حاوره: أنور عون / لا ميديا -
نتحدث دائماً عن مسؤولي الكيانات الرياضية وشخصياتها الاعتبارية. نثني على كثير منهم بأوصاف لا يستحقونها، وكأنهم أحدثوا للرياضة بمختلف ألعابها طفرات نوعية محلية وحققوا ألقابا عربية وآسيوية وميداليات أولمبية. وفي الغالب ننسى من وضعوا اللبنات الأولى للحركة الرياضية، ومعهم أيضا نتناسى رياضيين أفنوا زهرة شبابهم وصحتهم في الملاعب وهم يرسمون البهجة وينثرون الفرحة. ولهذا بدأنا البحث عن تلك اللآلئ المنسية لعلنا نفيهم جزءاً من حقهم ونسترجع لحظات من الزمن الرياضي الجميل. وكانت وجهتنا الأولى النجم الكبير يحيى جلاعم، لاعب أهلي صنعاء والمنتخب الوطني الأسبق. رغم مرور أكثر من 35 عاماً على اعتزاله، مايزال اسمه منقوشاً على جدران العقول والقلوب ومدوناً على صفحات الأيام والسنين.
توارى بعيدًا كغيره من النجوم المحترمين المتشحين بغيوم العزة والكرامة. تجاهلوه وتعمد المعنيون نسيانه باستثناء تكريم عابر لا يوازي حجم تضحياته وعطائه. لم يأبه، لأن همه رصيده المخزون في وجدان الجماهير على امتداد الوطن والعمر.
بعد زمن طويل من الاختفاء بحثنا عنه والتقيناه، فوجدناه ذلك الفارس لزمن القيم النبيلة. سألناه وأجاب بشفافية. وإليكم تفاصيل حوار هذا النجم العملاق مع صحيفة "لا".
 نرحب بك كابتن يحيى ضيفا على صفحات ملحق "لا الرياضي"، ونسألك من أين تحب أن نبدأ حوارنا معك؟!
- أهلاً وسهلاً بك وبصحيفة "لا". ابدأ من حيث شئت.

مناخ غير مشجع
 حسناً، لتكن البداية عن غيابك الطويل عن الساحة الرياضية، ما هي الأسباب؟!
- ظروف صحية، ثم إن المناخ الرياضي لا يشجع على التواجد والعمل فيه.
 أيمكن أن توضح أكثر يا كابتن؟
- عشت ولعبت في زمن رياضي جميل اتسم بالقيم النبيلة. معظم الرياضيين كانوا على درجة عالية من النقاء والإخاء والأخلاق والموهبة والمستوى الفني الرفيع. لا مادة تشغلك ولا نجومية تغيرك، وكلها لم تعد موجودة إلا فيما ندر.

تراجع مستمر
 من كلامك أن المستوى الكروي تراجع والموهبة انعدمت...؟
- منذ أكثر من عشرين عاماً والتراجع مستمر بصورة مزرية، والموهبة تكاد تكون منعدمة. ودعني أخبرك، في زمننا كنت تجد المواهب كثيرة، وكل موهوب يجيد عدة ألعاب بتميز، كرة قدم، وتنس الطاولة، والسلة، والطائرة... مثلاً أنا كنت أجيد تنس الطاولة وكرة القدم، وقبل أن أكمل العاشرة من عمري، مثلت الوطن في التنس وخضت عدة مشاركات خارجية. وفي كرة القدم كانت الأندية تعج بالمواهب. لعبنا بدون مقابل، لا إمكانيات ولا ملاعب معشبة، وأبسط المقومات غير موجودة، حتى الغذاء الذي هو أساس بناء جسم اللاعب كان غير منظم. تخيل، كنا قبل المباراة "نندع سلتة" وننزل نلعب ونمتع الجمهور ونكملها في المساء بـ"مدرة" فاصوليا. وعند المشاركات الخارجية كان الإعداد بسيطاً جداً، ورغم ذلك نقدم مستوى مشرّفاً، وانظروا للعشرين السنة الماضية فقط وسترون إمكانيات مادية تأتي من صندوق النشء، ملاعب معشبة، واستثمارات في بعض الأندية... والنتيجة من سيئ إلى أسوأ.

خلل متراكم
 برأيك من يتحمل المسؤولية؟
- الخلل ليس وليد اللحظة. إنه متراكم. ويتحمل المسؤولية كل من عمل ويعمل في المنظومة الرياضية، وبالذات الكروية... معظم من دخلوا الرياضة وتحملوا مسؤولية أطرها اشتغلوا على مصالحهم الشخصية. قد أستثني اتحاد علي الأشول، بينما معظم الاتحادات، وعلى رأسها اتحاد الكرة الحالي، لم يقدموا للرياضة والكرة غير الفشل المستمر.

إلَّا من رحم ربي
 والأندية، كيف تقيم عملها خلال العشرين سنة الماضية؟
- الحال نفسها، لا يوجد من يخدم الأندية بصدق وكفاءة، إلا من رحم ربي. حتى الداعمون أغلبهم جاؤوا بهدف الاستثمار أكثر من مصلحة النادي. وبهذا الخصوص أنصح المنتمين للأندية ذات الدعم ألا يتركوا الحبل على الغارب. لا بد من ضوابط وعقود بين الأطراف حفاظاً على الحقوق. وفي الوقت نفسه أتمنى من وزارة الشباب أن يكون لها دور رقابي مالي لمعرفة كيف تصرف أموال الأندية.
 يرى الكثير أن أهلي صنعاء بلغ مكانة ميزته عن غيره. برأيك من صنع مجد الأهلي وأوصله إلى هذه المكانة؟!
- بلا شك، رجال عمالقة تولوا الأهلي على مر السنين، لكن يظل الإداريون السابقون هم أساس هذه المكانة الأهلاوية الرفيعة، أمثال عبدالجبار غنيمة، وعلي الحضرمي، وعبدالحميد غنيمة، والعزي العرشي، ومحمد الحوثي، ومحمد الحيمي، وحسين المسوري، ومجاهد أبو شوارب... وآخرين.

اعتزال إجباري
 اعتزلت مجبراً عام 1984، حدثنا عن ذلك!
- نعم، اعتزلت مجبراً، بسبب الإصابات المتكررة. بدأت الإصابة أمام شعب إب، وتعالجت ولعبت فترة كبيرة، وكانت الإصابة خلالها تؤلمني. ثم حدثت إصابة أخرى، وفي المكان نفسه (الرأس) بعد التحام قوي مع لاعب الزهرة عبدالواحد عتيق، وبعدها منعني الأطباء من اللعب نهائياً، واعتزلت عام 1984 مجبراً.
 عقب اعتزالك، هل مارست التدريب أم الإدارة؟
- كنت أجد نفسي في التدريب. وفعلاً دربت فئة الشباب في الأهلي، وشعرت بأني قادر على تقديم شيء، لكني صدمت، لأن الإمكانيات لا تساعد على تنفيذ الطموح، فإعداد الشباب وصقل مواهبهم على أسس صحيحة يحتاج لإمكانيات وعوامل لم أجدها، فآثرت الانسحاب.

