عيونهم مسمّرة خلف شاشاتِ هواتفهم، ليس لاكتشاف شيء جديد في عالم الطب مثلاً، بل ليأخذوا وصفاتهم الطبية عبر الدكتور (Google)، بمجرد شعورهم بأعراضِ مرضٍ ما يهرعون إليه، والمواقع المنتشرة، سواء كانت وصفة صحيحة، أو خاطئة، وغالباً ما تؤدي إلى مضاعفات أكثر سوءاً، ويصعبُ أحياناً التعافي منها بسهولة، كما أوضح الأطباء خلال هذه المادة التي ناقشتها معهم صحيفة (لا)، وبعض الأشخاص أرجعوا أسباب لجوئهم لهذا الطبيب الافتراضي إلى سوء الخدمات المتردية في المستشفياتِ الحكومية التي عادةً ما تخذل المريض، حسب المرضى الذين عللوا ذلك لهذا السبب... عن تلك المخاطر وسواها وكيفية أخذ التعامل مع مراحل الدواء الصحيحة في سياق التالي..  
سوء الخدمة بالمرافقِ الصحية
الذين يعتمدون على الدكتور (Google) كُثر، ويبررون ذلك لأسباب مختلفة، منها عدم سرعة حصولهم على الخدماتِ الطبية في المرافقِ الصحية العامة... يقول عبدالغني أحمد، رب أسرة (35 عاماً): غالباً ما أعود إلى شاشةِ (هاتفي) عند احتياجي لأية استشارة طبية. ويؤكد أنه دائماً ما يوفق في ذلك... يضيف: خاصة عندما تكون حالة أحد أطفالي تستدعي البحث عن دواء، فأفتح المواقع التي أشعر أنها تُقدم خدماتها للزوار، مثل المنتديات التي يكون فيها طبيب متخصص، فيرد على الأسئلة مباشرةً.
وعند سؤالنا لعبدالغني عما إذا كانت هذه الطريقة مجدية، قال: بغض النظر أنها صحيحة أو غير ذلك، فقد يئستُ من تدهور الخدمات الطبية في مستشفياتنا الحكومية التي نصحو لها من الصباح الباكر، وتقف طوابير تحت أشعةِ الشمسِ اللاهبة، وفي الأخير قبل أن نصل للساعة الـ11 ظهراً من طابور الانتظار، يعلنون للمنتظرين أن الطبيب المداوم يعتذر عن استقبال بقية الحالات، وأن الوقت انتهى.. وفي هكذا حال طبيعي جداً أن نلجأ إلى الدكتور (Google) الذي لا يعتذر، ولا يتأخر عن تقديم خدماته.   

هوس النساء بالخلطات!
تؤكد مختصة تجميل أن غالبية المتصفحات من الفتيات في متابعةِ آخر مستجداتِ التجميل الطبيعي، والرشاقة والوصفات الطبية، عبر الدكتور Google، يصل بهن لدرجة (الهوس)... وتقول إن البعض يأتين إلى مركزها وهن بحالةٍ يرثى لها، بسبب الاستخدام الخاطئ للخلطات على البشرة، وتأثيرها السلبي، والتي من المؤكد أن ما يناسب إحداهن لا يناسب أخرى.
سوسن عبدالله ـ ربة بيت (27 عاماً) تقول إنها جربت الكثير من الخلطات لبشرتها، وأنها لم تصب بأي مضاعفات، حسب تعبيرها. لكن تخالفها بالرأي ماريا علي ـ مهندسة (25 عاماً): أنا لا أثق أبداً بمحركاتِ البحث التي تنتشر عبرها الوصفات الجاهزة، والتي غالباً ما يكون مصدرها غير موثوق إلا من رحم الله. تختم ماريا: هذه صحة مش لعبة، والتي قد تجعلنا ندفع ثمن ذلك غالياً، فأنا لا يمكن أن أجازف بصحتي، وإن أغلقت المستشفيات أبوابها.

وصفة (إنقاص الوزن) انتهت بفشل كلوي!
وهنا تُعلّق على الموضوع د. نجلاء علي الجماعي، كلية الطب ـ جامعة صنعاء، وتقول: النساء أكثر فئة تستخدم الدكتور Google، ليس فقط في الدواء، بل تجعله معظمهن الطبيب الجلدي الأول، بما يقدمه من وصفات سريعة للبشرة، والتي يتبعونها عادةً بكلمة مضمونة 100% وطبيعية، وهنا نؤكد ربما تنجح وصفة، أو وصفتان... لكن هناك نسبة كبيرة من النساء اللواتي تعرضن لمضاعفات نتيجة الاستخدام العشوائي لهذه الوصفات، وليس كل وصفة تناسب الجميع، فكل واحدة حسب بشرتها، فالبشرات أنواع منها الدهنية، والجافة، والعادية... وغيرها، كذلك من تستخدم وصفات لإنقاص الوزن، غالباً ما ينتهي بهن الأمر بفشل كلوي حاد في معظم الحالات.
وهنا نؤكد على عدم صحة مقولة (اسأل مجرب، ولا تسأل طبيب)، بل (اسأل المجرب والطبيب معاً). 

استخدام خاطئ
كأطباء لا يمكننا الاستغناء عن Google في البحث والاطلاع على كل جديد في عالمِ الطب، كالأمراض، والأدوية الحديثة، وكذلك طرق التشخيص المستخدمة عالمياً... ذلك ما وضحته د. نجلاء الجماعي، وتضيف: وهنا يجب أن نفرّق بين استخدام الطبيب لـ(Google)، وليس استخدام (المرضى)، فالاعتماد عليه قد يصل إلى 70% بالنسبةِ للطبيب المتابع لكل جديد، فهو مساعد طبيب مهم للحصول على المعلومات، فهو يلازم الطبيب منذ بدايةِ الدراسة حتى وصوله مرحلة الفحص (السريري).
أما الطريقةِ التي يتبّعها بعض (المرضى) في استخدام الوصفاتِ عبر الدكتور (Google) وما إذا كانت صحيحة أو لا، توضح د. نجلاء أن الاستخدام بالتأكيد خاطئ، فإذا كنّا نحذّر من الاستخدام العشوائي للأدوية، التي عادةً ما تُصرف من الصيدلي، فكيف بدواءٍ يتم استخدامه عن طريق (Google) دون وصفة طبية، فقد تكون أعراضاً ومقدمة لمرض خطير، فيجب على المريض زيارة الطبيب ومعرفة ما إذا كان قد أصيب بأمراض من قبل، ثم تلي ذلك مرحلة الفحص السريري، ثم عمل الفحوصات اللازمة، بعد التشخيص، يليها مرحلة العلاج الذي به تكتمل المراحل الصحيحة لمعرفة شكوى المريض من الألم، وبهذا نضمن وصوله للتشخيص السليم، ومنها تكون نسبة الشفاء عالية ومضمونة بإذن الله.
                       
توعية بالمخاطر
وعن مخاطر أخذ الدواء من الدكتور Google وما يسببه من مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة، تقول د. نجلاء: من هنا يجب على الوسائل الإعلامية أن تقوم بواجبها وتنبّه الناس إلى تلك المخاطر، فقد يستخدم المريض دواء كمسكّن لألم بسيط، قد يؤدي إلى موتِ الشخص، أو تفاقم المرض الذي أصيب به، فلا بد عند ظهور أي عرض من تلك الأعراض، وخصوصاً إذا تكرر ذلك لا بد من زيارة الطبيب، وخصوصاً أن الاكتشاف لأي مرض، يزيد من نسبة الشفاء إلى حدٍّ كبير.. تختم د. نجلاء بنصيحة لكل من يعتمدون على الدكتور Google: قبل أن تأخذ وصفتك الطبية، تذكر أن صحتك أغلى ما تملك، فلا تجازف في التساهل معها.

دراسات تحذّر من Google
كشفت دراسة طبية حديثة أشرف عليها باحثون من جامعة هونج كونج للعلوم، أن استخدام محرك البحث الشهير (Google) في تشخيص الأمراض، فكرة سيئة وغير مناسبة للحصول على العلاج، لافتة إلى أن الطبيب صاحب الخبرة يتمتع بقدرة أفضل على تشخيص الأمراض مقارنة بمحركات البحث كلها.
وأوضح التقرير الذي نشر بصحيفة (ديلى ميل) البريطانية أن البعض قد يبالغ في الإبلاغ عن بعض الأعراض التي يعاني منها، وكما أنه يحدث أحياناً سوء تقدير للموقف، فالعرض الواحد قد يدل على الإصابة بأكثر من مرض حسب الشخص نفسه، مثلاً الإصابة بعسر الهضم قد تدل على الإصابة باضطرابات معوية عادية، وقد تكون علامة على إصابة البعض بأزمة قلبية.
وأوصى التقرير بعدم الاعتماد على محرك البحث الشهير إلا في أضيق الظروف، لأنه قد يتسبب بمخاطر صحية كبيرة، وخاصة أن أغلب الأشخاص لا يفهمون طبيعة مرضهم والأعراض التي يعانون منها.
وفي السياق ذاته، كشفت دراسة أسترالية حديثة أشرف عليها باحثون من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا، أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال الثقة بـ(Google) في تشخيص الأمراض، مؤكدة أنه على الرغم من أن المعلومات الطبية على محركات البحث قد تحسنت على مدى الأشهر الماضية، إلا أنها لم تصل إلى القدر الكافي من الدقة التي يعتمد عليها الأشخاص للحصول على العلاج الأفضل.

آخر الأوراق..
إذن... لا بد من تنفيذ حملات توعوية، توضح مخاطر الحصول على المعلومات المتخصصة من الإنترنت بقصد العلاج، وبيان هذه المخاطر على المرضى وغير المرضى، وهذا من اختصاص مواقع وزارة الصحة، وكل المواقع الرسمية ذات العلاقة؛ لأن ظاهرة التعامل مع المواقع الطبية أو الصحية كبديل للطبيب، ليس خطراً على المريض فقط، بل على الصحة العامة في ظل انتشار هذه المواقع العشوائية، وأيضاً تزايد عدد المترددين عليها، ومن الضروري زيادة الوعي للحد من هذه الظاهرة!