تغطي المنظمات الإنمائية أياديها المتوحشة بقفازات الإنسانية
الكتيبة الوردية للهيمنة الأمريكية

قبيل اندلاع ثورة الـ21 من أيلول 2014 بسنوات طويلة، لم يكن الشعب اليمني رهينة السفارات الأجنبية وحسب، وإنما في إبط وحش المجتمع الدولي الذي يقف خلف كل منظمة ومؤسسة دولية بمختلف أشكالها التنموية والحقوقية والإنسانية، التي وضعت الشعب اليمني أسيراً لمخاوف دائمة من الضياع والهلاك والانهيار الاقتصادي والوعود الكاذبة بمستقبل جميل ظهرت حقيقته البشعة مؤخراً.. كيف كانت تسيِّر منظمات التنمية الدولية عملها في اليمن؟! وما حقيقة المخاوف التي زرعتها في البلد لسنوات طويلة؟!.. حقائق كثيرة تكشفها صحيفة (لا) من خلال تسليط الضوء على الكثير من الوقائع والشواهد التي مارستها تلك المنظمات في فترة تواجدها بالبلاد. 
دور استخباراتي 
(اليمن دولة هشة وفقيرة)؛ هي تصريحات تطلقها منظمات دولية مراراً وتكراراً في كل مناسبة، منذ سنوات طويلة، ولكن الملاحظة التي يدركها اليمنيون هي أن تلك المنظمات لم تقدم شيئاً سوى أنها كانت تمارس دوراً استخباراتياً لصالح قوى الرجعية والاستعمار، وبشكل مباشر عملت المنظمات الدولية بمختلف أشكالها، وعلى وجه الخصوص التنموية منها، على إضعاف البلد اقتصادياً وعسكرياً لعقود من الزمن. 

سذاجة الأمر 
يأتي اليمنيون في قوائم المنظّمات الدولية، كضحايا وفقراء ويعانون من أزمات حادّة، وأن الملايين منهم بحاجة إلى مساعدات عاجلة، وتأتي اليمن في أعلى مراتب الدول الهشة والفقيرة، في حين أنهم لم يلمسوا أي تحرك جاد من هذه المنظمات لإنقاذهم من معاناتهم.
في نهاية العام 2013 وضعت هيئة صندوق السلام الدولي اليمن في المركز الثامن بقائمة أكثر الدول الهشة والفقيرة، وبعيداً عن التصنيف المعد سلفاً يبدو الأمر ساذجاً إذا ما عرفنا المعنى الحقيقي للدولة الهشة. 
تصنيف الدول الهشة هو تقرير سنوي صادر عن صندوق السلام ومجلة (فورين بوليسي) في الولايات المتحدة، منذ سنة 2005، ويعنى بالدولة الهشة، أي الدولة التي ترضخ لأي تدخل خارجي وما يترتب على ذلك من أزمات اقتصادية ونزاعات اجتماعية، أو تلك التي لا تمتلك جيشاً قوياً ضمن وحدات عسكرية منظمة.
وإذا ما دققنا في معايير تلك التصنيفات، فإن المركز الأمريكي لم يكن مخطئاً بوصفه اليمن دولة هشة، والدبلوماسيون الأمريكيون يتحركون بكل حرية في الأراضي اليمنية، هذا إن لم يكونوا هم الحاكمين الفعليين للبلد وقتها. 

عجز الموازنة 
في بداية العام 2014 صرح رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد باسندوة، أن ميزانية الدولة على وشك النفاد، وليس باستطاعة الحكومة تسليم رواتب موظفي الدولة في الأشهر القادمة.
وعلى الفور أعلنت الأمم المتحدة بأن اليمن دولة منكوبة، وتعاني من انهيار اقتصادي، وتحتاج إلى دعم بصورة عاجلة.

ضغط أمريكي 
قبل أن ندقق النظر في التصريح الأممي السريع المفاجئ، فإن عدم قدرة الحكومة على تسليم رواتب موظفيها أمر ساذج على اعتبار أن كل موارد الدولة الأساسية وقتها كانت تسير على ما يرام، كما أن عائدات النفط تصل إلى حوالي 3 ملايين دولار يومياً، وبعيداً عما إذا كانت تصل هذه العائدات إلى خزينة الدولة أم لا، فإن معلومات خاصة حصلت عليها صحيفة (لا) تؤكد أن إعلان حكومة باسندوة الإفلاس، ومن ثم رفع الدعم عن مشتقات النفط، كان بضغط أمريكي لغرض تدخل مباشر في تعديلات تتعلق بهيكلة الجيش من جهة، ولإغراق الحكومة في المزيد من الديون من جهة أخرى، فقد وصلت ديون اليمن منذ 2011 حتى بداية 2014 إلى 22 مليار دولار.
يذكر أن الأمم المتحدة جمعت في العام 2012 حوالي ملياري دولار من الدول المانحة لمساعدة اليمن، إلا أن المبلغ المذكور لم يتم تسليمه، واحتجزته الإدارة الأمريكية حتى اللحظة. 

خرافة الانهيار 
وإذا ما أخذنا بالتحذيرات الغربية من انهيار الوضع الاقتصادي في اليمن عام 2014، وتوقع دخول البلد في أزمات حادة، ومقارنة بين الوضع الاقتصادي السابق والحالي، فإن القوى الوطنية في صنعاء بالرغم من الحصار الخانق على البلد وتوقف واردات النفط والغاز، استطاعت تسليم رواتب الموظفين ومواجهة تحديات العدوان الأمريكي السعودي لأكثر من عامين. 

تفخيخ المجتمع اليمني 
سعت منظمات التنمية الدولية، ومن خلفها صندوق النقد الدولي، إلى تفخيخ المجتمع اليمني بشبح الجوع والفقر والبطالة والانهيار، وتثقيفه بمصطلحات ومفاهيم خاطئة عن وضعة الاجتماعي وأحلامه المستقبلية، وتلاعبت المنظمات بإحصائيات وأرقام نسب ومعدلات الفقر والبطالة وغيرهما.
فبينما كانت تحذر منظمات المجتمع الدولي من انهيار اقتصادي حاد في اليمن، كانت الشركات الأمريكية تجثم على منابع وحقول النفط والغاز في جميع محافظات الجمهورية.

تناقضات 
في صيف 2008 حذرت منظمات إنسانية هولندية من حدوث كوارث بسبب السيول في مدينة تعز، وكانت إحدى المنظمات الهولندية نشرت في نفس العام تقريراً عن شحة المياه في محافظة تعز. 
ليس غريباً التناقض الواضح بين تقارير هذه المنظمات، فكيف تحذر من كوارث السيول في مدينة قالت إنها مهددة بالجفاف بسبب شحة المياه؟ ولماذا لم تطرح حلولاً لمعالجة المشكلة إذا كان بالأساس هنالك مشكلة؟! 

تهويل المشكلات
لم يقتصر عمل منظمات التنمية الدولية التابعة للأمم المتحدة على التهويل من المشكلات وتضخيمها، بل صناعتها من العدم.. في 2006 صرحت منظمات البيئة العالمية أن العاصمة صنعاء مهددة بالجفاف، وأن مستوى احتياطي المياه فيها سينضب قبل 2016، لكن مع مرور أكثر من عام على التاريخ المحدد لم تواجه صنعاء أية مشكلة مائية، بل إن خبراء جيولوجيين أكدوا أن منسوب المياه بصنعاء يرتفع سنوياً، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

معادلة الهيمنة الأمريكية 
تعيش دول العالم داخل معادلة واحدة تفرضها منظومة القوى الاستعمارية على الشعوب الحرة، وتتضمن معطياتها في النسق كما يلي:
تخلق دول الرجعية والاستعمار حالة الفوضى والحروب لتعطل حركة الشعوب، ما يتسبب في أزمات اقتصادية كبيرة لدى حكومات الدول، مما يضطر الأخيرة إلى أخذ مبالغ ضخمة من صندوق النقد الدولي حتى تصبح غارقة بالديون، بعد ذلك يأتي الدور على إخضاع هذه الدول لسياسات المجتمع الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية.
هكذا ببساطة متناهية تتاجر المنظمات والهيئات الدولية بأرواح الشعوب، وتسرق عرقهم وثرواتهم. 