تركت "الطاولة" بسبب أحمد زايد
 قلت سابقاً إنك لعبت كرة الطاولة. هلا تعطينا نبذة عن ذلك؟ ولماذا تركتها واتجهت لكرة القدم؟
- انضممت للأهلي وعمري 7 سنوات، وكنت موهوباً في اللعبتين (الطاولة والقدم)، وخلال 3 سنوات فقط شاركت خارجياً ثلاث مرات مع منتخب ناشئين الطاولة. بعدها ظهر النجم الكبير أحمد زايد وسيطر على اللعبة. بالمقابل كان الأستاذ والكابتن أحمد الحبيشي وعبدالله الحيمي مؤمنين بموهبتي الكروية، وأخذاني إليها، وتدرجت بسرعة إلى الفريق الأول، وخضت أول مباراة في الكلية الحربية أمام وحدة صنعاء، وأحرزت فيها أول أهدافي. بعدها بدأت مشواري الكروي بجانب هدافين كبار، أمثال: يحيى العذري، وحسين الأهجري. وتنافسنا الثلاثة على إحراز الأهداف. وكان كل همنا فوز فريقنا، ولم يكن بيننا حب الذات. كنت أفضل تمرير الكرة للعذري والأهجري، خاصة عندما كنت أرى أحدهما في موقع متاح للتسجيل أفضل مني، المهم أن نخرج منتصرين.

أنقذت الأهلي يوم عرسي
 هل صحيح أنك لعبت مباراة في يوم عرسك وأنقذت الأهلي من خسارة محققة؟
- (ضاحكاً) تلك المباراة كانت أواخر السبعينيات أمام فتح المخادر، فبعد زفافي بيوم فوجئت ببعض الإخوة في الأهلي يحضرون إلى منزلي ويخبرونني بأن الشوط الأول يكاد ينتهي وفريقنا خاسر 3/0 ولا بد من حضوري، فذهبت معهم ولعبت الشوط الثاني وأحرزت هاتريك (ثلاثة أهداف) وفزنا 5/3.

مباراة غير مكتملة
 ماذا عن قصة لعبك للطليعة واقترابك من اللعب لأهلي تعز والصقر؟
- لم ألعب للطليعة بشكل رسمي، كل ما في الأمر أن ظروف عملي حتمت انتقالي للعمل في تعز لعامين تقريباً، وحينها طلب مني الإخوة في الطليعة أن ألعب معهم مباراة ودية ضد وحدة صنعاء، ولعبت، ولم تنته المباراة يومها، بسبب إشكاليات وقعت بعد هدف سجل في مرمى الطليعة. أما حكاية الأهلي والصقر فقد فاوضني الحاج القصوص عن أهلي تعز، ويحيى عبدالإله وعبدالرحمن محمد علي عثمان عن الصقر، وقلت لهما أحضرا استقالتي أولاً من أهلي صنعاء، فلم يتمكنا، وانتهت القصة.
 وانضمامك لشعب صنعاء، ماذا عنه؟
- لم أنضم إليه، وإنما استعانوا بي في مباراة خاضوها في السعودية أمام الشباب، وكانت جيدة، وهناك التقيت بالنجمين الكبيرين يحيى فارع وعلي الورقي الذي يعد أفضل لاعب خط وسط في تاريخ الكرة اليمنية.

شقيقان خصمان
 يحكى أن مباريات الأهلي والوحدة كانت في منتهى الندية والقوة...؟
- نعم، كانت قوية إلى درجة العنف الشديد، متعة وإثارة ما بعدها إثارة وجماهيرية، بل وتصل إلى أبعد من ذلك، عندما يتواجه الشقيقان أحمد ويحيى العذري. أحمد مدافع مع الوحدة ويحيى معنا. ملحمة كروية، فبمجرد التحامهما تشعر أن واحداً منهما سوف يخرج على نقالة إسعاف، وبإعلان الحكم صافرة النهاية يتعانق الشقيقان ونتصافح جميعا وكأن شيئا لم يكن، ونلتقي في المساء ونتعشى معا كإخوة، وهذه ميزة لم تعد موجودة.

