جنــوب المملكــة.. خــواء آيــل للسقــوط
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / طلال سفيان
البنية العسكرية للعدو السعودي تتآكل تحت عمليات القضم التدريجي للمقاتل اليمني
جنــوب المملكــة.. خــواء آيــل للسقــوط
ما الذي يدركه المشاهد لبث عملية تفجير برج رقابة حدودي لطالما كان معلماً رئيسياً للاستلاب والقهر والموت..؟ ربما يبدو للبعض شيئاً عادياً, فيما يراه البعض الآخر مشهد نصر أسطوري لعبور أبطال الوطن إلى الضفة المغتصبة قهراً منذ ثمانية عقود، من قبل مملكة العدوان على كل ما هو يمني.. تحطمت الأسوار والأسيجة والأبراج على الخط الفاصل, وبدأت معركة الكرامة وبشائر نصر الأبطال من داخل معاقل العدو.
تعد حرب المدن من الحروب الحديثة التي تجرى في المناطق الحضرية مثل القرى والمدن, أي أن عمليات حرب الاسترداد للمناطق الواقعة خلف ما يعرف بسياج النار, أصعب وأعقد حرب ممكن أن تشن، فهي معقدة لدرجة ندرتها في التاريخ والحاضر, ولا يتمكن من إجادتها أحد، إلا بعد خبرة طويلة، تتخللها تضحيات كبيرة، لا يتحملها إلا صاحب حق لا جدال فيه.
وتكمن صعوبة هذه الحروب في كونها تخاض في عقر دار القوى المراد القيام بعمليات عسكرية ضدها وإلحاق العديد من الهزائم والخسائر بها لفرض الإرادة عليها، وقريباً، بل في مكمن من أجهزتها الأمنية وعيونها, وتفرض هذه الحرب على محاربيها، أن يكونوا على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، وتتسم عملياتها بالدقة العالية، والسرية التامة بهدف المباغتة.
وتحتم طبيعة هذه العمليات النوعية، على محاربيها، عدم وجود معسكرات لهم، أو مقرات، ولا حتى مخازن أسلحة. فحركة محاربيها تتم من دون غطاء جوي، وتعتمد فقط على غطاء مسنود من الوحدات الصاروخية والمدفعية والقناصة.
وأهم تكتيكات هذه العمليات، هو الضرب والاختفاء أو الضرب عن بعد, وينجح مثل هذا التكتيك، في ظل تعاطف السكان المحليين مع منفذي مثل هذه العمليات.
الجنوب الملتهب
ما إن بدأت طبول الحرب تدق, حتى لجأ النظام السعودي إلى الزج ببعض أبناء عسير ونجران وجيزان عبر وكالة الأفواج، لتجنيد أبناء القبائل المتاخمة للحدود, إلى حرب لم يكونوا يعلمون عنها شيئاً إلا بعد انطلاقها، هكذا أخذهم الإعلام الرسمي التابع لما يسمى (عاصفة الحزم) في انتصارات كبيرة وسيطرة كاملة على الأجواء اليمنية خلال 15 دقيقة، كل ذلك قبل أن نستيقظ.
وما إن مضت عدة أيام, حتى اتضحت فداحة خطيئة العدوان, وبدأت جنازات أبناء الجنوب الذين ذهبوا بديلاً عن أفراد وضباط الجيش السعودي الفارين رعباً من أرض المعارك, في العودة من الجبهات المفروضة عليهم ظلماً وعدواناً تجاه إخوانهم اليمنيين.
لم يكن الجنوب في عيون نظام بني سعود إلا مخزناً بشرياً يجب توظيفه واستيعابه في ثكنات الجيش، فقد أقيمت الثكنات العسكرية في مدينتي خميس مشيط وجيزان، وازدهرت بسببها وحولها تلك المدن واتسعت، إلا أن أبناء المنطقة لم تكن لديهم خيارات كثيرة غير الانخراط في تلك الوظائف العسكرية.
وجيلاً بعد جيل, تكدست المدن الكبرى، وخلت قرى الجنوب إلا من كبار السن والعجزة وبعض أبنائها ممن توظفوا في التعليم وغيرها من الوظائف الهامشية.
