الخيانة ليست وجهة نظر..
قاعات المحاضرات الجامعية.. سرويس للـ(f16)



المتعارف عليه أن الجامعة حرم مقدس للاستزادة من علومها المختلفة، ومنبر لتوسيع ذهن الطالب نحو حرية التعبير عن آرائه ومواقفه، وليس مكاناً للتلقين الحزبي وفرض المواقف المسبقة.. لترسيخ حُب الوطن، وليس للتطبيل لمن يدمره ويقتل أبناءه، حيث يحاول (البعض) من الأكاديميين استغلال (قاعاتِ الدرس) لبثِّ أفكاره، إما تصريحاً أو تلميحاً، ناهيك عن حشرِ السياسة في مدرجاتِ الجامعة، وذلك ما يُخرج (البعض) عن أداءِ رسالته العظيمة وهدفه النبيل، خاصة مع ما تمرُّ به البلاد من ظروفٍ حساسة.. صحيفة (لا) ناقشت هذه القضية مع عدد من الأكاديميين والطلاب..

الرسوب أو الطرد لمن يعارضه
(دائماً ما أدخل أنا وزملائي في نقاشاتٍ حادة مع الدكتور أثناء إلقاء محاضرته.. لدرجة يقول: بدل الصاروخ الذي يطلقه الانقلابيون في الحدود، عليهم أن يشتروا لنا به غذاء ويخلونا نعيش..)، بهذه الكلمات بدأت كوثر رزقان (طالبة جامعية).. وتواصل حديثها: عندما نقاطعه أنا وزميلاتي، ونرد على حواره، يشير بإصبعه إلينا: أنتِ ومن هم بنفس تفكيركِ سيكونون هدفاً للتحالف، وسيصفون كل من يقف مع الانقلاب!
وتضيف كوثر: وعندما يمرُّ نصفُ الوقت في الخروج من درس المحاضرة، يستدرك الدكتور ويقول: (ليش بتخرجونا عن الدرس؟).. تبتسم كوثر وتقول: هو من خرج أصلاً من الدرس.
نحاولُ ألا نُظهر استياءنا مما نسمعه أثناء الدرس، وذلك لمعرفتنا المسبقة أن ذلك الدكتور شديد جداً في التعامل مع من يعارض أفكاره، حيث كل من يقف ضد ما يقوله مصيره إما الرسوب أو الطرد من المحاضرة.. لذلك نسمعه معظم الأوقات، ونكتفي بهز الرؤوس..!

من محاضر إلى محلل سياسي

 نهى (طالبة جامعية) تقول: الغريب أن الدكتور حين يبدأ المحاضرة يقول: لا تخرجونا عن الدرس.. وشوي وقد نط على الموضوع ليبدأ تحليلاته السياسية و.. و.. و.. فنشعرُ حينها أننا أمام (قناة إخبارية) ومحلل سياسي، وليس أمام دكتور نبهنا إلى عدمِ الخروجِ عن الموضوع.. فنصابُ بخيبةٍ كبيرة صراحة كونهم القدوة لمن يتلقون العلم على أيديهم. وطبعاً ليس الجميع، فالبعض من الدكاترة للأمانة نجدهم مناضلين حتى بتدريسنا في أوضاعٍ صعبة، ولا نسمع منهم إلا كل ما يحفز لأخذ العلم والاستزادة منه. 
 
جرعات محرمة

ولأهمية هذه القضية وحساسيتها، خاصة في ظل الأوضاع التي تعيشها بلادنا خلال الفترة الراهنة، في مواجهة عدوان غاشم وتدمير ممهنج طال كل شيء، توجهت صحيفة (لا) إلى عدد من الأكاديميين لمعرفة رأيهم في هذه القضية، والبداية كانت مع الدكتورة ابتسام المتوكل التي استهلت حديثها بالقول: الحرم الجامعي كلمة ترددها الأفواه، ولكن قليلاً ما لامست القلب والعمل لدى كثير من الأكاديميين الذين دأبوا على خلط العمل الأكاديمي بجرعات محرمة من أهوائهم وأحزابهم ومذاهبهم.. هذه الجرعات تزداد تحريماً وتجريماً كلما مس الوطن عارض أو مرت به محنة، فما بالنا وقد هبت عليه عاصفة لؤم تريد اقتلاع كل شيء مقدس فيه، هنا يغدو من الجرم بمكان خلط العمل الأكاديمي بما يضر الوطن ويعين العدو ويفتح الباب واسعاً للفرقة والفتن بين أبناء اليمن الواحد الحبيب. هنا يغدو عملاً متماهياً مع العدوان، واتصالاً به أن نجعل الجامعة منبراً لنشر أهواء غير وطنية وأفكار تخرج عن السوية.

