(الذي باع بلاده وخان وطنه، مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه...)، وما أشبه عملاء الإحداثيات بما استنتجه (جيفارا). وسئل هتلر: من هم أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟ فأجاب: (أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم).
فهل يدرك عملاء الإحداثيات أن الوطن باقٍ وهم الخاسرون في كلا الحالتين، فلا دماء الضحايا تغفر لهم خياناتهم، ولا الأعداء سيشكرونهم، لأنهم يظلون حقراء بعيونِ الجميع، وتنتهي مهمتهم بانتهاء رفع الإحداثيات... أولئك الذين تخلوا عن دينهم، قبل وطنيتهم، وإنسانيتهم، مقابل حفنة مالٍ مدنسٍ لا يساوي قطرة دمٍ واحدة من الأبرياء الآمنين في مساكنهم، والأسواق، وصالاتِ الأفراح والعزاء.. وجبهاتِ الوغى والدفاع عن كرامةِ الوطن، وغيرها من الأماكن التي كانت بنك أهداف لعملاء خانوا وطنهم، وتنكروا لترابه في لحظةِ موت الضمير لديهم..
صحيفة (لا) فتحت ملف عملاء الإحداثيات، وناقشته من الناحيتين السيكولوجية والفسيولوجية، مع مختصين بعلمِ النفس، وتحليل الملامح الشخصية للمجرمين..
الخيانة سمة شخصية
لأن هؤلاء شاذون مجتمعياً، وبرأي الأغلبية يخالفون الفطرة السليمة، فإنهم يشتركون في شيءٍ واحدٍ كمجرمين، وهو (الخيانة)، كما يوضح ذلك الدكتور عبدالكريم زبيبة، نائب رئيس جامعة ذمار للدراسات العليا والبحث العلمي، ومدير مركز الإرشاد والرعاية النفسية، وأستاذ العلاج النفسي، حيث قال: ليس غريباً وجود جواسيس وخونة لأوطانهم، ومن طبقات مختلفة من المفكرين والسياسيين والقادة والإعلاميين، وصولاً إلى من يرصد المعلومات، مروراً بالذي يراقب والذي يقوم بوضع علامات الكترونية على أماكن يستهدفها العدوان بالقصف، وقد تكون هذه الأماكن سكنية، وقد يطال القصف حتى أماكن فيها أصدقاء وأقارب للخائن.. والخيانة هي سمة شخصية وسلوك يتسم بالخداع والتضليل بهدف إشباع دافع ذاتي ورغبات مرضية أو تحقيق مصلحة شخصية.

التلذذ بتعذيب الآخرين
ويحمل الخائن والعميل مواصفات نفسية وجسمانية معينة، يوضحها أيضاً د. عبدالكريم بقوله: الخائن يعيش داخل دائرة نفسية مغلقة، ولديه دوافع ورغبات يريد إشباعها بغض النظر عن النتائج أو بشاعة الجرائم التي قد يتسبب فيها وما يقوم به من عمل.
ويضيف: أغلب هؤلاء من الشخصيات السيكوباتية (الشخصية المعادية للمجتمع)، والتي تتسم بالعدوانية، وحب الذات، والتلذذ بتعذيب الآخرين، وهي متبلدة المشاعر والعواطف.
وتكوين هذه الشخصية المعادية للمجتمع لها أسبابها النفسية والاجتماعية، ومنها: فشل العلاقة بأحد الوالدين وخاصة الأم، وضعف التربية الدينية السليمة، وتكون الضمير الأخلاقي والقيم الاجتماعية التي تحكم الروابط في المجتمع، فهو يعيش في عزلةٍ نفسية تجعله لايكترث بآلام الآخرين. 
 كما يتحدث د. زبيبة عن (الشخصية الهستيرية)، التي من سماتها حب الظهور، وتقمص الأدوار المهمة والخطيرة، والارتباط بالجماعات ذات السلوك العدواني الشاذ والغريب والمعتقدات المتطرفة. وهي شخصية محدودة الذكاء غير واقعية، ومزيفة، ويمكن تسخيرها لأعمال خطيرة من قبل رجالات الدين المتطرفين، والعملاء وأجهزة الاستخبارات، والتنظيمات المشبوهة، وهي شخصية قابلة للإيحاء والبرمجة، مهزوزة، تابعة يسهل التأثير عليها. 

