يُظهر تمسّك المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ بمقترحه الذي يطالب فيه القوى الوطنية بتسليم الحديدة ومينائها مقابل صرف مرتبات الموظفين، في إحاطته الأربعاء الماضي، أمام مجلس الأمن, مدى أهمية المحافظة الساحلية لدى تحالف العدوان، الذي عجز عن تحقيق هدفه في احتلالها عسكرياً، فدفع بالأمم المتحدة لتحقيقه، ظناً منه أنها ستنجح في إقناع اليمنيين بالاستسلام عبر ذلك المقترح الذي جعلته مرتكزاً أساسياً يتوقف على تنفيذه استئناف المفاوضات ووقف النار وصرف الرواتب ودخول المواد الإنسانية.. أمر كهذا متوقع تماماً من المنظمة الدولية التي ثبت تواطؤها مع تحالف العدوان في تدمير اليمن.. إلا أن ما لم يتوقعه أحد أن يكون هناك من مسؤولي حكومة الإنقاذ الوطني، من يستغل نفوذه ومكانته لدعم تحركات ولد الشيخ، عبر ممارسات توضح دناءة القناع الذي تتخفى خلفه تلك الشخصيات المتنطعة بالوطنية والعمل من أجل الدفاع والذود عن الوطن ضد تحالف العدوان الأمريكي السعودي, غير أن عورتهم كُشفت بسبب وقاحتهم في عدد من الخطوات التي لم يدركوا أنها ستفضحهم أمام الشعب اليمني الصامد طوال 3 أعوام.
تحالف العدوان يساوم اليمنيين على معاناتهم
تعد عروس البحر الأحمر الشريان الذي يتدفق فيه الدم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية، ولم تطأها أقدام جنود ومرتزقة العدوان الأمريكي السعودي الذي ألحق بالمحافظة وسكانها ضرراً كبيراً بقصفه وحصاره المفروض عليها.
فبالرغم من الحر الشديد الذي تشهده المحافظة هذه الأيام من السنة, والذي جعل أبناءها في عذاب بسبب انقطاع التيار الكهربائي منذ بداية العدوان, إلا أنهم يبذلون الغالي والنفيس لمنع الغزاة من احتلال محافظتهم والسيطرة على وهجها الوحيد الذي يراه القادم إلى المحافظة ليلاً كأنه مصباح يضيء طريق عروس البحر الأحمر كي لا تتعثر وينال منها الطامعون (ميناء الحديدة).
وتستغل دول العدوان هذه المعاناة لتساوم القوى الوطنية على تسليم المحافظة ومينائها لطرف محايد سمته (الأمم المتحدة)، والتي كشفت أسبوعية (لا) تورطها في عملية تدمير الميناء ومحاربته باكراً في عدد سابق، وذلك مقابل دفع رواتب الموظفين وضمان دخول المساعدات الإنسانية للمواطنين، وبالتالي اختفاء تلك المعاناة.
وليس غريباً عن الأعداء أن يتصرفوا بهذه السفالة، ويستغلوا احتياجات الناس ومعاناتهم التي كانوا السبب الوحيد في وجودها, ولكن الغريب والمؤلم هو تواطؤ مسؤولين في حكومة الإنقاذ يعملون من تحت الطاولة لضمان استمرار تلك المعاناة خصوصاً لأبناء محافظة الحديدة، خدمة لأطراف رئيسة في العدوان كدولة الإمارات, ويعرقلون كل الحلول الموضوعة لمعالجة وضع المحافظة المأساوي.

القوى الوطنية تضع حلولاً لمشكلة كهرباء الحديدة
أصدرت حكومة الإنقاذ قبل فترة قرارات وزارية لمعالجة الوضع السيئ في محافظة الحديدة, اقتضت أهمها فرض 5 ريالات على كل طرد من البضائع، ومثلها على كل لتر من المشتقات النفطية الواصلة عبر ميناءي الحديدة والصليف, تقوم بتحصيلها الإدارة الجمركية بالميناءين لصالح صندوق خاص بدعم كهرباء المحافظة, في حين تتولى شركة النفط توريد مادة المازوت المخصصة لتشغيل محطة رأس كثيب, وكذا الديزل المخصص لتشغيل محطة الحالي والكورنيش وفق الإجراءات المتبعة للشركة.