محو الهويات 
صرفت منظمات التنمية الدولية مليارات الدولارات باسم دعم التنمية البشرية وتعليم الأطفال، بينما لم تصرف ريالاً واحداً لدعم الزراعة وإنشاء المصانع لدعم اقتصاد البلد. وعلاوة على ذلك فإن برامج تعليم الأطفال وحقوق المرأة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في اليمن، كانت تهدف لمحو الهوية الوطنية والدينية عند المرأة والأطفال، فبحسب أحد المراقبين الدوليين فإن تلك البرامج كانت تهدف لتغيير الهوية الثقافية والدينية للجيل القادم، بحيث يتناسب مع السياسات الغربية، وعلى سبيل المثال تقديم أمريكا كنموذج أول للحريات وصديق مقرب للشعب اليمني. 

خلف الفسفور 
المنظمات والهيئات الدولية الحقوقية والإنسانية والتنموية التي ظلت لسنوات طويلة تصرف ملايين الدولارات لحماية الإنسان اليمني والبيئة، هي نفسها التي تبارك العدوان الأمريكي السعودي على اليمن اليوم، وتتستر على جرائمه البشعة، هذه المنظمات والهيئات التي قالت يوماً إن الشعب اليمني يعاني من تلوث هوائي ومائي، هي نفسها من تتستر خلف قنابل الفسفور والنتروجين التي يلقيها أعداء الإنسانية والبشرية من وحوش النفط في صحارى نجد وكهنة اليمين في معابد قوى الرأسمالية والرجعية، على رؤوس الأطفال والنساء في اليمن. 

تزوير الحقائق
مارست منظمات وهيئات التنمية المستدامة الدولية أبشع جرائم الابتزاز والنهب والتزوير بحق السلطة والمواطن في البلاد من خلال تزوير الحقائق وتهويل المشكلات وتنميتها، والأخطر من ذلك إفراغ المجتمع من وظيفته الحقيقية تجاه أبنائه ووطنه. 
في منتصف تسعينيات القرن الماضي اشتغلت منظمة هيومن رايتس ووتش تحت لافتة خطورة تجنيد الأطفال وفتح فرص عمل للشباب، وكانت الغاية منها توقيف الخدمة العسكرية لخريجي الثانوية العامة، حتى تحقق لهم ذلك في نهاية التسعينيات، وتم إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية، وكان ذلك بمعية جمعيات ومنظمات حقوقية يديرها حزب الإصلاح.

مغادرة المنظمات 
كل تلك الأرقام المهولة والمزورة كشفت حقيقتها ثورة الـ21 من أيلول 2014، إذ لم تقفل السفارات الأجنبية أبوابها لوحدها عشية اندلاع الثورة، بل كانت منظمات وهيئات المجتمع الدولي قد أقفلت أبوابها مبكراً هروباً من غضب الشارع اليمني الذي تجرع سمومها دهراً طويلاً.

زمن الثورة 
عندما نتحدث عن التنمية الحقيقية والمجد والحرية والاستقلال، فلا مجال للمقارنة مطلقاً بين زمن الثورة (21 أيلول) وما قبلها، حيث صرفت منظمات التنمية المستدامة في اليمن مليارات الدولارات، ولم تصنع فرحة واحدة.
مبانٍ تعليمية بلا تعليم، ومؤسسات الأمومة والطفولة ظلت لسنوات طويلة حتى قصفتها الطائرات الأمريكية.
اليوم وبزمن قياسي للغاية استطاعت الثورة المجيدة أن تصقل عقول وقدرات اليمنيين حتى أصبحوا اليوم قادرين على صناعة طائرات حربية بدون طيار، وهناك تطوير في صناعات عديدة في مختلف المجالات بخبرات وأيادٍ ومواد يمنية بحتة.

