مروان أنعم / لا ميديا -

هناك مقولة يعرفها الكثير ممن غرر بهم تقول: «كيفما كان لونك أو أصولك المتواضعة، فإنك قادر على الوصول لأعلى السلم الاجتماعي دون أي قيود على الإطلاق، ووفق وسيلة واحدة فقط هي جهدك وكفاءتك.. فأنت في أرض الأحلام (أمريكا)».
بتلك البروباغندا المدغدغة للمشاعر تروج الآلة الإعلامية الأمريكية لنفسها كأنها ذروة ما توصلت إليه البشرية من قيم التعايش والتسامح والمساواة.. والديمقراطية كذلك، ولكن المزاج الاجتماعي الأمريكي والأحداث التاريخية والدولة العميقة يقولون عكس ذلك تماما، فالعنصرية والاضطهاد أصبحا جزءاً من التراث الأمريكي المتوارث جيلاً بعد آخر كنتاج طبيعي للنظام الطبقي الذي تأسست عليه ما تعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية، تلك الدولة التي قامت على أساس من العنصرية والتفرقة والإبادة الوحشية للأجناس البشرية.

تاريخ حافل بالعنصرية والوحشية
مع بدايات القرن السادس عشر، وعقب تصفية وإبادة الهنود الحمر على أيدى الغزاة وعصابات البيض من الأنجلوساكسونيين، القادمين من غرب أوروبا، قرر الغزاة استغلال الأفارقة السود واصطياد أكبر عدد ممكن منهم، فجاءت الآلاف من السفن الأوروبية المحملة بالجنود المسلحين بالبنادق والمدافع، لترسو على سواحل القارة السمراء حاملة الموت والخراب لأغلب سكانها، والخطف والاستعباد والإذلال مدى الحياة لمن بقي منهم على قيد الحياة.
خلال 50 عاماً فقط تم خطف وترحيل ما بين 15 و40 مليون إنسان من الأفارقة، في حين لقي الملايين منهم مصرعهم إما برصاص الغزاة وإما جوعاً أو عطشاً على ظهر السفن التي كانوا يحشرون فيها كالماشية، ومن تبقى منهم تم بيعهم كعبيد في أسواق أمريكا وأوروبا.
جلب الغزاة البيض أكثر من 470 ألفاً من العبيد، وأصبح من الطبيعي أن تمتلك كل أسرة من ذوي البشرة البيضاء عبداً أو أكثر، بل إن هنالك 8 من رؤساء أمريكا كان لديهم عبيد يعملون في منازلهم، فالقانون الأمريكي الطبقي والعنصري يجيز لكل أسرة أن تمتلك 4 من العبيد.
ورغم صدور قانون تحرير العبيد في العام 1862، إلا أنه لم يستطع إنهاء معاناة العبيد ذوي الأصول الأفريقية، فقد استمرت عملية الاضطهاد والالتفاف على القوانين، وماتزال العنصرية والتفرقة متغلغلتين في بنية النظام الأمريكي.

عنصرية متجذرة في هيكلية الدولة 
عمد الغزاة البيض إلى تشريع القوانين التي تمنع الملونين من التصويت والحصول على الجنسية الأمريكية، ففي العام 1860 لم يستطع أكثر من 90% من ذوي البشرة السوداء الحصول على الجنسية والإدلاء بأصواتهم.
وفيما تحاول وسائل الإعلام الأمريكية تصوير حادثة مقتل «فلويد» كأنها حدث استثنائي وفريد، إلا أنها تثبت مدى تغلغل التفرقة في مزاج وعقلية البنية الهيكلية للدولة الأمريكية، والحادثة ليست سوى واحدة ضمن الكثير من الحوادث المشابهة وحالات التنمر العنصرية التي يتعرض لها الآسيويون واللاتينيون و«الزنوج».

