لم تعد في جعبة العدو الأمريكي السعودي أي خيارات ممكنة لنبذ العار والهزيمة التي ستظل تلاحقهم جيلاً بعد جيل، وإنه لمن السخرية أن تسعى طفيليات النفط إلى التلصص وراء البكتيريا لعلها تقودها إلى نصر مؤزر ينعش بلاط سيد البادية المتهالك.
لا يتحرج العدو السعودي بالحديث عن الكوليرا وانتشارها في اليمن، بل عمل على تصويرها كشبح سيبتلع الأرض ولانسان، ما جعل الكثير من المراقبين يؤكدون أن ترويج لاعلام السعودي لوباء الكوليرا بهذه الطريقة الفجة عمل ممنهج يأتي ضمن حرب نفسية يقودها العدو لضرب التماسك المجتمعي والمعنويات العالية لدى المقاتلين من خلال نقل صورة مفجعة عن الأوضاع الصحية في البلد، والتهويل منها، وإشغال القوى الوطنية والناس عن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الا;رض ولانسان. 
صحيفة (لا) تستعرض جملة من الحقائق والتناقضات التي توضح للمتابع اليمني كيفية استغلال العدو للكوارث الإنسانية والصحية وتوظيفها لصالحه، في وقت يثبت الشعب اليمني الذي يخطف الانتصارات هنا وهناك أهليته لمواجهة الكوليرا بموازاة انتصارات البندقية.
التهويل
لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نقلل من خطورة انتشار الكوليرا، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن أن نهول منها كثيراً، هذا التهويل المبالغ فيه الذي يتبناه العدو في وسائل إعلامه، والذي وصل إلى تزوير الحقائق والا;رقام.
وإذا ما استعرضنا نموذجاً بسيطاً لهذا التزوير الذي تروجه وسائل إعلام العدو، سنكتشف أن هناك غاية خبيثة معدة سلفاً يستخدمها العدو ضمن الحرب النفسية.
في الا;سبوع قبل الماضي، ذكرت قناة (الحدث) السعودية أن أكثر من 250 ألف حالة إصابة بالكوليرا في اليمن، مشيرة في تقريرها إلى أن معظم الحالات المرضية في محافظة صعدة وتليها صنعاء والجوف، وهو ما نفته وزارة الصحة اليمنية تماماً في تصريح أدلى به المتحدث باسم الوزارة عبد الحكيم الكحلاني، الا;سبوع الماضي، قائلاً إن حالات الاشتباه بوباء الكوليرا بلغت نحو 62 ألفاً، فيما بلغت حالات الوفاة 617 حالة.
أما بالنسبة للمدن التي ينتشر فيها الوباء، فقد سجلت وزارة الصحة اليمنية بالتعاون مع منظمات دولية، انتشاره في 18 محافظة يمنية، ومن المفارقة أيضاً أن أول حالة إصابة في الكوليرا في اليمن منذ بداية العدوان، كانت في محافظة عدن، في سبتمر العام الماضي.

حقد وغباء
وإذا ما عرجنا إلى توضيح الحقد والغباء الذي يتسم به العدو، فسنجد أن وسائل إعلام العدو منذ بداية انتشار المرض في اليمن العام الماضي، لم تتطرق مطلقاً لانتشاره في المدن الواقعة تحت سيطرة مرتزقته، فعلاوة على تسجيل أول حالة إصابة بالكوليرا في محافظة عدن، فإن مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة العصابات شهدت ظهور عشرات الحالات المرضية بالكوليرا، غير أن وسائل إعلام العدو تسترت عليها ولم تحرك ساكناً، في حين تشير التوقعات إلى أن مدينة تعز تشهد وضعاً أمنياً وصحياً مؤسفاً في ظل سيطرة العصابات التي حولت المدارس والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية، ففي كل رصيف بالمدينة جريمة، وتحت كل حجر وباء وكارثة صحية ستنفجر فجأة يوماً ما.

أمر طبيعي
وبالرغم من أن صنعاء تشكل 34% من نسبة الإصابة بالكوليرا، إلا أن هذه النسبة قد تبدو طبيعية وبديهية إذا ما نظرنا لجملة من الوقائع، فبعيداً عن الحصار الاقتصادي والمستشفيات والمراكز الطبية التي دمرها طيران العدوان السعودي في كل أرجاء البلاد، فإن العاصمة صنعاء استقبلت أكثر من 7 ملايين نازح من مختلف المحافظات اليمنية، وهو ما يعني أن زيادة انتشار الأمراض والا;وبئة أمر طبيعي، وذلك لا;سباب كثيرة، منها زيادة المخلفات وتدني المستوى المعيشي للنازحين وغيرها، وهو ما حدث ويحدث في أية دولة تشهد حرباً شاملة.

استهداف الجبهة الشعبية
إذا ما دققنا جيداً في هذه الحقائق وما يناقضها في وسائل إعلام العدو، فإن ترويج الأخيرة على أن نسبة انتشار المرض تزداد في محافظة صعدة والعاصمة صنعاء بالذات، الواضح منه ـ حسب تأكيدات المتابعين والمراقبين ـ استهداف الجبهة الشعبية المقاومة في هاتين المحافظتين، علاوة على ذلك فإن آخرين يرون أن العدو بجانب ترويجه للوباء في المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش واللجان لاشغال الأخيرة عن المواجهة الوطنية الحقيقية، فإن العدو يسعى في الوقت نفسه لاستهداف حكومة لانقاذ الوطني، وتوظيف كل ما نثرته إفرازات العدو القذرة كأعباء يمكن لها أن تقف عائقاً أمام القوى الوطنية، وهي بالتأكيد محاولة فاشلة وغبية. 

سلاح بيولوجي
بعيداً عن تلك الا;رقام والإحصائيات والواقع والشواهد التي تؤكد أن وباء الكوليرا في اليمن إحدى نتائج العدوان الا;مريكي السعودي الهمجي الحاقد، فإن الكثيرين من المراقبين الدوليين لا يستبعدون تورط العدو بانتشارها بشكل مباشر، مشيرين إلى أن الفشل العسكري الذريع الذي لحق بتحالف العدوان في اليمن طيلة أكثر من عامين جعلهم يلجؤون لا;ساليب أخرى لاحداث أي ارتباك في لحمة الشعب اليمني المقاوم.
وإذا ما أخذنا هذا الطرح على سبيل الفرضية، إلا أنها لا يمكن أن تكون بعيدة عما يمارسه التحالف الدولي للعدوان الذي تقوده أمريكا بغطاء سعودي من جرائم وحشية في اليمن بحكم الا;دلة والشواهد.
إن استخدام الأسلحة البيولوجية في الحروب ليس بالجديد، فقد استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها السابقة، فعلاوة على الجمرة الخبيثة التي استخدمها الا;مريكيون في الحرب العالمية الثانية، استخدمت القوات الأمريكية الفئران لأكل المحاصيل الزراعية في كوبا، كما أثبتت الأجهزة الاستخباراتية العراقية في 2007، بناء على تقارير طبية لمنظمات دولية، أن القوات الأمريكية لوثت مصادر مياه الشرب في مدينة الموصل وبغداد ببكتيريا الكوليرا، وهو ما صنعه الا;مريكيون بنفس الطريقة في فيتنام.  

كورونا
إذا ما سلمنا بخطورة ما تروج له وسائل إعلام العدو السعودية عن الكوليرا في اليمن، فإن الا;جدر بها أن تحذر الشعب السعودي من خطورة فيروس (كورونا) الذي يجتاح المدن السعودية الواحدة تلو الأخرى، فيروس كورونا الذي تم اكتشافه لأول مرة في مدينة جدة السعودية في نوفمبر 2012، ووصفته منظمة الصحة العالمية من أخطر الفيروسات فتكاً نظراً لتسببه بالعدوى بسرعة كبيرة، ولكن رغم ذلك فإن السلطات السعودية غيبته من المشهد وأخفت الأرقام الحقيقية لعدد المصابين، وقللت من شأنه. وبالرغم من أن وزارة الصحة السعودية قالت إنها قضت على الفيروس في يونيو 2014م، إلا أن تقارير منظمة الصحة العالمية أكدت قبل شهر أن أكثر من 20 مواطناً سعودياً أصيبوا بفيروس كورونا في المحافظات الشرقية.
ويرى بعض المحللين أن هذا الأمر يؤكد التناقض الواضح في طريقة تناول لاعلام السعودي لانتشار الكوليرا في اليمن، التي لا تشكل خطورة كبيرة إذا ما تمت مقارنتها بفيروس كورونا المدمر، وهو ما يعزز من اA269;راء التي تؤكد أن ترويج وسائل إعلام العدو السعودي لوباء الكوليرا والتهويل من انتشاره، إنما من أجل توظيفه كسلاح ضمن الحرب النفسية ضد الشعب اليمني.

منظمات مصرفية
وأمام ذلك يقف العالم المتآمر برمته متفرجاً إزاء كل ما يحدث من جرائم وحشية ضد الشعب اليمني، وبالحد الا;قصى تذهب المنظمات الدولية للحديث عن كارثة صحية تهدد حياة اليمنيين، ونسمع عن تقارير تعدها وكالات Cia تحكي عن آلاف الناس المصابين بالكوليرا في اليمن، بينما لا تتحدث عن سبب انتشار تلك الأمراض، وبأسلوب وقح تذهب الأمم المتحدة لجمع ملايين الدولارات لانقاذ اليمن حد تعبيرها، بينما لا تطالب بوقف العدوان وفك الحصار، ليس ذلك فحسب، بل إن ملايين الدولارات التي يتم جمعها باسم حملات إغاثية لليمن لا يصل منها 1%، وعلى سبيل المثال فإن الـ55 مليون دولار التي طالبت الا;مم بجمعها قبل شهرين لمواجهة وباء الكوليرا في اليمن، ذهبت مع الريح، ولا أحد يعرف أين تبخرت!

هزيمة الوباء
وبعيداً عن مؤامرات العدو وتواطؤ وتخاذل العالم، وبالرغم من الحصار الاقتصادي الخانق ومنع وصول الغذاء والدواء، يتصدى اليمنيون بكل حزم للكوليرا، ومثلما واجهت البندقية اليمنية أسلحة العالم وهزمتها، واجه الشعب اليمني وباء الكوليرا بكل حزم واقتدار.
وبالرغم من أن هناك مشاكل تواجه القوى الوطنية، منها شحة في الا;دوية بفعل الحصار الخانق الذي تفرضه دول العدوان على البلد، وقلة في المراكز والمرافق الصحية المؤهلة للتطبيب بعد أن دمر طيران العدوان السعودي أغلبها، وبالرغم من كل هذه المشاكل التي تعد عائقاً كبيراً بالنسبة لا;ي بلد، إلا أنها ليست بتلك المهولة التي ستقف بين اليمنيين والكوليرا.
فبخلاف أن معالجة الكوليرا ليست بالا;مر المعقد، حيث يؤكد الأطباء سهولة معالجة الحالات المرضية عند اكتشافها، فإن الجهات الحكومية الصحية وبالرغم من كل العوائق استطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً في الحد من الوباء، وقد أكدت وزارة الصحة اليمنية، في بيان نشرته الا;سبوع الماضي، أن أكثر من 50 ألف حالة تعافت من المرض وغادروا المراكز العلاجية الخاصة، وهو إنجاز عظيم إذا ما تمت مقارنة عدد حالات الشفاء بالظروف التي يمر بها البلد. كما أن الحصر الدقيق للحالات المرضية وحالات الوفاة يعد إنجازاً آخر في ظرف غير اعتيادي، وهو ما يدل على مدى اهتمام الجهات الحكومية وما تقوم به في تقديم الاحتياجات اللازمة لمواجهة الوباء. 
هذه هي الصورة الحقيقية للصمود اليمني الأسطوري الذي رسمه اليمنيون بدمائهم من الشمال الى الجنوب، ومن الجبل والساحل، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، ضد العدو المتعجرف، على طريق الحرية والكرامة والأمن والاستقرار، كما أن التصدي الناجح لمحاولات العدو الفاشلة بنشر المخاوف عن طريق التهويل من الكوارث، هو نصر آخر يوازي انتصار البندقية.