خاص دمشق  - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
الآن وقد تأكد سعي رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، لعقد قمة لدول الجوار العراقي، تشمل السعودية وتركيا والكويت وإيران وسورية والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، فقد بدأت التساؤلات تطرح حول الهدف من القمة والظروف والأسباب التي تقف وراء مثل هذه الدعوة، خاصة وأنها تأتي بعد قمة الشام الجديدة بين العراق ومصر والأردن، ومحاولة إيجاد محور جديد يلتف حول سورية، والتي يبدو أنها لم تكن كافية لتحقيق متطلبات رعاة القمتين (الأمريكيين) فكانت فكرة الدعوة إلى هذه القمة الموسعة.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن الدعوة إلى القمة التي ستعقد تحت عنوان "دول جوار العراق للتعاون الأمني" جاءت بدفع أمريكي، وتم الترتيب لها خلال زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة، وبعد زيارة مماثلة للملك الأردني عبد الله الثاني والذي اشتكى فيها من أن الحصار والضغوط على سورية تؤثر على الأردن كما سورية، وما رافق الزيارة من تصريحات أردنية لافتة حول الملف السوري، والدعوة إلى إيجاد حلول نهائية لهذا الملف، واتخاذ الأردن مبادرات مهمة حول التواصل مع سورية، وما سبق هذه الزيارات من خطوات انفتاح إماراتية سعودية وعراقية وأخرى عربية وأوروبية على سورية فرملتها واشنطن في الوقت الحالي.
وفور الحديث عن الدعوة إلى القمة برز التساؤل الكبير: ماذا عن سورية؟! وهل ستتم دعوتها إلى القمة؟ أم سيتم استثناؤها؟ مع التأكيد بأن الإجابة على هذا التساؤل ليس بالأمر السهل، لأن دعوة سورية إلى قمة يوجد فيها الأمريكيون والأتراك لا يمكن أن تتم بدون وجود ضمانات بانسحاب هذين البلدين من المناطق السورية التي يتواجدون فيها بشكل غير مشروع، وفك الحصار والضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها عليها، مع ما يعني ذلك من تغيرات دراماتيكية في خارطة الاشتباك في المنطقة. أما عدم دعوة سورية فسوف يفقد القمة أهميتها، ويحولها -إن عقدت- إلى مجرد قمة لتبادل الصور وعقد لقاءات على هامشها. صحيح أنها لن تخلو من الأهمية لكنها لن تغير شيئاً في قواعد اللعبة والاشتباك.
وتجزم مصادر سورية وعراقية وعربية بأن موضوع دعوة أو عدم دعوة سورية إلى القمة يشكل الموضوع الأساسي لكل الاتصالات التي تجري وراء الكواليس للإعداد للقمة.
وفي سابقة يمكن البناء عليها يمكن الرجوع إلى الدعوة الفرنسية إلى قمة الاتحاد من أجل المتوسط التي عقدت في 13 تموز/ يوليو عام 2008 والتي كانت تشكل مشروع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السياسي لإعادة شيء من البريق للدور الفرنسي وتكريس اسمه كأحد السياسيين الكبار. ويومها كانت سورية تخضع لعقوبات وضغوط ومحاولات إسقاط مشابهة لما تتعرض له اليوم -وإن بطرق مختلفة- على خلفية مقتل رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وكانت فرنسا على رأس المعادين للدولة السورية.
يومها وقع الرئيس ساركوزي وهو يدعو إلى قمته المتوسطية في المعضلة نفسها التي يقع فيها الكاظمي اليوم، وهي دعوة أو عدم دعوة سورية، ووصل الرئيس ساركوزي إلى قناعة بأن عقد القمة المتوسطية بدون سورية سيفقدها أهميتها رغم أن عدد الحضور كان 43 دولة، فانحاز إلى البراغماتية السياسية ومصالح بلاده وأجرى مصالحة مع الرئيس بشار الأسد ودعاه إلى القمة، وشاهدنا يومها كيف تحول الرئيس الأسد إلى نجم القمة ومحور اهتمام وسائل الإعلام، وخاصة بتعامله الناجح مع الكمين الذي تم نصبه له في محاولة إحراجه بلقاء ولو عابر مع رئيس الحكومة الصهيونية إيهود أولمرت، ويومها اعتبرت القمة نجاحاً سياسياً ودبلوماسياً لسورية والرئيس الأسد أكثر مما كانت لساركوزي.
واليوم يقف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الموقف نفسه الذي وقفه الرئيس ساركوزي قبل قمة الاتحاد من أجل المتوسط، لكن الظروف المحيطة بقمة بغداد اليوم أكثر تشابكاً وتعقيداً وخطورة، مما سيزيد صعوبة مهمة الكاظمي حول دعوة أو عدم دعوة سورية إلى القمة، وعلى ضوء النتائج يمكن قراءة الكثير من أوضاع ومسارات المنطقة.