يتجلى تراث العنصرية من خلال تعرض الأمريكيين من أصـل أفريقي للعنصرية في مختلـف مناحي الحياة مثل المدرسة والجامعة، وعند التقدم للوظائف والترقية في العمل، وعند محاولة استئجار أو شراء مسكن، وعند الذهاب إلى الطبيب، وعند محاولة التصويت، وفقاً لاستبيان «التمييز في أمريكا» الذي أجرته مؤسسة الإذاعة الوطنية العامة خلال الفترة (26 يناير ـ 19 أبريل 2017).
ولعل أبرز مظاهر الاستهداف الممنهج، يتمثل في تعامل الشرطة معهم، فقد أظهر مسح «خريطة مراقبة العنف الشرطي» عام 2017، والذي أجرته حركة (TheProtesters) المناهضة للعنصرية، أن الشرطة الأمريكية قتلت 1147 مواطنا أمريكياً عام 2017، بينهم 25% من الأمريكيين من أصل أفريقي.
وفي 2012 فاق عدد المصوتين السود على البيض، وذلك ما مكن «باراك أوباما» من الوصول إلى البيت الأبيض، وهنا تدخلت الدولة العنصرية العميقة، وأقرت المحكمة العليا في القضية المعروفة باسم «شيلبي كاونتي ضد هولدر»، قانوناً يزيل الحماية عن البند الخامس من قانون التصويت الوطني، ومنحت الصلاحيات للولايات لسن قوانين قد تتعارض مع حقوق الملونين في الانتخاب، وهو ما حصل مباشرةً في ولايات معروفة بتاريخها العنصري مثل كارولاينا الشمالية وداكوتا الشمالية وولايات أخرى، حيث أُقرت قوانين قديمة مثل قانون الهوية الوطنية الذي يتيح التصويت للهوية الوطنية التي يحملها البيض دون تلك التي يحملها السود، وقانون العنوان السكني الصالح للتصويت، وقانون الإدانة الذي يمنع المدانين بجرائم فيدرالية من التصويت، وأغلبهم من السود بسبب حملات الشرطة على الملونين في مكافحة المخدرات والجريمة.
يقول ريتشارد روثستين في كتاب «لون القانون: كيف قسمت الحكومة أمريكا عرقيا»: «بسبب ما يعرف بقانون «الريدلينينج» أو تحديد المناطق الخطرة، حصل السود على 2% فقط من القروض العقارية بين عامي 1934 و1962، التي بلغت قيمتها 120 مليار دولار، ولاتزال 75% من المناطق التي تعتبرها المؤسسة خطرة وغير مشمولة بالقروض من مناطق السود حتى يومنا هذا».
وبسبب سياسة القروض، كان من السهل على محترفي العقارات الحصول على أملاك السود بسبب غياب الحماية القانونية لهم، إذ يضطر السود لشراء المنازل بعقود تدفع بالتقسيط شرط استعادة المنزل بحال عدم تسديد أية دفعة من القسط، وهو أمر لم يكن يحصل مع البيض الحاصلين على حماية مؤسسة القروض الوطنية.
ونتيجة عملية لذلك فقد السود 8 من كل 10 منازل قاموا بشرائها في مدينة شيكاغو خلال تلك الفترة، ما أدى لخسائر تراكمية بقيمة 4 مليارات دولار، وكمحصلة نهائية لهذه السياسات وغيرها، كان من الطبيعي مثلًا أن تنخفض نسبة السود في العاصمة من 71% إلى 48% حتى العام 2015، وأن يزيد السكان البيض بنسبة 25% وأن يصل الاضطهاد في المنازل إلى حد غير مسبوق، كما أوردت دراسة لجامعة هارفارد، إذ قال 45% من السود إنهم يعانون من اضطهاد عرقي عند استئجار العقار، مقابل 5% للبيض و31% لذوي الأصول اللاتينية و25% للأصول الآسيوية.وتقول دراسة لجامعة هارفرد ومؤسسة روبت وود جونسون والراديو الوطني الأمريكي بعنوان: «الاضطهاد في أمريكا: التأثير على العرقيات»، إن القوانين الجديدة بعد انتخابات 2012 حتى 2017 أثرت بنسبة 1:5 لصالح البيض، حيث كانت النسبة 19% ضد السود، 10% ضد الأمريكيين الأصليين، و15% ضد الأمريكيين من أصل لاتيني، و7% من ذوي الأصول الآسيوية، مقابل 4% ضد البيض، ليصل العدد إلى 9.5 مليون مواطن أمريكي أغلبيتهم الساحقة من الملونين، تم منعهم من التصويت في انتخابات 2016 التي فاز بها ترامب المعروف بميوله العنصرية.


مذابح عنصرية.. وأعمال عنف تتجدد

شيكاغو.. 27 يوليو 1919
اندلعت أعمال عنف عنصرية شديدة في عشرات المدن عقب قتل المراهق ذي الأصول الأفريقية «يوجين ويليامز» الذي تجرأ على السباحة في القسم المخصص للبيض ببحيرة ميتشجان.
رفضت الشرطة اعتقال أي من قتلة ويليامز، وأدى ذلك إلى اشتعال الاحتجاجات العنيفة في المدينة لمدة أسبوع، سقط على إثرها 38 قتيلا (15 من البيض، 23 من السود)، وأصيب أكثر من 500 مواطن آخر، وفقدت آلاف الأسر من السود منازلها.

كاليفورنيا..11ـ17 أغسطس 1965
«مقتل 34 وتوقيف 4 آلاف شخص وأضرار قدرت بملايين الدولارات»، تلك هي حصيلة مواجهات دامية في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، استخدمت فيها دوريات الحرس الوطني الرشاشات والأسلحة المتوسطة لفرض منع التجول.
ويعود سبب المواجهات إلى وحشية رجال الشرطة البيض في معاملتهم لذوي الأصول الأفريقية والاعتداء بالضرب المبرح على «ماركيت فراي» وأسرته عقب إيقافه من دورية لشرطة المرور.