خيانة عظمى
وتضيف د. المتوكل: قانون الجامعة يحرم العمل الحزبي وممارسة السياسة داخل الحرم الجامعي، فكيف بتأييد المعتدين أو التبرير لهم- لا جدال في أن استغلال قاعة الدرس في نشر ما يضر بالوطن، هو فعل يمتهن قداسة المهنة والمكان، ويدنس من يقوم بهما، كما يقدم للطلاب صورة مشوهة عن دور الأكاديمي ورسالته واحترامه للحرم الجامعي ولنفسه ولمجتمعه.
وتختتم حديثها بالقول: يمكن أن نعد الخروج عن العمل الأكاديمي خيانة للأمانة يقترفها من يفعل ذلك، أما وقد صار الخروج عن الوطن وثوابته لنصرة أعدائه، فقد صارت الخيانة عظمى!

بيننا وبينهم سيادة الوطن
(يوجد أكاديميون وطنيون وأكاديميون غير وطنيين، تماماً كما في قطاعات العمل الأخرى، هذا أولاً.. ومسألة الوطنية ليست وجهة نظر في رأيي، هذا ثانيًا).. ذلك ما بدأ به الأستاذ إبراهيم طلحة (مدرس مساعد في جامعة تعز) حديثه، مضيفاً: لكن على اعتبار أنها وجهة نظر كما هي لديهم، فإنَّ الحد الفاصل بيننا وبينهم سيادة الوطن وحدوده، فليست مجالاً للتقوُّل على الوطن، وتوزيع نظريات الأحزاب المتفرقة على طلاب العلم.. ويشير طلحة إلى أن مشكلة كثير من الأكاديميين في جامعاتنا أنهم (يتدخلون في السياسة، بينما لا يكملون مواضيع تدريسهم الأساسية؛ فتجد المتخصص في اللغة والنحو والأدب أو في المال والأعمال أو في الزراعة أو في الهندسة أو في الطب، كلهم يتناول الجانب السياسي.. تسأله عن المتنبي فيجيب لك عن عاصفة الحزم.. تسأله عن بيل جيتس فيقول لك: عسيري وما عسيري)!

قمع رأي المجتمع
ويضيف الأستاذ إبراهيم طلحة: يجب وضع تقنينات مناسبة للدرس الجامعي أو الدرس في التعليم العام بشكل عام، وعدم إضاعة الأوقات في أقوال السياسة، هذا ليكون بين الطرفين توافق نوعًا ما، ولا يقال بعد ذلك إن السلطات تمارس فعلها الديكتاتوري على العمل الجامعي.. (فالخيانة شيء والرأي شيء آخر.. نعم نحن نتقبل كل الآراء أو ينبغي أن نتقبلها، لكن الملاحظ أن الخونة عندما يلبسون الحق بالباطل يتحول أحدهم إلى لعب دور المظلوم المضطهد، بينما هو يمارس على المجتمع ووعيه فعلاً قمعياً).
ويتابع: بطبيعة الحال، لا يجوز للأكاديمي استغلال قاعات الدرس لنشر أفكاره المذهبية أو الطائفية أو السياسية الخاصة به، إلا أن تكون ثمة مساحة لقبول الرأي الآخر، أو فليسكت ما لم يقل خيرًا، خاصةً وأن بعضهم ربما يطرد الطلاب المخالفين له في الرأي؛ فيجب على الأكاديمي أن يكون رحب الصدر للجميع أو (يبرد له) من الجميع.

مرحلة لا تحتمل التعصب
ويستطرد طلحة: الأكاديمي في نهايةِ المطاف مربي الأجيال كالمعلم، ومخرجات مؤسسته الجامعية يجب أن تكون سليمةً من أمراض التعصب والحقد، ولكن كما قلت، لا نحشر السياسة في قاعات الدرس، ولا (ما نحشرهاش)، يعني: من الممكن على أساس مراعاة التخصصات، أن يتكلم في السياسة أستاذ السياسة وأستاذ الاقتصاد وأستاذ الإدارة أصحاب التخصصات المقاربة، بدون تجريح لأحد أو سب أو شتيمة أو تخوين، خاصةً في مراحل لا تحتمل التعصب.
ويختتم طلحة حديثه بالقول: أما بقية الأكاديميين فالأفضل لنا ولهم أن يتكلم كل واحدٍ منهم في تخصصه، وكثر الله ألف خيره.. طيب وإذا شئنا أن نكون ديمقراطيين بحق في الجامعات، فلا يجب أن نكون ديمقراطيين بحسب نظريات الغرب أو الشرق؛ لنكن ديمقراطيين بحسب شورى أمنا بلقيس وديمقراطيتها، فليس هناك ما يتنافى بين ممارسة حقنا الديمقراطي وحبنا لليمن.

