تتوسط مدينة الراهدة مجموعة من المديريات الجبلية بين محافظتي تعز ولحج، وقد هيأ لها موقعها الجغرافي أن تكون ملتقى للنازحين من مناطق المواجهات، ورغم كل المآسي التي شهدتها المدينة، إلا أنها لاتزال أشبه بشجرة وارفة أكسبتها المحن مزيداً من الصلابة.
ملتقى النازحين
تعد الراهدة ثالث أكبر مدن محافظة تعز، يسكن فيها أكثر من 25 ألف نسمة، بحسب تقديرات السلطات المحلية لمديرية خدير. في حقبة التشطير قبل العام 1990م، كانت مدينة الراهدة تمثل واجهة سياسة الاقتصاد المنفتح في جمهورية الشمال بمواجهة سياسات الاقتصاد اليسارية في جمهورية الجنوب، وكانت المدينة في حينه مقصداً لأناس من شتى أصقاع اليمن، من أبين وحضرموت وحجة وصعدة وذمار، ومنهم من استقروا في المدينة حتى اليوم.

إهمال من المنظمات
ولاتزال مدينة الراهدة حتى اليوم تلعب دوراً مهماً، في استيعاب الأسر النازحة من مناطق المواجهات في مديريات الصلو وحيفان والقبيطة وكرش، لكن المدينة تعاني إهمال منظمات الإغاثة، فقد سبق أن طالب بعض الناشطين بتحويل الراهدة إلى مركز لاستقبال وتوزيع الإغاثة، نظراً للأعداد الكبيرة من النازحين المتواجدين في المدينة، والذين يقدر عددهم بـ800 نازح، بحسب ليث مهيوب، وهو مشرف اجتماعي في المنطقة، إلا أن المقترح لم يحظَ بقبول المنظمات.
يقول عبدالله ناشر، أحد الشخصيات الاجتماعية في المدينة، إن (تفاعل المنظمات الإنسانية يكاد يكون منعدماً مقارنة مع الدعم الذي تحصل عليه مدينة التربة على سبيل المثال، مع أن الأوضاع المعيشية الصعبة والأعداد المتزايدة للنازحين الوافدين للراهدة، لاتقل عن تلك المتواجدة في التربة، إلا أن المنظمات لاتزال تتعمد تجاهل احتياجات المواطنين في الراهدة).

المستشفى يعود للعمل
في النصف الثاني من العام 2016 استعاد مستشفى الثورة بالراهدة جزءاً من عافيته، بعد أن كان متوقفاً جراء العدوان والحصار، فقد عاود المستشفى تقديم خدماته للمواطنين، بجهود السلطات المحلية لمحافظة تعز. ورغم الأهمية التي يمثلها المستشفى لسكان المدينة والمديريات المحيطة بها، إلا أنه، بحسب العاملين فيه، لا يتلقى سوى دعم محدود من قبل المنظمات، يتمثل ببعض الأدوية، بينما هنالك أجهزة تشخيصية مهمة في المستشفى متوقفة وبحاجة إلى صيانة.

النظافة عنواناً للصمود
إهمال المنظمات للمدينة لم يمنع السلطات المحلية للمديرية والأهالي من متابعة تسيير شؤون الحياة، وعدم الاستسلام لمحاولات فرض الموات على المدينة، حيث يمكن للزائر أن يلمس مستوى نظافة شوارع المدينة، وهو أمر يندر وجوده في المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة. وبحسب تقييم المواطنين فإن أعمال النظافة في الراهدة تسير بشكل أفضل من مثيلتها في مدينة التربة التي تتكدس فيها القمامة.

وعي وطني في مواجهة العدوان
يبدي أهالي الراهدة حساً وطنياً عالياً في مواجهة تحالف العدوان، فقد تعرضت المدينة لعدد من المجازر البشعة التي ارتكبها طيران العدوان، سقط فيها عشرات المدنيين، وقد سبق لتحالف العدوان أن أعلن الراهدة منطقة عسكرية، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً من التصاق الأهالي ببيوتهم وأعمالهم وحياتهم، رافضين الرضوخ لحالة الخوف التي يحاول تحالف العدوان أن يخلقها لتدمير المجتمع اليمني. وحول هذه المسألة يقول أسامة القطابري: (الحس الوطني لدى أبناء مدينة الراهدة في ازدياد مستمر، وذلك مع تكشف الحقائق، ودخول أطراف كانت متسترة بشكل علني في العدوان على اليمن).

إحياء لذكرى الشهداء 
تكتسي جدران الشوارع بصور الشهداء، وبين حين وآخر ينظم الشباب في المدينة فعاليات رياضية تحمل أسماء الشهداء الذين قضوا في المواجهات مع المرتزقة، أو إحياء لذكرى المجازر التي ارتكبها طيران العدوان. 

تنامٍ مستمر للحركة 
لاتزال مدينة الراهدة محطة أساسية في العبور باتجاه محافظتي لحج وعدن، فرغم أن عصابات المرتزقة أغلقت الطريق الإسفلتي الرابط بين محافظتي تعز وعدن، في منطقة كرش، إلا أن المواطنين ابتدعوا طرقهم الجديدة عبر جبال القبيطة انطلاقاً من الراهدة.. تسجل الحركة في الراهدة، بحسب أسامة القطابري، تزايداً مستمراً، رغم تردي الوضع الاقتصادي للمواطنين وانقطاع الرواتب.