حاورها: أيوب الحشاش - أحمد عطا -

ناعورة حمدية ونهر عاص
 لم تصدري ديواناً حتى الآن رغم غزارة ما لديك من نتاج شعري وحضورك الكبير.. ألم يحن الوقت؟ هل تتجهين لإصدار ديوان أو أكثر؟ ما هي خططك حيال هذا الأمر؟
الكتابة ناعورتي. تصادق الماء فيَّ، تغرف مني، تسكبه، ثم تعود للملمته مرة أخرى، وهكذا لا ارتواء. وأظن أنني تماما كناعورة حموية وكنهر عاص. لم أجمع بعد ما كتبت بين دفتين للأسف. ولم أسم ديوانا قد أعتبره حلما.. قد بات حلما لي، انشغلت كثيرا في عملي، تحتاج فقط إلى وقت فراغ، تنضيد، تركيز، عنوان، مقدمة، إهداء وحفل إشهار ومبلغ لطباعته وأياد صديقة تقتنيه وتقرؤه. حلم جميل، سيتحقق بإذن الله. أنتظره، كما أحث وقتي المليء بالانشغالات أن يسمح لي باستثماره.
حاولت في أنواع الأدب الأخرى وبمشاركات على «فيسبوك» كتابة القصة القصيرة، القصة القصيرة جدا، الهايكو، الومضة، الأغاني، الشعر الشعبي كالأبوذية.. بالإضافة إلى نصوصي النثرية. وأعتبر «فيسبوك» نافذتي الأشهى الأروع. لذلك ربما أكتفي بها وبقرائي الأعزاء.

سورية انتصرت على من أرادوا كسرها
 برأيك، ما الذي يحبط الشاعر وما الذي يحفزه؟ الحرب التي شهدها بلدك الحبيب هي في طريقها للانحسار.. هل أثرت سلبا أم إيجابا على المشهد الإبداعي؟
المحفزات والمحبطات مؤثرات مهمة لتجربة الشاعر، بل لمستوى انغماسه في تجربته والخروج برحيق حروفه إلى القراء. يتحمل المجتمع وقيادته السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية الدور الكبير في تأمين البيئة اللائقة للإبداع، كذلك تملك فؤوسا تستطيع بها أن تهدم غابة تطور أو تقدم شاعري. في بلادي، كانت الحرب شرسة بما لا يحتمل ولا يوصف، وكانت المقاومة بما يدرس للتاريخ. بيئة الحرب خصبة، تفرز الكثير من المعاناة. ومن المعاناة ينبثق الإبداع.
نفترض ونقول ونؤمن بأن سورية انتصرت على ما ومن أراد كسرها كقيمة حضارية سياسية ووجودية، لذلك لا بد للأقلام أن توثق كل ما جرى، جميله وقبيحه، أن تكتب بالدم المراق شجاعة شعب، وبصبر الاغتراب والمنافي روايات المحبة والعودة. الشجون كثيرة هنا لا يتسع لها مقال ولا تختصرها شهادة.

عشق دمشق يسكن خلاياي
 تحضر الشام، دمشق العاصمة، كثيرا في نصوصك. حرفك ثمل بذاكرة دمشقية يستنشق نسائم بردى ويغمس خبزه في نبيذ باب توما ويسترخي فوق أرائك الياسمين.. إلى أي مدى يتكثف عشق الشام في الذاكرة؟
الشام وتميل الروح، إنه أشبه بالسكر على مقام موسيقي. ودمشق العشق جينات قد أودعها الله في خلاياي. أشعر بانتعاش حين أسكنها وحين أذكرها وحين أشم هواءها وأفخر بها. هي عاصمة الروح وعاصمة البلاد وعاصمة الشعر. لكل معْلم فيها دلالة وحنين. نزارها نزاري  وياسمينها عطري وقاسيونها وأمويوها وبرداها.
شآم يا ذا السيف لم يغبِ 
يا كلام المجد في الكتبِ 
قبلك التاريخ في غربة 
بعدك استولى على الشهبِ.
ترانا نحن -الشاميي الروح- نترنم بها وننتسب إليها ونعجن كلماتنا في أصيصها. لشوارعها عطر عجيب ولمائها نكهة الكوثر. هكذا أراها وأفكر بها، لذا تجدها بين حنايا حرفي تنبض وتتنفس. حماها الله وباركها كما وعد هي واليمن.
 كيف تنظرين للتجربة الشعرية اليمنية؟
ربما لم يكن متاحا لنا لولا نوافذ التواصل الاجتماعي، الاطلاع على تجارب الشعوب وبلداننا العربية.. التبادل ضعيف إلا بعض المجلات كمجلة «العربي» التي كانت في متناول الأيدي، وكانت مصدرا مهما لمعرفة ما يجري في الخارج، خارج الحدود. التجربة اليمنية كما ألاحظها وأتابعها ثرية جدا برغم قسوة الحرب وعدائيتها الشديدة لكل إبداع وحضارة.
اليمني شاعر أديب ذكي بالفطرة، يبهرني أحيانا ما يقدمه إلى مسيرة الإبداع. الشعر حرفته الماهرة المتفردة، نقشه في الصخر وتحفه الفنية. أسماء كثيرة بت أتابعها وأتابع إصداراتها. يبهرني وجود النساء في الساحة الأدبية الشعرية بما يشابه ذلك الاقتدار. البصمات واضحة جدا، تستطيع أن تقول إن اليمني حالة راسخة شاهقة كجباله.
 كلمة أخيرة تودين قولها؟
لقد حطمنا الحواجز، هزئنا بالحدود، طوينا المسافات، هدهدنا للغربة والاغتراب والقرابة، مسدنا على رأس يتيم، تفرقنا وطرنا في سرب.
طيور نحن عندما نحب السماء ونحب البلاد. ها إننا بحروفنا اصطحبنا سورية إلى اليمن. أي إنجاز بعد هذا؟ وأية معجزة؟ سعيدة جدا بهذا اللقاء.