صيد سهل للأكاديمي
(لا شك أن تأثير القناعات في توجيه الرأي العام، وبالذات في الوسط الطلابي، يمثل باكورة لدنة وطرية لتكوين الرأي، والأكاديمي مؤثر ومستغل لتأثيره).. هكذا بدأت الأستاذة سبأ القوسي (كاتبة وباحثة) في طرح رأيها عن الموضوع.. مضيفة: لأنه ـ أي الأكاديمي ـ أمام متلقٍّ يعتد به ويتعامل معه كمثال وقدوة للرأي، فتأثيره سيوجه قناعة الاتجاه الذي يقصده. طبعاً هذا الكلام محتمل وقائم في حالة الطلاب الذين يتميزون ـ وللأسف يمثلون غالبية ـ بالهشاشة في وعيهم الوطني، ويعيشون حالة التذبذب وعدم الثبات في الرؤية، فيكونون الصيد السهل للأكاديمي الحزبي الموجه, طالما الإعلام الموجود هو إعلام تعبوي في اتجاه محدد دون غيره.

تفويت الفرصة
وتستطرد القوسي: يجب أن يتنبه الجميع إلى أنه إذا لم تتم إعادة الإعلام للتعبئة في الاتجاه الوطني، فسيجد أكاديميون ونخب ثقافية تتماهى مع العدوان أو تعمل لصالحه، فرصة لاستغلال الأمر وتوظيفه في توجيه رسائل مآلاتها غسل أدمغة هذه الفئة العمرية الطلابية لهز قناعتها تجاه خطورة العدوان وهمجيته وجرمه, وليثبت في أذهانها أن العدوان يجب أن يتم التعاطي معه كوجهة نظر مضادة للسلطة القائمة.
وتواصل حديثها قائلة: وهنا لا تكفي الإشارة إلى أن هناك فئة تعمل لصالح العدوان، وبالذات (بعض) الأكاديميين، وإنما كيف يجب أن نعمل معاً, وإلا فإننا سنمكن هذه النخب الأكاديمية المؤيدة للعدوان من توسيع نفوذها وقدرتها في تكوين اتجاهات الرأي العام، ليس على مستوى الطلاب فحسب، ولكن على المستوى العام.

ردع أخلاقي وقانوني
وفي ما يتعلق بالحدود الفاصلة بين الخيانة والرأي، تقول القوسي: الخيانة لا نبحث لها عن مبررات أو مسوغات، اسمها خيانة، سقوط، انحراف، جريمة أخلاقية ووطنية مرفوضة وطنياً وقانونياً، وبالتالي لابد من ردع من يمارسها ردعاً أخلاقياً قيمياً ووطنياً ومعنوياً، وردعاً بعقاب مادي وفقاً للقانون.. أما الرأي فيظل في إطار الكيفية التي يتم بها مواجهة الأخطار الخارجية ومواجهة الأعداء في وسائل التعبئة، وفي البحث عن الأسباب والمسببات، والبحث في الحلول النهائية، لكن يبقى هذا الرأي وصاحبه ملتزماً التزاماً قطعياً للوطن ولكل القواعد والسلطات القائمة التي تمثل الوطن، أو التي هي قائمة، أياً كانت وجهة النظر حولها وحول أدائها ونواياها.

عدم الخلط بين التعليم والتحزب
وتختتم القوسي حديثها: الجامعة هي حقل طبيعي لنشوء الرأي السياسي للمجتمع، والذي يبدأ الطالب بممارسته، ولكن كيف يجب أن تمارس هذه السياسة، وأن تُنظم، ولا يخلط بينها وبين قواعد التأهيل العلمي والأكاديمي، وبما لا يؤثر عليه ويوجهه في اتجاه أية غلبة سياسية, لكن أن يمارس في إطار قواعد يتم التفاهم عليها بما لا يعطل ولا يجرح في مكانة الطالب ولا مكانة الأكاديمي, ووفقاً للقواعد القانونية المنظمة لأي نشاط سياسي ونقابي، فتظل في إطار هذه الحرية المقننة في العمل السياسي والحزبي والنقابي.
إذن، يتفق الجميع على أن الدور الأساسي للجامعة هو دور علمي معرفي وتنويري، لأنها بالأساس منبر للتحصيل العلمي والأكاديمي، ويجب أن تكون بمنأى عن الصراع السياسي والحزبي، كما أن مرتاديها من الطلاب الجامعيين ليسوا أطفالاً ليتم تلقينهم المواقف والآراء السياسية، فكلٌّ منهم لديه مواقفه وقناعاته السياسية الخاصة به، ويعون جيداً من يستخفُّ برأيهم وقناعاتهم، كما أنهم يتعاملون بصمتٍ حيال ذلك لما قد يمس مستقبلهم من قِبل من يتعارض معهم في القناعات.