنطن لآل سلمان، حيث استقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.
وذكرت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون أن سوليفان أعاد تأكيد التزام الرئيس الأمريكي جو بايدن بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها، بحسب واتسون.
وأضافت: «ناقش الاثنان أيضاً أهمية تنسيق الجهود من أجل ضمان المرونة الاقتصادية العالمية».
وهي المرونة التي تجلت بإعلان السعودية نيتها زيادة إنتاج الطاقة إلى 13 مليون برميل، كما ذكر وزير الطاقة السعودي، على الرغم من محاولة السعودية خلال الفترة الماضية رفض طلب إدارة بايدن رفع الإنتاج تحسبا لردة فعل روسية.
وتأتي زيارة ابن سلمان قبيل أيام على انتهاء الهدنة الهشة في اليمن وسط مخاوف من تداعياتها.
وقبل أقل من عام، وتحديداً في 7 تموز/ يوليو 2021، أجرى خالد بن سلمان مناقشات مع سوليفان شملت أيضاً التزام الولايات المتحدة بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها، بحسب بيان أمريكي بشأن تلك الزيارة.
وبين الزيارتين جرت مياهٌ كثيرةٌ في النهر. ورغم كل ذلك تبقى معادلة العلاقة بين واشنطن والرياض هي تلك التي وضعها روزفلت وابن سعود على ظهر سفينة كوينسي فوق مياه الواحات المرة عام 1945: الحماية مقابل النفط. وإن كان ثمة ما تغير فليس سوى خيبة البُلهاء ممن خسروا رهانهم على ابن سلمان، زعيم المواجهة مع الأمريكيين، وهؤلاء أيضاً (أي الأمريكيين) لن يكونوا أفضل حالاً في رهانهم على جو بايدن الذي أعلن ذات مرة المملكة العربية السعودية «منبوذة (...) بِلا قيمة اجتماعية تعويضية»، والذي انتقد بشدة سجل السعوديين في حقوق الإنسان وحربهم على اليمن والدور الذي قامت به حكومتهم في مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأفادت شبكة (سي إن إن) الأمريكية بأن بايدن وابن سلمان قد يجتمعان لأول مرة في أقرب وقت في يونيو/ حزيران المقبل.