أرقام خيالية 
ما من مصداقية لصحة الإحصاءات والأرقام، التي يتمّ الإعلان عنها بواسطة المنظّمات والهيئات الدولية، حول تقدير حجم بعض المشكلات، والاحتياجات الحقيقية التي يحتاجها الشعب في شتى المجالات. 
مليارات الدولارات صرفتها منظمات التنمية الدولية على استثمارات وهمية في التعليم والصحة، وأخرى على برامج الحد من الإسهال عند الأطفال، مبالغ هائلة حملها الشعب اليمني على عاتقه لم تحقق له أي شيء يذكر على المستوى الاجتماعي والصحي والاقتصادي. 
على سبيل المثال أعلنت منظمة الصحة العالمية، قبل عدة أشهر، بأن اليمن دولة منكوبة، وأن أكثر من 200 ألف يمني مصاب بوباء الكوليرا، فيما أعلنت منظمة اليونيسف أن طفلاً يمنياً يموت جوعاً كل ساعة. طريقة الحساب أُعدت بعناية فائقة، فبعد إعداد هذه التقارير قدمت المنظمتان على طاولة المجتمع الدولي أرقاماً خيالية كمساعدات لمواجهة الكارثة.
اليونيسف، بحسب تصريحات مسؤولين في الأمم المتحدة، استلمت 600 مليون دولار لمواجهة أزمة الكوليرا في اليمن، وبحسب مصادر مؤكدة فإن نسبة 8% فقط من الرقم المذكور تم صرفها، بينما لم يعرف مصير البقية.

سخافة
بعيداً عن الإحصائيات التي تقدمها منظمات المجتمع الدولي عن اليمن، فإن تحالف العدوان الأمريكي السعودي، وبمباركة أوروبية وأمريكية، يفرض حصاراً من كل الجهات الأربع على البلد، في حين لا زال عويل ولعاب المنظمات الدولية سارياً في المحافل الدولية بصورة فجة تبدو للمتابع والمشاهد المحلي والدولي سخافة ما بعدها سخافة. 

صورة قذرة 
ليس خفياً على أحد الممارسات الفجة للمنظمات الدولية بمختلف مجالاتها، ولا يبدو وضع الأمم المتحدة تحالف العدوان الأمريكي السعودي داخل القائمة السوداء بسبب ارتكاب الحلف السعودي جرائم حرب في اليمن، ومن ثم إزاحته بعد يومين، إلا صورة قذرة لمدى تلاعب المجتمع الدولي ومتاجرته بدماء الشعوب، فدماء الشعب اليمني قدمت ولاتزال رخيصة على مذبح أممي دون أن يحرك العالم ساكناً. 

السير في فضاءات مفرغة
لا يمكن القول في أية حال من الأحوال إن الشعب اليمني كان مرفهاً، أو أن فساد السلطات واستباحة قوى النفوذ لثروات البلد بعيد عن أزمات الشعب، إنما ما مارسته منظمات وهيئات التنمية الدولية بحق المواطن اليمني طيلة العقود السابقة، لا يمكن أن يوجد له تفسيرات أخرى، فالكثير من الوقائع والشواهد تؤكد حقيقة واحدة مفادها تفخيخ المجتمع اليمني بالتناقضات والديون، وإلهاؤه عن ذاته في برامج الأمم المتحدة التي تتحدث عن الحريات واحترام حقوق المرأة والحداثة والمدنية التي طغت على برامج التنمية الحقيقية، وصرفت الشباب اليمني عن العمل واكتساب المهن والحرف الصناعية، إلى الغوص في الفراغ والسير في فضاءات مفرغة تبدأ من خطباء منابر ونشطاء حقوقيين في المقاهي وسفارات دول الاتحاد الدولي بصنعاء، الى مسارح الإنسان الحديث في واشنطن وبازل وباريس، في حين ذهبت شركات البيت الأبيض إلى التنقيب عن منابع النفط والغاز، للسيطرة عليها وحرمان أبناء البلد منها.