إعداد: علي عطروس / لا ميديا -
أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس قوة مهام جديدة، مع دول حليفة، ستقوم بدوريات في البحر الأحمر (طبعاً في معرض مصطلحات الأمريكي المراوغة، فإن «دول حليفة» يعني بلا شكٍّ كانتونات تبعية وأدوات لا غير).
وأفاد قائد الأسطول الخامس الأمريكي (مقره البحرين)، الأدميرال براد كوبر، بأن «قوة المهام المشتركة 153» ستقوم -حسب ادعائه- على «تعزيز التعاون بين الشركاء البحريين الإقليميين لتعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن» (وبالطبع، لا شركاء حقيقيين لواشنطن في المنطقة إلا الكيان الصهيوني، أما البقية فموظفون وأجراء؛ وتعزيز الأمن يعني للأمريكيين تعزيز الاحتلال وتكريس السيطرة).
وقال كوبر: «المنطقة شاسعة للغاية، لدرجة أنه لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا»، مشيرا إلى أن القوة الجديدة «ستتألف مما يتراوح بين سفينتين و8 سفن»، وهي جزء من القوات البحرية المشتركة المكونة من 34 دولة، يقودها كوبر أيضاً ولديها 3 فرق عمل أخرى.
ولفت كوبر إلى أن القوات المشتركة ستنضم إليها سفينة «يو إس إس ماونت ويتني»، وهي سفينة قيادة برمائية من فئة «بلو ريدج» كانت في السابق جزءاً من الأسطول السادس للبحرية الأفريقية والأوروبية (لا يعقل أن القوات البحرية المشتركة التي يعنيها كوبر هي قوات مملكة البحرين أو سلطنة مدغشقر أو جمهورية جيبوتي... مجرد عنونة لتفاصيل شيطانية يتحكم بها الأمريكي. هل تذكرون تحالفات تحرير الكويت أو غزو العراق أو العدوان على اليمن؟!).
كما ذكرت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مسؤول أمريكي اشترط عدم الكشف عن هويته، أن القوة الأمريكية الجديدة «ستتصدى لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن»، رداً على سلسلة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة شنتها القوة الصاروخية اليمنية هذا العام على السعودية والإمارات، وأن «المياه بين الصومال وجيبوتي واليمن كانت ممرات معروفة لتهريب الأسلحة المتجهة إلى أنصار الله (الحوثيين)»، مضيفاً أن «القوة الدولية الجديدة ستتابع بالتأكيد هذه القضية».
وفي هذا الإطار قال كوبر إن «القوة الجديدة ستؤثر في قدرة الحوثيين على الحصول على الأسلحة»، مضيفا: «سنكون قادرين على القيام بذلك بشكل حيوي ومباشر أكثر مما نفعله اليوم» (بغض النظر عن الثقة بما تنقله «رويترز»، خصوصاً بعد آخر فضائحها بشأن الخمسة مليارات دولار العمانية؛ إلا أن الملاحظ في ما ذكرته نقلاً عن مصادرها: حديث الأمريكيين عن الأمر وكأنه يحدث للمرة الأولى، وكأنهم لم يكونوا موجودين في البحر الأحمر منذ عقود، وكأنهم لم يفشلوا في تحقيق والحفاظ على أهداف تواجدهم ذاك؛ ذعرٌ في كيانيها النجدي والصهيوني، وتقطع في تدفق نفط البقرات البعرانية... تكرار أسطوانة تهريب الأسلحة فشلٌ مكرر أمريكياً بامتياز. الرد الأمريكي على هجمات اليمنيين على دول العدوان كأنه بدأ للتو، وكأن الأمريكان ليسوا فعلاً ضمن أهداف تلك الهجمات. حديث المسؤول الأمريكي -النكرة- عن أن المياه بين اليمن والصومال وجيبوتي هي ممرات تهريب أسلحة لأنصار الله، بل وكما قال «معروفة» هو حديث فضيحة، ولذلك اشترط هذا المسؤول على رويترز عدم الكشف عن هويته، فهو يعلم والعالم أجمع يعرف أن هذه الممرات هي أنابيب أكسجين ودعم وتغذية ونفط ومال وسلاح بترولية لجماعات «القاعدة» و»داعش» في القرن الأفريقي واليمن، وإن كانت -كما قال- معروفة بتهريب السلاح لأنصار الله فأين كان التحالف البحري الأمريكي الصهيوني الواسع في تلك المياه كل السنوات السابقة؟!).
