تحقيق وعدسة: نشوان دماج / مرافىء -

لكل مرحلة أحداثها المختلفة والعديدة الحيثيات. ولا شك أن تلك الأحداث ستنعكس على ثقافة المجتمع الذي عاشها، بحيث لا تكاد تمر إلا وقد طرحت عدداً من التسميات الخاصة بها، سواء تسمياتها هي أو أسماء شخصيات وظواهر ارتبطت بها، لتنعكس فوراً في تفاصيل حياة الناس فإذا بهم يحولونها إلى مظاهر ومضامين ثقافتهم، فيطلقها بعضهم على أبنائه الجدد، وبعضهم الآخر يتخذ منها اسماً لمنشأة أو شركة أو محل تجاري... وهكذا.
ومقابل أسماء مستوردة لا علاقة لها بواقع المجتمع، ثمة دعوة إلى تغليب الأسماء المرتبطة بالأحداث والمتشربة في الذاكرة، كمحاولة للتخفيف من وطأة تلك التسميات القادمة من صحراء الخليج وضحالة المسلسلات التركية والمصرية.

قطبا الذاكرة اليمنية
«أيلول» و«تشرين»، بما يمثل هذان الشهران في ذاكرة اليمنيين من أحداث ودلالات، وذلك في ثورتي الـ26 من سبتمبر 1962 والـ14 من أكتوبر 1963، سرعان ما احتل كل منهما مكانة في قائمة التسميات الحياتية الخاصة باليمنيين، سواء بإطلاقه على أشخاص أو على غير ذلك من شؤونهم. فهذان الاسمان ملموسان بشكل كبير في تسميات المحلات التجارية بمختلف أنواعها، وفي شتى المحافظات اليمنية، ولا أقل دلالة على ذلك من أن نجد أحدهما قد أسقط على بقالة في شارع ضيق، ناهيك عن كبرى المحال والمراكز، بالرغم من أن أصحاب الاستوديوهات دون غيرهم، يرون أن تسميات كـ«أيلول» و«تشرين» و«نيسان» و«كانون»... الخ، التي أطلقت على تلك المحلات إنما متأتية من الشهور نفسها وقلما تكون مرتبطة بالأحداث.
حركة 13 يونيو التصحيحية، التي قادها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، انعكست أيضاً على تسميات عدد كبير من المحلات، كالبوفيهات والاستريوهات وغيرها، باعتبارها حركة كان لها انعكاساتها الإيجابية على واقع وحياة الشعب اليمني في شمال الوطن؛ على عكس حدث أليم كالثالث عشر من يناير 1986، أو ما يطلق عليه «أحداث يناير» في جنوب الوطن، والتي تركت في الذاكرة اليمنية جرحاً غائراً، فلم تكن لتُترجم أو تنعكس على ثقافة التسميات بالنسبة لهم.

