لعاب إسرائيل في مياة (الأحمر والعربي)
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان

مضيق الأحزان.. بوابة التحكم في العالم وأرخبيلات رهن القرصنة
لعاب إسرائيل في مياة (الأحمر والعربي)
تتمتع اليمن بموقع متميز، حبتها الطبيعة به منذ عصور سحيقة، وقد تأثر الإنسان اليمني تاريخاً وثقافة ومعيشة بهذا الموقع المعبر عن شخصية الإنسان وعبقرية المكان.
وتمتلك اليمن ساحلًا بحريًّا طويلًا يحتل أجزاءً من سواحل ثلاثة مسطّحات مائية وهي: البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب؛ حيث يبلغ طول الساحل اليمني على هذه المسطّحات المائية 2500 كيلومتر، وقد أعطى هذا الساحل الطويل لليمن الفرصة لامتلاك الكثير من الجزر والمسطّحات الاستراتيجية، كما أنه أسال لعاب الأنظمة القرصانية لالتهام هذه الوجبة الدسمة.
توجد أغلب الجزر اليمنيّة في البحر الأحمر؛ حيث يبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في البحر الأحمر 150 جزيرة، ويبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في خليج عدن 21 جزيرة، ويبلغ عدد الجزر اليمنية الواقعة في بحر العرب 11 جزيرة، وهذه الجزر تتفاوت في ما بينها من حيث المساحة، وتتفاوت أيضًا من حيث الاستيطان البشري.
ومن إجمالي 182 جزيرة، فإن عدد الجزر المأهولة بالسكان، والتي تتوفر فيها مقومات الحياة 6 جزر فقط هي: جزيرة سقطرى، وجزيرة عبدالكوري، وجزيرة ميون، وجزيرة كمران، وجزيرة الفشت، وجزيرة بكلان؛ فيما يبلغ عدد الجزر غير المأهولة بالسكان 176 جزيرة، إلا أن هذه الجزر تتواجد فيها تجمعات سكانية غير مقيمة طوال العام، مثل جزيرة ظهرة بكلان، وأرخبيل زقر وحنيش.
ويبلغ عدد سكان الجزر اليمنية المأهولة بالسكّان 140,000 نسمة تقريبًا (بحسب إحصائيات 2004 للسكان في اليمن)، ويشكّل هذا العدد نسبة ضئيلة من المجموع الكلّي لسكان اليمن، يقطن نحو 85.7% منهم في أرخبيل سقطرى؛ حيث يبلغ عدد السكان في الأرخبيل 135.000 نسمة، فيما تبلغ نسبة سكان الجزر في قطاع البحر الأحمر 12.2% وبعدد سكان يصل إلى 17000 نسمة، فيما يصل عدد سكان الجزر في قطاع خليج عدن إلى 3000 نسمة، وبنسبة 2.1% من إجمالي عدد سكان الجزر اليمنية.
بوابة الدموع
يعتبر مضيقٍ باب المندب الذي كان يطلق عليه قديماً (بوابة الأحزان)، من أهم المضايق الملاحية الهامة في العالم، حيث يقع ضمن البحر الإقليمي للجمهورية اليمنية، ويشكل وسيلة اتصال دولية للملاحة البحرية، وتمتلك اليمن أكبر جرف قاري بين دول الشرق الأوسط, حيث تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة لـ200 ميل بحري، بالإضافة إلى المنطقة المجاورة.
يصل مضيق باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن, وتسيطر اليمن على ذلك الممر المائي الهام، حيث تتحكم في مدخله جزيرة ميون التي تقسم المضيق إلى ممرين شرقي ويسمى باب الاسكندر (عرضها 3 كم وعمقها 30م)، وغربي يدعى دقة المايون (عرضها 25 كم وعمقها يصل إلى 310 كم)، لهذا فمضيق باب المندب يتكون من قناتين منفصلتين إحداهما هي الصغرى، وعرضها 3 كيلومترات وعمقها نحو 26 كيلومتراً، والأخرى هي القناة الرئيسية ويبلغ اتساعها 23 كيلومتراً أو 11 ميلاً بحرياً، وعمقها نحو 222 متراً. وطول مضيق باب المندب 55.5 كيلومتر أو 30 ميلاً بحرياً.
