أكبر داعمي «إسرائيل» لأكثر من نصف قرن ورافد رئيس للفعاليات الصهيونية والاستيطان

غازي المفلحي / لا ميديا -
أثناء الحرب الأهلية الأمريكية التي استمرت خلال الفترة (1861 - 1865)، كان الصيدلي جون ستيث بمبرتون ضمن صفوف المتحاربين، وتعرض لإصابات لم يشف منها، ولازمته آلامها، فلجأ إلى إدمان المورفين لتخفيف الألم، وكان المورفين يستخدم بكثرة في تلك الأيام لتخفيف آلام الجنود الجرحى، ولكنه كان يتحول إلى إدمان، لذلك أطلق عليه «مرض الجنود». بعدها حاول بمبرتون اختراع مادة مسكنة لآلامه شبيهة بالمورفين، فتوجه لدراسة نبتة الكوكا،  فأضاف بعض الكوكايين لسائل ملون بالكراميل ودمجه بماء به كربون، فولدت بذلك الكوكاكولا  في القرن التاسع عشر  على يد الصيدلي المدمن.

الأيام الأولى
عام 1866 قدم جون في صيدلية «جاكوبس» في أتلانتا بولاية جورجيا، اختراعه كمشروب جديد بديل للكحول، يتكون من ثاني أكسيد الكربون والمياه مع محليات (سكر أو أسبارتام) ومادة «الكوك» المستخرجة من ورق الكوكايين ونكهة «الكولا» المشتقة من بذور نبتة الكولا التي تحتوي على مادة الكافيين.
في البداية كان الشراب يباع في الصيدلية تحت اسم «نافورة شراب الصودا»، وروج كعقار للتخفيف من الآلام وشفاء أي شيء! وتداوله الجنود، ثم انتقل للعوام باعتباره نوعا من الدواء الذي يقوي الأعصاب ويخفف من آلام الرأس، ويساعد على عملية الهضم، وكان هناك اعتقاد شائع في تلك الفترة في الولايات المتحدة أن المياه الفوارة مفيدة للصحة.
حسب الرواية الدارجة المرعية من الشركة الأمريكية، فقد نزع من الشراب مكون الكوكايين في ما بعد، مع الإبقاء على باقي المكونات كما هى، مع تغييرات في التركيبة لما يزيد عن الـ130 عاماً، وهي تغييرات غير معروفة تقول الشركة إنها أهم أسرارها.

الورقة الأمريكية
لم تكن التركيبة غير المعروفة مخفية عن الناس فقط، بل تم استثمارها للترويج للمنتج وجذبهم بنسج قصص غامضة عن سر الكوكاكولا الكبير، فأعلن أنه تمت كتابة التركيبة وأغلق عليها في أحد بنوك أتلانتا عام 1920.
وبعد 86 عاما قررت الشركة نقل «المكتوب» إلى متحفها في أتلانتا، وادعت أن اثنين فقط من مدرائها الكبار على علم بالتركيبة.
ونقلت بعدها الشركة سرها المزعوم ووضعته داخل علبة حديدية في صندوق في قلعة كبيرة بطريقة مقتبسة من الأفلام، حيث يحيط بها كاشف بالرنين المغناطيسي، ولا تفتح إلا بتركيبة من الرموز، وجميع ذلك داخل أسوار حديدية.
مؤلف كتاب «للربّ والوطن وكوكاكولا» مارك بيندرغراست، يقول: «الحفاظ على سرية التركيبة، يهدف جزئيا إلى زيادة الأرباح عبر إضفاء الألغاز والغموض، وللاحتماء من المنافسة، ولكن أيضا لمنع الناس من أن تعرف حقيقة أنّ المكونات رخيصة جدا والأرباح كبيرة».
يقدر رأسمال شركة كوكاكولا بـ55.4 مليار دولار، وتبلغ قيمة العلامة التجارية 81.6 مليار دولار، وبلغت القيمة السوقية للشركة ما يقرب من 180 مليار دولار أمريكي عام 2016، وتمارس نشاطها في حوالي 200 بلد، وهي تعد من كبريات الشركات العالمية وأكثرها ربحا، كما أنها أكبر الرموز التي تتباهى بها الإدارة الأمريكية وتحظى بدعمها.
وقد دخلت كوكاكولا مع الولايات المتحدة في كل حروبها، فأرسلت مشروبها للجنود الأمريكان والحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب العالمية الثانية، كان يُنظر للكوكاكولا كرمز للاستعمار الأمريكي، وتم حظرها في الاتحاد السوفييتي.
وأعلنت كوكاكولا بعد احتلال العراق، على لسان رئيسها، أن سقوط العراق في يد الأمريكان فتح أبواب العالم الإسلامي لاستقبال مشروب المنتصر الأمريكي وأنماطه وقيمه السلوكية.

