يتخرج الجزء الأكبر من طلاب كلية الإعلام بجامعة صنعاء بعد سنوات دراستهم الأربع، وسرعان ما تتبخر  سعادة إكمالهم التعليم الجامعي وحصولهم على شهادة البكالوريوس التي تمثل جواز عبور إلى سوق العمل، لتحل محلها خيبة أمل كبيرة عند اصطدامهم بالواقع الصعب والمحبط، وسرعان ما يدركون مثل غيرهم من الخريجين أنهم انضموا إلى قائمة البطالة بشكل رسمي.
كلية الإعلام مشاكل لا تنتهي
تكاد مشاكل كلية الإعلام وطلابها بجامعة صنعاء لا تنتهي, فهي محاطة بها من جميع الجهات، إلا أن أكبر وأصعب مشاكلها تتمثل في ضعف الإمكانيات وانخفاض نسبة جودة التعليم التي تقدمها في الجانبين النظري والتطبيقي على حدٍّ سواء، إضافة إلى عدم وجود معايير حقيقية ومدروسة تحدد اختيار وقبول الطلاب المتقدمين للكلية, ما جعلها تقف عاجزة عن مجاراة التقدم الحاصل في سوق العمل وتأهيل الكوادر المناسبة له.
فمنذ ولادتها في العام الجامعي 1996/1997 ككلية مستقلة, بعد أن كانت قسماً تابعاً لكلية الآداب, وهي تعاني من شيخوخة مبكرة استمرت معها حتى الآن, علاوة على ذلك فإن الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد خلال الفترات السابقة، وصولاً إلى العدوان الذي تواجهه البلاد اليوم, قد انعكست سلباً عليها وعلى مخرجاتها أكثر من بقية الكليات الأخرى.
وكغيرها من الكليات في جامعة صنعاء وبقية الجامعات الحكومية والأهلية في اليمن، ترفد كلية الإعلام سوق العمل غير الموجود أصلاً كل عام بدفعة جديدة من الخريجين والخريجات، لتضيف بذلك أعداداً كبيرة إلى القوائم الطويلة والمزدحمة للعاطلين عن العمل، وذلك لأسباب عديدة يظهر أن أبرزها هو عدم تلبية مواصفات سوق الإعلام الحديث.

مصنع لا يلبي حاجة السوق
على الرغم من أن كلية الإعلام خرّجت منذ تأسيسها وإلى اليوم 23 دفعة من نظام التعليم العام و11 دفعة من النظام الموازي (تعليم النفقة الخاصة)، حيث تخرج منها من عام التأسيس وحتى العام 2015 حوالي 3067 طالباً وطالبة من مختلف تخصصاتها (الإذاعة والتلفزيون والصحافة والعلاقات العامة)، حسب كشوفات الكلية التي حصلنا على نسخة منها، إلا أن عدد العاملين اليوم في الساحة الإعلامية لا يساوي سوى نسبة بسيطة من هذا العدد الكبير للخريجين.
فمعظم الإعلاميين البارزين الذين تعج بهم الساحة الإعلامية اليوم في مختلف مجالاتها,  تخرجوا في كليات غير الإعلام، ولكن توفرت فيهم المهارات والإمكانيات والكفاءات اللازمة لممارسة واحتراف العمل الصحفي.
  