ويبلغ العرض العام للمضيق 27كم، والمسافة بين ضفتي المضيق هي 30 كم تقريباً من رأس منهالي في الساحل الآسيوي إلى رأس سيان على الساحل الأفريقي الذي توجد بقربه مجموعة من الجزر الصغيرة يطلق عليها الأشقاء السبعة.
بالنسبة للملاحة البحرية في مضيق باب المندب فهو في الأساس يعتبر ضمن المياه الإقليمية، ولليمن حق السيادة المباشرة على بحرها الإقليمي بمسافة 12 ميلاً بحرياً، ويحق للسلطات اليمنية أن تمارس حقها القانوني في إغلاق مضيق باب المندب في حالة أي انتهاكات ضدها، ولا يمكن تداوله استناداً إلى القواعد والأعراف الدولية, وقد أفردت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الجزء الثالث من المادة 34 حتى المادة 45 للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية.
وللأفضلية الاستراتيجية اليمنية في السيطرة على الممر، عملت القوى الكبرى وحليفاتها على إقامة قواعد عسكرية حوله، وذلك لأهميته العالمية في التجارة والنقل، كما سعت الأمم المتحدة عام 1982 لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية، ودخلت اتفاقيتها المعروفة باتفاقية جامايكا حيز الإنفاذ في نوفمبر 1994.
ظلت أهمية باب المندب محدودة حتى افتتاح قناة السويس (1869) وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط وعالمه, وتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحري بين بلدان البحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا, ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21.000 قطعة بحرية سنوياً (57 قطعة يومياً).
وإضافة إلى ما تقدم، فإن باب المندب أكسب كثيراً من الجزر اليمنية أهمية خاصة بالنسبة للملاحة الدولية، وقد ورد اسمه كواحد من 38 مضيقاً.
وشهد مضيق باب المندب العديد من الأحداث العالمية الهامة:
ففي 11 يونيو 1971، قام فدائيون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعملية عسكرية استهدفت ناقلة النفط الإسرائيلية (كورال سي) التي كانت تحمل علم ليبريا، وكانت في طريقها إلى إيلات.
وفي حرب أكتوبر 1973، قامت اليمن ومصر بإغلاق باب المندب طوال الحرب، ولم تفتحه إلا في يناير 1974، بعد توقيع مصر اتفاقية فض الاشتباك الأولى وبدء الانسحاب الإسرائيلي من غرب قناة السويس.
وفي 1976 قامت طائرات مجهولة بالتحليق فوق قطاع باب المندب وقصفه، اتضح في ما بعد أنها كانت طائرات إسرائيلية اتجهت غرباً فوق الأجواء الإريترية قبل استقلالها عن إثيوبيا التي كانت ترتبط بعلاقات متينة مع إسرائيل، وتقدم تسهيلات جوية وبحرية، وكان الهدف من القصف هو معرفة حجم تواجد الحامية العسكرية اليمنية في باب المندب وما تملكه من أسلحة وإمكانات دفاعية ومدى استعدادها للرد والتصدي لأي اعتداء.
وإثر هجمات 11 سبتمبر 2001، وبالتحديد منذ فبراير 2002، قامت فرقة العمل المشتركة 150 التابعة للقوة البحرية المشتركة، تحت قيادة أمريكية، بتأمين المضيق تحت مزاعم محاربة القرصنة في المنطقة.
وفي 22 فبراير 2008، أعلنت شركة يملكها طارق بن لادن، عن نيته إنشاء جسر القرن الأفريقي المعلق فوق المضيق يربط اليمن وجيبوتي.
جيواستراتيجية أعالي البحار
أهمية موقع اليمن وشواطئه على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي منذ القرن السادس عشر، جعلت اليمن موقعاً للأطماع والصراع السياسي والعسكري والاقتصادي من قبل الدول الاستعمارية، والتي سعت إلى فرض سيطرتها بالقوة على هذه المنطقة، حيث كان أول صراع فيها أثناء التدخل البرتغالي في 1513م، عندما حاول البرتغاليون بسط نفوذهم على بعض المواقع الساحلية في جنوب البحر الأحمر والمحيط الهندي، واحتلال جزيرة كمران وجزيرة سقطرى لغرض تأمين سفنهم في طريقها إلى الهند، وقد نشط المماليك ثم العثمانيون لطرد البرتغاليين من الجزر الكبيرة والمهمة مثل جزيرة كمران التي استعملت كموقع عسكري ومحطة رقابة على حركة النقل البحري، وجزيرة ميون التي استخدمت لتموين السفن والإشراف على مضيق باب المندب.
