لماذا لايثير لحم أطفالنا شفقة العالم؟!
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان
النفـــط مقابــــل الصمــــت
لماذا لايثير لحم أطفالنا شفقة العالم؟!
(إني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه الى كل مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو موطني).
أيقونة الثورة العالمية (أرنستو تشي جيفارا)
إلى هذا العالم - المشارك - المحايد - الصامت: لن يموت اليمنيون بهدوء.. ولن يمر الضمير العربي الإسلامي والغربي الذي اشترته السعودية بثمن بخس، مرور الكرام أمام المجازر الوحشية التي ارتكبها رعاة البقر وشاربو بول البعير في حق اليمنيين.. ستخرق جدران الصمت وستتحقق العدالة قريباً.
منذ أن هيمنت السعودية وبعض الدول الخليجية كقطر والإمارات، على الجامعة العربية، في ظل غياب دول عربية كبرى كانت تقليدياً توجه قرارات الجامعة لما فيه مصلحة الشعوب العربية، كمصر وسوريا، تم اختطاف القرار العربي لمصلحة المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة، ودخلت الشعوب العربية في نفق مظلم، من الصراعات الطائفية والدينية والقومية التي لا تنتهي، واختلت جميع المعادلات السياسية التي كانت قائمة حتى تلك اللحظة، فإذا بـ(إسرائيل) صديقة حميمة للعرب، وإذا بالجمهورية الإسلامية في إيران (عدوة) العرب، فإذا بالصهيونية حركة يمكن التعامل معها بإيجابية مع النظر الى الجزء المملوء من الإناء الصهيوني! وإن (الشيعة الروافض) هم الخطر الحقيقي الذي يهدد كيان العرب، وإن القاعدة وداعش والنصرة وباقي التنظيمات التكفيرية ليست إلا مجموعات (سنية متطرفة) يمكن احتواؤها، وأما حزب الله والجهاد وأنصار الله فهي ليست سوى مجموعات (إرهابية) لا ينفع معها إلا الحرب والإبادة.
بالتأكيد تتحمل الشعوب الإسلامية والعربية المسؤولية والوقوف ضد (جرائم) العدوان السعودي الأميركي، فالمنطقة العربية لم تشهد في تاريخها المعاصر حرباً كالتي تفرضها السعودية ظلماً وعدواناً على الشعب اليمني، بدعم أمريكي واضح، دون أدنى مراعاة لحق المجورة والوشائج القومية والدينية والإنسانية.
فآخر مآسي الأمتين العربية والإسلامية في عصر القيادة السعودية لهم، العدوان السافر الذي تشنه السعودية على الشعب اليمني، بذرائع تضحك الثكلى، بينما العالم العربي لا يحتج ولا يعترض، بل يتسابق معها للحرب.
ما الذي يمكن أن يقال تجاه الذين يلوذون بالصمت في كل أصقاع الأرض، وهم يشاهدون المجازر التي ترتكبها السعودية ضد أطفال ونساء اليمن؟ وماذا يمكن أن نطلق على هؤلاء الذين يسمون أنفسهم (عرباً) وهم يشاهدون إخوة لهم في القومية والدين تمزقهم خفافيش الظلام وتهدم بيوتهم على رؤوسهم، دون أن ينبسوا ببنت شفة، خوفاً من أن تقطع أرزاقهم؟
لقد كانت السعودية التي اعتادت شراء ذمم بعض العرب في الجامعة العربية وفي الإعلام المأجور، تتصور أن بالإمكان فعل ذلك مع العالم أجمع، بعد أن وصل الأمر بها الى شراء ذمم أعضاء منظمة الأمم المتحدة، للتغطية على سياساتها وجرائمها في اليمن.
ومن بين كل هذا الظلم والعدوان، يبقى الصمت المطبق والمخزي للعالم، إزاء كل هذه المجازر التي ترتكب ضد شعب أعزل مسالم لم ولن يهدد أحداً، أكبر من أي ظلم آخر، فإن كانت السعودية يدفعها وازع طائفي وحقد جاهلي ومسعى للهيمنة والاستحواذ، لقتل الشعب اليمني، تُرى كيف يمكن تبرير مشاركة الآخرين للسعودية في جرائمها النكراء ضد شعب عربي أصيل، من خلال المشاركة المباشرة في عملية القتل، أو الصمت أمام أنهار الدماء الطاهرة لأطفال ونساء اليمن، إلا برخص الضمائر وذل الأنفس أمام الدولارات النفطية القذرة للسعودية؟!