أكثر من مجرد قنبلة سكر
بشكل عام، فإن الأطباء يسمون المشروبات الغازية بكل أنوعها «قنابل السكر» بسبب تركيبتها غير الصحية التي تحتوي على كمية كبيرة من السكر. لكن علبة الكوكاكولا أكثر من مجرد قنبلة سكر.
فبالإضافة إلى أن عبوة واحدة من مشروب كوكاكولا تحتوي على ما يقارب 9 ملاعق سكر، وهي نسبة تتجاوز الكمية المسموح بها للشخص البالغ من السكر في اليوم الواحد، فشركة كوكاكولا تخفي عن المستهلكين والمؤسسات الطبية المعنية بالمراقبة على المنتجات الغذائية، سرها الخفي عن مكونات مشروبها بالتحديد.
حيث تأتي نبتة الكوكا من أمريكا الجنوبية وتستوردها الولايات المتحدة للصناعات الدوائية، ولتصنيع الكوكاكولا. يقول راي روجرز، أحد المناهضين لشركة كوكاكولا، إن الشركة تغلف استيرادها لتلك النبتة بكم كبير من السرية، لا أحد يعرف كيف تستخدم ولا الطريقة التي يتعاملون بها معها لتكون جزءاً من المشروب، وليس لأية شركة أخرى الحق في استعمالها بخلافهم.
بينما يقول بعض العاملين في الشركة إن الصودا التي تعطي المشروب إحساسه المميز، تأتي في أوعية ضخمة، وتأتي مركزة بحيث لا يستطيع أحد التعامل معها أو لمسها، إذ تكون في شكل حمض مركز يتسبب في تآكل معادن الأرضيات إذا تسرب إليها.
وأحد أسباب قوة شركة كوكاكولا واعتبار نفسها فوق الجميع، ليس فقط وضعها المادي القوي، وإنما استطاعتها شراء السياسيين ورجال القرار في الدول التي تعمل بها من أجل إيقاف أي قوانين من شأنها كشف المكونات الحقيقية أو التأثير على رغبة المستهلك في استهلاك السكر أو استهلاك المنتج نفسه.
وحسب صحيفة «النيويورك تايمز»، فهناك علاقة بين شركة كوكاكولا للمشروبات الغازية وباحثين يجرون أبحاثاً تقلل من شأن آثار المشروبات السكرية على السمنة.
إذ إن الإفراط في شرب الكوكاكولا يتسبب في هشاشة العظام وتآكل الأسنان والتهابات المثانة والمسالك البولية وغيرها، فالصودا التي نتناولها باستمرار في زجاجات الكولا تتسبب في ذلك وأكثر على المدى البعيد، وهذا ما يفسر العلاقة بين الشركة والباحثين الذين تجندهم الشركة للعمل على تضليل المستهلكين عن حقيقة الآثار.

تسبب الإدمان والسرطان
فبحسب دراسات طبية، فإن جرعة السكر الكبيرة في عبوة الكوكاكولا تؤثر على مراكز في الدماغ تجعل من الرغبة في الكوكاكولا تشبه الإدمان الذي يسببه الكوكايين والمورفين وغيرهما، فكلما زاد استمتاعك بها زاد الدوبامين في المخ، وهو ما يحفز المتعة، لذا عند محاولة التخفيف أو منع كميات الصودا التي يمررها الشخص لجسده يومياً، ما يلبث أن تظهر عليه أعراض الانسحاب التي تظهر عند العلاج من الإدمان.
أما محاولة الهروب إلى بدائل الكوكاكولا الأخرى فهي أخطر، فتناول المشروب المخصص للحمية «الدايت» يحمل أخطاراً من نوع آخر، فمُحلى أسبارتام الذي يضاف للمياه الغازية بدلاً من السكر، يعد من أخطر المركبات التي قد تدخل للجسم البشري، وله تأثيره المدمر على الغدد واستهلاك الطاقة والقوى العصبية في الدماغ، فالمُحليات التي أساسها أسبارتام تعطل المستقبلات العصبية في الدماغ، وتسبب ضعفاً في الذاكرة والصداع المزمن والإرهاق العام.
وحسب الأطباء فتناول علبتين من الصودا يومياً يوازي تدخين عبوتين من السجائر يومياً، التأثير ذاته والأضرار نفسها.
والكراميل الملون الذي يعطي الكوكاكولا لونها المميز، هو كراميل كبريتيد الأمونيا، ويحتوي على مواد مسببة للسرطان، عند مزج الأمونيا مع السكر والأحماض ووضعها تحت ضغط عالٍ، يعطي لون الكراميل، لكنه ينتج مواد كيميائية جديدة، إحداها فورميثيل أميتازول، وهي مادة تمت دراستها وتأكد بالفعل أنها مسببة للسرطان، وتحديداً سرطان الدم.