كما ركز البريطانيون على احتلال مدينة عدن 1838م بصورة خاصة، لأنها الميناء التي تربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، الى جانب كونها ومجموعة الجزر اليمنية الحيوية كسقطرى وعبدالكوري وكوريا موريا في المحيط الهندي وبريم (ميون حالياً) المحتلة من قبلهم منذ عام 1799م وكمران في البحر الأحمر، تقع على الطريق التجاري لبريطانيا في الشرق، التي كانت تمثل مصالحها في المنطقة شركة الهند الشرقية.
وتوالت الصراعات للدول الاستعمارية (الهولندية، الفرنسية، البريطانية والإيطالية) التي سعت جميعها إلى تأسيس مراكز نفوذ لها في السواحل اليمنية وتأسيس مراكز استناد لحركتهم التجارية إلى الهند ومناطق نفوذهم الأخرى في الشرق الأوسط والأقصى، واستمر الصراع بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا في منطقة البحر الأحمر، كما قامت فرنسا باحتلال جزيرة ميون عام 1828م لفترة قصيرة، وفيما عدا تلك الفترات المتقطعة في التاريخ الحديث، كانت الجزيرة تحت السيادة اليمنية أو العثمانية حتى حلول عام 1869م حين احتلتها بريطانيا حتى عام 1967م.. أما الشاطئ المواجه فقد كان خاضعاً للسيادة اليمنية عدا محاولة الغزو العثماني المتقطعة، ولكن مقاومة اليمنيين لهم لم تمكنهم من تحقيق هدفهم.
ومع انطلاق العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في مارس 2015, ظهرت على الأفق الأهداف والأطماع في نهب ثروات اليمن الكبيرة، وكذا موقعها الاستراتيجي.
حيث أعلن تحالف العدوان السعودي الأمريكي في أكتوبر الماضي عن سيطرته على 5 جزر يمنية، ومن بينها جزيرة ميون التي تعد مفتاح باب المندب.
وبعد شهرين من مقاومة بعض سكان الجزيرة الذين نزح الكثير منهم نتيجة القصف الشديد لمقاتلات العدوان على الجزيرة وانسحاب القوات العسكرية المرابطة فيها، تمكنت مجاميع من التيار السلفي بقيادة المرتزقين هاني بن بريك وهاشم السيد، واللذين بدورهما سلما الجزيرة لقوات التحالف التي باشرت بتسليمها بشكل سري للدولة الصهيونية التي قامت مؤخراً باستخدام الجزيرة عسكرياً واستخبارتياً.
تكمن أهمية جزيرة ميون لدى الملاحة الدولية بقصوى بالغة، حيث إن 45% أو أكثر من نفط العالم يمر عبر هذا الممر المائي.
وتقع جزيرة مَيّون غرب باب المندب، ويبلغ تعداد سكانها 221 نسمة حسب التعداد السكاني في اليمن لعام 2004, ومساحتها 13كم2، أقام فيها الإنكليز عام 1857 محطة لتزويد السفن بالوقود (الفحم الحجري)، وظلت جزءاً من مستعمرة عدن حتى الاستقلال عام 1967.
وتفتقر ميون للمياه العذبة، الأمر الذي أعاق استيطانها. في نقطة ما في تاريخ بريم الجيولوجي ثار بركان فيها أدى إلى سد باب المندب وتبخر البحر الأحمر إلى درجة جفاف قاعه.
وغزا البرتغاليون بريم عام 1513، إلا أنهم لم يبقوا فيها بسبب المناهضة العثمانية. فرنسا احتلت بريم عام 1738. وفي سنة 1799 احتلتها شركة الهند الشرقية البريطانية لفترة قصيرة تمهيداً لغزو مصر.
وفي عام 1967 صوّت سكان جزيرة ميون لينضموا لليمن الجنوبي الذي استقل في ذاك العام، ورفضوا أن يكونوا ضمن تبعية التاج البريطاني احتراماً وتأييداً للزعيم جمال عبدالناصر في حرب 1967 ضد الكيان الصهيوني.
وعلى صعيد الجزر اليمنية وأطماع قوى العدوان، كشفت معلومات غربية للإعلام, أن أمريكا انتهت في فبراير الماضي من إعداد اتفاق بين الإمارات والعميل الفار إلى السعودية المدعو عبدربه هادي، لتأجير جزيرة سقطرى الاستراتيجية لأبوظبي، لمدة 99 سنة. وذكرت مصادر الأخبار أن هذا الاتفاق من ضمن ما وُعدت به الإمارات لمشاركتها في الحرب على اليمن, وأن سقطرى ستكون بإشراف أمريكي مباشر، وستبنى فيها قواعد حربية، وكذا مشاريع اقتصادية للإمارات وأمريكا.
ويقع أرخبيل سقطرى على المحيط الهندي بالقرب من خليجِ عدن، وتضم الجزيرة 4 جزر، هي: جزيرة سقطرى، وهي أكبرها حجماً، وجزيرة سمحة، وجزيرة درسة، وجزيرة عبد الكوري، بالإضافة لجزيرتين صغيرتين من الصخور. يبلغ طول الجزيرة قرابة 125 كيلومتراً، وبعرض 42 كيلومتراً، وعاصمتها هي مدينة حديبو، وتبلغ مساحتها قرابة 3,650 كيلومتراً مربعاً.
ومنذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي, النقطة الأولى لاحتلال المملكة الوليدة لجزر فرسان اليمنية المحاذية لنجران, واصلت السعودية مسلسل ابتلاع الجزر اليمنية وجرف شعابها المرجانية، ولعب دور الوسيط للكيان الصهيوني في هذا الدور.
ففي يوليو 2012 كشفت وثيقة مسربة عن دائرة الحدود البرية بوزارة الخارجية اليمنية, أن السعودية التهمت 50 جزيرة يمنية، ولم تعد هناك قوة في اليمن قادرة على الوقوف في وجه الأطماع والتدخلات السعودية في الجزر اليمنية.. وهذه الجزر التي نتحدث عنها هي الجزر اليمنية على البحر الأحمر، وتعدادها 50 جزيرة.
ووصفت الوثيقة الأطماع السعودية في هذه الجزر بأنها خطيرة، وتعد مؤشراً بالغ الخطورة قد يؤدي للسيطرة عليها ووضعها تحت السيادة السعودية. وأشارت إلى أن من بين الجزر التي احتلتها السعودية جرزاً قريبة من ميناء الحديدة وميناء ميدي، وجزر دريب والعاشق الكبير وذو حراب وثوهوراب والدويمة, وأن بعض الجزر شهدت تدخلات سافرة من قبل حرس الحدود السعودي كجزيرة (دريب) التي تأتي إليها الدوريات السعودية من حين لآخر، وتقوم بطرد الصيادين اليمنيين، وكذا جزيرة (العاشق الكبير) التي قالت الوثيقة بأنه ليس سهلاً الاقتراب منها بسبب وجود حامية سعودية فيها.
ووصفت الوثيقة أوضاع الجزر اليمنية المتاخمة للسعودية بأنها خالية من كل مقومات الدفاع، فلا حاميات ولا تواجد عسكري أو أمني، وأن حرس الحدود السعودي يتحركون بكل ما يملكون من إمكانيات لدرجة أنهم يدخلون الجزر اليمنية بكل حرية دون أن يلقوا أية مقاومة أو اعتراض، بل يصل الأمر بهم إلى طرد الصيادين اليمنيين من الجزر اليمنية، ويستولون على قواربهم ويحتجزونهم.
وأمام هذه المعضلات المستأصلة للجزر اليمنية, لم تتجاوب السلطات اليمنية مع أية شكاوى وبلاغات تأتي من سكان هذه الجزر الذين يعانون من انتهاكات حرس الحدود السعودي وهيمنته عليهم إلى درجة منعهم من الاصطياد في مياه اليمن الإقليمية..
كما منحت السعودية معظم سكان جزيرة (الغشت) الجنسية السعودية كتمهيد للسيطرة عليها وابتلاعها كما فعلت مع جزيرة (ذو حراب) التي احتلتها عام 1972م، وقاولت شركة (راين) الألمانية لنصب فنار عليها.. ولم يكتشف الفنار إلا عام 86م.
واستولت السعودية عام 1998على جزيرة (ثوهوراب)، كما استولت بالقوة العسكرية على جزيرة (الدويمة)، فيما عشرات الجزر دخلتها وسط تغاضي السلطات اليمنية في تلك الفترة.
وشكلت مسألة التفريط بالسيادة اليمنية وحدودها سيلان لعاب أنظمة القرصنة العالمية، وبالذات إسرائيل وأمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية وإريتريا. الأمر الذي دفع بدولة إريتريا، وبخطة مرسومة من الكيان الصهيوني، ووسط مزايدة من بعض الأوساط السياسية المعارضة في اليمن، إلى احتلال أرخبيل حنيش، نهاية 1997, ودخول الدولتين في أزمة دولية أفضت في النهاية إلى عودة جزر حنيش إلى اليمن بموجب تحكيم دولي في العام 2000.
ويعد (أرخبيل حنيش) البالغ عدد جزره 43 جزيرة، بما فيها جزر حنيش وجبل زقر، من أهم الجزر اليمنية.
ويمثل أرخبيل حنيش مجموعة الجزر الواقعة أمام مرفأ الخوخة الساحلي التابع إدارياً لمحافظة الحديدة، ويُعد أقرب الجزر اليمنية إلى الممرات البحرية في البحر الأحمر، وتسلكه السفن المتجهة إلى مضيق باب المندب، أو القادمة مباشرة منه. وفي السّبعينيات سمحت اليمن للثوار الإريتريين بتخزين الأسلحة في هذه الجزيرة لاستخدامها في صراعهم ضد النظام الإثيوبي.. وفي مطلع الثمانينيات بني في الجانب الشرقي من الجزيرة فنار لإرشاد السفن، ويتيح ارتفاع جبل زقر الإشراف على كل الممرات الدولية لخطوط الملاحة في البحر الأحمر، ومنه يمكن مشاهدة الساحل الإريتري، وبذلك يمثل جبل زقر أهمية عسكرية كبيرة.
وتمتد جزيرة حنيش الكبرى، من الشمال إلى الجنوب الغربي، وتبلغ مساحتها 66 كم2، وتوجد جنوب جزيرة زقر جزيرة حنيش الصغرى، وهي جزيرة صخرية بركانية، يبلغ أعلى ارتفاع لها عن سطح البحر 127 قدماً، وتصل مساحتها إلى 10 كم2، وتبعد عن الساحل اليمني حوالي 25 ميلاً بحرياً، وعن الساحل الإريتري حوالي 47 ميلاً بحرياً، وقد بنت عليها مؤسسة الموانئ اليمنية فناراً عام 1981م.
ومن أهمّ الجزر اليمنيّة جزيرة كمران، وهذه الجزيرة تقع في السواحل الجنوبية الشرقية للبحر الأحمر، وتتبع جزيرة كمران إداريًّا محافظة الحديدة. وتبلغ مساحة جزيرة كمران 100 كيلومترٍ مربعٍ تقريبًا، ويصل عدد سكّانها إلى أكثر من 3000 نسمة..وشكلت هذه الجزيرة الهدف الرئيسي للأطماع الاستعمارية للعثمانيين والبرتغاليين والبريطانيين خلال القرنين الـ18 والـ19.
عملية القرش المفترس
(نحن نملك أسطولاً بحرياً ضخماً يعمل في كافة موانئ العالم، وسيرتفع عدده عام 1956م؛ ولهذا فعلينا أن نعد العدة لمستقبل تستطيع فيه أساطيلنا البحرية والحربية أن تحطم الحصار المفروض علينا، وأن نفرض الحصار بدورنا على بعض الدول العربية بشكل أقوى مما فرضوه علينا؛ أي: – باختصار- مطلوب منا أن تكون لدينا خطة نستطيع عن طريقها أن نحول البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بالتدرج).
