خاص أحمد رفعت يوسف  / لا ميديا -
ليس شرطاً أن يكون صاحب المقام في المكان حتى يبنى له مقام، لكن مجرد أن يتأكد أنه شرّف المكان بحضوره وسجوده وصلاته فيه، فهذا يكفي حتى يُقام مسجد وتشريفه له، وهذا هو حال مقام الإمام زين العابدين قرب مدينة حماه بوسط سورية.

من هو الإمام علي زين العابدين؟ الإمام أبو الحسن السجَّاد
هو «علي الأصغر» المولود بالمدينة المنورة يوم 5 شعبان سنة 38 هجرية، والمتوفى سنة 94 هجرية عن عمر يناهز 57 سنة، وهو ابن سيدنا الحسين ابن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الراشد.
جدته لأبيه هي السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول (ص)، وزوجته هي السيدة «فاطمة النبوية» ابنة عمه الحسن.
وأمه هي الأميرة الفارسية شاه زنان بنت شهريار ابن يزدجرد ملك الفرس، التي كانت بين السبايا بعد فتح بلاد الفرس، لكن الإمام علي (عليه السلام) حررها وينقل عنه قوله «بنات الملوك لا تسبى»، وزوجها الإمام علي من ابنه الإمام الحسين بعدما أسلمت وأصبح اسمها فاطمة، ثم لُقبت بعد ذلك بـ»أم الغلام» نسبة إلى الغلام ابنها علي زين العابدين، ويُقال إنها ذهبت به إلى مصر عقب مأساة كربلاء، ولها قبر في القاهرة يعرف بنفس الاسم «قبر أم الغلام».
أشهر ألقابه السجَّاد، وزين العابدين، لأنه كان يُعرف بطول سجوده وعبادته لله سبحانه وتعالى، وكنيته أبو الحسن.
عايش الإمام السجَّاد عصور إمامة جده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) سنتين، وإمامة عمه الإمام الحسن، عشر سنوات، وإمامة والده الإمام الحسين، إحدى عشر سنة، وعاش بعد شهادة والده أربعاً وثلاثين سنة.

موقع استراتيجي وطبيعة خلابة
يقع جبل ومقام الإمام علي زين العابدين على يمين الطريق الدولي الرابط بين حماه وحلب، على بعد حوالي 7 كيلومترات شمال مدينة حماة، وفي منطقة تتميز بجمال طبيعتها من السهول المنبسطة والروابي الخضراء رائعة المنظر، والتي زادتها بساتين الفستق الحلبي التي تشتهر بها المنطقة خضرة وجمالاً.
يرتفع الجبل 620 متراً عن سطح البحر، وهو بذلك هضبة أو جبل صغير، لكنه كان يعتبر على مدى التاريخ أحد أهم معالم هذا الطريق، ويشكل موقعاً استراتيجياً هاماً للدفاع عن مدينة حماه أو للسيطرة عليها.

قصة المقام وأسباب وجوده
لم يكن بإمكان الإمام علي زين العابدين أن يُقاتل إلى جانب والده في كربلاء في يوم عاشوراء،(23 سنة) ومرض شديد حل به ومنعه من المشاركة في القتال.
وقصة مقام الإمام زين العابدين قرب مدينة حماه بوسط سورية مرتبطة بهذه الواقعة المأساوية، فعندما استشهد الإمام الحسين بن علي (ع) سنة 61 للهجرة، أمر يزيد بن معاوية بإحضار رأسه ومن تبقى من آل البيت إلى دمشق، فحملوه له بموكب ضم نساء أهل البيت والإمام «علي بن الحسين» الناجي الوحيد من الأبناء الذكور للإمام الحسين (ع) من مذبحة كربلاء، وأثناء عبورهم قادمين من «حلب» إلى «حماه» خرج أهالي قرية «الطيبة» واستقبلوا موكب السبايا، وقدموا لهم الطعام والشراب، ورحبوا بالإمام ومن معه، فدعا لهم قائلاً «طيب الله ثراكم»، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليها «طيبة الإمام»، وعندما واصل الموكب مسيره باتجاه «حماه» رفض أهالي المدينة أن يمر أهل البيت مكبلين بالحديد على الجمال وهم ينظرون إليهم شبه عرايا، وقدموا لهم ما يمكنهم من الخدمات.
خلال سير موكب السبايا باتجاه حماه نزلوا في بقعة من الأرض في أسفل جبل «القرون» قرب المدينة الذي سمي في ما بعد جبل «زين العابدين» ـ تيمناً بقدوم الإمام إليه، وكان في أثنائها مريضاً، ويقال إنه كان يعاني من «الربو»، وهو يحتاج إلى الهواء العليل، فصعد الجبل وأخذ هناك ينفرد للعبادة، فكان يقيم الصلاة على صخرة في أعلاه، وهو المكان الذي أقيم المزار عليه لاحقاً.
اختلفت الروايات حول فترة مكوث الإمام علي زين العابدين في المكان بين 4 و10 أيام، وهناك من يقول أكثر، لكن المكان الذي كان موضع صلاته وسجوده تم تمييزه ورفع صندوق عليه للمحافظة على البقعة التي تشرفت بسجوده عليها، فالتبس الأمر على البعض بأنه قبر الإمام زين العابدين، في حين تجمع الروايات أنه مدفون بجانب عمه الإمام الحسن (ع) في البقيع في المدينة المنورة.
لكن مأساة الإمام زين العابدين لم تنته في كربلاء، حيث فوجئ يزيد بوجوده بين السبايا، وكان يعتقد أن كل أبناء الإمام الحسين من الذكور قد تم قتلهم، وللإمام زين العابدين في هذا الموقف خطبة من أبلغ ما يوجد من الخطب، فأغضبت يزيد فهمَّ بقتله، لكن (عمته) السيدة زينب فزعت إليه، وقالت ليزيد وهي غاضبة: قاتلك الله يا (ابن آكلة الأكباد)، إن كُنت قاتله، فافتلني معه. فتراجع يزيد عن قتله، خوفاً من الفضيحة لصغر سن الإمام ولمرضه، فكانت حياته إحياء وحياة وامتداداً لشجرة آل بيت النبوة الكرام.
وعن بناء المقام في جبل القرون قرب حماه ومن قام ببنائه، تجمع الروايات على أن أهل المنطقة أصبحوا يزورون المكان ويتحدثون عن كرامات ظهرت فيها، ومنها أن والي «حلب» ويدعى «أبو النصر قاني باي» وهو شركسي مملوكي، كان لديه ولد مريض وقام بإرساله إلى المكان فشفى -بإذن الله- فأمر الملك ببناء مقام في المكان الذي كان يصلي فيه الإمام، وبقي الملك وجيشه في هذا المكان حتى انتهى من بنائه، وذلك سنة 883 للهجرة، ووضع التاريخ على باب المسجد، وكتب عليه «باسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا المسجد المبارك مولانا السلطان الملك الأشرف (أبو النصر قاني باي) خلد الله تعالى ملكه على يد (صائن الدين بن إبراهيم القاني باي)»، وهي ماتزال موجودة حتى الآن.
زوار المقام من داخل وخارج سورية، وجميع الطوائف الإسلامية، ومن المشاهد العادية رؤية زوار من الطوائف المسيحية، حيث يوحي المكان بالراحة النفسية وهيبة الحضور، في المكان المؤكد الذي حل فيه رجل من آل البيت وشهد صلاته وسجوده، إضافة إلى أن جمال الطبيعة يوحي بالمزيد من الراحة والسكينة للزوار.
يقال إن المقام بني كنسخة طبق الأصل عن المقام الأصلي للإمام زين العابدين في مقبرة البقيع قبل أن يهدمه الوهابيون، مع إضافات أقيمت عليه لاحقاً لضرورة المكان وخدمة الزوار.
يشتمل المقام على ساحة كبيرة، وعدة غرف لاستقبال الزوار، الذين يأتون إلى هذا المكان المقدس للتضرع إلى الله عز وجل ليقضي الله حوائجهم ويشفي مرضاهم ويفرج عن كروبهم.
يزين المقام قبتان جميلتان وبعض الزخارف، ويتوسطه الصندوق الذي أقيم في مكان سجود الإمام زين العابدين وعليه غطاء أخضر تزينه الآيات القرآنية.
وهكذا شرف الله قطعة الأرض تلك بأن صلى عليها الإمام السجَّاد، واتخذ الناس تلك البقعة من الأرض مقاما وبنوا عليها مسجدا تبركا وحبا بحفيد رسول الله.
أما حياته بعد كربلاء فتجمع الروايات على أن الإمام علي بن الحسين عاش في المدينة المنورة، وكان فقيها ومعهد العلم بها، وعاش 57 عاما زاهدا ورعا، وعند وفاته دفن في البقيع بجانب عمه الحسن (ع).

الجبل والمقام خلال العدوان على سورية
يعتبر جبل زين العابدين حيث يقع المقام أعلى النقاط في الريف الشمالي لحماة، ومنه يمكن كشف المدينة بشكل كامل، إضافة لدائرة قطرها يصل لحدود 50 كيلومتراً في مختلف الجهات، لذلك يعد النقطة الأكثر استراتيجية في المنطقة، وشكل على مدى التاريخ أهم موقع استراتيجي قرب مدينة حماه، وواحداً من أهم المواقع الاستراتيجية في المنطقة الوسطى في سورية الممتدة من حمص إلى حلب عبر حماه وريف إدلب الشرقي، والسيطرة عليه تعني السيطرة على مدينة حماه وقطع الطريق الدولي بالكامل، ووصل المنطقة مع الحدود التركية عبر مدينة إدلب وريفها، ولذلك كان الجبل هدفاً دائماً للمجموعات الإرهابية المسلحة ورعاتها في غرفة عمليات في تحالف العدوان (موك) التي كانت متمركزة في تركيا، والتي كانت تخطط لهم وتوجههم، وتقدم لهم كامل الدعم في السلاح والأموال، والأهم الدعم اللوجستي، وقد شنوا عدة هجمات شرسة للسيطرة عليه وإسقاط مدينة حماه، وبذلوا كل ما يستطيعون لتحقيق هذا الهدف، بخاصة أنهم تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة في محيطه، وفي منطقة مفتوحة ومتصلة مع ريف إدلب حتى الحدود مع تركيا، لكن صمود الجيش السوري والقوى الرديفة وأهالي المنطقة وبخاصة في بلدة قمحانه المجاورة، منعهم من السيطرة على الجبل والمقام، وسطر أهالي بلدة قمحانة بطولات أسطورية للدفاع عنها حتى بلغت شراسة المعارك أنه تم إرسال 12 سيارة مفخخة إلى البلدة خلال أيام قليلة، كانت تحمل كل واحدة منها طناً من المتفجرات، وتم تفجير معظمها في محيط البلدة وقبل وصولها إلى أهدافها، وتمكنت البطولات الأسطورية للجيش والأهالي، من إفشال هذه الهجمات الشرسة، لينطلق بعدها الجيش وليحرر كامل المنطقة ويطرد نقاط المراقبة التركية المتواجدة فيها. 
واليوم أصبحت المنطقة آمنة بالكامل، وعاد الزوار لزيارة المقام بانتظار تحرير ما تبقى من المنطقة المجاورة في محافظة إدلب، وهو ما ينتظره السوريون حين نضوج الظروف الموضوعية لاستكمال المهمة.