كما أثيرت تساؤلات حول موقف إيران في حال عدم دعوة سورية، وعن موقف سورية -في حال دعوتها- من عدم دعوة روسيا.
أما الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالقمة فيلاحظ أن فيها اشتباكاً وملفات متداخلة وقضايا معلقة ستكون مهيمنة على أجواء الدعوة إلى القمة وجدول أعمالها ـ إن عقدت، وأبرز هذه القضايا والملفات:
ـ الاتفاق الأمريكي ـ العراقي حول انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق، وتغليف الوجود الأمريكي بصفة المستشارين، وهو ما رفضته بشدة فصائل المقاومة العراقية وطالبت بالخروج الأمريكي الكامل من العراق.
ـ الاتفاقية العسكرية الأمريكية ـ الأردنية التي تجعل من الأردن قاعدة رئيسية للتواجد الأمريكي في المنطقة.
ـ اشتباك أمريكي مع فصائل المقاومة العراقية وجهات سورية غير معروفة الهوية، تمثل بعدوان أمريكي بضربتين جويتين في منطقة البوكمال السورية القريبة من الحدود العراقية، أسفر عنها استشهاد أربعة مقاومين عراقيين، ورد فوري من فصائل المقاومة استهدف قاعدة "عين الأسد" غرب العراق، و"مطار أربيل" شمال العراق، وقاعدتي "حقل كونيكو للغاز" و"العمر النفطي" شرق سورية. 
ـ مفاوضات فيينا المتعثرة حول الملف النووي الإيراني.
ـ تسارع الانهيار في أفغانستان، وعلاقته المباشرة بملفات المنطقة.
وهكذا يمكن ببساطة ملاحظة أن الدعوة إلى القمة تأتي وسط انسداد -يزداد ضيقاً- للأفق في وجه المحور الأمريكي، يقابله تراكم القدرات لمحور المقاومة وحلفائه، يتمثل في عدة نقاط هامة أبرزها:
ـ قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها فصائل المقاومة العراقية و"السورية" بعد العدوان الأمريكي على البوكمال السورية ورد المقاومة بضربات متلاحقة على مواقع أمريكية في سورية وعنوانها "الضربة بالضربات".
ـ تكريس المقاومة اللبنانية قواعد الاشتباك التي حاول العدو الصهيوني تغييرها عبر العدوان الجوي على الجنوب اللبناني مؤخراً وفشل محاولات توريط المقاومة بفتن داخلية.
ـ تطويق المحاولات الأمريكية الصهيونية لفتح جبهة إشغال جديدة لسورية في الجنوب عبر مسلحي درعا، حيث يتوقع الانتهاء من هذا الملف خلال الأيام القليلة المقبلة، إما بانصياع المسلحين لشروط الجيش، وإما بدء عملية عسكرية لاقتلاعهم من كامل المنطقة الجنوبية لسورية الملاصقة للكيان الصهيوني والأردن.
ـ التجديد للرئيس بشار الأسد في انتخابات الرئاسة والتي كرست أسس الدولة السورية وأكدت تجاوزها محاولات إسقاطها.
ـ نتائج الانتخابات الإيرانية التي جاءت بإبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة، وهو المحسوب على التيار الثوري وبرنامجه تجديد شباب الثورة الإيرانية.
ـ الانتصارات التي حققها الجيش اليمني واللجان الشعبية وأنصار الله في اليمن وسيكون تحرير مأرب نقطة التحول الكبرى المنتظرة.
هذه الأجواء التي تشهد تشابكات وتعقيدات في ملفات المنطقة تجعل التساؤلات مشروعة عن الهدف الأمريكي من دفع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للدعوة إلى هذه القمة المثيرة للجدل والتساؤلات وجدواها.
هو سباق بين القفازات الدبلوماسية الأمريكية التي تريد شرعنة وتأمين وجودها في المنطقة، وبين إرادة المقاومة التي تسعى لإخراجهم منها. والواقع يقول إنه في حال تم تذليل العقبات أمام عقد القمة سيكون ذلك واحداً من أهم الإنجازات الدبلوماسية منذ بداية هذا القرن، ويؤشر إلى وجود إرادة لحل مشكلات عويصة بالحوار بدل الحرب، وسيكون عنوانها الرئيسي إقراراً أمريكياً بالتحولات الكبرى في موازين القوى، ومقدمة لإعلانهم الانسحاب منها.
ومع صعوبة تخيل ذلك ورؤية الإقرار الأمريكي بتغير موازين القوى لغير صالحها، فمن غير المستبعد أن يتم الاستعاضة عن القمة باجتماع لوزراء الخارجية ومسؤولين أمنيين وتأجيل القمة حتى تنضج الظروف أكثر.