فيما يتابع اليمنيون الأزمة الخليجية التي طرأت فجأة في الـ5 من يونيو الماضي، بين تحالف سعودي إماراتي مصري وبحريني وبين دولة قطر، قطعت فيها الدول المتحالفة علاقاتها بالأخيرة، وقدمت لها قائمة بـ13 طلباً يجب تنفيذها لتعود المياه إلى مجاريها، من بينها إيقاف بث قناة (الجزيرة) التي أغلقت تلك الدول مكاتبها في مختلف مدنها، تفاجأوا بتقديم القناة طلباً إلى القوى الوطنية في صنعاء للسماح لها بإعادة فتح مكتبها الذي تم إغلاقه بسبب مواقفها المعادية للشعب اليمني، ووقوفها بكل قوتها الى جانب أذناب الوصاية التي قطعت ثورة 21 سبتمبر أيديهم، ومساندتها لتحالف العدوان في حربه الإعلامية ضد اليمن وشعبه.
وظهر الطلب من خلال منشور لرئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، على صفحته في (فيسبوك)، قبل قرابة أسبوع، أعلن فيه الموافقة على عودة القناة، ولكن بشروط تضعها الجهات المختصة، ويجب على القناة الالتزام بها.
ويذكر أن القناة سارت على نفس طريق بقية الوسائل الإعلامية التي اشترى المال السعودي أقلامها وعدساتها وأصواتها من أجل إخفاء المجازر التي يرتكبها طيرانه والأوضاع المعيشية المأساوية للمواطنين التي تسبب بها حصاره، ولأن السعودية أعلنت العداء لقطر اندفعت قناة (الجزيرة) الى شن حرب إعلامية ضد الأولى، ويرى الكثير أن طلبها إعادة فتح مكتبها في صنعاء ما هو إلا نكاية بتحالف العدوان الذي خرجت دولتها منه مؤخراً.
وبسبب التساؤلات الكثيرة التي أثارها الموضوع أجرت أسبوعية (لا) استطلاعاً صحفياً ضم آراء صحفيين بارزين من المكونات الوطنية، علقوا فيها على الطلب الغامض الذي تقدمت به شبكة الجزيرة الإخوانية للعودة إلى العمل في اليمن رغم الدور التخريبي الذي لعبته في البلاد.
إجماع على دورها التخريبي
اتفق كل الصحفيين الذين طرحنا عليهم أسئلة الاستطلاع مع ما تراه كل الشعوب المتضررة مما سمي الربيع العربي الذي رعته رسمياً دولة قطر وقناتها, اتفقوا على أن قناة الجزيرة لعبت دوراً تخريبياً خلال الأعوام الـ6 الماضية، وتستمر في ذلك في كل من سوريا واليمن ومصر وليبيا والعراق وتونس وغيرها من بلدان المنطقة التي تغلغلت فيها التنظيمات الإرهابية، وأسهمت شاشة القناة في نموها وتكاثرها.
بالإضافة إلى أنها كانت بوابة للمشروع الإسرائيلي لتتويه وعي شعوب المنطقة وضرب نفسياتهم والتأليب ضدهم، وظلت سلاحاً في يد إسرائيل والسعودية خلال العدوان على سوريا ثم اليمن. فلم يُشاهد لهذه القناة موقف صادق أخلاقي وإنساني، بل زايدت بكل القضايا والمظلوميات دون خجل.
يقول الصحافي عبده مخاوي إن قطر وعبر قناتها (الجزيرة) جعلت المنطقة في فوهة البركان من خلال تبنيها وصنعها للربيع العبري الذي أشعلها بالكامل خدمة لإسرائيل وتنفيذاً لتوجيهات أوباما. مؤكداً أن اليمنيين لن ينسوا ضلوع قطر وبتحريض من قناتها (الجزيرة) التي استرخصت دماء أطفالهم ونسائهم في برامجها الحوارية المباشرة, ضلوعها في كل ما يعانونه الآن من عدوان همجي بربري دمر المدارس والمساجد والمنازل، وحصار خانق تسبب بكارثة إنسانية.
