وليد مانع / لا ميديا -
من أهم مدن الحجاز الدينية. كانت تسمّى يثرب، واشتهرت بعدها بـ"مدينة رسول الله"، كما سماها الرسول (ص) «طيبة».
تبعد حوالى 450 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مكة المكرمة. وتقع بين حرتين: "حرّة واقم" شرق المدينة، و"حرّة وَبْرة" في الغرب. جبل أُحد هو أبرز جبالها، وإليه تنسب الغزوة المعروفة.
وفي حين اعتمد سكان مكة على التجارة، فقد عمل سكان يثرب في الزراعة، خصوصا زراعة النخيل، معتمدين على الأمطار، كما حفروا الآبار، واتخذوا البساتين والحوائط.
يرجع تأسيس يثرب إلى حوالى 1600 سنة قبل الهجرة النبوية. ويقال إنها أخذت اسمها من يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. ولعل أقدم إشارة مكتوبة إلى "يثرب" وردت في كتابات مملكة معين اليمنية، وذكرتها بين المدن التي سكنتها جاليات معينية، ومن المعروف أن المملكة المعينية قامت في الفترة بين 1300 و600 ق. م، وامتد نفوذها في فترة ازدهارها إلى الحجاز وفلسطين، وعندما ضعفت كونت مجموعة مستوطنات لحماية طريق التجارة إلى الشمال، وكان هذا الطريق يمر بيثرب. كما ورد اسم "يثرب" في النصوص الآشورية، العائدة للقرن السادس قبل الميلاد، وتحديدا نقوش "نبونعید"، التي أشارت إلى المدينة باسم "لاثريبو". وورد اسم "يثرب" أيضا في كتابات الإغريق، فقد أشار كلاوديوس بطليموس إلى واحة في بلاد الحجاز في شبه الجزيرة العربية، باسم "لاثريبا".
وفقا للتاريخ المكتوب فإن العماليق هم أول من سكن يثرب، ومن بعدهم المعينيون من اليمن، ثم اليهود. وصل اليهود إلى يثرب أول مرة في القرن الثاني الميلادي نزوحا من الحروب الرومانية اليهودية في الشام. وأبرز القبائل اليهودية التي نزلت يثرب: بنو قينقاع، وبنو قريظة، وبنو النضير، وسكنوها حتى القرن السابع الميلادي.
ونتيجة انهيار سد مأرب، نزحت عدّة قبائل عربية من مملكة سبأ في اليمن نحو الشمال. ومن هذه القبائل قبيلتا الأوس والخزرج اللتان أعجبتا بيثرب لأرض لها الخصبة وينابيعها الكثيرة، فاستقرتا فيها مع وجود قبيلتين من اليهود آنذاك، هما بنو قريظة وبنو قينقاع. عقد الأوس والخزرج معاهدة مع اليهود يلتزم فيها الطرفان بالسلام والتعايش والدفاع عن يثرب ضد الغزاة.
مع مرور الزمن ازداد عدد الأوس والخزرج ونمت ثرواتهم. ولأن اليهود خافوا من اتساع سلطة ونفوذ القبيلتين، فقد أوقعوا بين القبيلتين، فاشتعلت حروب طاحنة بينهما، استمرت قرابة 120 عاماً، ولم تنته إلا مع هجرة رسول الله محمد إلى يثرب.
قبل دخوله يثرب، عرج رسول الله على "قبا" لأداء الصلاة، وبنى هناك مسجداً كان أول مسجد في الإسلام. ثم دخل يثرب في 12 ربيع الأول، الموافق 27 سبتمبر سنة 622م، فبنى المسجد النبوي، نواة الدولة الإسلامية الجديدة، ثم وضع أول دستور مدني مكتوب في الإسلام، وهو "صحيفة المدينة"، التي نظمت علاقات سكان المدينة وحددت التزامات جميع الأطراف من مهاجرين وأنصار ويهود، وحقوقهم وواجباتهم، ووجوب دفاع الجميع عن المدينة، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وسماها "طيبة" ونهى عن استخدام اسمها القديم.