لم تحظَ مناطق نجران وجيزان وعسير إلا بالفتات من حصة ثروة أراضيها المحتلة من قبل المملكة, ولم تحظَ تلك المناطق على مدى سنين، إلا بمسؤولين من الأسرة الحاكمة يمارسون الإمارة والاستفادة من ميزانيات هذه المناطق الشاسعة، ليقوموا بعد ذلك بإيكال مهام وشؤون مواطني تلك المناطق لوكلاء هم غالباً من ذوي الخلفية الأمنية.
امتُهنت هوية الجنوب، وجرت أكبر عملية تجريف اجتماعي عقائدي لأبناء هذه المنطقة، حيث تعرض أبناء الحد الجنوبي (منطقة جيزان) مع اندلاع الحرب بين مقاتلي أنصار الله والجيش السعودي عام 2009م، لأكبر عملية إخلاء وتهجير قسري لمناطق واسعة من جيزان ذات الكثافة السكانية العالية والمستوى المعيشي المنخفض, وقد طالت أعمال التهجير قرابة 450 قرية، وتضرر منها أكثر من 12 ألفاً من المواطنين.
بعد انتهاء الحرب في ذلك العام قامت السلطات السعودية بمنع الآلاف من سكان المنطقة من العودة إلى منازلهم وأراضيهم، وقامت بعمل سياج حديدي.
كانت حرب 2009م, هي الأولى التي اقتحم فيها المقاتل اليمني أرضه المغتصبة من قبل مملكة عصابة بني سعود.
هجمات المقاتلين اليمنيين التي سبقها عمليات هجومية لقبائل همدان (زيد) على طول السياج الحدودي لحقها العبور وفق الخيارات الاستراتيجية عمليات بطولية إلى مسافات بعيدة داخل العمق السعودي, دفعت آلة العدوان إلى إخلاء مئات القرى، ونقل آلاف الأشخاص من المناطق السعودية المحتلة، وإغلاق أكثر من 500 مدرسة, لتصبح معها مدن الجنوب أشبه بمدن أشباح ومناطق تترجم ملاحم بطولية لمقاتلي القهر اليماني في وجه مملكة العدوان القبيحة.
إنها معركة الكرامة واسترداد الأرض من فم العدو, هكذا تجلت موهبة الروسي جوكوف كقائد عسكري إبان الحرب الوطنية العظمى التي بدأت في 22 يونيو 1941م.
كان جوكوف يقود الجبهة الاحتياطية بعمليات القضم التدريجي للأراضي الروسية من بطن العدو, في معركة (يلنيا) تمكن من إيقاف هجوم الجيش النازي الألماني على موسكو، وتوجيه ضربة مضادة, فبعد أن أوفد لوقف الألمان الذين سعوا الى اجتياح مدينة لينينغراد, لجأ جوكوف إلى طرق لا مثيل لها في التكتيك والمهارة القتالية، ما قاد في آخر المطاف إلى استقرار الوضع العسكري في منطقة لينينغراد، والحيلولة دون احتلالها مجدداً من قبل القوات الألمانية.
ولم تتوقف بطولات جوكوف عند الذود عن العاصمة السوفيتية بمعركة موسكو في أكتوبر 1941م / فبراير 1942م، بل أعد الظروف للانتقال إلى الهجوم المضاد الناجح الذي تمخض عن دحر القوات الألمانية وطردها من مشارف موسكو لمسافة تزيد عن 200 كيلومتر.
وفي المرحلة الختامية للحرب العالمية الثانية، ترأس جوكوف القوات السوفيتية التي اقتحمت برلين وحررتها من النازيين. ومثَّل جوكوف الجانب السوفيتي في الاجتماع الذي عقد في 8 مايو 1945م بمدينة بوتسدام الألمانية، والذي جرى فيه التوقيع على وثيقة استسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
وفي شهر يونيو من العام نفسه، أشرف جوكوف على استعراض النصر العسكري الذي أقيم في يونيو 1945م بالساحة الحمراء وسط العاصمة موسكو.