الكاتب الصحفي علي أحمد جاحز يرى أن (الجزيرة) لاتزال تلعب دوراً بشعاً في المنطقة عموماً، سواء من خلال أدائها المكشوف في ما يسمى الربيع العربي، ثم فضيحتها اللاأخلاقية في التعاطي مع الوضع في سوريا، وإسهامها المباشر في الجريمة التي لحقت بسوريا وبالشعب السوري، وكذلك الأمر في ليبيا، وصولاً الى العراق واليمن، وذلك من خلال تلاعبها بالوعي العربي وتزييف القناعات وحرف الاهتمامات وإثارة النعرات والفتن في كل مكان من الوطن العربي الواسع.. والخطير في هذا النوع من القنوات هو أنها تلعب تحت لافتة المهنية والموضوعية، وهي بعيدة عنها كل البعد، حسب ما يراه جاحز.
مع ذلك الاتفاق على الدور ظهرت تباينات بسيطة في الآراء المتعلقة بعودة القناة لممارسة عملها من صنعاء بعد أن أغلقت كثير من الدول مكاتبها ومنعتها من مزاولة أي نشاط إعلامي فيها, بل طالبت بضرورة إعدام القناة وعدم السماح لها بالعودة للحياة من أي قمر صناعي.

لا بأس بالعودة مقابل الالتزام بالشروط
من المؤكد أن قناة الجزيرة كانت ضالعة حتى النخاع في دعم الجماعات المتطرفة والإرهاب في كل من سوريا واليمن وليبيا، وكان لها دور كبير في تهييج النفوس وتزييف الحقائق والتسويق للعدوان, إلا أن موقفها قد تغير بشكل كبير منذ ظهور الأزمة الأخيرة, هذا ما يراه الكاتب والمحلل السياسي أحمد المؤيد الذي قال لـ(لا) بأنه ومع كل ذلك لا يرى حرجاً من عودة القناة للعمل في اليمن, شريطة أن تغير بعض مصطلحاتها التوصيفية لبعض الأمور.
وتابع المؤيد قائلاً: بالنسبة لنهج قناة الجزيرة فقد بات واضحاً أنها تتخذ موقفاً عدائياً للسعودية ودول العدوان، وقد عزمت أمرها على أن تبين للعالم جرائمهم, ولا يهم دافعها في ذلك.. ما يهم هو النتيجة النهائية، لأن الإعلام له وسائله وأهدافه، كما للحرب العسكرية وسائلها وأهدافها, ومن المهم أيضاً أن يصل صوت اليمنيين لكل العالم وللشعوب والنخب والمنظمات. مضيفاً أنه يوجد لدينا أدوات إعلامية كقناة اليمن اليوم والمسيرة والساحات, ولا مانع من إضافة قناة أخرى بصوت أكثر قوة ومدى، طالما أن الهدف الإعلامي سيتحقق على أعلى مستوى.
(لا يجب التعاطي مع الجزيرة كقناة أو وسيلة إعلامية مستقلة بذاتها، لأنها تخضع لسياسة دولة قطر وديوانها الأميري، وتعكس توجهات الدولة التي تظل نقطة قاتمة في خارطة الوجود العربي، وسياساتها غير مستقرة، بل خاضعة لحسابات أخرى لا علاقة لها بمصلحة شعوب المنطقة من قريب أو بعيد).. هذا ما قاله رئيس تحرير صحيفة (المسار) أسامة ساري، في حديثه للصحيفة، والذي أوضح فيه أنه لا يؤيد فكرة إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة في صنعاء تأييداً كلياً، لأنها مسألة تخضع للرؤى السياسية والأمنية والثقافية الإعلامية.
وقال ساري: إن القضية اليمنية ليست شخصية أو عدوانية تجاه أحد على مستوى دولة قطر أو أية دولة شاركت في تحالف العدوان, وبالتالي موقفنا بالتأكيد لا بد أن يكون متعالياً على التقيحات التي تسببت بها قناة الجزيرة في جسد الشعوب العربية، فهي نافذة شبه رسمية لدولة لايزال التعامل معها قابلاً للاستمرار.
وأكد رئيس تحرير (المسار) أن القيادة السياسية الثورية حكيمة ولن تتخذ قراراً لا يخدم مصلحة الشعب اليمني، فإن عادت الجزيرة للعمل بصنعاء فذلك سيكون مبنياً على شروط، ومتوقفاً عند خطوط حمراء وقضايا سيادية، وضمن تحالف - ولو غير معلن - فقطر كانت دولة معادية وتعرضت لأزمة طارئة أجبرتها على الانسحاب من تحالف العدوان، وهي ترى مصالحها فقط، ولربما تتغير الظروف الدولية تجاه قطر وتعود الى موقعها في التحالف، سيما أن إيران تلعب على مساحة واسعة في هذه القضية، وهذا لن يروق للأمريكي ولا الإسرائيلي ولا التركي، وسيحرصون على إعادة موضعة قطر في خارطة تحالفاتهم، ولو بتقديم تنازلات لصالحها، حتى يسحبوا البساط من تحت الأقدام الإيرانية.
