قطة تحالف العدوان السعودي الأمريكي تلتهم صغارها
نيــران صديقــة..


(نيران صديقة).. هل سبق ومرت على أسماعكم هذه الجملة الوجيزة؟ إنها الجملة التي تخفي وراءها حقائق مذهلة، إنها النيران التي تمحي من سجل الخدمة بيادق وأرجوزات وعملاء... استنفذوا دورهم وبالتالي حياتهم، وهي أيضاً طريقة لإنهاء إحدى الملفات المتوجب إنهاؤها طبقاً لما تقول به مصلحة قابض الزناد. ولسنا هنا ننفي بالمطلق أن توجد (نيران صديقة) حقاً، إلا أنها في قاموس العدو، وبمقدمته أمريكا، ليست كذلك في معظم الحالات.
ترددت طيلة عشرة أشهر من العدوان على اليمن جملة (نيران صديقة) في صفوف العدوان نفسه، وهي إذ تفسر نفسها في هذا السياق بأنها (خطأ) أصاب فيه الطيران المعادي بيادقه في الأسفل، لكن هل الأقمار الاصطناعية والعدسات الراصدة بمختلف التقنيات وطيران التجسس (بدون طيران)...إلخ، (يخطئ) عشرات المرات؟!! علماً أن أجهزة الرصد الحديثة المحشوة في التقانة الأمريكية تستطيع تحديد عشرات الأهداف بدقة خلال ثواني، علاوةً لكون الضربات الجوية تنفذ بناءً على معلومات دقيقة تقوم عليها وحدات اتصال في الميدان يديرها خبراء دوليون ومجهزة بتقانة تكنولوجية حديثة. وتناولنا لها هنا ليس على سبيل الحصر، بل تناول أبرز هذه الـ(أخطاء).
(الخطأ) المزعم على الدوام بلسان تحالف العدوان، حدث أخيراً ليل الأربعاء الماضي في منطقة المخدرة بمحافظة مأرب سقط فيه العشرات بين قتيل وجريح، وكان اللافت في هذه العملية أن الضربة الجوية لطيران العدوان وقعت على المرتزقة خلال انكسارهم في المعارك أمام قوات الجيش واللجان الشعبية.
(أخطاء) أخرى سبق وحدثت في محافظة مأرب وخلال واقع مماثل، ففي أربعة أيام (2-5 نوفمبر 2015) من المعارك التي دارت بين قوات العدوان من جهة والجيش واللجان الشعبية من جهة مقابلة استمر تراجع قوات العدوان شمال منطقة كوفل بمأرب، لتقوم الطائرات في تلك الأثناء بشن عدة غارات على المرتزقة موقعةً في صفوفهم قتلى وجرحى ودمرت آليتين عسكريتين.
وسبق هذا (الخطأ) مماثل له مساء الخميس 17 سبتمبر 2015م، إذ قصف العدوان بالطيران قواته في منطقة (ملعا) بمديرية (حريب) مأرب المحادة لمحافظة شبوة جنوب شرق البلاد، وبحسب ما قالته مصادر قبلية من (ملعا) لوسائل الإعلام إن الغارات قتلت قرابة الـ 30 وجرحت 55 آخرين واحرقت طقمين عسكريين، موضحةً أن القتلى «ينتمون» لقبائل مراد وتحديداً من بني سيف.
مراقبون ومحللون سياسيون وعسكريون قالوا إن العدوان السعودي الأمريكي في هذه الضربات الجوية التي استهدف بها أكثر من مرة قواته في الميدان يقوم بـ (تأديب جماعي) على هزائمهم وتراجعهم، وهو يعطي رسالة واضحة لقواته المرتزقة مفادها أنه سيعاقب الذين يفرون في المعارك أمام قوات الجيش واللجان الشعبية.
هذا النوع من (الخطأ) يشبه استهداف البارجة الأمريكية (ليبرتي) عام 67م من قبل إسرائيل قبالة السواحل المصرية بطوربيدات وغارات من الجو إبان حرب (الأيام الستة)، وأغلق ملف البارجة سريعاً من قبل الإدارة الأمريكة في ظروف غامضة تحت مبرر (نيران صديقة) أخطأت التمييز بأنها بارجة أمريكية، لتكشف بعد ذلك بسنوات بأن بعض أعضاء الطاقم شاهد تصفية جماعية لأسرى مصريين خلف المنارة في الأسكندرية كانت السبب وراء العملية.
الغارات على بيادق العدوان طيلة العشرة الأشهر الماضية قتل وجرح فيها ما يزيد عن 3 آلاف بيدق، ففي الثامن من يوليو العام المنصرم وحده قتل طيران العدوان 82 جندياً وجرح 150 آخرين في عدة غاراتٍ أمطر بها محافظة حضرموت وتحديداً منطقة العبر معسكري اللواء 21 ميكا واللواء 23 ميكا المنشقين إلى صفوف العدوان، وكان من بين القتلى ضابط يحمل رتبة عقيد يدعى (جميل سنهوب) وعدد من الضباط الآخرين ذوي رتب مختلفة.
في تلك الأثناء كانت جماعات القاعدة تزحف تدريجياً على محافظة حضرموت، تقضمها تتالياً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وتحالف العدوان دون تحريك ساكن، وكانت تلك العملية في إطار إفساح المجال أمام القاعدة وداعش لاستكمال استباحة حضرموت، كما وتأتي في إطار صفقة خليجية أمريكية مع مشيخات وتجار حضرموت بالتخلص من أي وجود عسكري يمني في المحافظة تمهيداً لسلخها عن الجسد الوطني في ما سمي بمشروع (الإقليم الشرقي) أو (حضرموت الكبرى).
هذه (النيران الصديقة) قوبلت من قبل الفار هادي وحاشيته في الرياض برد فعل كان مضمونه (فتح ملف تحقيق) بدأ تلك الآونة ولم ينته حتى اللحظة ولن ينتهي، فما أكثرها ملفات التحقيق التي فتحها الفار هادي وقادته إزاء هذه العمليات الممنهجة التي تشابه كثير في التاريخ المعاصر. واكتفت حكومة الفار هادي الرياض برسالة عزاء لأسر القتلى ومواساة شفهية ومزيداً من التأكيد على ضرورة (التضحية) لأجل مشروعية العدوان وتابعيه والاستمرار بالانتحار.
الغارات على معسكري اللواء 21 ميكا و23 ميكا بحضرموت لا تختلف والاستراتيجية الأمريكية التي تستخدمها لاحتلال البلدان كما فعلت مع أفغانستان والعراق واليمن، ففي أفغانستان صنعت جماعة القاعدة ومولتها ووسعت رقعة سيطرتها، أولاً في مواجهة الاتحاد السوفييتي ثم لبناء قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بذريعة مواجهة الجماعة. العمليتان اللاحقتان الأبرز هما تدمير أبراج التجارة العالمي عام 2001م بنيويورك وتدمير البارجة الأمريكية (يو إس إس كول) في ميناء عدن عام 2000م التي تبنتها القاعدة. وبحسب ما كشفه ضباط سابقون في أجهزة المخابرات الأمريكية منهم ضابطة الاتصال (سوزان لينداوز) والمستشار الاقتصادي (جون بريكنز)، إن الإدارة الأمريكية هي المسؤولة عن العمليتين التي صنعتهما كمبرر لإعطائها موضع قدمين في البلدان، فالإدارة الأمريكية حمَّلت العراق المسئولية واحتلتها في العام 2003م، بينما اليمن حسبما ذكر تصريح الرئيس السابق صالح في العام 2005م أن أمريكا أرادت احتلال عدن لكن القضية انتهت دبلوماسيا، وقد سبق وحاولت حوامات عسكرية أمريكية عقب عملية التدمير الهبوط في ميناء عدن منعها الجيش اليمني وأنذر بإسقاطها.
جحيم (النيران الصديقة) لم يقتصر على محافظتي مأرب وحضرموت، ففي محافظات تعز وأبين ولحج والضالع وشبوة طالت هذه النيران المئات من قوات العدوان قتلوا وجرحوا في ظروف مختلفة.
تعز وتحديداً منطقتا الشقب والموادم التابعتان لجبل صبر قتل فيهما من صفوف مرتزقة العدوان جراء الغارات حوالي 150 فرداً وجرح 220 آخرين في نوفمبر وديسمبر  العام الفائت بحسب ما نقلته مواقع إخبارية تابعة للعدوان كـ (العربي الجديد).
طيران العدوان استهدف كذلك مواقع لمرتزقته في الأحيوق التابعة لمديرية الوازعية بتاريخ 17 أكتوبر سقط فيها عشرات القتلى والجرحى. أما رد الفعل من تحالف العدوان فقد قال بأنها غارات نفذت بـ (الخطأ) مجدداً. وهو الأمر ذاته مع غارة قتلت 20 آخرين صبيحة الـ 16 من نوفمبر المنصرم في المنطقة نفسها.
هكذا دواليك يواصل العدوان السعودي الأمريكي سكب شلال الدماء دون مبالاة، ولا يوجد هنا من لا تعتصره الحسرة على أبناء بلده الذين تمكن العدوان بأمواله وخساسته من ارتزاقهم تحت ظروف مختلفة كالفقر والتضليل القاتلين، رامياً بهم في طاحونة الموت بلا حساب، طوابير طويلة تواجه حتفها في الخنادق المعادية للبلد لا معها، وهنا المحنة الأعظم.
وهكذا في مساء يوم الا ثنين الخامس من أكتوبر 2015م أغار طيران العدوان السعودي الأمريكي على المجموعات الموالية للرياض في عقبة ثرة بمحافظة أبين، طحنت فيها صواريخ العدوان 44 مقاتلاً ترك معظمهم لرحمة الطبيعة لا أكثر.
 مسلحو الحراك الجنوبي كانوا أكثر من سحقتهم طائرات العدوان الذي يدينون له الولاء وسواطير الإبادة على الأرض من القاعدة وداعش، فيما كان رد فعل قيادة الحراك (تحديداً فصائل المقاومة الجنوبية) مثيراً للسخرية والإزدراء في آن واحد، إذ أعلن عن بيان تجاه مقتل 60 من مسلحيه في غارة لطيران العدوان بمنطقة (البلة) في محافظة لحج جنوب البلاد عصر يوم الإثنين 27 يوليو، قالت فيه أنها فتحت تحقيقياً لـ (معرفة هوية الطائرة)! وهو ما ظلت تكرره وسائل إعلام العدوان كـ (الحدث وBBC) بكون الفاعل (طائرات مجهولة)! متعامين عن كون الأجواء اليمنية بالكامل تحت سيطرة الطيران الحربي للعدوان فقط. فيما ضجت أوساط صحفية وإعلامية تلك الآونة أن تصريحات الحراك عبارة عن (استهزاء مقيت واسترخاص) لدماء الذين يقاتلون في صفوفهم.
المشهد ذاته تكرر عدد من المرات في محافظة الضالع سواء على معسكرات قادتها ضمن فصائل الحراك الجنوبي كـ (جواس) أو على مواقع يتمركز فيها المرتزقة، وكانت أبرزها غارات منتصف ليل الأحد 17 يناير من العام الجاري على (تجمع للمسلحين والآليات) في قرية (المعصر) بمحافظة الضالع، سقط فيها ما يزيد عن 100 قتيل وجريح.
هدايا أمريكا
على بعد مئات الكيلو مترات براً أو بحراً، يحلق قناص الـ (F16) مشتهياً فريسة، وفي الناحية المقابلة يقف بعضهم ينتظرون مساندته وهباته المتطايرة لهم بتهليل واستلذاذ استباحة الوطن، لاهثين خلف أزيز الطائرات أمام الزئير الوطني، ظنوا بقناصهم أنه منجيهم، إلا إن القناص كان على العكس من الأمل الذي ركبهم إذ سارع وذبحهم، رمى موته على خنادقهم بدلاً عن خنادق ومساحات الخصم، أي نحن. 
في 20 يونيو 2015م حلق طيران العدوان السعودي على محافظة لحج، وكانت المهمة هذه المرة هي إنزال جوي يحوي أسلحة وذخائر لمرتزقة إحدى فصائل الحراك الموالية للعدوان التي وقفت تنتظر الموعد في (وادي الرجاع) بطور الباحة، إلا إن الموعد كان الموت بدلاً عن المؤن، فقد أنزل الطيران صواريخ فتكت بـ 12 مرتزقاً بينهم قيادات عسكرية أبرزها، العقيد ركن محمد هاشم الصبيحي والملازم محمد أحمد الهابون.
ما يسمى (المقاومة الجنوبية في طور الباحة) أعترف في بيان له بالعملية، قال فيه إن العدوان قتل من صفوفهم خلال يومين 40 مرتزقاً وجرح 20 آخرين، مكتفياً بالمطالبة بالتحقيق في العملية بعد نشره قائمة بأسماء القتلى والجرحى. 
تكررت هذه الفعلة عشرات المرات على امتداد الجغرافيا المتواجدين عليها، تناثرت أشلاؤهم وسقطت بنادقهم بلا عزاء في ذمة مبررات لقيطة لا تختلف وماهية الناضحين بها. صرعى بالآلاف في جحيم نيران دافعي الأجر أنفسهم، لتغدو الجثث المتطايرة أرقاماً في لوحة أرقام العدوان لا قيمة لها.
التصفيات التي لاقاها مسلحو الحراك في الجنوب تتواصل لإفراغ الساحة الجنوبية أمام الاحتلال الذي أعطاهم أوهاماً بالاستقلال مقابل أن يدخلوه أرضهم لقتل إخوتهم اليمنيين، وهو اليوم يواصل هذه العمليات الإبادية بآلة فتك نهمة تسن شفراتها يومياً ولا يبدو أنها ستقف قريباً، سواءً كانت طيراناً أو أيدي الرايات السوداء الممتدة في رحاب الجنوب.
ونحن نرى هذه التصفيات الجماعية نجدها اعتيادية في الاستراتيجية الأمريكية الاستعمارية، فتاريخها حافلٌ بما لا يدع مجالاً للشك في هذه المدعوة (نيراناً صديقة) عن كونها تصفيات جماعية لمجموعات قبلت أن تخون نفسها ووطنها وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام لجحافل تتار العصر الحديث، وبعد أن اقتربت نهاية مهمتهم بات التخلص منهم ضرورياً كشاهد عيان سينقلب مع استمرار أكاذيب العدو بدولة (مستقلة).
وكما فعلت الولايات المتحدة مع عملاء بمستوى رؤساء دول، سريعاً ما تخلصت منهم ساعة شعرت بأن خدمة مصالحها تتطلب ذلك. لقد تخلصت في العام 63م من زعيم حكومة سايجون العميلة (نجو دييم) في فيتنام (1955- 1963)، إذ رأت بتغييره تهدئة للغضب الشعبي الفيتنامي المحتد تجاه وجودها الاحتلالي، وطبقاً لما سرب من دهاليز مخابراتها فقد دبرت ذلك العام انقلاباً عسكرياً بقيادة الجنرال (تران دون) وتم تصفية دييم مع أحد إخوته. وفي ذات السياق فعلت مع عميلها منذ العام 56 م أنور السادات طبقاً لما كشفه الراحل هيكل، فقد دبرت الإدارة الأمريكية بعد أن اجتازت به مرحلة حرجة من (الصراع العربي الإسرائيلي) اغتيالاً له في العام 81 م بالاتفاق مع السعودية وعميلها الجديد مبارك، الذي لم تتوان عن التخلص منه كذلك واستبداله بنظام أكثر طواعية وترويضاً.
هكذا تبدو طوابير الجثث المتراصة ضرورة في منطق العدو، يصفها كجسر عبور إلى المرحلة التالية، فما أهونها لديه وما أعزها علينا.