القضم التدريجي - أرض طاحنة في الظلام
يرجح عسكريون يمنيون تصاعد وتيرة المعارك الدائرة في جبهات الحرب على الحدود اليمنية السعودية، مع إعلان سيطرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على العديد من المواقع العسكرية الهامة في منطقة نجران، وخوضها حرباً برية شرسة في عمق الأراضي السعودية بمنطقتي جيزان وعسير، مع قوات العدوان السعودي التي أعلنت مبكراً عن نشر تعزيزات من قوات الحرس الوطني ووحدات حرب العصابات في مهمات قالت الرياض إنها محصورة في تأمين مناطق الشريط الحدودي مع اليمن.
وترفض السعودية الحديث عن تفاعلات وتداعيات وخسائر الحرب البرية التي يخوضها تحالف العدوان مع الجيش اليمني واللجان الشعبية في مناطق الحدود المترامية بين البلدين على امتداد المناطق اليمنية (نجران وعسير وجيزان) المحتلة منذ ثمانية عقود من قبل مملكة بني سعود، في مسعى لعدم التشويش على الحرب التي يشنها تحالف السعودية/ أمريكا على اليمن منذ مارس الماضي، ما دعا بعض القادة العسكريين إلى وصفها بأنها (حرب في الظلام، ومعارك كسر العظم).
لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تداعيات خطيرة في انكشاف سيطرة الجيش اليمني والحوثيين على مدينة الربوعة وعشرات المواقع العسكرية، وظهور عشرات من مقاطع الفيديو التي تظهر سيطرة يمنية على الأرض، كما تظهر عمليات القصف الصاروخي الكثيف باتجاه الأراضي المحتلة، وعمليات اقتحام لمواقع عسكرية وحرب مدن في عمق مواقع العدو السعودي.
أصداء الحرب على الحدود، والتي تجري في ظل تعتيم شديد، تظهر كذلك في التقارير السعودية التي تتحدث عن توقف الدراسة في المدارس، وإدارة السلطات عمليات نزوح وإجلاء لرعاياها من المدن الجنوبية التي تشهد حرب شوارع، ومقتل العشرات من الجنود والضباط السعوديين والإماراتيين والبحرينيين والأفارقة في المناطق المتجاوزة للأسيجة الحدودية.
وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية، الاثنين قبل الماضي، أن الجيش اليمني واللجان الشعبية استطاعت السيطرة على ثلاثة مواقع عسكرية سعودية في منطقة الشرفة المطلة على مدينة نجران قريبة من موقع الشبكة الاستراتيجي المشرف على مدينة نجران.
وكانت هذه المنطقة مسرحاً لمواجهات عنيفة استخدم فيها الجانبان اليمني والسعودي أسلحة ثقيلة، وقالت قيادة الجيش اليمني إن المعارك أسفرت عن سقوط ضحايا وتدمير دبابتين سعوديتين من نوع (إبرامز) وثلاث عربات (برادلي) وسبع آليات وثلاث جرافات.
ويقول قادة في الجيش اليمني لصحيفة (لا) إن المعارك الحدودية تأتي رداً (على الحرب الشاملة التي يشنها تحالف العدوان السعودي الأميركي على اليمن منذ أواخر مارس الماضي). ويعزون التعتيم الذي تفرضه الرياض على سير المعارك إلى (محاولتها إشاعة أن ما يدور على حدودها ليس إلا مناوشات، وليس نتيجة لحرب التحالف التي تقودها في اليمن، وأيضاً لإضفاء المزيد من الصدقية حيال مزاعمها بأنها تحارب مليشيا انقلابية، وليس جيشاً نظامياً).
ويحظى هذا التحالف بدعم لوجيستي وعسكري ومخابراتي وتقني أميركي وبريطاني وفرنسي وإسرائيلي, في حين كشفت مراكز أبحاث دولية وتقارير نشرت في عواصم أوروبية عدة، انخراط الآلاف من المرتزقة العرب والأجانب في صفوف التحالف الذي يشن غارات جوية كثيفة على اليمن.
وتشير تقارير عسكرية على درجة عالية من الموثوقية إلى أن الرياض خسرت في الفترة الماضية العديد من المدن والمناطق الحدودية وعشرات المواقع العسكرية في المناطق الحدودية المحتلة (نجران وعسير وجيزان)، وآخرها مدينة الربوعة وموقع نهوقة العسكري الاستراتيجي.