وأضاف: إذا كانت اليمن في مواجهتها للعدوان لن تسمح لأية قناة أو وسيلة إعلامية محلية أن تلعب دوراً تخريبياً يضر بالوطن أو يضر بشعوب المنطقة، فيستحيل أن تسمح بذلك لقناة الجزيرة أو غيرها. مشيراً إلى أن اليمن تواجه عدواناً تشنه 17 دولة بإمكانات هائلة في تحالف دولي كبير، وفي هكذا ظروف من المهم الاستفادة من كافة الأوراق لإضعاف ذلك التحالف وتفكيكه، وهي قاعدة عامة في السياسات العسكرية.
مقدم البرامج في قناة الإيمان ومراسل قناة الفرات الفضائية إبراهيم المطاع يقول: كمتابع لمجريات الأحداث في الخليج والأزمة المتفاقمة في ما بينها، أرى أن لا ضير من إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة إذا التزمت الحياد وكشفت مظلومية الشعب اليمني كأقل واجب إنساني, خاصة أن عداوتنا مع أنظمة وليست مع مؤسسات إعلامية تتغير وتتبدل وفقاً للظروف والواقع الذي يعيشه الشعب.

فائدة عودة القناة
إلى عاصمة الصمود
لا يعول الكاتب الصحفي أحمد الحسني نائب مدير تحرير صحيفة (اليمن اليوم) كثيراً على عودة الجزيرة إلا في خطاب الإخوان, ومع ذلك فإنه لا يعتقد أن تأثيرها سيكون حاسماً في تبدل مواقفهم بما يكفي للتمرد على ربقة الارتزاق. متابعاً حديثه: بالمقابل لا أجد في عودة الجزيرة خطراً ماحقاً، فالأمر نسبي في الحالتين.  
وأضاف نائب مدير تحرير (اليمن اليوم): الجزيرة لا تزال كما كانت، وتغطيتها لجرائم العدوان مؤخراً ليست تحولاً، وإنما هي نوع من المكايدة لشركائها الذين قلبوا لها ظهر المجن, تنتهجها بحذر شديد، ولا بأس باستغلال ذلك، ولكن أيضاً بحذر شديد، مع وجوب مراعاة أن القناة منبر الإخوان وربيعهم الدامي، وهذا يعني أنها كقطر طرف أصيل في معركة اليمن، وليست مجرد تابع للمملكة في هذه المعركة، وأن طردها من التحالف سيقطع علاقتها بالمعركة أو سيدفعها لتبني المظلومية اليمنية ومساندة الطرف الوطني. الخلاصة أن مصلحتنا تتقاطع نسبياً مع مكايدات قطر لشركائها في هذه المرحلة، ولا بأس في استغلال ذلك، لكن بمنتهى الحذر.
وعن جدوى عودة (الجزيرة) للعمل في اليمن، يرى الصحافي أحمد المؤيد أن هناك فوائد كبيرة لعودة القناة, منها أنها ذات جمهور عريض ونطاق واسع وإمكانات إعلامية هائلة تؤدي الغرض الذي تبحث عنه القوى الوطنية المناهضة للعدوان, وبالتالي يمكن تزويدها بتقارير لجرائم لم يعلم عنها أحد, وبمعلومات مهمة في كل المجالات سواء الأمنية أو العسكرية أو الصحية، كنا نريدها أن تصل للناس، ولكن كان صوتنا ضعيفاً، بينما عن طريق (الجزيرة) سيصل مدوياً.
من جانبه، قال الصحافي أيوب إدريس، رئيس تحرير موقع (طلائع المجد): يمكن الاستفادة من عودة القناة إلى جانب إيصال صوت اليمنيين, في نشر جرائم العدوان وفضح السعودية والإمارات وقوى التحالف بشكل عام، فالجزيرة شبكة كبيرة ولها جمهور واسع جداً، ويمكن أن يؤثر ذلك على المواقف تجاه العدوان على اليمن.