تحتضن المدينة الكثير من الأماكن المقدسة، أهمها:
1 - المرقد النبوي الشريف:
تعرض قبر الرسول (ص) للهدم ومحاولات نبشه ومنع الناس من زيارته، بعضها بفعل الوهابية السعودية.
2 - المساجد:
أبرزها: المسجد النبوي، مسجد قبا، مسجد الشجرة، مسجد الجمعة، مسجد العمرة (يعرف بمسجد عرفات أيضاً)، المساجد السبعة (شمال غربي المدينة، وهي: مسجد علي عليه السلام، مسجد سلمان، مسجد فاطمة عليها السلام، مسجد أبي ذر، مسجد القبلتين (المسجد الوحيد الذي صلى فيه المسلمون نحو المسجد الأقصى قبل تحويل القبلة إلى الكعبة)، مسجد عتبان بن مالك، مسجد الفضيخ، مسجد الفتح، مسجد الغمامة، مسجد الإجابة (ويسمّي أيضا مسجد المباهلة)، مسجد المعرس، مسجد السقيا، مسجد ومشربة أم إبراهيم.
3 - مقبرة البقيع:
تقع في الجزء الشرقي من المدينة. ومن أبرز من دُفن فيها: الإمام الحسن عليه السلام، الإمام علي بن الحسين عليه السلام، الإمام الباقر عليه السلام، الإمام الصادق عليه السلام، العباس بن عبد المطلب، أم البنين، إبراهيم ابن رسول الله (ص)، ابنتاه (ص) رقية وأم كلثوم، عماته (ص) صفية وعاتكة، والكثير من وجوه الأصحاب والتابعين والصالحين والعبّاد والشهداء. وروي عن الرسول (ص) أنّه قال: «أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع».
4 - جبل أحُد:
يطل على الجانب الشماليّ الشرقي من المدينة، على بعد خمسة كيلومترات من المسجد النبوي، وسميّ "أحُد" لانفراده عن سلسلة جبال المدينة الأخرى. وقد شهد المنازلة التي دارت بين الحق والباطل في 7 شوال سنة 3هـ، وضمت تربته رفات الشهداء الذين سقطوا في تلك المعركة.
5 - دار كلثوم بن هدم ودار سعد بن خيثمة:
هي من المعالم التي اندثرت واختفى أثرها في قبا. حيث نزل رسول الله (ص) في دار كلثوم بن الهدم، وإذا خرج ليجلس إلى الناس جلس إليه في دار سعد بن خيثمة، وكانتا مأوى للمهاجرين الأوائل.
6 - ضريح محمد النفس الزكية:
يقع قبر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عليه السلام في شمال غرب المدينة، بالقرب من جبل سلع.
ولمكانتها كمقر لرسول الله وأول عاصمة للدولة الإسلامية، فقد شهدت المدينة الكثير من الأحداث والوقائع التاريخية المعروفة التي لا يتسع المقام لحصرها؛ نكتفي منها بواقعتين:
أولا: وقعة الحرة:
واحدة من أبشع جرائم الأمويين. كانت في 26 أو 27 ذي الحجة سنة 63 هـ. وقيل إنها حدثت لأن أهل المدينة خلعوا "يزيد" لما صدر منه من موبقات ورذائل، وبايعوا عبد الله بن الزبير، وثاروا على السلطة الأموية ومنعوها من نهب أموال الناس. خرج الثوار وحاصروا بيت مروان بن الحكم ففر الأمويون نحو الشام، فأرسل إليهم يزيد جيشا من أهل الشام على رأسه مسلم بن عقبة، فقتل الكثير من أهل المدينة، ونهب الأموال وسبى النساء، ومن أراد النجاة بايع على أنه عبدٌ ليزيد.
ثانياً: ثورة النفس الزكية:
كانت ثورة ظهور محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام بالمدينة سنة 145هـ، وقد بايعه الكثير من الناس، وساندوه وكثير من المحدّثين منهم مالك بن أنس. فأرسل إليه المنصور جيشين: الأول رأسه عيسى بن موسى، والآخر رأسه محمد بن قحطبة، فقتلوا النفس الزكية في المدينة ودفن فيها.