استطلاع :مالك الشعرانــي / لا ميديا -

في سنوات مضت كان الحصول على عين للإيجار في محافظة إب، أمراً سهلاً وفي متناول الجميع، وذلك نظراً لوجود عدد كبير من المباني حديثة البناء  خالية من السكان، وكان مالكو تلك العقارات لا يأخذون سوى إيجار شهري بسيط ويقدرون ظروف المستأجر. لكن مؤخرا تعيش مدينة إب أزمة سكنية خانقة، بفعل تزايد الكثافة السكانية في المدينة جراء نزوح آلاف الأسر من محافظتي تعز والحديدة،  وعودة كثير من المغتربين في العامين الماضيين، فامتلأت المباني والمحال والبدرومات بالمستأجرين عن بكرة أبيها، وأصبح اليوم  الحصول على عين للاستئجار أشبه بالمستحيل. 
صحيفة «لا» اطلعت على المشكلة عن قرب، وقص لها الأسباب والمسببات عدد من شرائح المجتمع الإبي.
حديث متواصل عن استغلال مالكي العقارات والبيوت للأزمة وفتح عيونهم وشهيتهم لكسب المال عن طريق تجديد العقود ورفع الإيجارات تدريجياً بزيادة من 20 إلى 30٪ وما بين 40 و50٪ في بعض الأحياء، بل وزاد طمع وجشع بعضهم بتحديد المدة الزمنية لعقد الاستئجار لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد بداية كل عام ميلادي، وبزيادة إجبارية سنوية تخضع أحياناً لمزاجية المؤجر دون مراعاة للظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها أبناء اللواء الأخضر خصوصاً وأبناء اليمن عموماً.

عقود غير منصفة
في البداية تسرد إشراق الصبري (ناشطة مجتمعية)، عدداً من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الإيجارات في السنوات الأخيرة بمحافظة إب، منها الازدحام السكاني الناتج عن نزوح بعض المواطنين من المحافظات المجاورة بسبب الحرب الدائرة هناك وهجرة بعض المواطنين من القرى إلى المدينة.
وتنتقد إشراق قيام أصحاب البيوت برفع الإيجار بداية كل عام، خصوصاً في ظل وضع مأزوم يعيشه الناس وانقطاع للرواتب وتدني الوضع الاقتصادي للبلاد وانعدام أغلب أسياسيات الحياة.
وتبدي إشراق، امتعاضها من بنود عقد الاستئجار بين المؤجر والمستأجر التي تعتبرها غير مُنصفة، لأن أغلب بنودها في صالح المؤجر وضد المستأجر، وهو ما يتعارض مع القانون، ويجب إعادة النظر في صياغتها، حسب قولها.
وتطالب أصحاب العقارات بأن يتقوا الله، ويوقفوا رفع الإيجارات سنوياً، وأن يعملوا على بث روح التراحم والتعاطف، بدلاً من زيادة العبء على الناس الذين يرزحون تحت ظروف معيشية قاسية لا تخفى على أحد، «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

العدوان سبب الأزمة
ويتفق منصور قاسم الذهب (محاسب مالي)، مع رأي إشراق، بأن الأوضاع الأمنية في بعض المحافظات جراء العدوان السعودي والإماراتي على بلادنا، ألقت بظلالها على بعض المحافظات، وتسببت في نزوح جماعي منها وعودة كثير من المواطنين إلى مسقط رأسهم مدينة السلام (إب).
ويؤكد الذهب، أن بنود عقد الاستئجار غير متكافئة بين الطرفين (المؤجر والمستأجر) وتصب في مصلحة المؤجر على حساب المستأجر، كما أن مشكلة دأب المؤجرين على سياسة رفع الإيجار بداية كل عام أمر غير مقبول.
ويضيف الذهب: في ظل الأوضاع الحالية والركود الاقتصادي وضعف دخل الفرد، فإن الأحرى بالمؤجرين تقدير الظروف والتعاون مع المستأجرين وتخفيض الإيجارات، امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ويطالب في ختام حديثه، الحكومة بضرورة التدخل وإصدار قانون عادل للإيجارات وإعداد لائحة تنفيذية لتطبيقه على الواقع، «فهكذا خطوة ستضمن حقوق الطرفين: المؤجر والمستأجر».