(الجزيرة) باقية على سياستها
ولا عودة لها
مثلما كان هناك من وافق على عودة القناة لمزاولة عملها في صنعاء بشروط معينة, هناك من رفض عودتها لأسباب.
يؤيد عبده مخاوي السماح للقنوات الأجنبية أياً كانت جنسيتها أن تعمل في اليمن لنقل معاناة اليمنيين من العدوان والحصار للعالم, وإعطاء مساحة أكبر من الحرية لتلك القنوات لمزاولة عملها ونقل الأحداث كما هي، بشرط أن تعمل بمهنية ومصداقية.
وبالنسبة لقناة الجزيرة فهذا شيء يختلف لأنها قناة موجهة وأهدافها أصبحت معروفة للجميع، ولا أحد يُلدغ من جحر مرتين، فهي سبب كل معاناة الشعوب العربية في سوريا والعراق وليبيا واليمن، ومن المستحيل أن تغير سياساتها أو توجهاتها بمجرد أن دول العدوان من بينها قطر الراعية للقناة اختلفت على سيادة المنطقة, بل ستزداد انتقاماً وتخريباً للأمتين الإسلامية والعربية.
من جهته، عبد الملك الفهيدي، رئيس تحرير موقع (المؤتمر نت) الناطق باسم المؤتمر الشعبي العام، قال لصحيفة (لا): يجب النظر في موضوع عودة قناة الجزيرة إلى اليمن من منظور وطني بحت، بعيداً عن العواطف، وذلك وفقاً لتقييم دقيق وشامل لتعاطي القناة مع الأحداث في اليمن خلال السنوات الماضية, وتحديداً منذ العام 2011، حيث كانت ولا تزال قناة الجزيرة تنتهج سياسة إعلامية وخبرية تقف في صف أقل ما يمكن وصفه بأنه معادٍ لليمن أرضاً وإنساناً، ويخدم أجندة ومخططات خارجية، سواء تلك المتعلقة بالفوضى أو بدعم التنظيمات الإرهابية ودعم حركة الإخوان المسلمين.
وذكر الفهيدي أمثلة على التزوير والكذب الذي تنتهجه القناة كشريط الفيديو الشهير والكاذب الذي بثته عام 2011، وزعمت أنه لعملية تعذيب سجناء في السجن المركزي في صنعاء، ليتبين في ما بعد أنه كان شريطاً مزوراً حصل في العراق، مروراً بالتغطية للعمليات الإرهابية التي شهدتها اليمن، والتي نفذها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وأنصار الشريعة، وداعش، وتغطيتها لعملية تورط قطر في الإفراج عن مختطفين لدى القاعدة في اليمن دون علم السلطات اليمنية، كما حدث مع المختطفة السويسرية، وليس انتهاء بعملية تغطيتها لقصة اختطاف مراسلها في اليمن الزميل حمدي البكاري في تعز، ومحاولة إلصاق التهمة بالجيش والأمن واللجان الشعبية، رغم أن تلك القصة ظهرت أنها مفبركة وكاذبة من الأساس.
وأضاف رئيس تحرير (المؤتمر نت): من يتابع سياسة القناة الإعلامية والتحريرية والخبرية منذ انطلاق عدوان التحالف بقيادة السعودية، والذي تعد قطر إحدى دوله، لن يجد صعوبة في تقييم موقف قناة الجزيرة المعادي للشعب اليمني، حيث كانت ولا تزال تقف في صف العدوان على اليمن بكل ثقلها، وتصف الجيش والأمن اليمني واللجان الشعبية بمليشيات الحوثي وصالح، وتطلق على القوى المناهضة للعدوان وهي المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله الانقلابيين حتى اليوم. ومن حقي كمواطن يمني قبل أن أكون صحفياً أن أتساءل عن أية مهنية تدعيها قناة الجزيرة وعن أي شعار تزعمه (الرأي والرأي الآخر)، وهي التي وقفت ضد الشعب اليمني حتى اليوم, وتزعم أن ما يتعرض له من قصف وحصار بأنه وقوف مع الشرعية؟!
ويرى الفهيدي أن من يعتقد بأن الأزمة الراهنة بين دول الخليج ومصر مع قطر قد غيرت أو ستغير من موقف قناة الجزيرة، فهو مخطئ, لأنها مستمرة في دعم العدوان وما يقوم به من عمليات قتل للشعب اليمني وتدمير لمقدراته بذات النهج. مستشهداً بأن تحالف العدوان هو من أعلن إخراج قطر من تحالفه العدواني على الشعب اليمني، فيما لم تعلن الأخيرة حتى اليوم أي موقف بهذا الشأن، وبالتالي فإن سياسة قناة الجزيرة لن تختلف ولن تتغير عن سياسة الدولة الداعمة لها.