الوحدة
لا شك أن الوحدة اليمنية بالنسبة لليمنيين، جنوباً وشمالاً، حدث جليل جعل اسمها في فترة قياسية ينعكس على حياتهم في التسعينيات وما بعدها، بحيث لو بحثت عن أسماء المواليد منذ تلك المرحلة ستجد الآلاف قد سموا بناتهم «وحدة»، وستجدهم قد أطلقوا هذا الاسم على مئات المحلات: كشك الوحدة، فرن الوحدة، مستشفى الوحدة، عيادة الوحدة... الخ. ولن يكون الأمر بطبيعة الحال مرتبطاً بذلك الاسم فقط، بل سيتعداه إلى تسميات أخرى مرتبطة به، سواء شخصيات أم غير ذلك؛ فـ«22 مايو» اسم لعشرات المحلات المختلفة، حتى إنك ستجد في فترة لاحقة من سمى ابنته «ضد الانفصال»، تعبيراً عن موقفه الثابت من الوحدة، ناهيك عن إطلاق تلك التسمية على متعلقات أخرى خاصة بهم.
«كشك الوحدة» في «التحرير» واحد من تلك الأسماء المتعلقة بهذا الحدث، والذي يقول صاحبه إن تسميات الأكشاك على وجه الخصوص كثيراً ما تتعلق بالأحداث والظواهر ذات الطابع الرسمي، والتي تفرض من قبل الدولة، كـ «الثورة»، «الجمهورية»، «26 سبتمبر»، «14 أكتوبر»، خلافاً لبقية المحلات الأخرى التي يكون لأصحابها حرية اختيار التسمية وفق ضوابط معينة. 
أحمد محمد صاحب «بقالة 22 مايو» في حي سعوان، يرى أن التسمية التي أطلقها على بقالته مرتبطة بحدث الوحدة اليمنية التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو 1990. يضيف أحمد أنه بالرغم من أن تسمية بقالته جاءت متأخرة بعض الشيء، حيث لم يمض عليها عشر سنوات، إلا أن 22 مايو ما يزال يمثل حدثاً جليلاً في حياة اليمنيين، ناهيك عن أن هذا اليوم هو عيد وطني وعطلة رسمية.
أما حسان الشرفي، صاحب مطعم في شارع النصر بشيراتون، فيرى أن تسمية مطعمه بـ22 مايو، لأن هذا اليوم كان بمثابة فرحة انتظرها اليمنيون طويلاً، في الشمال والجنوب، باعتباره اليوم الذي تحققت فيه الوحدة، مضيفاً: «فلم أجد تسمية أفضل منها، كوني محباً للوحدة، بالرغم من أن الاسم قد يشكل عند البعض حساسية ما».

العدوان
العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في الـ25 من مارس 2015، كحدث يواجهه اليمنيون منذ أكثر من 6 سنوات بكل بطولة وصمود على كافة الجوانب والأصعدة كان لا بد له أن يسحب نفسه هو أيضاً في هذا الصدد. فكان له نصيب من تسميات المحال التجارية التي تعكس البطولة والصمود والتصدي للعدوان. 
محمد حميد بدير، عامل في «مركز الصمود للاتصالات وخدمات الجوال»، الكائن في جولة النصر، يقول إن «تسمية المحل لا شك لها علاقة بما أبداه الشعب اليمني ومازال يبديه من صمود في وجه العدوان الغاشم من قبل التحالف السعودي الأمريكي، فكان لذلك الصمود أن ينعكس تسمية للمحل الذي أعمل فيه»، مشيراً إلى أن التسمية أطلقت على المحل منذ اليوم الأول لافتتاحه قبل 3 سنوات.
ومن جهته عبد الواحد عطية، صاحب «معرض يمن الصمود للسيارات»، جوار السفارة الأمريكية بشيراتون، يقول إن العدوان هو «عدوان على الشعب اليمني بأكمله، وبالتالي كان لا بد من أن تنعكس همجية وبربرية وصلف ذلك العدوان بما يقابلها من صمود وتضحية وإباء من قبل أبناء هذا الشعب وجيشه ولجانه الشعبية. فجاءت تسمية معرض السيارات بـ يمن الصمود منذ بداية العدوان من هذا المنطلق، وإحساساً بالمسؤولية في إطلاق التسميات التي تخصنا كيمنيين وتخص بطولاتنا وتضحياتنا».

دعوة إلى اليمننة 
يوافقه فايز مطهر، شقيق الإعلامي الكبير عبد الرحمن مطهر، بالقول إن انشداد الكثيرين تجاه الأسماء المعلبة التي تأتي من الخارج ولا تمت إلى اليمن واليمنيين بصلة، وانتشار تلك التسميات على المحلات بذلك الشكل الصارخ، إنما تعبر عن انحطاط وثقافة منحطة أوفدتها إلينا المسلسلات، وخصوصاً التركية في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى الثقافة المستوردة من الخليج، والتي انعكست في تلك التسميات الغريبة التي أطلقت على عشرات ومئات المحلات، فهذا محل «إسطنبول للأثاث» وذاك «نيرفين» للعطور، و«مراسيم الإمارات»، و«كشخة»... الخ.
وبخصوص يمننة الأسماء، يقول أحمد حسن سالم، من مؤسسة الشهيد زيد علي مصلح، إنه كان هناك حملة في هذا الاتجاه، وهاشتاغ أطلقه مجموعة ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، على الأقل للتخفيف من وطأة ذلك الحضور الطاغي في تسميات المحلات بتلك الأسماء المتعلقة بمن يقصف اليمنيين ليل نهار وأهلك الحرث والنسل، فلا تكاد تمر بشارع أو زقاق إلا وتجد اسماً له علاقة بواحدة من دول العدوان.