اللواء براد كوبر، الذي يشرف على الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في «الشرق الأوسط»، قال إن القوة الجديدة ستعمل اعتباراً من يوم (غد) الأحد 17 نيسان/ أبريل 2022 في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وستستهدف أيضا التصدي للاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلع غير المشروعة الأخرى.
وأضاف كوبر في اتصال هاتفي مع الصحفيين: «هذه مياه مهمة من الناحية الاستراتيجية تستدعي اهتمامنا» (الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلع هي تجارة واشنطن الربحية التاريخية، ولا يمكن لأي طرف آخر منافستها في هكذا بيزنس قذر. هل بدأ الأمريكيون يفكرون بالتوبة بإعلان نيتهم التصدي لهكذا جرائم؟! و‏دائماً ما تتوارى دول الاستكبار العالمي خلف عناوين إنسانية لإخفاء أهدافها الشيطانية، فمكافحة الاتجار بالبشر -الذي أعلنته أمريكا- يذكرنا بذريعة مكافحة تجارة العبيد التي سوقت لها بريطانيا كمبرر لاحتلال عدن، كما يشير إلى ذلك محمد البخيتي في تغريدة له على حسابه في «تويتر». أما حديث كوبر عن أن مياه البحر الأحمر مهمة استراتيجياً بالنسبة لهم وهذا ما يستدعي اهتمامهم، فهذا حديث «ماسخ» كما يقول المصريون، «سامج» كما يعبر اليمنيون، فهذه المياه استراتيجية من قبل أن يكتشف كولومبوس مستعمرات الأمريكيتين بكثير، فهل لم تستدعِ انتباههم إلا اليوم وهم المعسكرون فيها ليل نهار من عشرات السنين؟! على فكرة، هل من يذكرني بشأن استراتيجية واشنطن بالانسحاب من الشرق الأدنى باتجاه الشرق الأقصى، أم أن انتصار اليمنيين غيّر جغرافية الاتجاهات وبدل عناوين الجهات؟!).
الجديد في هذا الإعلان لا ينتمي إلى أي تفصيل ورد أعلاه، بل يتعلق بالتوقيت تحديداً وحصراً. وليس كشفاً ما ذكره الجنرال الأمريكي، وليس سبقاً أيضاً ما تورده وكالات الأنباء من تفاصيل جيش الأربع والثلاثين ولاية بعد الخمسين. اللافت هو التوقيت، الذي جاء متزامناً مع هدنة هشة بين صنعاء ودول العدوان، ومع تصاعد احترار الداخل الفلسطيني المقاوم، ومع تواصل التوتر واستمرار الشكوى بين صاحب الشغل الأمريكي وعماله وعملائه البعران، كما أتى بعد ضربات «الإعصار» و»كسر الحصار» في العمقين الصهيونيين في نجد وساحل عُمان، وبعد ركل هادي والأحمر خارج التاريخ وتدوير مخلفات نظام الوصاية داخل صوان عزاء سعوماراتي سبعة في واحد.
الدلالة الزمانية تشير بلا شك أو جدل باتجاه الاحتماء المكاني من قبل الأمريكيين بحثاً عن حلول لكل أو بعض مشاكلهم الناجمة عن فشلهم هم وهزيمة أدواتهم في المنطقة، وبما يمنع تحقيق أي نسبة مجنونة من تداعيات ذلك على المنطقة وفي العالم.