(عودة (الجزيرة) إلى اليمن لن تمثل إضافة إيجابية لقضيته ومظلوميته بمجمل جوانبها وأبعادها، بقدر ما أرى أن قطر وقناتها ستتخذان من مظلومية اليمن ونواحٍ معينة فيها، وسيلة للمزايدة وابتزاز الدول المقاطعة لها، والتي تواصل قيادة تحالف العدوان على اليمن), بهذا تحدث نائب مدير تحرير صحيفة (الثورة) إبراهيم يحيى الحكيم، لصحيفة (لا).
ويرى الحكيم أن قطر لن تغير سياستها 180 درجة حتى وهي تسعى للنكاية بخصومها المقاطعين لها، ولن ترضى بأية حال عن المكونات السياسية اليمنية الوطنية ممثلة بالمؤتمر الشعبي وأنصار الله وقياداتهما.
وتابع نائب مدير تحرير (الثورة) حديثه: لا أتوقع من قطر وقناتها الجزيرة أن تصف المؤتمر والأنصار مثلاً بـ(الشرعيين) أو تسميهم حتى (المقاومة اليمنية) لتحالف العدوان السعودي، ولا أن تصفهم حتى بـ(سلطة الأمر الواقع)، قدر ما سيظل خطابها يصنفهم (متمردين) ويصفهم بأنهم (مليشيا الحوثي والرئيس المخلوع أو الانقلابيون). ومن المؤكد أن لديها سياسة واضحة تسعى لأن تستمد ثقلاً سياسياً وقوة اقتصادية في المنطقة موازية لمنافسيها المقاطعين لها حالياً، عبر الإسهام المباشر في دعم تنفيذ مخطط إعادة تقسيم المنطقة وتمكين الإخوان من السيطرة كي تستحوذ على إمداد العالم بغاز الشرق الأوسط.
وبما أن الدولة والقناة لن تتخليا عن تجمع الإخوان في اليمن ممثلاً في حزب الإصلاح، ولا عن مليشياتهم التي تسميها (المقاومة)، حتى وإن انحازوا للسعودية, فإن الزميل الحكيم لا يرى جدوى كبرى من إعادة فتح مكتب قناة الجزيرة في العاصمة صنعاء إن صح طلب القناة إعادة فتحه رغم نفيها توجيه هذا الطلب لسلطات العاصمة، ومن يتوقع غير ذلك ويفرط في حماسه وتوقعاته فهو واهم إن لم يكن (مغفلاً بالكامل) حسبما قال السيد عبد الملك في أحد خطاباته.

هل الترحيب بعودة القناة يعني تطبيع العلاقات مع قطر؟
لم تغفل الصحيفة في استطلاعها طرح هذا السؤال على الصحفيين الذين ذُكرت آراؤهم آنفاً, حيث ظهرت إجابات معظمهم نافية لهذا الأمر، بينما البقية ذهبوا إلى موافقته.
فالصحافي علي جاحز يقول إن من يرحب بعودة الجزيرة مثله مثل من يرحب بالبي بي سي وبالواشنطن بوست وبالنيويورك تايمز وبروسيا اليوم وبغيرهن من الوسائل الإعلامية التي تقف من العدوان على اليمن موقف المجتمع الدولي برمته، وهو تأييد ما يسمى الشرعية، ومن الحصافة أن نستغل أي صوت يمكنه أن ينقل الحقيقة من داخل اليمن أياً كانت هويته، عدا الإعلام الإسرائيلي، فلو جاءت قناة سعودية مثلاً وأعلنت توبتها وتريد أن تأتي إلى اليمن وتنقل الحقيقة، فليس من المنطقي أن نعترض ونقول لها ممنوع.
أما الصحافي أسامة ساري فيرى أنه ليس بالضرورة أن يكون الترحيب بعودة القناة من قبل أي طرف رسمي أو مستقل، أو فرد، تعاطفاً وتأييداً لتطبيع العلاقات, قطر نفسها واقعة حالياً في وضع حرج وأزمة وحصار وشعور بالاستهداف، ولديها بالتأكيد قابلية لرسم خارطة تحالفات دولية أو عربية ولو بمستوى محدود ونفعي بحت لتخفيف الضغط عن نفسها واستعادة توازنها وتصحيح صورتها في الذهنية العامة للوعي العربي، ولو انخرطت في أي اتصال مع اليمن فذلك ليس من منطلق تعاطفها مع الشعب اليمني، وغير وارد هذا إطلاقاً في حساباتها.
