محمد منصور / لا ميديا -
منذ العام 2015، شهدت القدرات الصاروخية اليمنية قفزات نوعية ملحوظة تعدّ قياسية نظراً إلى هذه المدة الوجيزة التي تزامنت مع معارك ميدانية مستمرة وغارات جوية مركزة استهدفت بشكل أساسي الحد من القدرات الصاروخية المتوفرة لجماعة «أنصار الله» ووحدات الجيش اليمني، لكن هذه الغارات فشلت في الحد من النشاط الصاروخي اليمني، ناهيك باستمرار التطور الملحوظ في هذه القدرات، وهو ما ظهر مؤخرا بشكل واضح من خلال الإعلان عن عدة أنواع جديدة من الصواريخ الباليستية والجوالة.

مرحلة تطوير الصواريخ القصيرة المدى
في بداية المعارك بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة، والتحالف السعودي من جهة ثانية، في 2015، استخدم الجيش اليمني واللجان الشعبية ما تيسّر له من منظومات صاروخية متوسطة المدى، مثل صواريخ «توشكا» السوفياتية التي يتراوح مداها بين 70 و120 كيلومتراً، والنسخ الكورية الشمالية من صواريخ «سكود» الباليستية السوفياتية الشهيرة، وهي جميعها منظومات كانت متوفرة في تسليح الجيش اليمني منذ ثمانينيات القرن الماضي. 
تركَّزت العمليات الصاروخية للجيش اليمني واللجان الشعبية في هذه المرحلة على استهداف مواقع ومعسكرات للتحالف السعودي والقوات الموالية له داخل الأراضي اليمنية. وتعدّ الضربة الصاروخية الشهيرة التي تعرَّضت لها القوات الإماراتية المتواجدة في معسكر صافر في مدينة مأرب، مطلع شهر أيلول/سبتمبر 2015، أحد أبرز الأمثلة على هذا التكتيك.
بالتزامن مع هذا التوجه، بدأ الجيش اليمني واللجان الشعبية بتفعيل برنامج للتصنيع العسكري المحلي، بهدف إنتاج عدة أجيال من الصواريخ. وكانت البداية مع الصواريخ القصيرة المدى المماثلة في خصائصها لصواريخ المدفعية الصاروخية السوفياتية الشهيرة «جراد»، إذ طوَّر الجيش اليمني واللجان الشعبية خلال العامين 2015 و2016 صواريخ «الصرخة» القصيرة المدى التي يبلغ مداها 17 كيلومتراً، والتي تحمل رأساً متفجّراً تبلغ زنته 15 كيلوغراماً، وصواريخ المدفعية الصاروخية «النجم الثاقب 1 و2» التي يتراوح مداها بين 45 و75 كيلومتراً، وتتميّز بإمكانية إطلاقها بشكل ثنائي أو ثلاثي عبر منصّات ذاتيّة الحركة.
المنظومة الثالثة التي تم تطويرها خلال هذه الفترة كانت سلسلة صواريخ «زلزال» الباليستية القصيرة المدى، التي تم إنتاج 3 أجيال منها، وهي تستطيع ضرب أهداف على بعد يتراوح بين 3 و65 كيلومتراً، وتتميز عن سابقاتها بالرأس الحربي المتشظي الذي تتراوح زنته بين 140 و500 كيلوغرام، كما طوَّر الجيش اليمني واللجان الشعبية منظومة صواريخ مماثلة أطلق عليها اسم «صمود»، بلغ مداها الأقصى 38 كيلومتراً، وبلغت زنة الرأس الحربي المزوّدة به 300 كيلوغرام.
في أواخر العام 2015، بدأ الجيش اليمني واللجان الشعبية مرحلة جديدة من مراحل تطوير منظومته الصاروخية، وذلك باستخدام مبدأ الهندسة العكسية الذي قام بموجبه بتعديل عدد كبير من صواريخ الدفاع الجوي السوفياتية «سام ـ 2»، لتصبح صواريخ للقصف الأرضي. وقد تمت تسميتها «قاهر ـ 1»، وبلغ مداها الأقصى 250 كيلومتراً، وبلغت زنة الرأس الحربي الملحق بها 200 كيلوغرام.
تمَّ استخدام هذه الصواريخ بشكل مكثّف لاستهداف مطارات الحدّ الجنوبي السعودي وبعض تجمّعات قوات حكومة هادي. وقد أعلن الجيش اليمني واللجان الشعبية في آذار/مارس 2017 عن جيل جديد من هذه الصواريخ، تحت اسم «قاهر ـ 2 إم»، اتسم بمدى مضاعف بلغ 400 كيلومتر، ورأس حربي متفجّر بلغت زنته 350 كيلوغراماً.
يُضاف إلى ما سبق عائلة صواريخ المدفعية الصاروخية «بدر» التي ظهرت النسخة الأولى منها المسماة «بدر ـ 1» في آذار/مارس 2018. وقد تم استهداف منشآت تابعة لشركة «أرامكو» النفطية في نجران بها. النسخة الثانية الموجهة من هذه الصواريخ ظهرت في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، تحت اسم «بدر - 1 بي»، ووصل مداها إلى 150 كيلومتراً.
في نيسان/أبريل 2019، تم الإعلان عن الجيل الجديد من هذه الصواريخ تحت اسم «بدر ـ إف»، وهو موجه أيضاً، لكنه يتميز بدقة إصابة تقلّ عن 5 أمتار، ويحمل رأساً حربياً متشظياً يصل مدى قوسه التدميري إلى 3580 متراً، وينفجر فوق الهدف مكوناً الآلاف من الشظايا القاتلة.