الصمت الدولي المعيب إزاء ما يجري في اليمن من مجازر تنفذها الطائرات السعودية، لا يعني العالم، وكأنه يجري على كوكب آخر، وليس على أرض اليمن الكريمة، بعد أن اشترت السعودية هذا الصمت المخزي، الذي ساد العالم بمليارات الدولارات إما على شكل صفقات أسلحة مع أمريكا والغرب، وإما على شكل قروض ومساعدات مالية للدول العربية والإسلامية.
إن شراء السعودية للدم اليمني المستباح أمام العالم، الذي أخرسته وأطرشته دولارات النفط القذرة، يؤكد مدى رخص ضمائر من يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب، ومن يدعي الدفاع عن العروبة والإسلام في الشرق من العرب والمسلمين.
دماء على مسلخ الإنسانية
يحدثنا التاريخ الحديث، كما القديم، عن انتهاكات فظيعة للطفولة، باتت ترقى أحياناً الى مستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ولاشك أن المجازر السعودية الإرهابية على أبناء الشعب اليمني الأعزل، وفيهم كم هائل من الأطفال والرضع والأحداث، تشكل وصمة عار في جبين أدعياء حقوق الإنسان في الغرب، لن تزول مهما طال الزمان، نظراً لسكوتهم المخزي والمطبق أمام جرائم آل سعود والوهابية الحاقدة في وضح النهار، ويجعلنا ننظر بعين ملؤها الازدراء الى الاستغلال الإعلامي الرخيص الذي دأبت وسائل الإعلام الغربية والفضائيات الطائفية والتكفيرية والفوضوية، ولاسيما منابر البترودولار، على تجييره خدمةً للنفخ في كير الفتنة والاقتتال وإسالة المزيد من بحور الدم في العالم الإسلامي.
مسلسل الجرائم والمجازر السعودي مستمر في اليمن.. لم تكن آخر حلقاته مجزرة الصالة الكبرى بصنعاء ومجزرتا حي الهنود بالحديدة وسجن الزيدية، التي راح ضحيتها المئات بين شهيد وجريح.. ليست المرة الأولى لحمام الدم الذي ترتكبه السعودية وأمريكا في اليمن، فالمناطق اليمنية تذكر تماماً مدى إجرام السعودية عبر أكثر من 300 مجزرة وحشية مروّعة ارتكبها طيران العدوان السعودي بحق المدنيين في اليمن. هذه المجازر التي طالت الآلاف من الأسر اليمنية، واستهدفت المدن والقرى في مختلف المحافظات.
هكذا يتعامل العالم المنافق مع جثة اليمني كأشلاء مزقتها الحرب على حائط اللامبالاة.. فوسائل الإعلام الغربية تصمت بشكل كامل عن الجرائم التي ترتكبها السعودية وأمريكا في اليمن.
حيث يرى العالم بصمت صراخ أبناء اليمن.. لماذا هذا الهوان؟ هل فقد العالم رشده، حتى يتم تشكيل تحالف من الدول العربية وأمريكا وإسرائيل بقيادة السعودية، بغية إبادة اليمنيين؟
فبعد بدء الضربات السعودية ترك 14 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد التي تصنف على أنها تعاني من انعدام الأمن الغذائي، في حالة سيئة، فالأطفال في اليمن يموتون من القنابل والرصاص والجوع، ووفقاً للأرقام الواردة، فقد قتلت الحرب أكثر من 10، 000 شخص، وتسببت بنزوح 3 ملايين يمني.
فيما تظهر تقارير أخرى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من هذه الأرقام بكثير، وفي الوقت نفسه، فإن الأمم المتحدة تلقي باللوم على قوات التحالف التي تسببت بوفيات وإصابات بين الأطفال في العام الماضي، محذرة من أن قوات التحالف قد تكون ارتكبت جرائم حرب دولية، إذن قوات التحالف التي تقودها السعودية (يمكن) بين قوسين أن ترتكب جرائم دولية في قصف المدنيين في اليمن.
ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام، وخاصة الغربية، لا تزال تلتزم الصمت، لكن لماذا؟ حسناً، قد يكون هناك تفسير واحد، وهو أن التحالف يتكون من المتحالفين مع الغرب، ووسائل الإعلام الغربية لا تريد أن تقدم تقريراً عن جرائم حرب ارتكبتها دولها مع السعودية في اليمن. وهناك سبب آخر لهذا الصمت المطبق، هو أنه قد يكون هذا الصمت لأن المجازر اليومية التي يرتكبها طيران التحالف السعودي في اليمن، هي في الواقع ترتكب باستخدام أسلحة قدمها الغرب، ويشارك فيها طيارون إسرائيليون وطيارون تم استجلابهم كمرتزقة من دول الغرب، لقتل اليمنيين.