السيكوباتيون أكثر عدوانية
يستغرب لتصرفاتهم المنحطة جميع من حولهم، كونهم لا يبالون حتى بأقربِ أقربائهم، ويكشفُ علم النفس أن وراء كل تلك التصرفات ما يطلق عليه (الشخصية السيكوباتية)، وتتكون كلمة (سيكوباتي) من مقطعين هما سيكو psycho ومعناها نفس، وكلمة path ومعناها شخص مصاب بداء معين، ويشير هذا المعنى إلى انحراف الفرد عن السلوك السوي، والانحراف في السلوك المضاد للمجتمع والخارج على قيمه ومعاييره ومثله العليا، ومن ثم فإن الشخص السيكوباتي هو الشخص المريض النفسي، أو الذي يعاني من اعتلالات واضطرابات عقلية ونفسية.
والشخصية السيكوباتية هي شخصية مركبة من عنصرين أساسيين هما (حب السيطرة والعدوانية)، وهذه العناصر لا توجد كحالةٍ غير سوية عادية، ولكنها توجد في الشخصية السيكوباتية، لأن الغرض منه هو إيذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال، فالسيكوباتي قد يسرق بدون أن يحتاج إلى النقود، ولكنه يشعر بالرضا عندما يؤذي الآخرين.
والشخص السيكوباتي هو شخص منعدم الضمير تماماً، يمكن أن يضحي بكل شيء من أجل إيذاء الآخرين، حتى يمكنه أن يضحي بوالدته إذا ما رأى أن هناك مصلحة من ورائها، حيث تخلو قلوب الشخصيات السيكوباتية من الرحمة، لذلك يغلب عليهم سلوك التطرف، فتجدهم يسرقون ويخدعون ويكذبون ويقتلون، ولديهم ذكاء شديد جداً في القيام بخططهم العدوانية من أجل إيذاء الآخرين.
يضيف د. زبيبة عن الشخصية السيكوباتية: تظهر على أصحاب هذه الشخصية الاضطرابات الخطيرة، والتي من خصائصها التبلد العاطفي، والتلذذ بتعذيب الآخرين، وأغلب نزلاء السجون والقتلة وقادة العصابات والإجرام منهم، وهي شخصية أنانية لا يهمها معاناة الآخرين، وبالتالي لاتتأثر بالأحداث.
ويستطرد في تفاصيل الشخصيات التي تتسم بميولٍ عدوانية: كذلك الشخصية الهستيرية، لها بعض الجوانب الإيجابية، ويمكن أن تتأثر نفسياً بالأحداث، ويظهر عليها علامات الندم، وقد تدخل في اضطراب نفسي واكتئاب شديد، وكذلك الشخصية الانتفاعية تعاني ما بين فترةٍ وأخرى من يقظة الضمير، إذا تعرضت لحادث أو تضرر أحد أفراد عائلتها، وهي شخصية متقلبة في مواقفها. 
              
الحل بالتوعيةِ المبكرة
يختم د. عبدالكريم زبيبة الأخصائي بالعلاج النفسي: أن الحل يكمن بالاكتشاف المبكر لسلوك تلك الشخصيات العدوانية، وهذا هو الدور الذي يجب أن تقوم به الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام، لأن ذلك مهم جداً في التقليل من نسبة تواجد هذه الشخصيات المرضية، وذلك للحفاظ على السلم المجتمعي وسلامة أفراده من أي اضطرابات نفسية مرضية، مشيراً إلى أن الدور الأكبر يتركز في التوعية التي من الممكن أن يقوم بها الأطباء والأخصائيون النفسيون والاجتماعيون في المدارس، لاكتشاف وتشخيص الحالات التي قد تكون عرضة للإصابة باضطرابات الشخصية، ومحاولة علاجها في وقت مبكر.
وكذلك دور الإعلام بالتنسيق مع المختصين في توعية الأسرة والمجتمع بشكل عام بمبادئ وأسس التربية السليمة، والتحصين للأجيال وغرس مفاهيم الولاء الوطني، وحب الوطن والسلوك الإيجابي.  