وخلال الأيام الأخيرة من الشهر المنصرم, استهدف أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية آليات وتجمعات عسكرية سعودية خلف موقع مجمع الربوعة، كما قصفوا بالصواريخ مواقع غرب مدينة الخوبة ومجمع الدفاع في منطقة جيزان, وتمكنوا من السيطرة كلياً على مدينتي الربوعة والخوبة وموقع الشبكة وجبل الدود الاستراتيجي، فيما أعلنت الرياض مقتل العديد من جنودها العاملين ضمن قوات حرس الحدود السعودي في قطاع الحرث بنجران، في إطلاق نار من الأراضي اليمنية، من دون الحديث عن عمليات القصف الصاروخي والمدفعي التي تتعرض لها قواتها المرابطة بعد الانسحاب إلى خلف خطوط الاشتباك.
كل ذلك وسط تساؤلات عما إذا كان صواريخ (سكود) التي أطلقت من الأراضي اليمنية باتجاه قاعدة الملك خالد العسكرية في خميس مشيط، وقاعدة السليل وقاعدة الواجب، سيكون مجرد بداية لصواريخ أخرى ستواجهها المملكة، بعد أن أظهرت تطورات الأيام الأخيرة أن الحرب قد اجتازت الحدود، وبات جزء مهم منها يخاض داخل الأراضي اليمنية التاريخية المحتلة من قبل المملكة.
ومن الزاوية الجيوعسكرية, يعتبر جبلاْ الدود والدخان، إحدى البوابات الرئيسية لجيزان المحتلة (جنوب المملكة - شمال اليمن)، وعليه فإن سيطرة القوات اليمنية عليهما مؤخراً تعد انتصاراً كبيراً جداً وتحولاً كبيراً في مسار المعارك في عمق العدو السعودي لصالح المقاتلين اليمنيين.
ولعل القصف السعودي الهستيري على المدن اليمنية متجاوزاً كل الخطوط الحمراء، ما هو إلا مؤشر للصفعة التي تلقاها العدوان، وحجم هزائمه النكراء التي تعرض لها جيشه الذي عجز عن حماية مواقعه العسكرية، وانهيار معنويات جنوده وضباطه قبل انهيار تحصيناته الدفاعية، وآخر تلك المعسكرات الحصينة جداً والاستراتيجية التي سقطت بيد القوات اليمنية، جبلا الدود والدخان.
إن سقوط تلك المعسكرات التي كانت طيلة الأشهر العشرة الماضية مصدراً للاعتداء على المواطنين اليمنيين, والسيطرة عليها، تعني وقوع عدد من مدن العدو السعودي في مرمى النيران اليمنية، أي تحت السيطرة (المدفعية والصاروخية)، حيث إن أي تجمعات أو تحركات عسكرية للعدو في تلك المناطق سوف تكون مكشوفة للقوات اليمنية، وهذا يجعلها في مرمى الاستهداف المركز والدقيق.. كما أن التضاريس الجغرافية الوعرة لتلك السلسلة الجبلية تمثل بيئة مثالية للمقاتل اليمني للقيام بمناوراته وتأمين تحركاته وإمداداته، وإعادة تموضع القوة الصاروخية والمدفعية في أكثر من نقطة ضمن نطاق تلك الجبال، بما يمكنها من تفادي وامتصاص الضربات الجوية والصاروخية والمدفعية للعدو.
وفي مقارنة سريعة لإدراك حقيقة ذلك، نأخذ تجربة 2009م، عندما سيطر المقاتلون اليمنيون على تلك الجبال، ولم تستطع قوات العدو السعودي والألوية المشاركة من دول كثيرة منها الأردن، أن تستعيدها رغم ما استخدمه العدو من قصف جوي وصاروخي.
لقد باتت أوراق العدو مكشوفة ومستخدمة، وأثبتت فشلها في وضعية وظروف أقل مثالية للقوات اليمنية التي طالت أكثر من 150 موقع عسكري وإداري حيوي في نجران وجيزان وعسير.
إن سيطرة القوات اليمنية على جبلي الدود والدخان سوف تخضع مدناً رئيسية في جيزان للسيطرة النارية، مما يؤدي إلى زيادة حجم الضغط على قيادة العدو نتيجة لتذمر المواطنين وخوفهم المتزايد، كما حصل في مدينة نجران التي تحولت إلى مدينة أشباح، وعليه فإن احتواء هذه التداعيات ليس بالأمر السهل أمنياً. أيضاً الملف الاجتماعي الذي يقتضي نزوح مدن بأكملها بشكل منظم أو عشوائي في مجتمع يعاني من التفرقة العنصرية والمناطقية والمذهبية، يجعل هذا الملف عبئاً كبيراً نتيجة لتداعيات النزوح على الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي.