مرحلة تطوير الصواريخ البعيدة المدى
دخلت عمليات تطوير الصواريخ الباليستية اليمنية أهم مراحلها في مطلع أيلول/سبتمبر 2016، حين أعلن الجيش اليمني واللجان الشعبية عن الصاروخ الباليستي البعيد المدى «بركان ـ 1»، الذي تم إنتاجه اعتماداً على تصميم الصاروخ الكوري الشمالي «هواسونج ـ 6» والصاروخ السوفياتي الباليستي الشهير «سكود ـ سي».
تم استخدام هذا الصاروخ للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، لقصف مطار الملك عبدالعزيز في مدينة جدة السعودية، إلى جانب مواقع أخرى، منها مدينة الطائف. يتراوح مداه بين 800 و900 كيلومتر، ويبلغ وزنه الكلي 8 أطنان، تتضمن نحو نصف طنّ من المواد المتفجرة.
الجيل الثاني من هذا الصاروخ ظهر بشكل علني في شباط/فبراير 2017، تحت اسم «بركان 2 ـ إتش»، وذلك خلال عملية استهداف موقع عسكري سعودي غربي العاصمة السعودية، وتكرر استخدامه بعد ذلك لضرب مواقع داخل الرياضة، منها مطار الملك خالد، ويبلغ مدى هذا الجيل 1400 كيلومتر.
أما الجيل الثالث، فقد تمت تسميته «بركان ـ 3»، وتم استخدامه للمرة الأولى ميدانياً في آب/أغسطس 2019 لاستهداف مدينة الدمام السعودية، ويعدّ فعلياً الصاروخ الباليستي الأبعد مدى في الترسانة اليمنية، وتمت تسميته مؤخراً باسم جديد، هو «ذو الفقار».
الترسانة اليمنية البعيدة المدى شملت أيضاً صواريخ الكروز، إذ ظهر في أواخر العام 2017 ضمن تسليح الجيش اليمني واللجان الشعبية للمرة الأولى صاروخ الكروز «قدس ـ 1»، الذي تم استخدامه لضرب مفاعل براكة النووي في أبوظبي، ثم تكرر استخدامه خلال العام 2019 لاستهداف مطار أبها الإقليمي ومحطتي الكهرباء وتحلية المياه في الشقيق جنوب غرب المملكة.
هذا الصاروخ مستمد في تصميمه وآلية عمله من صاروخ الكروز السوفياتي «كي إتش - 55»، مع تعديلات أساسية في موقع المحرك وأجنحـة التوجيه، إلى جانب تزويده بمنظومة للملاحة بالقصور الذاتي، معززة بمعلومات مدخلة مسبقاً بمساعدة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية للمواقع التي يراد استهدافها. يتراوح مدى هذا الصاروخ بين 140 و180 كيلومتراً.

صواريخ جديدة يُكشف عنها للمرة الأولى
استمرَّت عمليات التطوير اليمنية في مجال القوة الصاروخية بشكل أكبر من المرحلة السابقة، وهو ما كان واضحاً من خلال إعلان الجيش اليمني واللجان الشعبية في آخر معرض له عن مجموعة من الصواريخ الجديدة، كان أهمها صاروخ الكروز «قدس ـ 2» الذي تم استخدامه للمرة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك في استهداف محطة توزيعٍ للمنتجات البتروليّة شمال مدينة جدّة غرب المملكة العربية السعودية.
هذا الصّاروخ الّذي يعدّ النسخة الجديدة من صواريخ الكروز «قدس ـ 1»، يعتبر نقلة نوعية في القدرات الصاروخية اليمنية، نظراً إلى مداه الذي يتراوح بين 1500 و2000 كيلومتر، وهو ما جعله مثار اهتمام الأوساط العسكرية الإسرائيلية والأمريكية. تم الإعلان كذلك عن 3 أجيال جديدة من صواريخ المدفعية الصاروخية «بدر»، تحت اسم «نكال» و»سعير» و«قاصم».