اكتوينا بنار الإيجار
من جهته، يرى إبراهيم أحمد قاسم (تربوي) أن المعلمين هم أكثر من يكتوي بنار الإيجارات، لأن رواتبهم متوقفة وظروفهم صعبة، موضحاً أنه ورغم علاقته الطيبة وصداقته مع صاحب العمارة، إلا أنه قام برفع إيجار شقته قبل عامين بنسبة 15٪
ويدعو إبراهيم إلى عقد لقاء موسع في المحافظة يضم السلطة المحلية والشخصيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لدراسة مشكلة غلاء الإيجارات والتعاطي معها بمسؤولية وطنية، واتخاذ حلول عملية تسهم في تحديد وتثبيت أسعار الإيجارات وتحد من طمع وجشع أصحاب العقارات. معتبراً أن وضع المقترحات البناءة والحلول المناسبة لهذه المشكلة هو بمثابة مقدمة لإيقاف الغلاء والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

الإيجار أثقل كاهلي!
ورفض محمد عبدالجليل (صاحب محل جوالات)، الإدلاء برأيه في بداية لقائنا به، بحجة أن الاستطلاع الصحفي الذي نجريه لن يحقق شيئاً على أرض الواقع، وبعد تبادل الحديث معه، أشار إلى أن الإيجار الباهظ الذي يدفعه شهرياً لصاحب العمارة وقلة الدخل في محله أثقل كاهله ويتسبب بخسائر سنوية له.
وأوضح عبدالجليل أن تساوي إيجارات المحال التجارية بنفس الشارع ظلم وغير عادل، لأن بعض المحال تبيع منتجات استهلاكية والشغل عندها جيد وباستطاعتها دفع الإيجار، والبعض الآخر العمل عندها ضعيف والدخل قليل بالكاد يغطي المصاريف والالتزامات الشهرية، مطالباً بإعادة النظر في أسعار إيجار المحال التجارية، وبالأخص التي تقدم خدمات للمواطنين وذوي الدخل المحدود.
وشدد على إيصال هذه القضية إلى الجهات المعنية والوقوف إلى جانب المستأجرين باعتبارهم مستثمرين يدعمون الاقتصادي الوطني من خلال دفع رسوم الضرائب والواجبات والنظافة والتحسين وغيرها.

وضع استثنائي
ويقف الإعلامي طاهر الوهبي محايداً من الأزمة، حيث يقول: «نمر جميعاً بظروف صعبة واستثنائية لم يسلم منها أحد، ويُحسب لإب أنها استقبلت نازحين من عدة محافظات، وفتح أصحاب البيوت بيوتهم أمامهم في وقت كانت الأبواب موصدة».
ويوضح الوهبي أن إب «أصبحت مدينة مزدحمة بالسكان، ورفع الإيجارات أمر شائع يحدث في أغلب المحافظات وفي إب كان رفع الإيجارات أقل سعراً مقارنة بالمحافظات الأخرى، والزيادة شملت المستأجرين الجدد، أما القدامي الذين لهم عشرات السنوات فتربطهم علاقات جيدة مع المؤجرين، ورفع الإيجار يكون بسيطاً ومعقولاً إلى حدٍّ ما، وكذلك عقود الاستئجار مدتها سنوات طويلة».
ويرى أن فترة عقد الاستئجار، الشائعة لدى الأغلبية والمحددة بعامين قابلة للتجديد، فترة مناسبة للطرفين. مضيفا: «صحيح أن الوضع المادي زاد صعوبة بسب استمرار انقطاع رواتب الموظفين، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن ذلك ينطبق على الجميع الذين يمرون بظروف استثنائية، وعلينا أن نتعاون وكل منا يراعي ظروف الآخر».
وفي ختام حديثه قدم شكره وتقديره لأصحاب المنازل الذين تعاملوا بمسؤولية وقاموا بتخفيض الإيجار وبعضهم سامحوا المستأجرين في إيجارات عدة أشهر تقديراً لظروفهم، كما طالب المؤجرين الذين يشطحون بأسعار الإيجار، بأن يراجعوا حساباتهم ويحذوا حذو إخوانهم حتى تنفرج الأزمة ويكتب الله الخير لليمنيين.