أضف إلى ذلك أن تلك السيطرة تؤمِّن غطاءً نارياً لخطوط التماس المتقدمة، وهذا يوفر ظروفاً مثالية لعمليات الاقتحامات القادمة وفق مسار الخيارات الاستراتيجية.
وتأتي هذه المشاهد ترجمة للخيارات الاستراتيجية، التي أعلن الجيش واللجان الشعبية البدء بها.
وهو ما يلفت له مصدر عسكري في حديث لصحيفة (لا) بأنه تم خلال الأيام الماضية التقدم من المحور الأول المزرق - حرض، والمحور الثاني الملاحيظ -شداء، وفي المحور الثالث حرض. مشدداً على أن العمليات التي يقوم بها أبطال الجيش واللجان الشعبية تأتي في إطار تنفيذ المرحلة التمهيدية لتنفيذ الخيارات الاستراتيجية لمواجهة العدوان بكل السبل المشروعة، كحق كفلته كافة الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين الدولية، متوعداً بتنفيذ المزيد من العمليات النوعية التي ستفاجئ الجميع، وتجعل العدو يعيد حساباته.
وتأتي أهمية العمليات النوعية التي نفذها الجيش واللجان الشعبية في كونها أنهت الوجود العسكري للسعودية بصورة كلية من الحدود.
كما أشار الناطق العسكري إلى أن العمليات العسكرية أدت إلى (تدمير كل خطوط الدفاع الأولي)، بالإضافة إلى أن السيطرة على جبل الشرفة تجعل نجران تحت مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية، ما يُقرّبها أكثر إلى السقوط. وكما هو واضح فإن (هذا النوع من العمليات العسكرية تربك العدوان السعودي، وتقوده إلى الانهيار السريع وفق خطة تقوم على عنصري المشاغلة والمراوغة، بما يمكِّن من استيعاب الصدمة أو الضربة الأولى، والاحتفاظ بالقدرات العسكرية والقتالية بشكل يمكِّن المدافع من استعمالها أو العودة إليها في الوقت المناسب، وهي إدارة ناجحة استطاعت مشاغلة المعتدي، ثم انقضَّت عليه الآن فاقتادته نحو ما يسمى الانهيار الدراماتيكي السريع بما لا يمكنه من استيعاب الضربة).
وأكد الناطق العسكري أن الانتصارات في نجران وعسير، وعلى وجه الخصوص في جيزان، سيكون من شأنها وضع نهاية سريعة للعدوان والحصار وللغزو والاحتلال الذي تعرضت له بعض المحافظات اليمنية.
حرب الأخدود الأخيرة
ما بين الحين والآخر, تخرج بعض التقارير الغربية كاشفة بعض الحقائق عن المعارك التي تدور رحاها في عمق جنوب المملكة المحتل, فمع مرور شهر من بدء العدوان على اليمن, كتب موقع (C.N.N) الأمريكي: لو عرف المواطنون السعوديون ما يجري في جنوب المملكة لأصيبوا بذهول شديد وخيبة أمل كبيرة في جيشهم.
فيما كشفت صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية أن الجيش اليمني واللجان الشعبية لحركة أنصار الله تمكنوا من تحقيق إنجازات وانتصارات ميدانية غير متوقعة في معاركهم الدائرة مع القوات السعودية في العمق السعودي. وذكرت الصحيفة أن نظام بني سعود تعمَّد إخفاء كل تلك الحقائق خوفاً من حدوث انقلاب شعبي عليه.
وقالت (الواشنطن بوست) في نشرتها الصحفية الصادرة في الرابع من يوليو الماضي، مستندة على تقرير مخابراتي أميركي تم إنجازه بعد إطلاق الجيش واللجان الشعبية اليمنية عدة صواريخ على قواعد الرياض الحربية، إن (الجيش اليمني واللجان الشعبية تمكنوا من تدمير 98 موقعا عسكريًا سعوديًا في نجران وجيزان وعسير وظهران الجنوب وخميس مشيط، تدميراً كلياً، إلى جانب 76 موقعا عسكريا تم اقتحامها والسيطرة عليها وتفجيرها بالألغام الأرضية وفق المخطط العملياتي العسكري اليمني).
وأضافت أن الجيش واللجان الشعبية اليمنية دمروا أيضا منطقتي القيادة والسيطرة في نجران وعسير وخميس مشيط، بشكل كلي، كما تم تدمير كامل قصور الإمارة في نجران وظهران وجيزان، إضافة إلى تدمير مقر العمليات للجيش السعودي في الخوبة والطوال وأبو عريش والحرث والربوعة.
وبينت نشرة (الواشنطن بوست) أن الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لحركة أنصار الله لم يكتفوا بذلك، بل تمكنوا أيضا من تدمير مقر قيادة القوات الجوية بقاعدة خميس مشيط الجوية، تدميراً كاملاً، وهو ما تسبب في مقتل قائد القوات الجوية السعودية الفريق محمد الشعلان، والعديد من كبار قادة الجيش بقطاع سلاح الجو السعودي، فضلاً عن تفجير الطائرات الحربية ومنصات الصواريخ للدفاع الجوي السعودي، وقتل أكثر من 36 طياراً و39 ضابطاً من الجانب السعودي.
وأشارت إلى أنه (بحسب التقارير الرسمية التي أحصت بالأرقام خسائر السعودية في الأرواح والمعدات، فإن الخسائر البشرية تمثلت في مقتل 2326 جندياً و36 ضابطاً و22 جنرالاً من الرتب العليا، ويتصدر القائمة (الفريق محمد الشعلان)، إضافة الى المئات من الجرحى).
وبالنسبة للمعدات فقد أوضحت التقارير كما أوردتها الصحيفة الأمريكية، أن خسائر السعودية في هذا الجانب تتمثل في تدمير 363 دبابة و25 مدرعة مجنزرة و181 طقماً عسكرياً، وذلك بمنطقة جيزان، إضافة إلى تدمير أو إحراق 18 دبابة و13 مدرعة مجنزرة و71 طقماً عسكرياً في منطقة نجران، وتدمير 221 دبابة و19 مدرعة مجنزرة و51 طقماً عسكرياً و3 آليات (دركتلات) تابعة لقطاع الإنشاء والطرق بالجيش السعودي في منطقة عسير.
فيما تتحدث السعودية باستحياء وعلى مضض، بأن قذائف مورتر وصواريخ أطلقت من اليمن على بلدات وقرى بالمملكة منذ بدء الحملة العسكرية التي تقودها السعودية على اليمن منذ أواخر مارس.. وفي إشارة إلى مدى شراسة القتال على الحدود، قال الناطق باسم التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن, إن اللجان الشعبية والجيش اليمني أطلقوا قرابة 130 قذيفة مورتر و15 صاروخًا على مواقع حدودية سعودية يوم الاثنين الفائت فقط.
ووفق (رويترز) ذكرت الوكالة الأمريكية، الأسبوع الماضي، أن الجيش اليمني واللجان الشعبية أطلقوا أكثر من 40 ألف (مقذوف) عبر الحدود منذ أن بدأت الحرب.
يبدو أن الجيش السعودي وصل بعد ما يقارب العام على عدوانه ضد شعب اليمن، إلى حالة ضعف جعلت جنوده يتركون أرض المعركة في نجران وجيزان، ويفرون أمام ضربات الجيش اليمني، ما اضطر قيادة الجيش السعودي المنهار إلى الاستعانة بالمرتزقة للقتال داخل الأراضي السعودية عوضاً عن جنودها. السعودية التي تعتبر ثاني أكبر دولة عربية، والتي تبلغ مساحتها 2,240,000 كيلومتر مربع، وهي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي النفط وإنتاجه وتصديره، وتشكل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية، ويبلغ عدد سكانها ٢٨٫٨٣ مليون نسمة، يشكل 233 ألفاً منهم الجيش السعودي، بالإضافة الى قوات الاحتياط العاملة التي يقدر تعدادها بنحو 25 ألف شخص، ناهيك عن 100 ألف عنصر يشكلون الحرس الوطني، وهي الثانية عربيًّا والـ25عالميًّا بالقدرة التسليحية، فهي تملك 1095 دبابة و652 طائرة، وهي الثالثة عالميًّا على مستوى الإنفاق العسكري، حيث بلغ مجموع إنفاقها العسكري عام 2015 حوالي 57 بليون دولار.. كل تلك القوة الاقتصادية والعسكرية سخرها نظام بني سعود في حربهم على اليمن، ولم تجدِ نفعاً، بل جعلتهم يلجؤون الى العديد من الدول الأصغر حجماً وأقل قوة، وإلى بعض الشركات العالمية المختصة (بسفك الدماء)، للاستعانة بهم ضد الشعب اليمني الأعزل الذي يسطِّر ملاحم بطولية ضد الجيش السعودي، الذي مُرّغ أنفه على يد هذا الشعب.
في عدوانها على اليمن, استقدمت السعودية 2100 مقاتل سنغالي كمرتزقة للقتال إلى جانب قواتها، واستقدمت ما لا يقل عن 250 مسلحاً من تشاد بشكل سري، وبالتنسيق مع السلطات التشادية، مقابل صفقة مالية، كما استعانت بوحدات من الجيشين الكويتي والمغربي لحماية أراضيها، بالإضافة الى استئجارها مئات المرتزقة من كولومبيا.
كل هذا الاستئجار والمد العسكري من دول ومنظمات يبين مدى تقهقر الجيش السعودي والهزائم التي يتلقاها في عدوانه البري ضد الشعب اليمني، ويشير الى مدى تدني معنويات جنوده الذين يهربون من أرض المعركة.
لم تستجلب السعودية المرتزقة فقط للحرب معها وللدفاع عن أرضها، بل استجلبت أيضاً طيارين من عدة دول، ومنها إسرائيل، لقاء مبالغ مالية طائلة، في عدوانها على اليمن.
ويشير المقدم محمد الذفيف، من لواء الصواريخ التابع لقوات الحرس الجمهوري، لصحيفة (لا)، إلى أنه على مر الأزمان لم يستطع مرتزقة هزيمة دولة، ويعلل ذلك لعدة أسباب منها عدم معرفة المرتزقة بطبيعة الأرض، وهذا شيء مهم بالمعارك. ويشدد على الاختلاف بين الحوافز لدى المرتزقة وأصحاب الأرض، ويقول بأن الأول لديه حوافز مادية تنتهي عند تعرضه للخطر، أما الثاني فلديه دوافع وطنية لا تنتهي. مؤكداً أن السعودية تمتلك سلاحا وافرا وقوة عسكرية رهيبة، ولديها قدرة عالية في غزارة النيران، لكن ليس لديها جيش وطني لديه الخبرة القتالية كونه لم يشارك في حرب من قبل، لذلك كل ما تفعله السعودية سيذهب سدى، ولن تنجح مهما فعلت طالما وأن الجيش اليمني واللجان الشعبية يمتلكون العديد من الاستراتيجيات الهجومية التي ستفاجئ السعودية خلال الأيام القادمة.
ويقول إن القتال يلزمه عديد وعتاد، لكن بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك بعض الصفات الخاصة، منها الكفاءة القتالية، والمعنويات العالية، والعقيدة، وهي الأهم، وهي السلاح القوي الذي تفتقده السعودية، لذلك لم ولن تنتصر.
ويضيف: لقد أوقعت السعودية نفسها في حرب عبثية في رمال اليمن المتحركة، لم ولن تخرج منها منتصرة، وكان عليها قبل دخول تلك المعركة أن تقرأ التاريخ والجغرافيا جيداً، لأن اليمن كانت عصية على كافة أشكال الغزاة، ولا يمكن احتلالها.
ويبدو العمق الجنوبي للمملكة اليوم تحت وقع عمليات الجيش اليمني واللجان الشعبية النوعية، أشبه بـ(تورتة) ضخمة وجوفاء، آيلة للانهدام بضغطة إصبع مسفرةً عن خواء عسكري كامل.. ضغطة إصبع سيقرر المقاتل اليمني أوانها في المتوسط الزمني المنظور.
المصدر صحيفة لا / طلال سفيان