بالإضافة إلى كمية الأسلحة التي تتدفق من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، لحملة إبادة اليمنيين، مقابل صفقات مالية خيالية تقدمها منظومة البترودولار لصناع الموت في الغرب المتوحش.. ووفقاً لصحيفة (واشنطن بوست)، فإن الولايات المتحدة باعت السعوديين ما مجموعه 20 مليار دولار من الأسلحة، خلال العام الماضي، وبريطانيا أيضاً باعت أسلحة قيمتها 4 مليارات دولار للسعوديين، فخلال السنوات الـ5 الأولى من ولاية أوباما وحدها، تم توقيع اتفاقات جديدة في إطار برنامج المبيعات العسكرية الخارجية للبنتاغون، أكبر قناة لصادرات الأسلحة الأمريكية، حيث بلغت المبيعات ما يزيد عن 169 مليار دولار، وبهذا تكون تجاوزت المبلغ المأذون به، حيث إن الأسلحة الواردة لمجلس التعاون الخليجي زادت بنسبة 71% بين عامي 2005 و2009 إلى عامي 2010 و2014، وهو ما يمثل 54% من الواردات إلى الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، فقد ارتفعت المملكة العربية السعودية لتصبح ثاني أكبر مستورد للأسلحة الرئيسية في جميع أنحاء العالم في 2010 و2014، حيث ازداد حجم واردات الأسلحة 4 مرات مقارنة مع الأعوم ما بين 2005 و2009.
ليس من المستغرب، أن تؤدي هذه الأسلحة إلى آثار مدمرة في اليمن، وعلى الرغم من خطورة هذه الأسلحة، إلا أن أجساد اليمنيين الأبرياء تتمزق إلى أشلاء على حائط النسيان من جراء هذه الأسلحة الأكثر فظاعة، وأسياد الحرب يستمرون في تحقيق أرباح غير متوقعة، ولحسن الحظ بالنسبة لهم، يأتي صمت وسائل الإعلام لكي يضمن عدم وجود ضغط كبير لوضع حد لتوريد الأسلحة التي تشوه وتقتل الناس هنا.
وأمام هذا الصمت المخزي للمجتمع الدولي إزاء ما يرتكبه العدوان السعودي الأمريكي من مجازر مهولة في حق الشعب اليمني، لا ننسى المواقف الرائعة والنبيلة التي وقفت بوجه هذه الجرائم، والتي يتقدمها سيد المقاومة (حسن نصر الله)، صانع النصر في زمن الهوان العربي، ومعه أحرار العالم الذين خرجوا في جاكرتا وتونس وبيروت ولندن وبرلين، ومواقف دولية لروسيا وإيران والهند وفنزويلا وأوروغواي، ومعهم كل الأقلام الشريفة الفاضحة والموثقة لجرائم أقذر الأنظمة، التي تخطف أرواح اليمنيين.
الجريمة والثواب.. حقوق إنسان
من المضحك أن يكافئ العالم الكيان السعودي الذي يعتبر من أشد وأكثر الدول انتهاكاً لحقوق الإنسان، بتنصيبه رئيساً لمجلس خبراء حقوق الإنسان.
سفير البلد الأكثر انتقاداً بعدم الاعتراف بمكانة المرأة والأقليات والمعارضين وإنتاج الفكر التكفيري وتمويل الإرهاب العالمي، يتولّى رئاسة أكبر منظّمة للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، بعد أن تم الإقرار بهذا الاختيار في يونيو، وبقي سراً حتى انعقاد الدورة الـ30 في 21 سبتمبر الماضي.
لقد ارتكبت مملكة داعش الكبرى انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان خلال فترة عضويتها في المجلس، ووظفت موقعها في المجلس لتحصين نفسها في وجه المساءلة عن انتهاكاتها في اليمن، فالسعودية هي التي تتزعم التحالف الذي يرتكب يومياً أبشع المجازر في اليمن.
يعرف العالم جيداً أن الرياض تستضيف هيكل القيادة والسيطرة للتحالف الذي يشن منذ 26 مارس 2015، هجمات عديدة خرقت أحكام القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك هجمات جوية قتلت وجرحت العديد من المدنيين. ودأب، وبصورة متكررة، على استعمال الذخائر العنقودية المحرمة دولياً، وارتكاب المجازر اليومية بحق اليمنيين.
لقد ظلت الأمور، وعلى الرغم من الانتهاكات الموثقة التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية في اليمن، تسير دون مساءلة. فامتنعت السعودية عن إجراء تحقيقات ذات مصداقية ومحايدة وشفافة في جرائم الحرب المحتملة، ووظفت موقعها في (مجلس حقوق الإنسان)، بدعم من حلفائها، لمنع إنشاء تحقيق دولي مستقل، وفضلاً عن ذلك، استخدمت السعودية التهديد بسحب التمويل الذي تقدمه لبعض البرامج الهامة للأمم المتحدة، لإجبار الأمين العام للأمم المتحدة على حذف اسم التحالف من (قائمة العار) لقتل الأطفال وقطع أطرافهم، وشن الهجمات على المدارس والمستشفيات والأسواق في اليمن.
إنهم لا يحترمون المدنيين ولا يهتمون لهم.. ففي مجلس حقوق الإنسان عندما طالب المحامون الممثلون لفريق صنعاء بتشكيل لجنة تحقيق دولية، ودعمت هذا المقترح هولندا، رفض الوفد السعودي والوفد اليمني الذي جاء معهم من الرياض، هذا المقترح، لأنهم يعرفون أنهم متهمون، وبشكل رئيسي، بهذه الجرائم.
لقد انكشفت مراراً مزاعم من يدعون أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان؛ فالأمم المتحدة، والكثير من المنظمات الحقوقية (المحلية والخارجية) كلها تتستر على جرائم العدوان ومجازره اليومية، حباً في المال السعودي.
من يصدق أن الأمم المتحدة تقول إنها لا تعرف بشأن توافر معلومات لدى المنظمة الدولية حول الغارات القاتلة التي شنتها مقاتلات العدوان السعودي الأمريكي على سجن أمن مدينة الزيدية في محافظة الحديدة، وخلفت أكثر من 120 قتيلاً ومصاباً.
حيث نقل مراسل غربي في مقر المنظمة الدولية الدائم بنيويورك، الثلاثاء الفائت، عن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنه لا يعرف ما إذا كانت لدى المنظمة معلومات حول الاستهداف الجوي لسجن مدينة الزيدية في الحديدة.
ورداً على سؤاله للمتحدث باسم الأمين العام (دوجاريك)، في الإحاطة اليومية حول عدم إدانة الأمم المتحدة للغارات الدامية على سجن مليء بالمدنيين، قال المتحدث باسم بان كي مون إنه (لا يعرف إذا كانت لدى الأمم المتحدة أية معلومات عن الغارات على المقر الأمني في الزيدية في الحديدة)، في واحدة من أسوأ المجازر الجماعية لغارات التحالف السعودي في اليمن.. والغريب هو سكوت منظمات حقوق الإنسان الدولية عن جرائم القوات السعودية والتحالف الخليجي في اليمن، وإلا لماذا لا يتم توثيق الجرائم الوحشية التي يرتكبها الطيران السعودي بحق المدنيين والأبرياء من الأطفال والنساء بشكل جدي عبر إرسال هيئات ومنظمات إنسانية مستقلة لليمن؟
حفلة تنكرية لحلفاء الشيطان
خلال الأيام القليلة الماضية تداولت العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والإلكترونية، خبراً بثته مصادر خبرية من المملكة العربية السعودية، ومفاده أن اليمنيين هاجموا (مكة المكرمة) بصاروخ بعيد المدى، ولكن الدفاعات الجوية السعودية أسقطته.
وفور إذاعة هذا الخبر تهافتت بعض الحكومات العربية والإسلامية إلى شجب واستنكار (هذا العدوان)، وبمعيتها المؤسسات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية، فضلاً عن عديد الشخصيات الحزبية والاجتماعية في كافة أرجاء المعمورة.
لم يقدم التحالف السعودي المعتدي على اليمن، دليلاً ملموساً واحداً على صحة المعلومات التي بثها في صدور المسلمين، واكتفى بالحديث عن الموضوع من خلال وسائله الخبرية المعروفة..
يبدو أن توقيت الخبر كان خطأً كبيراً، فالسعودية وتحالفها المشبوه، فشلوا بشكل كبير في تحقيق الغايات والأهداف المعلنة والمستترة من هذا الاعتداء الوحشي على الشعب اليمني وعلى أرضه، وظهر هذا الفشل العسكري على ملامح وجه هذا العدوان، فاحتارت في شكل الإجابة أمام شعوبها المتعطشة لمعرفة ما يدور على الحدود، وإلى أين تسير هذه الحملة الصهيو- خليجية.. وانعكس هذا بوضوح كبير على الوضع الاقتصادي للمجتمعات الخليجية، وزاد الوضع تعقيداً عدم رغبة كبريات الدول الإسلامية والعربية المشاركة في هذا العدوان بالدفع بأبنائها إلى هذا المستنقع... فلم تنفع تهديدات دول الخليج لهم بقطع المساعدات المالية أو طرد عمالتهم من أراضيها.