ولكن رئيس مجلس النواب رفض هذا المقترح كونه غير قانوني, وتفيد معلومات أن هذا الملف أعيد فتحه في لقاء حكماء وعقلاء اليمن في الـ10 من رمضان الفائت، وحينها وعد رئيس المجلس بإيجاد حل لهذه المشكلة.
وكان الحل هو فرض 3 ريالات على التجار بدل 5 ريالات، فبادر معظم التجار إلى دفعها لصالح كهرباء الحديدة. وبما أن نجاح تنفيذ هذا القرار يضمن عودة الكهرباء للمحافظة، وبالتالي رفع المعاناة الكبيرة جراء الحر الشديد عن كاهل أبنائها, وبالتالي وضع الأمم المتحدة ودول العدوان في موقف صعب، لا سيما وأن مناطق سيطرتها مثل عدن وغيرها من المحافظات التي تعاني من حر الصيف، لا يوجد فيها كهرباء، فقد دفع ذلك أدوات العدوان المتخفية بالوطنية إلى التحرك لعرقلة ذلك وضمان استمرار المعاناة، وبالتالي المساومة عليها لإنجاح مخطط العدوان.

مسؤولون في النفط
يعرقلون الحلول
أقدم مسؤولون في وزارة النفط على خطوات تظهر كأنها تسير على طريق واحد مع مقترح الأمم المتحدة الذي تساوم فيه اليمنيين على تسليم المحافظة مقابل رفع المعاناة عنهم, وتمثلت هذه الخطوات في رفع الرسوم التي اشترطها القرار الوزاري من 5 إلى 10 ريالات على كل لتر من البنزين والديزل, تذهب في الصورة الظاهرة لصالح إصلاح الميناء النفطي ووضع العاملين فيه, بينما في الخفية تذهب إلى جيوب أولئك المتنفذين.
وتوضح وثائق رسمية حصلت صحيفة (لا) على نسخ منها، توجيهاً من القائم بأعمال المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية لمدير فرعها بالحديدة، في مايو الماضي, بتحصيل مبلغ 10 ريالات بدلاً من 5 عن كل لتر من النشاط الخاص بالتجار من مادتي البنزين والديزل وأي مشتقات نفطية يتم تفريغها في منشأتي رأس عيسى والحديدة، كرسوم استلام وتسليم، بعد أن وافق وزير النفط والمعادن على ذلك، كون المبلغ السابق لا يكفي لإيفاء الشركة بالتزاماتها, والتي ـ حد تعبيره ـ تتحمل أعباء مالية وفنية وصيانة.
غير أن التجار رفضوا الانصياع لأوامر وزير النفط ومسؤولي الشركة, محذرين من أن دفع ذلك المبلغ سيضطرهم إلى رفع سعر بيع المشتقات النفطية، وبالتالي سيزيد من معاناة المواطنين.
وبسبب ذلك الرفض وجه مسؤولو شركة النفط مدير فرع الشركة بالحديدة، في ذات الشهر، بإيقاف استقبال وتفريغ أية شحنة محملة بالمشتقات، أو صرف وتحميل أية كميات للتجار ما لم يتم استيفاء وسداد الرسوم المحددة.
ووصلت شكاوى الشركات التجارية من قرار شركة النفط رفع الرسوم، إلى السلطات، مثل شركة وقود للاستثمار التي حذرت من نتائج ذلك القرار على المواطنين، ما دفع مدير مكتب رئاسة الجمهورية إلى رفع مذكرة لإدارة الشركة يطالبها بإيقاف فرض أي رسوم ما لم يصدر بها قرار حكومي, منوهاً في مذكرته المرفقة في المادة إلى أن رئيس المجلس السياسي الأعلى سبق أن أصدر توجيهات نهاية العام الماضي بإلغائها.