عدد المقاعد معيار القبول في الكلية
يتقدم في الوقت الحالي لإجراء امتحانات القبول في الكلية ما يزيد عن ألف طالب من خريجي الثانوية العامة سنوياً, ولا يتم قبول إلا 350 طالباً وطالبة تقريباً في النظامين (العام والموازي)، وهذا العدد طبقاً لتصريحات موظفي الكلية يتغير من عام الى آخر، وذلك حسب المقاعد المتوفرة لدى الكلية، والتي تعد المعيار الأساسي للقبول فيها, بعيداً عن المعايير العلمية والعملية الحقيقية التي تهدف إلى تحسين منتجات الكلية.
وبعد أن يتخرج هؤلاء الطلاب يتوظف منهم في أفضل الأحوال ما نسبته 25%، وهم الأوفر حظاً, ويتوزعون على القنوات الفضائية والإذاعات والصحف الحكومية والخاصة وفي وكالات الأخبار والمواقع الإلكترونية الإخبارية وقنوات اليوتيوب وبعض المؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية.
وهذه النسبة المتدنية تمثل الخريجين المتمتعين بالحد الأدنى من المهارات المطلوبة لسوق العمل اليوم, وهي أيضاً تمثل الطاقة الاستيعابية لسوق العمل ومؤسساته, كما أنها تشمل بلا شك القسم الذي يحصل على الوظائف بالطريقة التقليدية والمشهورة المعروفة (بالواسطة)، لتبقى النسبة الأكبر من الخريجين في بحث وترقب وانتظار لأية فرصة عمل تحدث اختراقاً في جدار البطالة المحيط بهم.
كما أن بعض أولئك الخريجين باعوا أقلامهم وضمائرهم لوسائل إعلامية تحمل أفكاراً وتوجهات تنافي تماماً عدالة القضية الوطنية التي من المفترض الدفاع عنها, وأحياناً قد يعملون فيها مع أنها لا تتوافق مع قناعاتهم وآرائهم الحقيقية, لكنهم يعملون من أجل الوظيفة فقط، كما يضطر بعضهم للعودة من جديد لدراسة دورات وبرامج إضافية في المعاهد والمؤسسات الإعلامية من أجل الحصول على التأهيل بشكل أفضل يمكنه من الحصول على فرصة عمل، والبعض يذهبون للعمل التطوعي والتدريبي مع مؤسسات إعلامية مقابل مبالغ زهيدة، بينما يتجه آخرون للبحث عن فرص عمل بعيداً عن مجال تخصصاتهم، لتذهب بذلك سنوات الدراسة الجامعية أدراج الرياح.

أقلام تكتب للعدوان
خلال الفترة الحاسمة والتاريخية الفارقة التي يمر بها الوطن اليوم بحربه من أجل الحرية والسيادة والاستقلال التي يخوضها ضد تحالف العدوان الغاشم، اصطف الكثير من خريجي كلية الإعلام بأقلامهم وعدساتهم وأفواههم إلى جانب طائرات العدو الحاقد، ما طرح تساؤلات عن سبب ذلك, أجاب عنها البعض بأن أولئك يمثلون أنفسهم وليس الكلية, كغيرهم من السياسيين والعسكريين الخونة الذين اختاروا العمالة وسيلة لكسب المال والمناصب وإرضاء لأسيادهم وأولياء نعمتهم. فقد أصبحوا بارتزاقهم أرخص العملاء على مر التاريخ.
ويرى آخرون أن هناك علاقة بين انضمام الإعلاميين لصفوف المرتزقة وبين انتشار الفكر المسموم لجماعة الإخوان المسلمين في الساحة التعليمية، ومنها التعليم الجامعي, وكلية الإعلام ما هي إلا إحدى كليات جامعة صنعاء التي سيطر عليها ذلك الفكر خلال الفترة السابقة.
ولأن الفكر الوهابي هو المسيطر فإنه استهدف عقول كثير من طلاب الجامعة وعمل على تغذيتها بتوجهات مشبوهة أقل ما يقال عنها أنها تدميرية ومعادية للوطن، اتجهت بهم إلى إثارة القلاقل الإعلامية، وإذكاء الصراعات السياسية والطائفية، والانخراط في مسيرات واحتجاجات وأعمال تخريبية عبثية أنهكت البلاد وزعزعت استقرارها.
وعندما تعرضت اليمن لعدوان غاشم من قبل التحالف السعودي الأمريكي، كان هؤلاء أول المؤيدين والمباركين للعدوان ضد وطنهم، بل وعملوا معه بالكلمة والصوت والصورة.