ما الذي هدفت إليه هذه الدول المتحالفة بإراقتها لدماء الشعب اليمني من نشرها وفبركتها لهذا الخبر الصاروخي..؟ كان الأمر سيكون أكثر هوليوودية وإثارة لو تزامن مع موسم الحج... حينها سيسود رعب الدول الإسلامية ومعهم اليانكي الأمريكي (حامي السنة) على رعاياها، وستشتاط غضباً، وتتدخل في الحرب على اليمن.. لكن يبدو أن انعكاسات الوضع الداخلي لمجتمعات الخليج المهزومة عسكرياً عند الحد الجنوبي، دفع حكوماتها الى البحث عن أكذوبة تستجدي وتتسول من خلالها عواطف ومشاعر الآخرين، لعهلم يبعثون بالجنود للقتال بالنيابة عنها.. وهذا ما لم يحدث حتى الآن.. أما بقية الأبواق من أقزام السياسة ومؤسسات الدين العربية، فقد وجدتها فرصة كبيرة للانتفاع مادياً من هذه الدول النفطية، فعوت وتباكت كالثكالى.. ولم نجد من يسأل نفسه حول أخلاقيات عرب اليمن الأقحاح، ونبلهم وشجاعتهم والتزامهم الديني، فكل هذه العوامل مجتمعة تؤيد وبدقة عدم إقدام رجال اليمن على مثل هذا الفعل، ذلك لأنهم، ومنذ أكثر من عام ونصف، يقاتلون الباطل دون وجل ولا خوف، وكلهم ثقة بأنفسهم، فلا يحتاجون إلى فعل مشين، لم ولن يعرف عنهم في يوم من الأيام، بقدر ما عرف عن عدوهم هذه الخسة في التعامل، ولاسيما بعد قصف الآمنين في الأسواق والمزارع والطرقات والمساجد والمصانع والمستشفيات والمدارس وقتل الأطفال والنساء وتعريض حياة المسنين الى خطر حقيقي وإدخال زواحف الصحراء من أصحاب الفكر الضال وجرذانهم إلى أرض اليمن.. لم تنطلِ كذبة استهداف أو محاولة استهداف مكة المكرمة بصاروخ باليستي في 28 أكتوبر الفائت، حتى على قطاعات واسعة من المجتمع السعودي نفسه، فضلاً عن الآخرين، بغض النظر عن مواقف وبيانات (مدفوعة القيمة)، تهوّل وتهلل وتسستنكر حادثة مزعومة لا أصل لها، سواءً عن حكومات أو جهات وشخصيات دعوية مرتبطة بالعقيدة المالية السعودية، وكان الحذر والتحفُّظ حيال الادعاء هو السائد.
فمن سوء حظ المؤسسة الدعوية الوهابية أنها تتكفل -غالباً- بفضح نفسها بنفسها، ويحملها سوء التوفيق والنوايا معاً؛ للوقوع في مصيدة التعري أمام العالم، لكن لماذا قد تتورط أو تورط نفسها شبكة كبيرة مثل (سي إن إن) في مجاراة السعوديين، حد التخلي عن أبسط شروط واعتبارات المهنة.. ومن سوء حظ وتقدير شبكة (سي إن إن) الأمريكية أنها تبذل خدمات مفتوحة مع الدعاة ونجوم (الدعوة كليب) السعوديين، كما يصفهم الكثير، وبدون تمهل أو فحص أو مراعاة للمصداقية والسمعة المهنية المبذولة بسخاء.
فقد كافحت (سي إن إن) بملاحقة وتغطية حملة التضليل والتهويل، وإبراز تغريدات الدعاة والأدعياء، لتقع في سقطة كبيرة مجدداً، وتنشر في الواجهة الرئيسية للموقع وكصورة فيلمية رئيسية للخبر، ما تقول بأنه (فيديو للحظة اعتراض صاروخ باليستي أطلقه الجيش اليمني واللجان الشعبية باتجاه مكة المكرمة).. كان على الشبكة الأمريكية أن تبرر أمام نفسها والأمريكيين بمدى توهانها عن منظومة دفاع أمريكية شهيرة ومثيرة للجدل العالمي؟
ومن هذا الفصل المثير للسخرية، كتب الداعية السعودي الوهابي سعد البريك، بلغة طائفية نتنة (كعادته) لا يعوزها الكذب والتضليل: اعتراض صاروخ باتجاه مكة بعد حج كربلاء محاولة فاشلة للعدوان على مكة.