كارزما الإجرام واحدة!
أما من ناحية ملامح شخصيات عملاء الإحداثيات، فيتحدث عنها الأخ شرف الزين، خبير لغة جسد، بالقول: المتأمل في وجوه هؤلاء العملاء يجدها بقاسم واحدٍ في التركيب وتقاربٍ في الشَّبَه، فواحديتهم الشكلية المتقاربة في التركيب الصُّوَرِي جمعتهم في واحدية العمالة والإجرام، ليقفوا في محاكمة واحدة بتهمة رصد إحداثيات وتحديد مواقع لطيران العدوان السعودي الأمريكي.
ويضيف الزين: الحديث عن تأثير الشكل والصورة المركب عليها الإنسان في سلوكياته وتصرفاته، حديث قرآني واقعي ساق الله عنه مثالاً في سورة الناس، وجسد ذلك الواقع بشهادة هذه الوجوه الإجرامية, فالله سبحانه وتعالى قال: (الوسواس الخناس من الجِنة والناس)، فهناك (الوسواس الخناس من الناس) و(الوسواس الخناس من الجن).
ويؤكد أن: ما يهمنا هنا هو (الناس) الذين منهم (الوسواس الخناس)، ولم يقل منهم (وسواس خناس) حتى يصح أن يكون أي إنسان وسواساً خناساً، وإنما قال الوسواس الخناس، وهذا يعني أنه (محدد ومُعرَّف)، أي له شكل وصورة ركَّبه الله عليها هي صورة الوسواس الخناس، ولكن بالشكل الإنساني وفي أحسن تقويم، وهذا التركيب له أثره في السلوكيات كما أسلفنا، وإن كان هنا في الوسوسة والتخنيس، فهو عند أصحاب هذه الوجوه في العمالة والإجرام، واستباحة دماء اليمنيين لقوى العدوان.
ويشير إلى أن الإنسان في هذا المقام التركيبي هو في محط ابتلاء بلازمية الشكل والصورة التي ركبه الله عليها، وذلك بما لهذه الصورة والشكل من تأثير على هوى النفس وميولها للرغبات والسلوكيات. وفي نفس الوقت جعله الله سميعاً بصيراً ليعرف حقيقة نفسه ويجاهدها بما هداه الله وبين له من سبيل. فالوسواس الخناس من الناس بلزومية هذه الصفة المرتبطة بتركيبته الجسدية، عليه أن يجاهد نفسه ويوسوس في صدور الناس بالخير ويخنس الكلام ضد الأعداء. كما كان على أصحاب هذه الأشكال أن تعرف حقيقة ما ابتلاها الله به، وأن يوجهوا قدرتهم في الرصد والتحديد لصالح الأمة، وليس ضدها، وكانوا سينالون الأجر والرزق من حيث لا يحتسبون، لكنهم اليوم أخزاهم الله بالعمالة والارتزاق. قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا).

منعطف أخير
أولئك باختصار حفنة من إخوان (إبليس)، باعوا أنفسهم، وضمائرهم، ووطنهم بحفنةٍ مدنسةٍ من أموالِ البترودولار، التي حتماً ستنتهي، وحينها سيكونون خسروا كل شيء: وطنهم، وأنفسهم، والعملاء الذين يزودونهم بالإحداثيات لم يعترفوا حتى بالنظر إلى وجوههم الإجرامية، كونهم مجرد كائنات، استحقرت ذاتها، واستجابت لعصاباتِ الإجرام، والمنحلين من كل القيم حين لم يفرقوا بين طفلٍ رضيع، وامرأة عاجزة، وشيخ عجوز، أو حتى بين مساكن آمنة، وأهداف مدنية لا ناقة لها في الحرب ولا جمل، ومبانٍ تؤدي خدماتها للناس ليس إلا.