نيوجرسي.. 12ـ17 يوليو 1967
شرطيان من البيض يعتديان بالضرب المبرح على سائق سيارة أجرة من أصول أفريقية، وعلى إثره اندلعت احتجاجات وأعمال شغب في نيوآرك بولاية نيوجيرسي، قتل فيها 26 شخصا وجرح 1500 آخرون.

ميتشيغن.. 23ـ27 يوليو 1967
اندلعت أعمال عنف في ديترويت بعد تدخل للشرطة في الشارع 12 الذي تقطنه غالبية من ذوي الأصول الأفريقية. أفضت المواجهات إلى مقتل 43 شخصا وجرح نحو 2000 آخرين.
وامتدت أعمال العنف إلى ولايات أخرى، بينها إيلينوي وكارولاينا الشمالية وتينيسي وميريلاند.

اغتيال مارتن لوثر كينغ.. 4 أبريل 1968
عقب اغتيال مارتن لوثر كينغ في ممفيس بولاية تينيسي، انفجر العنف في 125 مدينة، ما أدى إلى سقوط 46 قتيلا على الأقل و2600 جريح.
أضرمت حرائق ووقعت أعمال نهب في اليوم التالي في واشنطن، حيث كان ذوو الأصول الأفريقية يشكلون ثلثي سكان المدينة، وامتدت الاضطرابات إلى الأحياء التجارية في وسط المدينة وصولا إلى منطقة تبعد نحو 500 متر فقط عن البيت الأبيض.
وقام الرئيس ليندون جونسون باستدعاء الجيش الذي تدخل في شيكاغو وبوسطن ونيوآرك وسينسيناتي.

فلوريدا.. 17ـ20 مايو 1980
اندلعت أعمال العنف في مدينة تامبا عقب تبرئة 4 شرطيين بيض أقدموا على قتل سائق دراجة نارية من أصل أفريقي تجاوز إشارة المرور.
قتل خلال 3 أيام من أعمال العنف 18 شخصا وجرح أكثر من 400 في حي السود (ليبرتي سيتي) في ميامي بولاية فلوريدا. 

لوس أنجلس.. 29 أبريل 1992
تبرئة 4 شرطيين بيض قاموا بقتل «رودني كينغ» سائق سيارة من أصل أفريقي تجاوز السرعة المسموح بها، ليضربه 4 رجال بيض من الشرطة حتى الموت، أدى تواطؤ السلطات مع البيض إلى انفجار موجة عنف واضطرابات امتدت إلى سان فرانسيسكو ولاس فيغاس وأتلانتا ونيويورك، وأسفر عنها مقتل 59 شخصا وجرح 2328 آخرين.

ميسوري..9ـ19 أغسطس 2014
مقتل مايكل براون (18 عاما)، برصاص أطلقه شرطي أبيض في فيرجسون بولاية ميسوري، أفضى إلى أعمال عنف وشغب استمرت لمدة 10 أيام بين أصحاب البشرة السمراء وقوات الأمن التي استخدمت بنادق هجومية وآليات مصفحة.
وفي نهاية نوفمبر من العام نفسه، أسقطت الملاحقات ضد الشرطي، ما أدى إلى موجة ثانية من أعمال العنف

ميريلاند..19 أبريل 2015
مقطع فيديو لرجال شرطة بيض وهم يعتدون بالضرب على «فريدي جراي» (25 عاماً) من أصل أفريقي، بسبب نظراته التي لم تعجب الشرطة.
توفي جراي بعد إصابته بكسور في فقرات العنق عند نقله بشاحنة صغيرة للشرطة في بالتيمور.
أدت القضية إلى أعمال شغب ونهب في المدينة التي يشكل أصحاب البشرة السمراء حوالى ثلثي السكان، وقد أعلنت السلطات حالة الطوارئ واستدعت الجيش والحرس الوطني لفرض منع التجوال.

كارولاينا.. سبتمبر 2016
مظاهرات عنيفة في شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية بعد مقتل «كيث لامونت» (43 عاماً) ذي البشرة السمراء عند خروجه من سيارته بينما كان يطوقه شرطيون.
قالت قوات الأمن إنه جرح بالرصاص بينما كان يرفض تسليم سلاحه، لكن أقرباءه يؤكدون أنه لم يكن يحمل سوى كتاب بيده وينتظر ابنه عند موقف للحافلات.
وبعد تظاهرات استمرت عدة ليال، أعلن حاكم الولاية حالة الطوارئ وطلب تعزيزات من الجيش والحرس الوطني.