وبأقل القليل من الجهد والخبرة سيكتشف المرء أن الفيديو المذكور يعود إلى تاريخ 08/07/2016م، وإلى كوريا الجنوبية تحديداً، ومنظومة الدفاع الأمريكية (ثاد) التي نشرها البريك في موقعي (تويتر) و(يوتيوب)، بأنها لمنظومة الدفاع السعودية التي تصدت لصاروخ يمني كان متجهاً لمكة، بزعمه.
الفضيحة لا تقتصر على السعودية ودعاتها الوهابيين كشيخ الإرهابيين القرضاوي وأمين المؤتمر الإسلامي (القرد داغي) ومرتزقتها و(سي إن إن) فقط، وإنما تشمل جميع من انخرط في التضليل وإصدار المواقف، منافقة أو مجاملة، وراحوا ينفخون في الفتنة، ويحرضون باسم الله وبيته الحرام والبلد الحرام، بينما داهنوا وبرروا وأفتوا بجرائم ومجازر العدوان السعودي الجماعية بحق اليمنيين في كل مكان ومنطقة ومناسبة.
لم تكن الفبركة الخبرية بالمستوى المطلوب، وكان بالأحرى على دول العدوان الصهيو-خليجي، أن تقوم حقيقة بتفجير مكة بصاروخ عن بعد، ومن ثم تتهم اليمنيين، ولا ندري إن كانت السعودية وهذه الدول المتحالفة معها تمهد فعلياً من أجل هذا الفعل القبيح، أم أجلته إلى أجل مسمى!
كان لزاماً على المؤسسة الإعلامية والأمنية لدول هذا العدوان، أن تعرف أن نشر هذا الخبر لم يثر حفيظة المواطن العربي ولا الإسلامي، الذين تحفظوا كثيراً على مصداقية هذا الخبر، وفي بعض الأحيان كان مثار نكتة، فقد فشلت مسرحية ضرب البوارج الأمريكية بصاروخ يمني من أجل التدخل العسكري الأمريكي الذي وقع فعلياً.. فأنتج مسرحية جديدة بمحاولة ضرب مكة المكرمة والترويج لها عبر (ولد الشيخ) مبعوث الانحطاط الأممي، الذي حضر إلى اليمن بعد يومين من إحاطته في مجلس الأمن الدولي، حاملاً معه لعبة موت جديدة لليمنيين.
إن العدوان وبكل أكاذيبه على مدى 19 شهراً، لم يستطع أن يوقف نشاط الجيش اليمني ولا بطولات اللجان الشعبية.. والمستمع للبيانات العسكرية لهذه الدول، سوف يجد أن جيش اليمن قد انتهى أمره وهلك ومن معه.. فمن أين جاء بالقدرة الصاروخية لطحن قواعد المعتدين..؟
هذه الفبركات الغبية المثيرة للسخرية التي دأبت منظومة العدوان ومرتزقتها على ترويجها على الدوام، لا زالت تمضي قدماً بأقدام قذرة تتلطخ بدماء اليمنيين في طريق يحمل عنوان (اضرب واكذب)، والتي يلخصها الصحفي المصري إبراهيم سنجاب قائلاً: (السعودية التي تستجدي مليار ونصف مسلم اليوم لا تحتاج إلا إلى رجل واحد عاقل رشيد يقول لها أوقفوا هذه الحرب طوعاً قبل أن تتوقف كرهاً، واطردوا الخونة من فنادقكم قبل أن تحرق نيران حقدهم قصوركم، ولو كان فيهم خير ما حرضوا على ذبح يمنهم، ولو كان تنظيمهم يعرف المروءة ما قتل شامهم وحرض على مصرهم).
السقوط في وحل الرمال
لا زال التاريخ يعيد نفسه.. فمن بوابة الكذب والخديعة والتضليل، تسفك دماء الشعوب وتدمر مقوماتها وتحتل أراضيها بمزاعم تكون هي الطلقة الأولى المدمرة.
فمن قصة باليستي مكة اليوم، ظهرت منذ زمن بعيد عدة قصص مفبركة وخادعة في التاريخ للحرب والاحتلال عبر سفن: دريا دولت ومادوكس وماسون.
فقد تعرض جنوب الوطن، وتحديداً عدن، لحملات ومحاولات استعمارية كثيرة نظراً للموقع الجغرافي المهم الذي يطل على طرق التجارة والملاحة البحرية العالمية.
كان لا بد للإنجليز من سبب يبررون به احتلالهم لعدن، فكان أن وقعت حادثة استغلوها استغلالاً كبيراً، ففي عام 1837م جنحت سفينة هندية تسمى (دريا دولت)، وكانت ترفع العلم البريطاني، بالقرب من ساحل عدن، فادعى الإنجليز أن سكان عدن هاجموا السفينة، ونهبوا بعض حمولتها، وأن (سلطان لحج وعدن) كان من المحرضين على نهب السفينة، وطالبت بالتعويض من قبل سلطان لحج أو بتمكين بريطانيا من السيطرة على ميناء عدن، وكان موقف السلطان العبدلي رافضاً لأي مساس بالسيادة اليمنية، ووافق على دفع أي تعويضات أخرى، لكن بريطانيا التي لم يكن في نيتها الحصول على أي تعويضات، وإنما هدفها هو الاحتلال وفرض سيطرتها العسكرية على المدينة ومينائها الاستراتيجي، عدلت عن قبول التعويض، وطلبت احتلال عدن مقابل التعويض عما ادعته من نهب الصيادين اليمنيين لمحتويات السفينة الهندية، وبدأت في الاستعداد لتنفيذ غرضها بالقوة المسلحة.
في 22 يناير 1838، وقع سلطان لحج محسن بن فضل العبدلي معاهدة بالتخلي عن 194 كيلومتراً مربعاً لصالح مستعمرة عدن، وذلك تحت ضغوط البريطانيين، مقابل شطب ديونه التي يقال إنها كانت لا تتجاوز 15 ألف وحدة من عملة سلطنته، مشترطاً أن تبقى له الوصاية على رعاياه فيها.
وفي العام نفسه أعدت حكومة الهند البريطانية عدة إجراءات للاستيلاء على عدن، ففي 16 يناير دفع القبطان (هينس) بعدد من السفن الحربية بهدف احتلال ميناء صيرة، فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة، الأمر الذي أجبر السفن البريطانية على التراجع والانسحاب، ولعل هذه الخطوة من قبل البريطانيين كانت بمثابة بالون اختبار لمدى إمكانات المقاومين اليمنيين الذين بالطبع كانوا يمتلكون أسلحة بدائية، ومنها عدد قليل من المدافع التقليدية الرابضة فوق قلعة صيرة المطلة على ميناء عدن القديم.
وبعد 3 أيام، أي في 19 يناير 1839، قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن، ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة، وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر، لتخضع عدن للاحتلال البريطاني لمدة 128 عاماً.
ومع حقيقة الواقع لفكرة (العقل بريطاني - والعضلات أمريكية)، لايزال العالم يتذكر حرب فيتنام، حيث دخلت الولايات المتحدة حرباً أهلية على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، استناداً إلى (هجوم مزعوم) من قبل فيتنام الشمالية على سفينة (يو إس إس مادوكس) التابعة للبحرية الأمريكية، في 4 أغسطس 1964.
وقع الهجوم المزعوم في خليج تونكين في فيتنام، وبسرعة هرع الكونجرس الأمريكي للعدوان على فيتنام من خلال السعي للانتقام من الهجوم المزعوم.. وفوراً أذن رئيس الولايات المتحدة ـ آنذاك ـ بالانتقام، لتدخل أميركا في حرب دموية استمرت 10 أعوام، وأودت بحياة ما يقرب من 55، 000 من الجنود الأمريكيين، وحوالي 3 ملايين فيتنامي.
ورغم تحميل التقرير الأمريكي الأصلي فيتنام الشمالية المسؤولة عن الحادثة، إلا أن الشكوك المتباينة في نهاية المطاف حول إمكانية مسؤولية فيتنام الشمالية عن الحادثة، بقيت مريبة، حتى صدر تقرير في 2005، من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، أنه لم يكن هناك هجوم من فيتنام الشمالية على البارجة الأمريكية.
هل يعيد التاريخ نفسه؟ بالتأكيد يبدو ذلك.. فإذا قارنا دخول أميركا في الحرب الأهلية في فيتنام، مع دخولها في العدوان على اليمن الآن، سندرك كيف يعيد التاريخ نفسه من خلال الصورة الكاذبة.
فـ52 عاماً تفصل ما بين أحداث خليج تونكين في شمال فيتنام عام 1964م، وأحداث مضيق باب المندب واليمن التي جرت في الأيام القليلة الماضية.. وبالرغم من المسافة الزمنية التي تفصل ما بين الحدثين، إلا أن الذي أتيح له أن يعايش الحدثين لا بد أن يجد خيوطاً مشتركة بين الحدثين.
حيث أعلنت البحرية الأميركية أن بارجتها الحربية (ماسون) تعرضت لهجوم بصواريخ من مكان ما في اليمن، وبدأت على الفور بالرد والانتقام الفوري عبر صواريخ توماهوك.