صمود عطان
ربما لم يكن لجبل عطان في العاصمة صنعاء من حضور في حياة أكثر اليمنيين إلا باعتباره جبلاً لا أكثر. لكن مع العدوان، ولكثرة ما تم استهداف هذا الجبل بالغارات والصواريخ، أصبح له رمزية كبيرة ومعنى أكبر من مجرد جبل، حيث رآه اليمنيون تجسيداً واقعياً لصمودهم واستبسالهم، فكان لتلك التسمية «عطان» أن تنعكس على أسماء الكثيرين من أبنائهم، ناهيك عن إطلاقها على عدد من المحلات؛ فهذا «صمود عطان» وذاك «درع عطان» وذاك «شموخ عطان»... الخ. 

الشهادة والشهداء
«الشهداء» كتسمية أصبح لها حضورها هي أيضاً فيما يطرح في الفترة الأخيرة من أسماء على المحلات التجارية، حيث تجد عددا من المحلات بمختلف مجالاتها أصبح لها تلك التسمية، كـ»صيدلية الشهداء» في شارع النصر، لصاحبها الدكتور عمر الحُمادي (الحاضري). يقول العامل في الصيدلية، كمال الرباحي، إن التسمية جاءت لأن 3 من إخوة الدكتور عمر استشهدوا في ميادين الشرف، دفاعاً عن الوطن، وهم: عبد ربه الحُمادي (استشهد في 15 يونيو 2016) وعلي الحمادي (استشهد في 5 أكتوبر 2018) وسيف الحمادي (استشهد في 19 أبريل 2019)، وتعبيراً عن الوفاء لأولئك الشهداء الثلاثة ولغيرهم تم إطلاق اسم «الشهداء» على الصيدلية.
«مركز الشهداء» كذلك في حي الجراف جاءت تسميته من منطلق الوفاء للشهداء، بحسب القائمين عليه. والمركز عبارة عن مكتبة متخصصة في طباعة الكتب وبيعها وتوزيعها، تأسست منذ 2006. وعلى مقربة من مركز الشهداء في حي الجراف، ثمة أيضاً «مكتبة الشهيد القائد»، مطبوعاً على واجهتها بجوار الاسم صورة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي. يقول العاملون في المكتبة إنها تأسست منذ عام ونصف العام، لبيع الكتب بأسعار رمزية رفداً للجبهات.
للرئيس الشهيد صالح الصماد حضوره هو أيضاً كتسمية أطلقت على عدد من المحلات، فهذي «مكتبة الرئيس الشهيد الصماد» في حي المدينة بحدة كتعبير عن بعض ما لهذا الرئيس من مكانة وحب، وتلك غيرها من المكتبات ومراكز الاتصالات وعدد آخر من المحلات المختلفة في شوارع العاصمة.
 
«توشكا» و«قاهر» و«صماد»
لم تعد هذه أسماء صواريخ فقط، بل سرعان ما أصبح هناك محلات ومحلات في شوارع العاصمة صنعاء، وغيرها من المحافظات اليمنية، قد تسمت بها وعلقتها على واجهاتها البارزة كثقافة انتصار تفرض نفسها في مواجهة تسميات مستوردة لا تمت للهوية اليمنية بصلة، ولا تحمل أي دلالة بالنسبة لنا كيمنيين.