ولكن شركة النفط اليمنية تجاهلت تلك التوجيهات، حيث بعث القائم بأعمال مدير الشركة، في يونيو الماضي، مذكرة أخرى لمدير فرع الشركة بالحديدة، تحثه على تطبيق ما جاء في المذكرات السابقة المتضمنة تحصيل مبلغ 10 ريالات على كل لتر من البنزين والديزل, كي تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها، محملاً إياه المسؤولية الكاملة لعدم تنفيذ ذلك.
وكي تفرض شركة النفط قراراتها عنوة, اتخذت إجراءات تظهر لامبالاتها بما ستؤول إليه الأوضاع بسبب تعنتها, حيث قررت أخذ مبلغ 5 ريالات من التجار واستيفاء الـ5 المتبقية من موادهم المخزنة في منشآتها بقيمة المبالغ المترتبة عليهم.

إهمال في صيانة
 المنشآت النفطية
مع كل ذلك الإصرار الذي أظهرته شركة ووزارة النفط على رفع الرسوم من 5 ريالات بموجب القرار الوزاري، إلى 10 ريالات، لتفي بالتزاماتها في الصيانة، حسب ادعائها, لم تقم بأي إصلاحات للميناء النفطي ومنشآته بالحديدة، وتحسين وضع الموظفين فيها.
وتؤكد إحدى الوثائق المرفقة مع المادة، هذا الأمر, حيث يناشد موظفو إدارة المنشآت بالحديدة الجهات الرسمية التدخل السريع لإنصافهم من القائمين على فرع شركة النفط بالحديدة، الذين قاموا بتقليص وإلغاء مستحقاتهم المشروعة وعدم صرفها كالأكل والشرب, فهم يعرضون أنفسهم للخطر أثناء تشغيلهم للمنشآت لضمان وصول المشتقات النفطية للمواطنين, ويحملونها تبعات إهمالها هذا الأمر.
هذا في ما يخص الموظفين، أما ما يخص الميناء النفطي ورصيفه, فإن إهمال الوزارة والشركة صيانته جعله يظهر في صورة يرثى لها، كما هو واضح في الصور المرفقة.
وتحدثت أخبار عن أن وزارة النفط وشركتها امتنعتا عن إجراء أي إصلاحات لرصيف الميناء, ما جعله يغرق في مياه البحر ويصعب رسو أية سفينة محملة بالمشتقات النفطية عليه.
وكان هذا الأمر بمثابة مبرر لدولة الإمارات شريكة العدوان على اليمن، لمنع سفينة المازوت (فريو) من الوصول إلى ميناء الحديدة وتفريغ حمولتها المخصصة لكهرباء الحديدة لتخفيف معاناة مواطنيها, وهذا يبرهن على أن من يقف وراء منع كهرباء الحديدة هي دول العدوان بمساندة داخلية.
والخطر الأكبر من كل هذا يتمثل في إيقاف الوزارة ميزانية صيانة المنشآت النفطية بالحديدة، لأن ذلك يمثل تهديداً خطيراً للمحافظة ومواطنيها, فالأنابيب التي تقوم بتعبئة ناقلات البنزين تحتاج إلى صيانة، وحدوث احتكاك بسيط أو شرارة صغيرة أثناء عمليات التعبئة سينتج عنه انفجار الخزانات الضخمة للمنشأة، والبالغ عددها 50 خزاناً حسب معلومات, ولكم أن تتصوروا حجم الدمار الذي سيحدثه ذلك الانفجار.
لا شك أن هذه التصرفات غير المسؤولة التي تخدم تحالف العدوان بشكل كبير، من مسؤولين محسوبين على القوى الوطنية، تعد خطراً كبيراً يهدد الصمود في وجه العدوان ومشروع الوصاية الذي يسعى المعتدين لإعادته, ويتطلب من القوى الوطنية وقيادات المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ التحرك واتخاذ خطوات تمنع مثل هذه التصرفات, وتضع حداً لكل من يخفي عمالته خلف قناع الوطنية، وينخر بها جسد الشعب الصامد للإطاحة به.