العلاقة مع الكيان الصهيوني
في إعلان سابق لشركة كوكاكولا، عام 2015، في الكيان الصهيوني، قال طال ربان، مدير عام الشركة في تل أبيب، بمناسبة مرور 100 عام على الشركة، إن مصنع الشركة أصبح الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
في 1997 قامت حكومة الكيان الصهيوني بتكريم شركة «كوكاكولا» عن طريق مجلس التجارة، لدعمها المستمر والقوي لإسرائيل لمدة تزيد على 30 عاماً، ولرفض الشركة دعوات المقاطعة التي أطلقتها الدول العربية في ذلك الوقت.
وعام 2001 كان المقر الرئيسي لشركة كوكاكولا الراعي الرئيسي والمضيف الأساسي لاجتماع غرفة الصناعة والتجارة الأمريكية - الصهيونية، وقامت شركة كوكاكولا أيضا برعاية البرنامج التدريبي لعمال الشركة وموظفيها تحت عنوان «الصراع العربي الإسرائيلي»، الذي وضعت الشركة محتوياته،وكانت المؤسسة المسؤولة عن هذا البرنامج هي مؤسسة «ميتار» الممولة من الوكالة اليهودية ووزارة الخارجية الصهيونية.
في فبراير 2002 قامت كوكاكولا بالتعاون مع منظمة «أصدقاء إسرائيل»، برعاية جزئية لمحاضرة ألقيت في جامعة مينيسوتا الأمريكية، وأعلنت الشركة أنها ستسهم في بناء مستوطنة «كريات جيت» بالضفة الغربية.
كانت شركة كوكاكولا حصلت على تخفيضات ضريبية من قبل الحكومة الصهيونية بسبب دعمها المستمر لتل أبيب، ويعمل في مصنعها هناك أكثر من 700 عامل إسرائيلي.
كذلك أعلنت الحكومة الصهيونية أن سدس قيمة احتفالاتها تقام برعاية شركة كوكاكولا، كما اختارتها الخارجية الصهيونية لتكون من أكبر مؤيدي إسرائيل منذ عام 1966 .
 شركة كوكاكولا أيضاً تقوم برعاية جائزة سنوية للغرفة التجارية الأمريكية الصهيونية. هذه الجائزة ذهبت عام 2009 إلى اللوبي الصهيوني لضغطه على مجلس الشيوخ من أجل رفض قرار أممي بوقف إطلاق النار على قطاع غزة.

ومضات سوداء
يطفو على السطح أحياناً الكثير من سلوك الشركة الحقيقي الرأسمالي اللاأخلاقي. ففي 1980 افتتحت الشركة أحد مصانعها في المكسيك في منطقة سان كريستوفال. ولأن لتر المشروب الواحد يستهلك إنتاجه 3 لترات من الماء العذب، افتتحت الشركة مصنعها الجديد فوق منبع المياه مباشرة، وتستهلك يومياً نحو 750 ألف لتر من المياه، وهو ما يكفي نحو 10 آلاف شخص من سكان سان كريستوفال.
استطاعت الشركة من خلال علاقتها الاستثمار والتصنيع في المنطقة دون عوائق رغم ما تعرض له السكان المحليون من مشاكل. ودفعت الشركة عام 2003، 25 ألف يورو فقط مقابل استهلاك المياه طوال العام.
وأصبح بديلاً للمياه هناك،ويعاني 70٪ من السكان في تلك المنطقة من أمراض السمنة والسكر، ووفقاً لإحصاءات الصحة المكسيكية فستكون النسبة 100٪ العام 2020.
قبل الحرب العالمية الثانية لم يكن ذوو البشرة السوداء من الأمريكيين وغيرهم مرحباً بهم للعمل في شركة كوكاكولا، ولا يتم حتى إعارتهم أهمية كمستهلكين. وظهروا في إعلاناتها كمتشردين وخدام. بعدها ولأجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي روجت الشركة لمنتجها بين السود بهدف توسيع سوق استهلاكها، وفي 1948 روجت الشركة بشكل كبير لتوظيفها مسؤولاً أسود ضمن طاقمها. لم تنته عنصرية الشركة، وكان لها إعلان عنصري ضد السود وضد العرب أيضاً. ففي 2013 نشرت الشركة إعلاناً يظهر فيه شخص يرتدي الزي العربي في الصحراء باتجاه زجاجة كوكاكولا وهو يجر جملاً، ولكن جميع الحضارات تتجاوزه وتسبقه، فتقدم له الشركة الحل، وتوفر له بالمكان العالق فيه زجاجة كوكاكولا صغيرة ويشربها.
وأواخر عام 2017 وافقت شركة كوكاكولا على دفع 192 مليون جنيه إسترليني بعد اتهامات بالتمييز العنصري وجهت لها من مجموعة من الأمريكان من أصول أفريقية، ورفع 4 عاملين يمثلون 2000 من زملائهم هذه الدعوى ضد كوكاكولا.
وقال العمال إنهم عانوا من التمييز في الأجور والعلاوات وتقييم الأداء الوظيفي.
ويقول المدعون على الشركة إنهم تعرضوا للتمييز العنصري عام 2000.
كما أن كوكاكولا داعم رئيسي للشذوذ الجنسي، وكان آخر إعلان لها في هذا الجانب العام الماضي.