نجوم بارزون
 لو طلبنا منك أن تذكر لنا أبرز نجوم جيلك...؟
- كثيرون، كل نادٍ كان لديه من 7 إلى 8 نجوم بكل معنى الكلمة. في أهلي صنعاء: يحيى العذري، والحمامي (نيخا)، وحسين الأهجري، وسعيد العرشي... وفي الوحدة: نصر الجرادي، ومحمد مقبل، والمقشي، وأحمد العذري، وعبدالله الروضي، ومحمد البيضاني، وعبدالرحمن إسحاق... وفي شعب صنعاء: البراق، وجواد محسن، وشفيق الكحلاني، وحسين عبدالرحمن، وشكيب البشيري... وفي أهلي تعز: عبدالعزيز القاضي، والعسولي، وجميل الحمامي... وفي الطليعة: عوني عباس، والقربة، والشاوش، وسميح، وأمين علي ناجي... وفي الصقر: علي ناجي الرويشان، وأحمد ناصر، وخالد محمد علي... وفي الجيل: محرز، ومحمد سلطان، وناصر الرويس، ومحمد الجهمي... وفي أهلي الحديدة: شقحان، ومحمد بشير... وفي المجد: جمال حمدي، ومهدي الحرازي، وشويت، ومحمد الآنسي... وفي الزهرة: أحمد قطيرة... والضراب في شعب إب... وعموماً أعتذر لو لم تسعفني الذاكرة بذكر الآخرين.
 بعد اعتزالك، من هو المهاجم الذي لفت انتباهك؟
- عند اعتزالي أعطيت يحيى جعرة فانيلتي، لأنه كان هدافاً مميزاً. بعد ذلك ظهر مهاجمون جيدون لكن بنسب متفاوتة.

محاولة لم تستمر
 لديك 3 أبناء، لماذا لم نر واحداً منهم يسير على دربك في الملاعب؟
- الوحيد الذي حاول الدخول في الرياضة هو نجلي الأكبر محمد، أحب تنس الطاولة وشجعته وذهبت معه إلى النادي، تدرب فترة وبعدها صارحني بأنه لا يرغب في الاستمرار، ولم أضغط عليه وتركته على سجيته.
 هل ترى ممارسة الرياضة مهمة ولا تشغل الشاب عن مستقبله العلمي والعملي؟
- الرياضة مهمة جداً في أي مكان وزمان، ولها فوائد جمة، بشرط تنظيم أوقاتها وتوزيع جهودها، ويجب أن يلعب النادي دوراً هاماً في توفير مدربين أشبه بالأساتذة والمربين.
 لديك مجموعة من الرسائل، لمن تود توجيهها؟
- الأولى: أذكر الجميع بالأستاذ المرحوم أحمد دهمش، وزير الشؤون الاجتماعية والعمل والشباب في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي. هذا الرجل هو من أوجد للأندية الأراضي التي هي عليها اليوم، تعب وبذل جهوداً جبارة لتتسلمها الأندية، وهو من وضع حجر الأساس لملعب علي محسن المريسي. للأسف لم يتذكره أحد ولم يكرم حياً أو ميتاً، وهذا أمر مؤسف للغاية.
الثانية: أتمنى للرياضة في بلدنا أن تخطو خطوات صحيحة ومدروسة، وهذا لن يحصل إلا إذا وضعنا الرجل المناسب في المكان المناسب، وكذلك اختيار الأجهزة الفنية بعناية ودقة. ولعلنا نتذكر الألماني سبتلر عندما اختار لاعبين لمنتخبنا بعيداً عن العواطف والعلاقات الشخصية وكيف نجحنا.
الثالثة: أرجو عند سفر البعثات الرياضية أن يقوم الإعلامي والإداري بدوره في التوثيق والأرشفة للعودة للمعلومات، وليس كما كان يحصل معنا زمان عند السفر.
 بطاقتك الشخصية، ماذا فيها؟
- يحيى علي حسين جلاعم، مواليد 1958، خريج الكلية الحربية، وأعمل في السلك العسكري، أب لثمانية أبناء، 3 ذكور و5 إناث.
 سعداء بالحوار معك كابتن يحيى!
- وأنا أسعد، وأشكر صحيفة "لا" على هذه اللفتة واهتمامها باللاعبين القدامى، وشكرا لك.