وأشار إلى أن اليمن في وضعية تجعلها محكومة بخيارات كبيرة أحياناً قد لا يتقبلها الرأي العام ولا يستوعب عمقها وأبعادها، لكنها إيجابية في ظل الظروف القائمة حالياً، وعلى العكس من قطر لدى شعب اليمن وقيادته الثورية قيم ومبادئ في بناء الرؤية تجاه الموقف من أوضاع الدول العربية، وهي قيم إسلامية قرآنية غير عدائية ولا انتقامية، ورافضة لأي استهداف ظالم لأية دولة عربية شقيقة من قبل أية دولة أخرى شقيقة. فكيف إذا كان الاستهداف مشروعاً إسرائيلياً أمريكياً معادياً لن تتوقف مخاطره عند قطر فقط، بل سيعم المنطقة وتصل آثاره المباشرة الى كل دولة عربية بما فيها اليمن، وهذا منهج معروف لدى قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي (حفظه الله) أنه لن يقف موقف المتفرج تجاه أي تحرك لذلك المشروع يستهدف بلداً عربياً إسلامياً مهما كان الجرح أو الألم الذي لحق بنا من هذا البلد.
(المشكلة لا تكمن في الترحيب بعودة قناة الجزيرة للعمل في اليمن، فذلك يظل مجرد تعبير عن الرأي مكفول للناس، لكن المشكلة تكمن في أن (الجزيرة) كانت ولا تزال كما هو حال قطر في صف العدوان على الشعب اليمني، وشاركت ولا تزال فيه منذ اليوم الأول لانطلاقه في 26 مارس 2015، وبررت كل جرائمه ومجازره ومذابحه وما ارتكبه بحق اليمن تاريخاً وحضارة وتراثاً وإنساناً ومقدرات), ذلك ما تحدث به الزميل عبدالملك الفهيدي الذي أردف أن حزب المؤتمر الشعبي العام أعلن موقفه بوضوح مما اتخذته بعض الدول تجاه قطر, حيث أيد أي إجراءات من شأنها مكافحة ومحاربة تمويل الإرهاب وتنظيماته سواء من قطر أو أية دول أخرى.
وطرح الفهيدي في ختام إجابته تساؤلاً للذين يرحبون بعودة قناة الجزيرة إلى صنعاء, أنه في حال عادت هل سيقبلون بعودة مراسليها وطاقمها وعلى رأسهم سعيد ثابت سعيد وأحمد الشلفي وبقية الطاقم، مع احترامنا لشخوصهم؟ وهل سيسمحون لهم بالعمل وهم الذين وقفوا ولا يزالون حتى اليوم في صف العدوان، مهللين ومطبلين له، بل وصل بهم الأمر الى وصف اليمنيين بالمجوس والروافض الذين يجب قتلهم؟ّ!
الزميل أحمد الحسني يعتقد أن الترحيب أو عدم الترحيب بعودة (الجزيرة) لا يعني بالضرورة موقفاً مسانداً لقطر, أو قناعة بأن القناة قد تابت عن نهجها.
وحد قول الحسني قد يكون دافع المرحب هو استغلالها كمنبر إعلامي واسع الانتشار في ظل الحصار الإعلامي المضروب على اليمن, وقد يكون دافع غير المرحب قناعته أن تغطيتها لجرائم العدوان لن تحدث فرقاً جوهرياً، على اعتبار أن المتلقي الذي تابع انحيازها للعدوان من بدايته لن يتعاطى مع أدائها الجديد بعيداً عن الخلاف القائم بين قطر ودول التحالف السعودي, وهذا يعني أنه لا فائدة من سعة انتشار الجزيرة في ظل غياب المصداقية، إضافة الى أنه من المحتمل أن تلعب في تغطيتها دوراً سلبياً، خصوصاً وأن من يتابع تغطية الجزيرة لجرائم التحالف منذ بداية الأزمة بين قطر وشركائها، يجد انتقائية في تغطية الحدث، وتحريضاً على بعض الأطراف في جبهة الصمود الوطني.