لم تجد أمريكا طريقة أجدى لمعالجة فشل ربيبتها السعودية التي أخفقت خلال 19 شهراً في تحقيق أي نجاح عسكري في حربها على اليمن، إلا بطريقة أخرى قد تساعد بلملمة هذا الفشل عبر التدخل العسكري واحتلال الساحل اليمني في البحر الأحمر.
اشتركت أمريكا مع نظام بني سعود (الأكثر قمعاً في العالم) في العدوان على اليمن لأكثر من 19 شهراً.. وسلحت السعوديين، ومكنتهم من قتل اليمنيين وتدمير بنيتهم المعيشية.
وبأسلوبها المخادع، استخدمت الولايات المتحدة وقف إطلاق النار في اليمن في أكتوبر الفائت، لإعادة تسليح السعودية، ووفرت معلومات الاستهداف، وصيانة الطائرات، وبالطبع، الغمز والموافقة على استمرار السعودية في الحرب الكارثية على اليمن.
وفي هذا السياق، نشر موقع (OpEd News) الأمريكي المختص بالأخبار الليبرالية والمناهضة للحرب، في 22 أكتوبر الفائت، مقالاً بعنوان (بين حرب فيتنام وحربنا على اليمن قاسم مشترك ]هجوم مزعوم على سفينة[)، للكاتب والمؤلف الأمريكي جو كليفورد، جاء فيه:
(بعد أن كان ]الهجوم الصاروخي الذي استهدف سفينة أمريكية قبالة ساحل اليمن[ حدثاً كبيرًا في الأخبار الرئيسة، تلك القصة تلاشت الآن تماماً، وتُجوهلت إما عن طريق وسائل الإعلام الرئيسة أو حتى عدم تغطيتها عمداً. كل شيء له نفس رائحة حادثة خليج تونكين الذي لم يحدث قط.
المملكة العربية السعودية، واحدة من أغنى الدول، ولكنها من أكثر الحكومات قمعاً في العالم، إضافة إلى أنها تساعد الإرهابيين في سوريا وحول العالم، وتباشر الهجوم على واحدة من أفقر دول العالم.. ووفقاً للبريد الإلكتروني المسرب لهيلاري كلينتون، قالت إنها تدرك، تماماً، أن المملكة السعودية ترعى الإرهابيين في سوريا والعالم، ورغم ذلك ها نحن الآن، بمعية السعوديين، ندمر كل شيء في اليمن، ونساعد السعودية في حصار اليمنيين ومنع الإمدادات الغذائية والطبية من الوصول إلى الشعب اليمني، والتي حسب بعض التقديرات، أودت بحياة 10.000 طفل دون سن الخامسة.. ورغم كل ذلك القتل والتدمير والحصار، لم يكن كافياً بالنسبة للولايات المتحدة، فقد دخلنا الآن الحرب بكل نشاط، استنادًا إلى مجرد خدعة أخرى محتملة من قبل حكومتنا.. البعض جادل بأننا دمرنا الرادارات التي أطلقت منها الصواريخ اليمنية بصواريخ توماهوك.. ولكن، وبعد يومين أعلن الجيش الأمريكي، بهدوء جداً، أنه لم يكن متأكداً ما إذا كان هناك هجوم صاروخي على الإطلاق. هل سمعتم هذه القصة في وسائل الإعلام الرئيسة؟ بالطبع لا!
يبدو أنه لا أحد رأى صواريخ أطلقت من اليمن، وأصابت شيئاً، كما أنه لم يكن هناك مساعدة من السفن الأخرى في المنطقة، الجيش والحوثيون نفوا أية علاقة بالهجوم المزعوم، والولايات المتحدة اعترفت، بهدوء جداً، وربما كان ذلك (صوراً لأشباح الرادارات)، ولم يكن هناك أي صواريخ، وتم تجاهل هذه القصة تماماً من قبل وسائل الإعلام الرئيسية. وإلا كان من المفترض، في حال حصل الهجوم بالفعل، أن يجري التحقيق من قبل الجيش، وسوف يكون هناك تقرير قادم، ولكن لا تنتظر لتلك التقارير حتى وقت متأخر من الليل لسماع نتائجه، لأن ذلك لن يحدث أبداً، وإذا كان هناك تحقيق بالفعل، فهل ستصدق تقريراً يستجوب الجيش نفسه؟).
واختتم الكاتب الأمريكي مقاله قائلاً: (هاجمنا بدون حوار أو نقاش، أو موافقة الكونغرس.. مثل هؤلاء الجبناء، في الكونغرس، لم يتفوهوا ولا حتى بكلمة واحدة، وظلت رؤوسهم مطمورة في وحل الرمال).
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان