لا تحلو ليالي الشهر الفضيل دون فرحة الصغار، وطقوسهم الخاصة باستقباله التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم من قديم الزمن. ليالي رمضان المفعمة بالذكر والروحانية، وطقوسه المشبعة بمعاني الصبر والتحدي، تبقى له نكهته ومذاقه عند الأطفال، تختلف عنها بالنسبة للكبار.. ويفسر الكثير من المهتمين سبب فقدان المرء حاسة تذوق خصوصية الشهر الفضيل، بتوديعه لمرحلة الطفولة.. عن طقوس الذكريات الرمضانية، الطفولية، ومشاغباتِ الصغار، وتقاليد تعودوا عليها، خاصة في مدينة صنعاء القديمة التي امتازت بخصوصية تاريخية وحضارية تذكرتها (لا) معهم، وقلّبت أوراقها المحمّلة بالشجن والذكريات الروحانية الجميلة..
خصوصية
أبرز ملامح خصوصية شهر رمضان للأطفال، تبدأ بالأجواء والاستعدادات والطقوس الخاصة التي يمارسونها استقبالاً للشهر الفضيل، وهي إلى جانب الاستعدادات الروحية والنفسية والذهنية التي تتعاظم في نفوسهم، تحفر لنفسها في الوجدان والذاكرة نكهة وذكريات خاصة يصعب طمسها.
وتبدأ التهيئة النفسية للأجواء الرمضانية لدى الأطفال في رسم ملامحها ومعالمها الخاصة بمخيلة وذهن الطفل، منذ فترة مبكرة تسبق قدوم رمضان بعدة أيام، وبمجرد أن يتناهى إلى مسامعه قرب حلول الشهر الكريم، من أحاديث الكبار عن الشهر، بما تحمله من خصوصية وتشويق وإثارة، وهي تدفع الطفل بحدود تفكيره المحدود وببراءة الطفولة، إلى رسم صورة جميلة للشهر الفضيل في مخيلته ونفسيته، لها نكهتها في عالمه الخاص.
غزو التكنولوجيا
وعن العاداتِ المتوارثة وطقوس رمضان الخاصة بالصغار، تؤكد أمة الرزاق يحيى جحاف (وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية) أن للأطفال في الموروث الثقافي الصنعاني الخاص بمدينة صنعاء القديمة موروثاً خاصاً بهم وطقوساً وعادات ظلوا يمارسونها حتى بدأوا يتخلون عنها تدريجياً بسبب الثقافة التكنولوجية التي غزت طفولتهم، وحرمتهم من ممارسة الكثير من ألعابهم، سواء تلك التي تعلموها من الآباء والأجداد، أو التي كانوا يخترعونها بأنفسهم وينمون بها مداركهم.. ومن تلك الطقوس والعادات والتقاليد ما هو خاص بعادات وتقاليد الأطفال في شهر رمضان المبارك.. تضيف جحاف: إن طقوس الاستعداد لدى الأطفال تبدأ من منتصف شهر شعبان، من خلال مجاميع الأطفال التي تجوب أحياء المدينة، وتردد أهازيج ترحيبية بمقدمه خلال فترة العصر، فإذا حل المساء فإنهم يشاركون آباءهم في ترديد موشحات من التراث اليمني، ترحب برمضان كشهر مميز.
فطور الأكواخ...!
عن تلك العادات الرائعة التي اختفت في عصرنا الراهن بسبب الغزو التكنولوجي على معظم تفاصيل الحياة، تسرد لنا جحاف ما رواه لها أحد كبار السن عن أحد الطقوس الجميلة التي اندثرت، حيث إنهم كانوا في طفولتهم يقومون - في الأيام الـ10 الأخيرة من شهر شعبان - ببناء أكواخ صغيرة من اللِّبن والحجارة، في صرحات الحارات، وذلك بمساعدة الآباء، ليستخدموها في شهر رمضان المبارك، وما إن يحين موعد تناول الإفطار حتى يخرج الأطفال من بيوتهم حاملين معهم ما أعدته لهم أمهاتهم أو أخواتهم من فطور، ويتوجهوا إلى هذه الأكواخ، ويتشاركوا في تناول ما جلبوه من المنازل بعيداً عن المساجد للمحافظة على نظافتها. فإذا انتهوا من تناول العشاء وأداء الصلاة برفقة ذويهم، عادوا إلى أكواخهم يلعبون حولها ويتسامرون ويحكون الحكايات. لكن هذه العادة الجميلة للأسف قد اندثرت منذ بداية الأربعينيات.
يا مسا جيت أمسي عندكم..
أما فترة المساء الرمضاني، والتي تبدأ بعد انتهائهم من صلاة العصر، حيث يستمر تواجدهم في الجامع الكبير فيتحلقون حلقات متعددة من البنات والأولاد حول مدرسيهم في (صوح) الجامع، يتعلمون القراءة وفقاً للطريقة البغدادية، في منظر جميل ومؤثر، وهي العادة الجميلة التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا..
تضيف جحاف: ما إن تبدأ العشر الأواخر من رمضان حتى يبدأ الأطفال في أداء عادة جميلة يطلق عليها في صنعاء اسم (التمسية)، حيث يتجمع الأطفال من كل حارة، ويبدؤون في الطواف بالبيوت والتوقف أمام أبوابها، وهم يرددون أبياتاً معينة بأصواتهم العذبة وبلحن جميل، من كلماتها:
يا مسا جيت أمسي عندكم
يا مسا واسعد الله المساء
يا مسا عندكم شم البخور
يا مسا ريحة القهوة تفور
يا مسا جيت أمسي من يريم
يا مسا بالغرارة والشريم
يا مسا ضيفوني بالنبات
يا مسا نقسمه بين البنات
يا مسا والله ماشتي إلا ريال
يا مسا نقسمه بين العيال
حتى آخر الشهر
تضيف جحاف أن ضمن عادة (التمسية)، حين يسمع أصحاب المنزل الأطفال، فلا بد أن يستجيبوا لهم، فينزل صاحب البيت لاستقبالهم، مرحباً بهم، ثم يقدم لهم الحلويات والكعك وما تيسر من النقود، فيردد الأطفال أبياتاً خاصة بمدح صاحب البيت وتقديم الشكر له.
أما إذا كان صاحب البيت بخيلاً أو غير مبالٍ، فإنهم يرددون أبياتاً فكاهية تحتوي على كلمات تسخر منه وتهزأ ببخله. وتستمر عادة (التمسية) حتى ليلة الـ27 من شهر رمضان.
وظلت هذه العادة الجميلة حتى منتصف الستينيات، ثم بدأت تتوارى تدريجياً حتى انتهت تماماً، رغم جمالها ودورها التربوي الهام الذي كان يسهم في بناء شخصية الطفل الاجتماعية.
أما في عصرنا الحاضر، فقد أصبح تواجد الأطفال في الحارات أثناء شهر رمضان نادراً، خاصة في الأحياء الحديثة.
جماليات اندثرت
عن واقع الاستعدادات التي عادة ما تجري لشهر رمضان على المستوى الاجتماعي أو المحيط الأسري والعائلي، تتحدث جلنار نعمان (موظفة): هذه الصورة الجمالية التي تكونت لشهر رمضان في نفوس الأطفال تزداد وضوحاً وجمالاً بمشاركتهم وإشراكهم في مختلف تفاصيلها، ويبرز منها مراسم الترحيب والتكبير لرمضان، بداية من استقبال هلال رمضان على وقع الدق على الدفوف وزفة الهلال على نحو: هل هلالك يا رمضان شهر مبارك.. أهلاً رمضان، ويا رمضان يا بو الحماحم وإدي لأبي دغشة دراهم.. وغيرها من الأهازيج الجميلة.. تستدرك جلنار: لكن الملاحظ حسب واقع الحال أن مثل هذه المظاهر بدأت تختفي وتتلاشى بمرور الزمن، وبات الكثير يفتقدها في الأحياء، وخاصة أحياء مدينة صنعاء القديمة، وكذا الزينات الرمضانية التي يتسابق الأطفال على المشاركة في صنعها، ويتنافسون في ما بينهم على أن يكون شارعهم يضم أفضل الزينات وأجمل الفوانيس والأضواء والإنارة التي يصنعها الأطفال من الخشب والجلد الملون، ويمارسون على أضوائها الكثير من الألعاب الشعبية بصورة جماعية حتى ساعات متأخرة من الليل، قبل أن تبدأ في التلاشي والاختفاء.
الاستغماية
إلى جانب (التمسية) العادة التي حل مكانها العالم التكنولوجي ومسلسلات الأطفال، لعبة (الغماء) أو (الاستغماية).. و(الوقل) وهي عبارة عن رسم مربعات على سطح الأرض يتقفز عليها الأطفال، و(الطنج) (لعبة تقارب لعبة الشطرنج)، و(الشوال) لعبة القفز على حبل، وغيرها... ذلك ما تحدثت عنه ابنة صنعاء القديمة إشراق الحنبصي (موظفة)، وتضيف: أيضاً الكثير من الأسر تحرص مع حلول الشهر الفضيل على تهيئة الأبناء وكل أفراد الأسرة في استقبال رمضان عبر الكثير من العادات، منها ترتيب لقاء، أو احتفالية خاصة تسمى (يا نفس ما تشتي) التي تبشر بقدوم رمضان.
جائزة للصائم الصغير
وتتفق الكثير من الأسر على منح جوائز معينة لكل من التزم بصيامه الخاص به كجانب تحفيزي يشجع ويهيئ الأطفال نفسياً على الصيام واستقبال رمضان بنفس الكيفية، بالإضافة إلى الحرص على اصطحاب الأطفال إلى المساجد ودور العبادة وممارسة العبادات وطاعة الله عز وجل..
فهناك وسائل تقليدية تحث وتشجع الأطفال على الصيام، ومما تحتفظ به الذاكرة الشعبية من أقوال وكلمات وحكم وعبارات، تردد على مسامع الأطفال بصيغ وأساليب مختلفة، ومنها ما يقال في الغالب للأطفال من قبيل المزاح أو الدعابة، وبما يحببهم في رمضان، ويسهم في تقبلهم لمثل هذه الأقوال بالابتسامة والتفكير، ومنها ما يقال بما معناه: أن رمضان جاء، وهو يضحك على من يأكل أو يفطر فيه.. وأن على الصغار أن يتخفوا عند الشعور بالجوع والحاجة إلى الأكل في نهار رمضان.
وهناك بدائل عصرية لألعاب الصوم وغيرها التي تسلي الأطفال وتنسيهم آلام الجوع، خاصة عند اقتراب وقت المغرب، ومنها ألعاب الكمبيوتر الهادفة ومشاهدة برامج ومسلسلات الأطفال المسلية .
أما عن طرق تدريب الأطفال على الصوم، فتتمثل في صوم اليوم كله لمن استطاع في أواخر شهر شعبان، وصوم جزء من اليوم، والصوم عن بعض أصناف الطعام (صيام المكرونة ـ صيام اللحمة ـ صيام السمك)، الصوم عن بعض الحلوى (صوم الشوكولاته)، كذلك صومه عن بعض الألعاب كـــ(صوم الكمبيوتر ـ صوم البلاي ستيشن) وغيرها.
آخر الأوراق..
تلك لمحة مختصرة لما تمتاز به مدينة صنعاء القديمة، والتي قد لا تختلف عنها كثيراً بقية مناطق اليمن.. ومن الطريف أن الصغار يرددون أيضاً: يا رمضان صوفي صوفي حول لي بمصـروفي.. الصائم صائم لربه والفاطر فطروا قلبه، كلها أهازيج طفولية رمضانية تحمل الكثير من البراءة، والتي غالباً ما تحمل تهكماً لمن لا يلبون رغباتهم حسب تقاليد أصيلة اندثرت بسبب دخول التكنولوجيا إلى تفاصيل الحياة اليومية، والتي تحتاج إلى إعادة إحيائها كبصمةٍ جميلة تميّزت بها مدينة تاريخية عريقة ذات خصوصية عربية أصيلة.
خصوصية
أبرز ملامح خصوصية شهر رمضان للأطفال، تبدأ بالأجواء والاستعدادات والطقوس الخاصة التي يمارسونها استقبالاً للشهر الفضيل، وهي إلى جانب الاستعدادات الروحية والنفسية والذهنية التي تتعاظم في نفوسهم، تحفر لنفسها في الوجدان والذاكرة نكهة وذكريات خاصة يصعب طمسها.
وتبدأ التهيئة النفسية للأجواء الرمضانية لدى الأطفال في رسم ملامحها ومعالمها الخاصة بمخيلة وذهن الطفل، منذ فترة مبكرة تسبق قدوم رمضان بعدة أيام، وبمجرد أن يتناهى إلى مسامعه قرب حلول الشهر الكريم، من أحاديث الكبار عن الشهر، بما تحمله من خصوصية وتشويق وإثارة، وهي تدفع الطفل بحدود تفكيره المحدود وببراءة الطفولة، إلى رسم صورة جميلة للشهر الفضيل في مخيلته ونفسيته، لها نكهتها في عالمه الخاص.
غزو التكنولوجيا
وعن العاداتِ المتوارثة وطقوس رمضان الخاصة بالصغار، تؤكد أمة الرزاق يحيى جحاف (وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية) أن للأطفال في الموروث الثقافي الصنعاني الخاص بمدينة صنعاء القديمة موروثاً خاصاً بهم وطقوساً وعادات ظلوا يمارسونها حتى بدأوا يتخلون عنها تدريجياً بسبب الثقافة التكنولوجية التي غزت طفولتهم، وحرمتهم من ممارسة الكثير من ألعابهم، سواء تلك التي تعلموها من الآباء والأجداد، أو التي كانوا يخترعونها بأنفسهم وينمون بها مداركهم.. ومن تلك الطقوس والعادات والتقاليد ما هو خاص بعادات وتقاليد الأطفال في شهر رمضان المبارك.. تضيف جحاف: إن طقوس الاستعداد لدى الأطفال تبدأ من منتصف شهر شعبان، من خلال مجاميع الأطفال التي تجوب أحياء المدينة، وتردد أهازيج ترحيبية بمقدمه خلال فترة العصر، فإذا حل المساء فإنهم يشاركون آباءهم في ترديد موشحات من التراث اليمني، ترحب برمضان كشهر مميز.
فطور الأكواخ...!
عن تلك العادات الرائعة التي اختفت في عصرنا الراهن بسبب الغزو التكنولوجي على معظم تفاصيل الحياة، تسرد لنا جحاف ما رواه لها أحد كبار السن عن أحد الطقوس الجميلة التي اندثرت، حيث إنهم كانوا في طفولتهم يقومون - في الأيام الـ10 الأخيرة من شهر شعبان - ببناء أكواخ صغيرة من اللِّبن والحجارة، في صرحات الحارات، وذلك بمساعدة الآباء، ليستخدموها في شهر رمضان المبارك، وما إن يحين موعد تناول الإفطار حتى يخرج الأطفال من بيوتهم حاملين معهم ما أعدته لهم أمهاتهم أو أخواتهم من فطور، ويتوجهوا إلى هذه الأكواخ، ويتشاركوا في تناول ما جلبوه من المنازل بعيداً عن المساجد للمحافظة على نظافتها. فإذا انتهوا من تناول العشاء وأداء الصلاة برفقة ذويهم، عادوا إلى أكواخهم يلعبون حولها ويتسامرون ويحكون الحكايات. لكن هذه العادة الجميلة للأسف قد اندثرت منذ بداية الأربعينيات.
يا مسا جيت أمسي عندكم..
أما فترة المساء الرمضاني، والتي تبدأ بعد انتهائهم من صلاة العصر، حيث يستمر تواجدهم في الجامع الكبير فيتحلقون حلقات متعددة من البنات والأولاد حول مدرسيهم في (صوح) الجامع، يتعلمون القراءة وفقاً للطريقة البغدادية، في منظر جميل ومؤثر، وهي العادة الجميلة التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا..
تضيف جحاف: ما إن تبدأ العشر الأواخر من رمضان حتى يبدأ الأطفال في أداء عادة جميلة يطلق عليها في صنعاء اسم (التمسية)، حيث يتجمع الأطفال من كل حارة، ويبدؤون في الطواف بالبيوت والتوقف أمام أبوابها، وهم يرددون أبياتاً معينة بأصواتهم العذبة وبلحن جميل، من كلماتها:
يا مسا جيت أمسي عندكم
يا مسا واسعد الله المساء
يا مسا عندكم شم البخور
يا مسا ريحة القهوة تفور
يا مسا جيت أمسي من يريم
يا مسا بالغرارة والشريم
يا مسا ضيفوني بالنبات
يا مسا نقسمه بين البنات
يا مسا والله ماشتي إلا ريال
يا مسا نقسمه بين العيال
حتى آخر الشهر
تضيف جحاف أن ضمن عادة (التمسية)، حين يسمع أصحاب المنزل الأطفال، فلا بد أن يستجيبوا لهم، فينزل صاحب البيت لاستقبالهم، مرحباً بهم، ثم يقدم لهم الحلويات والكعك وما تيسر من النقود، فيردد الأطفال أبياتاً خاصة بمدح صاحب البيت وتقديم الشكر له.
أما إذا كان صاحب البيت بخيلاً أو غير مبالٍ، فإنهم يرددون أبياتاً فكاهية تحتوي على كلمات تسخر منه وتهزأ ببخله. وتستمر عادة (التمسية) حتى ليلة الـ27 من شهر رمضان.
وظلت هذه العادة الجميلة حتى منتصف الستينيات، ثم بدأت تتوارى تدريجياً حتى انتهت تماماً، رغم جمالها ودورها التربوي الهام الذي كان يسهم في بناء شخصية الطفل الاجتماعية.
أما في عصرنا الحاضر، فقد أصبح تواجد الأطفال في الحارات أثناء شهر رمضان نادراً، خاصة في الأحياء الحديثة.
جماليات اندثرت
عن واقع الاستعدادات التي عادة ما تجري لشهر رمضان على المستوى الاجتماعي أو المحيط الأسري والعائلي، تتحدث جلنار نعمان (موظفة): هذه الصورة الجمالية التي تكونت لشهر رمضان في نفوس الأطفال تزداد وضوحاً وجمالاً بمشاركتهم وإشراكهم في مختلف تفاصيلها، ويبرز منها مراسم الترحيب والتكبير لرمضان، بداية من استقبال هلال رمضان على وقع الدق على الدفوف وزفة الهلال على نحو: هل هلالك يا رمضان شهر مبارك.. أهلاً رمضان، ويا رمضان يا بو الحماحم وإدي لأبي دغشة دراهم.. وغيرها من الأهازيج الجميلة.. تستدرك جلنار: لكن الملاحظ حسب واقع الحال أن مثل هذه المظاهر بدأت تختفي وتتلاشى بمرور الزمن، وبات الكثير يفتقدها في الأحياء، وخاصة أحياء مدينة صنعاء القديمة، وكذا الزينات الرمضانية التي يتسابق الأطفال على المشاركة في صنعها، ويتنافسون في ما بينهم على أن يكون شارعهم يضم أفضل الزينات وأجمل الفوانيس والأضواء والإنارة التي يصنعها الأطفال من الخشب والجلد الملون، ويمارسون على أضوائها الكثير من الألعاب الشعبية بصورة جماعية حتى ساعات متأخرة من الليل، قبل أن تبدأ في التلاشي والاختفاء.
الاستغماية
إلى جانب (التمسية) العادة التي حل مكانها العالم التكنولوجي ومسلسلات الأطفال، لعبة (الغماء) أو (الاستغماية).. و(الوقل) وهي عبارة عن رسم مربعات على سطح الأرض يتقفز عليها الأطفال، و(الطنج) (لعبة تقارب لعبة الشطرنج)، و(الشوال) لعبة القفز على حبل، وغيرها... ذلك ما تحدثت عنه ابنة صنعاء القديمة إشراق الحنبصي (موظفة)، وتضيف: أيضاً الكثير من الأسر تحرص مع حلول الشهر الفضيل على تهيئة الأبناء وكل أفراد الأسرة في استقبال رمضان عبر الكثير من العادات، منها ترتيب لقاء، أو احتفالية خاصة تسمى (يا نفس ما تشتي) التي تبشر بقدوم رمضان.
جائزة للصائم الصغير
وتتفق الكثير من الأسر على منح جوائز معينة لكل من التزم بصيامه الخاص به كجانب تحفيزي يشجع ويهيئ الأطفال نفسياً على الصيام واستقبال رمضان بنفس الكيفية، بالإضافة إلى الحرص على اصطحاب الأطفال إلى المساجد ودور العبادة وممارسة العبادات وطاعة الله عز وجل..
فهناك وسائل تقليدية تحث وتشجع الأطفال على الصيام، ومما تحتفظ به الذاكرة الشعبية من أقوال وكلمات وحكم وعبارات، تردد على مسامع الأطفال بصيغ وأساليب مختلفة، ومنها ما يقال في الغالب للأطفال من قبيل المزاح أو الدعابة، وبما يحببهم في رمضان، ويسهم في تقبلهم لمثل هذه الأقوال بالابتسامة والتفكير، ومنها ما يقال بما معناه: أن رمضان جاء، وهو يضحك على من يأكل أو يفطر فيه.. وأن على الصغار أن يتخفوا عند الشعور بالجوع والحاجة إلى الأكل في نهار رمضان.
وهناك بدائل عصرية لألعاب الصوم وغيرها التي تسلي الأطفال وتنسيهم آلام الجوع، خاصة عند اقتراب وقت المغرب، ومنها ألعاب الكمبيوتر الهادفة ومشاهدة برامج ومسلسلات الأطفال المسلية .
أما عن طرق تدريب الأطفال على الصوم، فتتمثل في صوم اليوم كله لمن استطاع في أواخر شهر شعبان، وصوم جزء من اليوم، والصوم عن بعض أصناف الطعام (صيام المكرونة ـ صيام اللحمة ـ صيام السمك)، الصوم عن بعض الحلوى (صوم الشوكولاته)، كذلك صومه عن بعض الألعاب كـــ(صوم الكمبيوتر ـ صوم البلاي ستيشن) وغيرها.
آخر الأوراق..
تلك لمحة مختصرة لما تمتاز به مدينة صنعاء القديمة، والتي قد لا تختلف عنها كثيراً بقية مناطق اليمن.. ومن الطريف أن الصغار يرددون أيضاً: يا رمضان صوفي صوفي حول لي بمصـروفي.. الصائم صائم لربه والفاطر فطروا قلبه، كلها أهازيج طفولية رمضانية تحمل الكثير من البراءة، والتي غالباً ما تحمل تهكماً لمن لا يلبون رغباتهم حسب تقاليد أصيلة اندثرت بسبب دخول التكنولوجيا إلى تفاصيل الحياة اليومية، والتي تحتاج إلى إعادة إحيائها كبصمةٍ جميلة تميّزت بها مدينة تاريخية عريقة ذات خصوصية عربية أصيلة.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا