«لا» 21 السياسي -
كإحدى أبرز صفقات تقاسم النفوذ والنقود، وفي إعادة تدوير استعماري جديد بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية (واشنطن ولندن وموسكو)، وقع عبدالعزيز بن سعود صفقة «الحماية الأمريكية مقابل النفط السعودي»، أو ما عرف بـ»معادلة كوينسي»، وذلك أثناء اللقاء الذي جمعه بفرانكلين روزفلت على متن الطراد كوينسي في فبراير 1945 غداة عودة الأخير من قمة يالطا التي جمعته إلى كل من جوزيف ستالين وونستون تشرشل.
وفقاً لموازين ما بعد الحرب، احتلت واشنطن كرسي حليفتها لندن في العالم، وورثت تلك الصفقة الأمريكيين الجزء الأكبر من تركة الإنجليز، التي عملوا -وما يزالون نسبياً- على الاستفادة من لحوم وألبان أبقارها النجدية المتوافرة حليباً ونفطاً، والمتناثرة دسماً وعبطاً، ضمن زريبةٍ واسعةٍ أسسوا لها وعلفوا عجولها وسمنوها وسموها «السعودية».
استمر العمل بتلك المعادلة القائلة بحماية عرش المملكة ووحدتها الجغرافية في مقابل النفط لما يقارب القرن، إلا أنها اليوم لم تعد قابلة للاستمرار، لاعتبارات تتعلق بمقاييس الربح والخسارة الأمريكيين.
تُضرب السعودية أمريكياً بموعدٍ جديدٍ في الـ25 أغسطس 2021 حين تدخل حركة طالبان كابول وتحكم أفغانستان فيما يشير إلى تآكل دور الرياض الوظيفي لدى واشنطن وتراجع نفوذها في العالم الإسلامي، مقابل إعادة تفعيل أمريكي للدور الوظيفي القطري بما يحتويه أيضاً من مسامير أخيرة في نعش الرياض الأخير.
سبق هذا الموعد موعدٌ حدث قبل عقدين تماماً، ويرتبط الموعدان بعضهما ببعض من حيث الدور الوظيفي في صناعة التطرف، ومن حيث حصاد نتائج انتهاء ذلك الدور. في الـ11 من أيلول/ سبتمبر 2001 شهد العالم وشاهد على الهواء مباشرة سقوط رمزية أمريكا وسطوتها بسقوط برجَي التجارة العالميين في نيويورك. كانت السعودية الأوْلى بالانتقام الأمريكي لكرامته المطعونة بـ16 سعودياً من أصل 19 من منفذي الهجمات، إضافةً إلى مهندسها السعودي غير منزوع الجنسية خالد شيخ محمد. إلا أن الخوف الأمريكي من ارتدادات أي فكاك مفاجئ للترابط القائم حينها بين الاقتصادين الأمريكي والسعودي، والخشية أيضاً من سقوط بني سعود ودورهم الوظيفي اقتصادياً وسياسياً لصالح الصهيونية العالمية، حالا بين الرياض وانتقام واشنطن، حتى تتغير المعطيات السابقة والتي عمل الأمريكيون على التسريع منها طوال العقدين الماضيين واللذين حفلا بالكثير من المشاكل للسعودية الكيان والدور.
عمل الأمريكيون على تغيير مقاربة العلاقة مع إيران -الخصم التاريخي والجغرافي للسعودية من وجهة نظر الرياض- التي قادت إدارة باراك أوباما إلى توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015 ومعاودة المفاوضات سريعاً من إدارة جو بايدن بشأن الاتفاق ذاته الذي ألغاه دونالد ترامب في مايو 2018 في تجاوز لأحد الخيارات الحقيقية للدولة الأمريكية العميقة. إضافةً إلى ذلك فإن شبه الاكتفاء الذاتي من النفط الصخري قد أعطى واشنطن حرية أكبر في التحرر من حالة الاحتياج إلى الرياض في سياق التحكم بسوق النفط العالمية.
منذ مدة وثمة توجه في واشنطن مفاده وجوب أن تدفع الرياض أثمان خطايا وأخطاء سابقة. وكانت أولى العقوبات قد خرجت إلى العلن في عهد إدارة أوباما عبر «قانون جاستا» 2016 الذي أعطى الحق لأسر 3 آلاف من ضحايا سبتمبر 2001 بالحصول على تعويضات، وثانيها في عهد بايدن عبر الكشف عن تقرير استخباراتي سري في مارس الماضي يشير إلى مسؤولية مباشرة للمملكة في أحداث نيويورك 2001. أما ثالثها فهو إعلان سحب منظومات دفاعية وبطاريات «باتريوت» و»ثاد» أمريكية من الأراضي السعودية في وقتٍ تعاني فيه الأمرين من عمليات القوات المسلحة اليمنية.
في معزلٍ عن بديهية أمريكية العدوان على اليمن بدايةً ونهاية، وبعيداً عن تأويلات وسائل الإعلام النفطي الحمقاء بشأن مقاربة أمريكية جديدة في الخلاص من تورط واشنطن في هذا العدوان، فإن المؤكد هو أن هزيمة السعودية أمام اليمنيين ليست نتيجة سحب الأمريكيين لباترويتهم أو ثادهم أو حتى ألفهم ويائهم؛ فالأسلحة الأمريكية هي التي قتلت وما تزال تقتل الشعب اليمني. أما هزيمة السعوديين فليس لأن لا أسلحة لديهم، بل لأن ليس لهم كرامة. الهزيمة هي نتاج صمود اليمنيين وانتصارهم الذي عجّل في المحصلة -وإن تأخر إعلانهاـ بهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، والسعودية إحدى أدواته فقط ولا غير.
في عالم الجريمة وحين يفشل أحد أفراد المافيا في إنجاز مهمته القذرة يأمر زعيم العصابة بنزع سلاحه وتصفيته ورميه عارياً في الخلاء.