قبل يوم واحد من إعلان تحالف الـ34، عقد لقاء عسكري في الرياض جمع رئيس هيئة الأركان السعودية فياض الرويلي، وقائد القوات البحرية المركزية الأمريكية تشارلز كوبر، في مقرّ رئاسة هيئة الأركان العامة، بحضور قائد القوات البحرية السعودية فهد الغفيلي.
لا يمكن تفسير هكذا سياقات زمنية متقاربة خارج البعد الإعلاني، وكأن الأمريكي يريد أن يخبرنا بأن إعلانه ناتج عن تنسيق مع السعودي، وأن هذا الإعلان وما سبقه من لقاء يقدمان معطىً إيجابياً متقدماً بشأن تجاوز الحنق السعودي؛ لكنه في الحقيقة -ويا للمفارقة!- قد فضح السعودي علانيةً وطلبه رسمياً إلى بيت الطاعة.
قد يكون في ذلك محاولة أخرى لجبر خواطر وإقناع الرياض وأبوظبي بالالتزام الأمريكي بحمايتهما - كما تقول «رويترز»، حيث جاء هذا الإعلان كأحدث رد عسكري أمريكي على الهجمات اليمنية، بعد أن كانت قد قدّمت مساعدات عسكرية إضافية للسعودية والإمارات هذا العام.
تلعب السعودية والإمارات لعبة شد حبل العلاقات مع الولايات المتحدة حتى ترخيه الأخيرة وتقدم تنازلات خاصة مع تعليق بإعادة تأكيد التزامها بأمن الخليج، بما فيه دعم «حليفتيها» في العدوان على اليمن وتحرير صفقات السلاح الضخمة التي تم التوقيع عليها في عهد ترامب (2017-2020) والتوقف عن التلويح بورقة حقوق الإنسان.
تدرك واشنطن أن أي خطة سلام (سعودية) في اليمن ليست جزءاً منها ولم تخرج من إبطها يعني الدفع قدماً بخروج السعودية من العباءة الأمريكية وما يترتب على ذلك من خسائر في واردات النفط ومبيعات السلاح لن تقبل واشنطن بتحملها. ومن الممكن قراءة هكذا إعلان لوضعٍ موجود أصلاً بتكريس أمريكي لمبدأ الحماية سعياً باتجاه إعادة السعودية إلى بيت الطاعة كما أسلفنا أعلاه.
وتعتبر ريبيكا هاينرش، المحللة البارزة في معهد هدسون، أنه «إذا فقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل السعودية السيطرة على أمن البحر الأحمر فإن العديد من الدول، مثل روسيا والصين، ستتمتع بقوة كبيرة لابتزاز الولايات المتحدة». وفيما تشكر الرياض وأبوظبي على مساعدتهما في إدارة أمن بحر اليمن الأحمر فإنها تحذر من أن يؤول الأمر لأنصار الله «الحوثيين».
في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2022، ومع نهايات العام السابع من العدوان على اليمن، وفي ذروة تصعيد عدوانية شديدة وجديدة في المياه اليمنية الإقليمية في البحر الأحمر، أعلنت القوات المسلحة اليمنية ضبط سفينة شحن عسكرية إماراتية (صهيونية) دخلت المياه اليمنية بدون ترخيص على متنها 40 بحاراً من جنسيات مختلفة وتحمل معدات عسكرية وآليات وزوارق وأسلحة من أخطرها كان سيارة (Humvee M1035 A2)، وهي وحدة اتصال ثنائية حديثة بالأقمار الصناعية وبحد 20 ميغابايت في الثانية تمنح اتصالاً آمناً ومباشراً مع ثوابت كمراكز قيادة وسيطرة ومنح صلاحيات اتصال وتوجيه للأجسام المتحركة كطائرات الدرون.
ومثلت هذه العملية نقطة تحول استراتيجية هامة في مجال السيطرة على البحر الأحمر، رغم أنه قد سبقها عمليات يمنية أخرى، إلا أن «روابي» رست بين القلق الصهيوأمريكي وبين الفشل السعوماراتي لتحدث زلزالاً واسعاً في مختلف تضاريس خارطة واشنطن الاستراتيجية.
