غازي المفلحي / لا ميديا -
كثيرا ما تجد حياً أو عدة أحياء في العاصمة صنعاء وبعض المدن تحت رحمة تاجر كهرباء واحد ولا ينافسه أحد ليدفعه لتقديم خدمة أفضل وأرخص.
فقد اتخذ بعض تجار الكهرباء من أحياء العاصمة والمدن إقطاعيات خاصة لهم تفردوا فيها ببيع التيار الكهربائي، فسنوا قوانينهم التي تجاوزت قوانين وزارة الكهرباء والطاقة، فبقي المواطن تحت رحمة فواتيرهم الباهظة، فلا يمتثل التجار لتعميمات وتوجيهات وزارة الكهرباء في سعر الاشتراك الشهري ولا في سعر الكيلو وات، ولا تحولت تجارة الكهرباء إلى سوق مفتوحة تتنافس فيها الشركات في تقديم خدمات أفضل للمواطنين.

تهور باهظ الثمن
«إن التفكير في تشغيل سخان الماء باستخدام الكهرباء التجارية يعد نوعا من التهور»، ذلك ما يقوله المواطن محمد العقبي الذي يسكن في منطقة السنينة، نظرا لأن سعر التيار الكهربائي التجاري باهظ جدا في المنطقة التي يسكن فيها، حيث يصل سعر الكيلو وات الواحد إلى 300 ريال، بينما سعر الاشتراك الأسبوعي يبلغ 600 ريال، وقال إن حيهم وما جاوره من أحياء تحت سيطرة شركة كهرباء واحدة لا ينافسها أحد، وأسعارها تحلق بعيدا عما أقرته وزارة الكهرباء من تعريفة سواء في سعر الكيلو وات أو في قيمة الاشتراك، كما أنها تقدم خدمة سيئة، ففوق ارتفاع سعرها فهي تنقطع في اليوم لعدة ساعات.
يختم محمد: «نحن مضطرون للاشتراك في شركة الكهرباء التي تغطي حينا اضطرارا وليس اختيارا، لأن لا شركة أخرى في الحي، ونستخدم الكهرباء بشكل محدود فقط لتشغيل التلفزيون ولشحن الهواتف، وأحيانا لتشغيل الغسالة، أما غير ذلك فلا نتجرأ عليه، لأننا لن نستطيع تحمل الفاتورة التي قد تتضاعف لو شغلنا أجهزة أخرى».

«إقطاعيات كهربائية»
يعتمد سكان العاصمة اليوم بشكل رئيسي على شركات بيع الكهرباء الخاصة في الحصول على التيار الكهربائي، لكن هذه الشركات تقدم خدمتها بسعر مرتفع يثقل كاهل المواطنين، وكثيراً ما يجد السكان أنفسهم تحت رحمة شركة كهرباء واحدة تسيطر على منطقتهم وتستغل تفردها في ذلك بالتحايل على الأسعار التي أقرتها وزارة الكهرباء فتزيد في سعر الكيلو وات الواحد ليصل إلى 350 ريالاً بدلاً عن 250 ريالاً، وفي سعر الاشتراك الشهري ليصل إلى 2400 ريال بدلاً عن ألف ريال.
وعلى الرغم من أنه يمكن أن توجد شركات تبيع الكهرباء بسعر أرخص وتمتثل لقرارات وزارة الكهرباء أكثر، إلا أن هذه الشركات غير مسموح لها بالدخول إلى منطقة جديدة ومنافسة غيرها ممن يرفعون الأسعار، فالقانون الساري اليوم -وإن لم يكن معلناً ورسمياً- هو أن المنطقة أو مجموعة الأحياء تكون حصرية للشركة التي كانت هي الأسبق في تقديم الخدمة في تلك المنطقة منذ البداية.

السابقون السابقون
تعود جذور هذا القانون العرفي إلى ما قبل 5 سنوات، حيث تسبب العدوان على اليمن بانقطاع الكهرباء عن العاصمة صنعاء وجغرافيا السيادة الوطنية منذ العام 2015، وكانت الكهرباء تأتي بشكل رئيسي من محطة مأرب الغازية إلى جانب محطة رأس كثيب بالحديدة ومحطات احتياطية صغيرة في صنعاء في منطقتي حزيز جنوباً وذهبان شمالاً، وبسبب وقوع مأرب تحت سيطرة تحالف العدوان وانعدام المشتقات النفطية للمحطات الطارئة البديلة نتيجة الحصار وعدم قدرتها أن تحل محل غازية مأرب، توقفت هذه المحطات الحكومية عن العمل ما أدى إلى انقطاع الكهرباء بشكل كامل.
بقي اليمنيون عدة أشهر من عام 2015 في ظلام دامس حرفياً. وبعد أن يئيسوا من عودة الكهرباء الحكومية، اتجهوا إلى ألواح الطاقة الشمسية، فكانت الشمس ملاذا جديداً للحصول على الكهرباء، لكن ذلك كان حلا مؤقتا وفر الضوء للناس على الأقل، لكن قدرته كانت محدودة جدا لتوفير الطاقة اللازمة لإعادة الحياة العامة، بخاصة في المعامل والورش والمحلات التجارية والفنادق والمطاعم، وغيرها.
بعدها ظهر أصحاب المولدات الخاصة الكبيرة الذين بدأوا يبيعون التيار الكهربائي بشكل تجاري للناس.
وعندما اتضح أن هذه تجارة مربحة للغاية، تسابق أصحاب رؤوس الأموال على إنشاء محطات كهربائية صغيرة في مختلف الأحياء، وتم تقاسم مناطق وشوارع وأحياء العاصمة بين عدد من التجار.
لم يكن التقاسم تحت أي قانون رسمي، ولكنه حُكم باتفاقات محلية بين تجار الكهرباء أنفسهم، وضعت هذه الاتفاقات نطاق عمل كل تاجر، وفي حال حصول مشكلة بين تاجر وآخر حول حدود وامتيازات المناطق، كانت الاتفاقيات تبرم بوساطات حكومية وتجارية وقبلية لإنهاء الإشكال.

نحن قادمون
بالنسبة لدور وزارة الكهرباء والطاقة في هذا الموضوع، يقول وزير الكهرباء أحمد العليي في حديثه لـ«لا»: «إن الوضع الحالي مع شركات الكهرباء الخاصة هو وضع مؤقت إجمالا، والمولدات الخاصة تقوم بتوفير الكهرباء للناس حتى تصل إليهم خدمة الكهرباء الحكومية قريبا».
ويوضح العليي أنه لا يوجد تقسيم جغرافي للمناطق وتخصيصها لـ«تجار التيار» ليحتكروا تقديم الخدمة فيها، مستدركا: «لكن الشركة التي كانت سباقة في توليد الكهرباء لمنطقة معينة مثلا تبقى لها الأولوية فيها حتى تأتي الكهرباء الحكومية، ويمنع منافستها إلا بواسطة الكهرباء العمومية التي تتوسع بشكل تدريجي في العاصمة».
وبحسب هذه الرؤية الرسمية فإن هذا «التوسع التدريجي» هو قارب النجاة الذي يتعين على المواطنين انتظار وصوله ولا بأس أن سلموا رقابهم حتى ذلك الحين لسكاكين استغلال المستثمرين بوعد «كهرباء حكومية» مؤجلة إلى أن يقضي يفقس هذا التواطؤ الواضح «بيض عمولاته» في سلة حراس الإقطاع.
وكإجراء عقابي يقول وزير الكهرباء إن على هذه «الشركات الخاصة أن تقدم خدمات متميزة وتلتزم بالتسعيرة المحددة حكوميا  وإلا فإنها لن تستمر» حد قوله.

وزارة الكهرباء: ساعدونا
بالرغم من توجيهات وتعميمات وزارة الكهرباء والطاقة في صنعاء بشأن تحديد سعر الكيلو وات الواحد من الكهرباء التجارية وأيضاً قيمة الاشتراك الشهري، إلا أن الأمر لدى التجار شيء مختلف تماما، فلا نجد أي التزام من أصحاب هذه المحطات بما أعلنت عنه الوزارة، حيث إن أسعار أغلب محطات الكهرباء الخاصة بعيدة عن التسعيرة المعلنة من قبل الوزارة.
فبحسب وزارة الكهرباء، فإن الكيلووات يجب أن يباع بـ250 ريالاً، ويرتفع في حال انعدام الديزل والمازوت إلى حد أقصى هو 280 ريالاً، أما رسم الاشتراك فهو 1200 ريال في الشهر، لكن حالياً، فإن الواقع على العكس تماما، إذ إن كثيراً من محطات الكهرباء تبيع الكيلو وات اليوم بـ300 وبـ350 ريالاً، بينما الاشتراك الشهري لديها بين 1600 و2400 ريال.
لكن الوزير العليي يعلق على هذه المشكلة بالقول: «على المواطنين إبلاغ وزارة الكهرباء عن أي محطة خاصة لا تلتزم بالأسعار المقرة من الوزارة وسيتم معاقبتها، وقد تم تخصيص إدارة عامة لتولي هذه المهمة، وما على المواطن غير الاتصال بخدمات المشتركين، والإبلاغ بجدية ومسؤولية ومساندة الوزارة في كشف المخالفين».
ويضيف: «نحن نعاقب محطات مخالفة في آخر الدنيا، فما بالك بالمحطات التي في العاصمة».
ويُعد غياب الكهرباء إحدى أهم الأزمات التي يواجهها اليمنيون منذ 7 أعوام، وتأتي ضمن حلقة من الأزمات التي تسبب بها العدوان وألحقت أضراراً بالغة بالحياة المعيشية لليمنيين وصعبتها وجعلت تكاليفها عالية لا يستطيع اليمني معدوم الدخل والراتب تحملها.
فغلاء الكهرباء التجارية منع أغلب اليمنيين أولا من الحصول على هذه الخدمة الأساسية في الحياة، أو جعلهم يحصلون عليها بشكل جزئي وبتكاليف عالية، كما أنه أثر على الأسعار في مختلف مجالات الحياة، حيث ارتفع سعر كل شيء في كل محل ومعمل وورشة بسبب احتساب أسعار التيار الكهربائي المرتفعة.
وحتى الآن تبقى مشاكل المواطنين مع تجار الكهرباء الخاصة وجشع أسعارهم غير منتهية، وتحايل تلك الشركات على توجيهات وتعميمات وزارة الكهرباء والطاقة متجدد دائما.

«لعنة هادي»
الصحيفة ومن خلال تحقيقها خلصت إلى أنه ما من آلية رقابية كفيلة بجعل  الشركات الخاصة تلتزم بجودة الخدمة والتسعيرة  وتخشى عقاب المخالفة لاسيما وأن تقييم أدائها مرهون برضى «الإدارة الحكومية المعنية بمنح التراخيص» لا بمستوى جودة الخدمة ولا برضى المواطن المستهلك.
وفي حين خصصت الوزارة نافذة للشكاوى فإن الأمر لا يتعدى «فش غل» ينتهي بخضوع الشاكين لسكاكين الاحتكار راغمين كملاذ لابديل عنه عملا بمبدأ «قليل منقطع خير من كثير حكومي دائم لا وجود له».
اجترار لـ«لعنة هادي 2012» كمرشح رئاسي وحيد ثم «عصا شرعية» لعدوان كوني باتت كثير من تبريرات الحكومة تتكئ عليه بالحق وبالباطل في مواجهة  اختلالات ونواقص يمكن تجاوزها لخدمة المواطن الصامد الصابر المجاهد بوجه ترسانة العدوان الكوني وتبعاته الباهظة على مختلف مناحي الحياة.