الطائرات المسيّرة.. تجربة نجاح ميدانية
أفرزت التجارب الميدانية للجيش اليمني واللجان الشعبية خلال السنوات الماضية دروساً مهمة في كيفية استخدام الطائرات المسيرة بأنواعها المختلفة، من أجل تنفيذ كل المهام المساندة والهجومية، وذلك اعتماداً على التعديلات المحلية الصنع لبعض أنواع الطائرات التجارية المسيرة، وتطوير نماذج محلية الصنع بشكل كامل باستخدام قطع ومواد مدنية الطابع.
بداية، كانت هذه التجربة في مجال الطائرات المسيرة المخصصة للاستطلاع، إذ بدأ الجيش اليمني واللجان الشعبية منذ العام 2018 باستخدام 4 أنواع محلية الصنع، هي طائرة الاستطلاع وتصحيح النيران «راصد»، المزوّدة بمحرك كهربائي يوفر لها مدى يصل إلى 35 كم ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، والطائرة «هدهد - 1» التي يصل مداها إلى 30 كم، وتبلغ مدة تحليقها المتواصل 90 دقيقة، والطائرة «رقيب»، وهي طائرة استطلاع ميداني قريب يبلغ مداها 15 كم، وتبلغ مدة تحليقها المتواصل 90 دقيقة. الطائرة الرابعة التي تعدّ الأبعد مدى في قائمة الطائرات المسيرة المخصصة للاستطلاع هي الطائرة «صماد ـ 1» التي يصل مداها الأقصى إلى 500 كيلومتر.
انتقلت الترسانة اليمنية من الطائرات المسيرة إلى مستوى جديد ومتقدم في نيسان/أبريل 2018، بظهور أول ذخيرة جوالة في تسليح الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهي «قاصف - 1»، وهي عبارة عن طائرة انتحارية من دون طيار مزوّدة بمحرّك يعمل بالبنزين يوفّر لها مدى يصل إلى 150 كيلومتراً، ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، وتم تزويدها برأس متفجر تصل زنته إلى 30 كيلوغراماً. وقد تم استخدامها بشكل رئيسي ضد مواقع التحالف السعودي في اليمن ومطارات الحد الجنوبي السعودي.
في تموز/يوليو 2019، أعلن الجيش اليمني واللجان الشعبية عن جيل جديد من الذخائر الجوالة تحت اسم «صماد 2»، إذ استهدف به للمرة الأولى منشآت تابعة لشركة «أرامكو» النفطية في الرياض، وتبع ذلك هجوم على مطار أبو ظبي، استخدم فيه نسخة جديدة من هذه الذخائر تحت اسم «صماد 3».
شكل ظهور هذين النوعين من الذخائر الجوالة نقلة نوعية، نظراً إلى مداهما الكبير الذي يصل إلى 1500 كيلومتر، وإن كانت التقديرات التي تتحدث عن زنتها المتفجرة تتراوح بين 50 و70 كيلوغراماً فقط، إلا أن قوتها تكمن في تنفيذ هجمات بأعداد كبيرة منها على هدف محدد، ما يقلص فرص إسقاطها من جانب الدفاعات الجوية.
آخر أنواع الذخائر الجوالة التي تم رصدها في تسليح الجيش اليمني واللجان الشعبية هو الذخيرة الجوالة «قاصف - تو كيه»، التي تم استخدامها للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير 2019، لاستهداف قاعدة العند الجوية جنوبي اليمن، وهي تتميّز بأنها لا تصطدم بشكل مباشر بالهدف، كما هو حال الذخائر الجوالة المماثلة، لكنَّها عوضاً عن ذلك تنفجر فوق الهدف بمسافة تتراوح بين 10 و20 متراً، ما يسهم في نشر الموجة التدميرية بطريقة أكثر فعالية.
وبالنظر إلى آخر معرض للجيش اليمني واللجان الشعبية، يتضح التركيز على إنتاج المزيد من أنواع الطائرات المسيّرة، إذ تم الكشف عن 7 أنواع جديدة، أبرزها الذخيرة الجوالة «وعيد»، التي تشبه في شكلها الخارجي بعض أنواع الذخائر الجوالة الغربية الصنع، والذخيرة الجوالة الصغيرة الحجم «خاطف»، إلى جانب عدة أنواع استطلاعية، منها «نبأ» و»مرصاد».
أيضاً الطائرة المسيَّرة الهجومية «صماد 4»، التي يمكن أن نعتبرها نقلة جديدة في التسليح اليمني، نظراً إلى أنها أول طائرة مسيرة حاملة للذخائر والصواريخ في الترسانة اليمنية، إذ تحمل قنبلتين غير موجّهتين، وهو ما يشير إلى إمكانية تطويرها لاحقاً لتحمل ذخائر موجهة مضادة للدروع.
كذلك، المروحيَّة المسيرة «رجوم»، التي تعتبر في الأساس مروحية مسيرة تجارية قام الجيش اليمني واللجان الشعبية بتعديلها، بحيث تحمل 6 قنابل هاون من عيار 60 ملم، وتزويدها بآليّة يمكن من خلالها تحرير هذه القنابل أثناء التحليق، بحيث يتمّ استهداف المواقع المعادية من خلالها، مع متابعة نتائج هذا الاستهداف.
هذه المروحية والطائرة الهجومية «صماد 4» تؤشران بوضوح إلى التوجهات المستقبلية للصناعات الحربية اليمنية في مجال الطائرات المسيرة، إذ تتَّجه بشكل أكبر نحو الأنظمة المسيرة الهجومية المتعددة المهام التي تتمتع بمدى أبعد، وحمولة قتالية أكبر، وقدرة نوعية على تفادي الرصد المعادي.

 كاتب مصري وباحث في الشؤون العسكرية