وفي قراءة موازية أخرى لإعلان التحالف البحري الأمريكي يمكننا النظر باتجاه العلاقة الطردية المباشرة بين واشنطن و»تل أبيب»، وما يقلق إحداهما يقلقل الأخرى، إنه تدخل أمريكي مباشر لحماية الكيان بعد الفشل السعودي في تحقيق ذلك، بهزيمتها في اليمن وبعد عمليات المقاومة الفلسطينية النوعية في العمق الصهيوني.
ليس صحيحاً أن معادلة العلاقة بين واشنطن والرياض يحصرها ويحكمها فقط مبدأ «النفط مقابل الحماية»، بل يضاف إلى النفط حماية الكيان الصهيوني، أي حماية «إسرائيل» مقابل حماية السعودية، وهذا ما لم يعد متحققاً بهزيمة الصهاينة في اليمن ومعاناتهم في فلسطين.
ويجب ألا ننسى أن الكيان الصهيوني قد شن حرب حزيران/ يونيو 1967 بذريعة إغلاق مضائق تيران في وجه ملاحتها البحرية، وهي ترى البحر الأحمر ومضيق باب المندب ممراً بحرياً لتجارتها مع الهند والصين وجنوب أفريقيا ودول متعددة أخرى ازدادت مع الوقت.
ينقل موقع (Veterans Today) البحثيّ العسكري الأمريكيّ في نيسان/ أبريل 2016 عن صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تأكيدها في تقريرٍ صدر عقب نقل جزيرتي صنافير وتيران من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية، أن هناك تعاوناً في عددٍ من المجالات بين «تل أبيب» والرياض، يمكن وصفه بالحوار الاستراتيجي. وكانت إحدى نتائجه إبرام مذكرة تفاهم للتعاون العسكري المشترك في البحر الأحمر. ويخلص التفاهم إلى أن الكيانين سيديران مضيق باب المندب وخليج عدن وقناة السويس بالإضافة إلى الدول المطلة أيضاً على البحر الأحمر.
ثمة محاولة أخرى لإنقاذ مشروع الصهاينة اليهودي السعودي، حيث تشكّل أحلام المدن السياحية الشاطئية جزءاً من الخطط «الإسرائيلية» المقبلة، بسبب الأرباح الاقتصادية من جهة، ومحاولة مدّ جسور التطبيع من جهة أخرى. وتقع مدينة «نيوم» في قلب هذا المشروع، وتشكل التكنولوجيا «الإسرائيلية» أحد أهم المدخلات في المشروع الذي يحتاج إلى منسوب عالٍ من الاستقرار لا يمكن تحصيله من دون استقرار البحر الأحمر نفسه.
مع إعلان مجلس خيانة رئاسي جديد في الرياض بديلاً للخونة «هادي - محسن»، يتم تهريب عدد من أخطر العناصر الإرهابية من سجون المحافظات المحتلة، وينتشر «المكحلون» في أبين وشبوة وحضرموت ومأرب، ويتم استدعاء مومياوات العمالة التاريخية في الجنوب ممثلةً في سلاطين وفد ما سمي تحالف أمراء الجنوب العربي. إنها محاولة أخرى للعب داخلياً بأوراق أمريكا التقليدية والمكشوفة كذلك، والمناورة خارجياً بإعلان تشكيل تحالف بحري في المياه اليمنية، وكل ذلك بهدف جعل الحرب يمنية - يمنية وتدوير الحصار أممياً ودولياً.
إنها تكتيكات عاجزة لما بعد الفشل الاستراتيجي، ولن تنتج في المحصلة سوى مضاعفة الهزيمة الأمريكية دولياً وتضاعف خسائرها إقليمياً وإعدام تواجدها محلياً. وعند صنعاء الخبر اليقين.