بهذه العبارة التي قالها (كانستلون)، قائد البحرية الصهيونية الأسبق، تظهر الأهداف الصهيونية في البحر الأحمر، وما يبدو للعيان من محاولة للسيطرة عليها ما هو إلا ترجمة للهدفين السابقين، ألا وهما: فك الحصار عن الصهاينة، ووضع المنطقة العربية عموماً تحت السيطرة الغربية والصهيونية.
وترجع أطماع إسرائيل في البحر الأحمر إلى أول تصريح مسجل لـ(بن جوريون) سنة 1933م، عندما قال: (إن العقبة وموقع إيلات التاريخي -أم الرشراش- سيسمح لنا بالتمركز في الخليج (العقبة) والبحر الأحمر). كما كتب سنة 1934م لزميله القاضي (برانديز) في المحكمة الأمريكية العليا: (سيكون لنا طريق مائي مفتوح إلى المحيط الهندي وأكبر قارة في العالم من خلال خليج (إيلات) والبحر الأحمر).
وتظهر أهمية هذه المنطقة في نظر الصهاينة ـ إلى جانب أعمالهم التنفيذية فيها- ومن خلال تصريحاتهم، فهذا بن جوريون (رئيس وزرائهم الأسبق)، يقول أيضاً: (إنني أحلم بأساطيل داود تمخر عباب البحر الأحمر, إننا محاصرون برياً، والبحر هو طريقنا الرئيس للمرور الحر إلى يهود العالم وللاتصال بالعالم).
ولأهمية الملاحة عن طريق البحر الأحمر شنت إسرائيل حربين عدوانيتين في 1956م و1967م، بينما كانت تترقب الأحداث العربية بقلق بالغ منذ بدأ الحديث عن وحدة مصر مع السودان، ثم الوحدة المؤقتة مع سوريا، ثم ثورة اليمن 1963م في جنوبه؛ الأمر الذي دفع (أبا أبيان) للتصريح في 2/2/1967م بأنه (يجب منع القوات المصرية التي تساعد الجمهورية في الشمال من السيطرة على اليمن الجنوبي في حال استقلاله). وفي تلك السنة قامت مصر بسحب قواتها من اليمن جراء حربها مع إسرائيل! وبعد حادثة ناقلة النفط (كورال سي) سنة 1972م، قامت إسرائيل بتطوير طائراتها الأمريكية (starto cruiser) لتمويل محارباتها في الجو؛ لكي تتمكن من الوصول إلى جنوب البحر الأحمر، كما عملت على تطوير القوارب الحربية الفرنسية (saa,r) لاستخدامها في نفس المنطقة.
ونظراً للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والاستثمارية للبحر الأحمر، وموقع إسرائيل في المنطقة العربية، تحولت أنظار العالم وخاصة إسرائيل منذ حرب أكتوبر1973م، أي بعد قرار إغلاق مضيق باب المندب.
ولمعرفة السياسة الصهيونية تجاه هذه المنطقة، علينا أن نتتبع مسيرتها تلك ولو بشكل سريع عبر تاريخها الحديث، حيث يتجلى الاهتمام الصهيوني بدءاً من منطقة القرن الأفريقي منذ البدايات الأولى لتأسيسها، ذلك أن من بين المقترحات لإقامة الدولة الصهيونية ضرورة إقامتها في أوغندا تحقيقاً لأسطورتهم القائلة بامتداد دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، ورغم أن الصهاينة استقر رأيهم على فلسطين، إلا أن أفريقيا والقرن الأفريقي بالذات لها في استراتيجية بني صهيون اهتمام خاص، فلِكي يتحقق حلم (إسرائيل الكبرى) فلا بد من تأمين الطرق والمنافذ ومحاصرة العدو وتوفير المصادر والطرق الاقتصادية، ولا يتأتى لها ذلك إلا عبر هذه المنطقة، فهي تشرف على منفذ هام وحساس (باب المندب)، وممر مائي يربط بين ثلاث قارات (البحر الأحمر).
فبعد إجراء إغلاق باب المندب في وجه إسرائيل أثناء حرب 1973, أصبح المرور الإسرائيلي في هذه المياه مسألة حياة أو موت بالنسبة لها؛ لحماية شريان التجارة بينها وبين الدول الأفروآسيوية، واستطاعت إسرائيل استثمار علاقتها مع إثيوبيا والحصول على جزيرة (دهلك) في البحر الأحمر، سنة 1975م؛ لتقيم عليها أول قاعدة عسكرية، تلاها إنشاء الدولة الصهيونية لقاعدتي (رواجبات) و(مكهلاوي) على حدود السودان, ومن ثم قامت باستئجار جزيرتي (حالب) (وفاطمة) في الجنوب الغربي للبحر الأحمر، وتحويلهما إلى قاعدة جوية، بالإضافة إلى استئجارها لجزيرتي (رأس سنشيان) و(دميرا) والأخيرة هي أقرب الجزر الإريترية التي توجد فيها القوات الإسرائيلية إلى باب المندب، كما تملك إسرائيل طائرات مجهزة بمعدات تجسس متطورة في (دهلك)، إلى جانب تواجد خبرائها العسكريين في ميناء مصوع.
واخترقت إسرائيل بعض دول البحر الأحمر أهمها إريتريا التي أقامت علاقات عسكرية تبيح لإسرائيل تواجداً عسكرياً واستخباراتياً في جزر البحر الأحمر وعند مدخل باب المندب، ففي مارس 1993م وقعت الدولتان اتفاقاً تزود إسرائيل بموجبه إريتريا بخبراء عسكريين وزراعيين لتطوير وتحديث الجيش الإريتري والزراعة هناك، مقابل تواجد ما لا يقل عن ثلاثة آلاف عسكري إسرائيلي في إريتريا، ووصل عدد القواعد الإسرائيلية في أواخر التسعينيات إلى 6 قواعد، وهي بذلك تسعى لتقوية مركزها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط، وتهدد العمق الاستراتيجي لجنوب البحر الأحمر.
فبعد استقلال إريتريا نجحت الصهيونية في تحويل اتجاهها لما يخدم مصالحها ويقوي نفوذها وأمنها في البحر الأحمر، حيث تم التطبيع الرسمي للعلاقات بين إسرائيل والحكومة الإريترية المؤقتة بقيادة أسياسي أفورقي، سنة 1991م.
وازداد الاهتمام الصهيوني بمنطقة البحر الأحمر تحديداً بعد حرب أكتوبر عام 1973، عقب إغلاق مصر الملاحة أمام السفن الإسرائيلية لفرض حصار اقتصادي، حينها بدأت إسرائيل محاولاتها لإيجاد بديل لحل مشكلة الملاحة بالتغلغل في المنطقة للحصول على جزيرة دهلك، التي تعد كبرى جزر البحر الأحمر، وأهم المنافذ البحرية في العالم لإقامة أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، واستمرت في إقامة القواعد العسكرية، وازدادت الأطماع الإسرائيلية في المنطقة, حيث جرى توقيع اتفاقية أمنية مع إسرائيل في فبراير 1996، لتشكيل ثلاث قواعد عسكرية في كل من جبل حامد وجبل مهكلاوي في غرب إريتريا وجبل هقر شمال إريتريا، وكذلك التواجد العسكري للصهاينة في كل من قاعدة دقمحري العسكرية في الهضبة الإريترية وجزيرة مريناي في مصوع، يضاف إلى ذلك، التواجد الاستخباراتي الإسرائيلي المكثف داخل إريتريا، واعتبرت الدولة الصهيونية أسمرة مركزاً أفريقياً مهماً في الدول المطلة على البحر الأحمر، ولاسيما الدول العربية منها.
إن المبدأ السياسي الاستراتيجي لإسرائيل هو تحقيق موطئ قدم عند مدخل البحر الأحمر، حيث يعتبر من وجهة نظرها منفذاً رئيسياً لتتدفق من خلاله الصادرات الصهيونية المتجهة إلى أفريقيا واليابان وجنوب شرق آسيا وإيلات. والقصد من ذلك أن تجارتها المستقبلية قد تحددت مع عالم المحيط الهندي والأفرو- آسيوي، وتمويل إسرائيل بالبترول دون اللجوء إلى المرور عبر قناة السويس.
إلى جانب أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم بمنع العرب من السيطرة على البحر الأحمر، أي إخضاع البحر الأحمر للهيمنة الإسرائيلية ونزع صفته العربية، باعتباره بحيرة عربية.
ويحقق هذا الحضور العسكري الصهيوني في جنوب البحر الأحمر, سهولة احتلال أية جزر في مدخل البحر الأحمر الجنوبي لتسهيل التحرك العسكري وتأمين التحرك التجاري، ويضمن قدرتهم على إغلاق باب المندب في وجه العرب في الوقت المناسب، والإشراف على حركة الملاحة ومراقبتها من جنوب البحر الأحمر وحتى إيلات، وإنشاء قواعد بحرية استخبارية في جنوب البحر الأحمر.
وأثرت المستجدات الطارئة في منطقة البحر الأحمر، مثل انتهاء الحرب الباردة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، واندلاع حرب الخليج الثانية التي أكدت ترابط منطقة البحر الأحمر بمناطق جيوبوليتكية وجيواستراتيجية أخرى، واستقلال إريتريا وتوجهات حكومتها المساندة لإسرائيل، ومن ثم احتلالها جزيرة حنيش، في تصدع الأمن القومي العربي, كما تسبب وجود الدولة الصهيونية في قلب الوطن العربي وما تحصل عليه من دعم أمريكي وأوروبي من أجل السعي المستمر إلى تفتيت الأمة العربية وتمزيقها وتحطيمها وتقزيمها والقضاء على جيوشها من أجل القيام بنهب ثرواتها والسيطرة عليها، والقيام بتعميق الاختلافات والتناقضات بين القادة العرب، وبالتالي اعتبار هذا الوجود للكيان الصهيوني التحدي الأكبر والأخطر من بين سائر التحديات الأخرى، وهو خطر لا يتوقف عند احتلالها جزءاً من الوطن العربي فحسب، فأهداف إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية هي التوسع والعدوان على كل أقطار الدول العربية, ومن تحت ستار حماية أمنها لا تحترم حدود أية دولة عربية، ومن أجل هذا الوضع سعت الدولة الصهيونية إلى أن يظل الأمن القومي العربي في خطر دائم، خاصة وأن العقيدة الإسرائيلية قائمة على أن أمنها القومي لن يتحقق إلا بالانتصار المطلق على العرب النائمين والمتآمرين على بعضهم البعض، أي أن المطلوب حسب العقيدة الإسرائيلية هو التدمير المطلق لقدرات العرب أو الاستسلام المطلق لكي يتحقق لها الأمن المطلق الذي تنشده، وهو ما تسعى إلى تحقيقه اليوم في اليمن، بمساعدة أمريكا والسعودية والإمارات.
وأسفرت حالة الضعف والتمزق والتآمر العربي بعد أزمة الخليج، ومن ثم عدوان مجموعة (عاصفة الحزم) بقيادة السعودية وأمريكا، على اليمن، عن تقوية الوجود العسكري الصهيوني في البحر الأحمر.
فبعد أن كان البحر الأحمر يوصف بالبحيرة العربية، أصبح اليوم بحيرة أمريكية ـ إسرائيلية بامتياز من خلال التواجد الكثيف لسفنهم، ووجود القواعد العسكرية والتسهيلات على أراضي الدول المطلة على البحر الأحمر والمتشاطئة مع اليمن، وبالذات إريتريا والسعودية اللتان أسهمتا بتعزيز النفوذ الإسرائيلي على جنوب البحر الأحمر، إلى جانب إسهام مصر والسعودية مؤخراً بتعزيز سيطرة الكيان الصهيوني على الجزء الشمالي للبحر الأحمر عبر مسرحية وضيعة اسمها تيران وصنافر.
وبصرف النظر عن حجم الوجود الإسرائيلي في جزر البحر الأحمر، فإن اللوم كل اللوم يقع على الدول العربية، التي فرطت في أمنها القومي بمنطقة القرن الأفريقي، ولم تبذل جهوداً كافية لضم إريتريا إلى الجامعة، أو لإنهاء الحرب الأهلية في الصومال، أو الوقوف والتصدي للعدوان الذي يشنه بنو سعود، بمساعدة أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، على اليمن، فتحولت هذه المنطقة الاستراتيجية من ورقة ضغط عربية على حلفاء تل أبيب في حرب أكتوبر 1973، إلى ورقة تهديد إسرائيلية، ليس فقط ضد اليمن، وإنما أيضاً ضد مصر والسودان ومنظومة الأمن القومي والوجود العربي في أفريقيا.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان