الماضون على خطى يهوذا الإسخريوطي وأبي رغال
مصارع الخونة


أليس من الغريب أن يخون أحدهم وطنه ويسلم شعبه لسياف الاستعمار، ويفترش الأرض طريقاً تمر عليه فيالق الوحشية والعبودية؟ إن تاريخ الشعوب حافل بالخيانات كما هو حافلٌ بالثورة، وطيلة التاريخ المديد وجد من يقف بصف أعداء الشعب وذابحيه، ظاهرة متكررة في التاريخ على اختلاف المجتمعات، هذا هو التاريخ وهذا واقع حكمته أن تجرحك أظافرك، ويكسرك الأقربون إليك قبل أعدائك، وغالباً ما كانت حكمة التاريخ قاسية في دروسها.
في اليمن رأت المنظومة الاستعمارية العالمية ضرورة جعلها (اليمن) قاعدة لمصالحها القائمة على حساب جمع الشعب، وبكل الوسائل عملت لتحقيق هذا الطموح، كانت الوسيلة الأخيرة هي العدوان العسكري المباشر بعد أن صُعقت مما آلت إليه ركائز مصالحها الاستعمارية في الوطن عقب ثورة 21 أيلول، وبعدوانها اتخذت (شرعية) هادي يافطتها العريضة، فيما لم يجرؤ الفار هادي على رفض هذا الدور القبيح، ولا باقي المنظومة المسيطرة بالوكالة في البلد من أحزاب وجماعات ونخب...، جعلوا من أنفسهم ترساً في آلة الذبح والتدمير الاستعمارية ضد الوطن ومقدراته. ويفتح هذا المنحى الذي سلكه هؤلاء تساؤلاً فضولياً للتعرف على نماذج مماثلة للنموذج اليمني.
من أقاصي آسيا إلى الشرق الأوسط مروراً بأفريقيا وأوروبا ووصولاً إلى أمريكا اللاتينية، تكررت الأمثلة على الخيانة باختلاف تفاصيلها، سواءً كأيدٍ تخنق الشعب بالوكالة أو بالاشتراك المباشر مع الاستعمار في الحروب على ثورات التحرر الوطني وسحق الأحلام اليافعة للأوطان في الاستقلال، اختلفت الظروف والرقعة الجغرافية والاجتماعية والأزمنة، وتبقى الجريمة المقيتة واحدة: الخيانة والتحول لمقبض السياف الاستعماري.

الخيانة بين الإسخريوطي وأبي رغال..
(أبقبلةٍ تبيع ابن الإنسان يا يهوذا)! يقول ابن مريم لتلميذه (يهوذا الإسخريوطي) حين خانه وسلمه لـ(مرابي الهيكل) الذين هدد المسيح مصالحهم، لينتهي الأمر بيهوذا معلقاً بحبلٍ عقدته يداه في القفار كما تقول الرواية المسيحية.
وكما دل الإسخريوطي (مرابي الهيكل) للمسيح، دل أبو رغال (الوحيد من العرب العارفين بالطريق) أبرهة الحبشي إلى الكعبة، ليصبح مثلاً عربياً يضرب في الخيانة، وقامت شعيرة بعد كل حج تمثلت برجم قبره، استمرت حتى قدوم الإسلام.
إذن، ليست ظاهرة غريبة، وليس في التاريخ (أبو رغال) واحد (أو يهوذا) واحد، بل آلاف مؤلفة منهما، يخونون شعوبهم وإخوتهم وأنبياءهم بنصل الجريمة ذاتها، يتكررون كل مرة بصورة أبشع من ذي قبل، يدلون حَازِّي أرواحنا إلى مخادعنا، يقبلوننا كي يرشدوا حتفنا إلينا.. وليس الفار هادي إلا أبو رغال آخر وإسخريوطي آخر، توجب لعنه ورجمه في كل ذكرى للعدوان.
إن أمثلة الخيانة كثيرة، نمر هُنا على أشهرها وأبرزها في التاريخ الحديث، خصوصاً القرنين العشرين والحادي والعشرين، اللذين ظهرت فيهما أمريكا كـ(طاعون) يجوب العالم ويفتك به تماماً كما هو الحال مع النازية الألمانية، بل وأشد قبحاً، وقبيل الشروع في المتن يستوقفنا ما قاله الثائر الأممي تشي جيفارا: (مثل الذي يخون وطنه مثل من يساعد اللص على سرقة منزل والده، فلا اللص يكافئه ولا أبوه يسامحه).

فيتنام.. أمريكا تركل عملاءها
فيتنام وقبيل الاستقلال التام عام 73م، علقت بين أنظمة عدة عميلة للاستعمار طيلة قرابة القرن، وبين الحكومة العميلة للاحتلال الياباني (1937-1945م) ثم الفرنسي، وجماعة (الفيتمنة) الموالية لبريطانيا، وبين حكومة (سايجون) في الجنوب الفيتنامي، كان الأبشع خيانة وفتكاً بالشعب الفيتنامي هو الخائن (نجو دييم) زعيم نظام سايجون العميل (55-63م) الذي فتك بعشرات الآلاف من الشعب الفيتنامي لصالح أمريكا، وعقب الانسحاب التام للاستعمار الفرنسي من الشمال الفيتنامي وقيام حكومة وطنية هناك قادت المقاومة الشعبية، أقدمت الولايات المتحدة على التدخل العسكري المباشر في فيتنام، وجاء ذلك بإعلان تأييدها لحكومة سايجون في الجنوب التي يتزعمها (دييم) ثم مباشرة إنزال القواعد العسكرية والشروع بتنفيذ عمليات قصف جوي على العاصمة هانوي في الشمال، وكانت الذريعة هي (شرعية) مماثلة لتلك التي يتجوربها العدوان اليوم في اليمن ويتقدمها الفار هادي وحكومته. أما دييم ومع تزايد حدة الصدام ضده وضد قادته المستعمرين، اضطرت الإدارة الأمريكية إلى تغييره لتهدئة الشارع الفيتنامي، وبذلك دبرت له انقلاباً بيد الجنرال تران دون وتصفيته مع أخيه. وفي العام 73م حقق الشعب الفيتنامي انتصاره على الاستعمار الأمريكي الذي فرَّ من الأراضي الفيتنامية دون أن يبالي بمصير عملائه، وغادرت الطائرات الأمريكية راكلة خلفها عملاءها من وزراء وضباط فيتناميين لاقوا مصيرهم المحتوم بعد ذلك بيد الشعب الثائر.

وانغ، الأشهر خيانة في التاريخ الصيني
يعرف وانغ جينغ وي في التاريخ الصيني بالخائن الأشهر، وكان قد استلم السلطة في العام 1925م خلفاً لـ(صان يات سن)، إلا أنه سقط سريعاً، ومنذ تلك الفترة بدأت سلسلة اتصالات بينه وبين الإمبراطورية اليابانية، وخلال اجتياح الأخيرة لمدينة نانجنغ الصينية في العام 1937م، اشتهر وانغ بعلاقته المشبوهة باليابان متورطاً بأعمال تجسسية وتنفيذ صفقات مشينة لصالحها، كانت أبرزها محاولته تلك الفترة التوسط بإنجاز اتفاق تهدئة بين الصين واليابان لكبح الرد الصيني على مجازر اليابان في مدينة نانجنغ واحتلالها، إلا أنه فشل وقوبل بازدراء شديد من الصينيين جراء أفعاله، وتم طرده خارج البلاد.

خيانة سنغ، وتمكن أمريكا من شطر كوريا
وعقب هزيمة الإمبراطورية اليابانية وانسحابها من كوريا في العام 1945م، تزعم (إي سنغ مان) نظاماً مؤقتاً في الجنوب الكوري برعاية الولايات المتحدة التي أعلنت تأييده لمواجهة السوفييت المشتركين مع الثوار الكوريين في الشمال ضد الاحتلال الياباني، وبمحاولة الثوار في الشمال توحيد البلاد قامت حرب بين الثوار الكوريين ونظام سنغ في الجنوب بعد تقديم أمريكا إمدادات عسكرية ضخمة للأخير والتدخل العسكري المباشر تحت غطاء الأمم المتحدة، واستمرت قواعدها العسكرية لسنوات طويلة في كوريا الجنوبية تشارك بقمع الانتفاضات الشعبية المناهضة لوجودها ولنظامها العميل، مخلفة مئات الآلاف من القتلى، وتمكنت بذلك الولايات المتحدة من تقسيم كوريا إلى دولتين شمالية وجنوبية، باستخدام سنغ الذي سمح بقيام منطقة نفوذ أمريكية على حساب الشعب الكوري، وإحداث شرخ اجتماعي سياسي عميق في المجتمع الكوري يعيش حتى اللحظة.

مأساة عراق.. بيادق أمريكية صهيونية في خاصرة الوطن
التاريخ مليء بمأساة الخيانة، تتعاقب في مختلف البلدان مخلفة صنوفاً مفزعة من الجرائم الوحشية، وانقسامات داخلية تفتك بمشاريع المقاومة أمام الاستعمار، وبوسيلة وأخرى يصنع المستعمر وجوده داخل البلدان، سواء بتدخله المباشر أو بصناعة أنظمة تابعة وجماعات عميلة تأخذ أدوار المعارضة ضد الداخل، لتنتهي في نهاية المطاف بفتح الأبواب لجحافل المحتلين، وهو الأمر الذي كانت عليه المعارضة العميلة التي جلبتها أمريكا في العراق لا العكس، ويكون المثال الأبرز خلال العقدين الأخيرين، هو البرزاني في كردستان العراق وعلاوي اللذان اشتغلا طيلة سنوات لتمزيق العراق واستدعاء جيوش الاستعمار، وتجلت أبرز فعالياتهم بين عامي 2000م و2003م، وخصوصاً مؤتمرات أربيل التي تم فيها علانيةً دعوة أمريكا لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين، وبحدوث ذلك عام 2003م انخرطوا في صفوف أمريكا وبريطانيا للقتال ضد الشعب العراقي، لتكون النتيجة اليوم التي يعيشها العراق هي الغرق في أتون الفوضى وبرك الدم، وقتل وتشريد ملايين العراقيين، وتدمير حضارة ضاربة في عمق التاريخ، وتشريد آثارها حول العالم.  

عذابات لبنان بين بشير الجميِّل، ودموع (صبرا وشاتيلا) 
في لبنان كان زعيم المارونيين والقوات العسكرية التابعة للأحزاب المسيحية اليمينية بشير الجميِّل، هو الأبشع في تاريخ الخطيئة (الخيانة) اللبنانية، إذ عقب سبع سنوات من حروبه الدموية في الداخل اللبناني، قام عام 82م بالتآمر مع الاحتلال الإسرائيلي لاجتياح لبنان قبل أشهر من وقوعه في لقاء سري بينه وبين أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، وبالوحشية التي كانت عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي كان بشير الجميل وتابعوه، إذ نفذا معاً مذابح بشعة تجاه اللبنانيين والفلسطينيين، كانت أبرزها مذابح (صبرا وشاتيلا) ضد اللاجئين الفلسطينيين، التي استمرت لثلاثة أيام في أيلول/ سبتمبر 82م، بعد أن حاصرتهم القوات الإسرائيلية وكتائب الجميل من كل الاتجاهات، وبدأت تشرع بتصفية آلاف الفلسطينيين بالأسلحة النارية والبيضاء، وكانت ذريعة الجميل لتبرير خيانته للبنان أنه يقاوم السوريين والفلسطينيين المتواجدين فيه، بينما لم يخجل من إعلاناته الرسمية شكر إسرائيل على دعمه. وفي تلك الفترة ترشح الجميل لرئاسة لبنان وقبل تسلمه المنصب تم اغتياله مع 26 آخرين من أعضاء الكتائب التي كان يتزعمها، بقنبلة موقوتة زرعها البطل المسيحي حبيب الشرتوني في منزل الجميل، قبل يوم من العملية، وكانت المقولة الشهيرة لحبيب أثناء التحقيق معه: (لكل خائن حبيب).

سوريا.. يسارٌ أم يمينٌ لليمين؟
وعن سوريا، تأتي الخيانة الأبرز في التاريخ السوري في العام 2011م من قبل جماعات وشخصيات (معارضة) منها شخصيات يسارية كـ(برهان غليون وأسامة كيلة)، بدءاً من التحريض الإعلامي على الجيش العربي السوري وحلف المقاومة والسياسة الخارجية للدولة السورية، وانتهاءً برسم قوالب شرعنة لحملات المخابرات الصهيوأمريكية التي تقود الجماعات الإرهابية والتدمير المهول لسوريا، ووصف هذا كله بـ(المقاومة) و(الجيش الحر) و(الثوار)، وأمام الموت الجماعي للسوريين وملايين المشردين ومشاريع التمزيق ضد سوريا، يدعو كيلة وغليون هذا كله بـ(الثورة).
يقول لينن: المثقفون هم الأكثر قدرة على الخيانة لأنهم الأكثر قدرةً على تبريرها.

مصر.. خيانة خديوي وثمانون عاماً من الاحتلال
في مصر قاد أحمد عرابي في العام 1879م الثورة على الخديوي إسماعيل الذي فر إلى إيطاليا ونصب ابنه الخديوي توفيق بدلاً عنه، وتواصل وهج الثورة في العام 1882م على الخديوي توفيق، ليلجأ الأخير إلى القوات البريطانية المتواجدة على مقربة من سواحل الإسكندرية منذ حكم والده تحت ذريعة حماية ديونها التي أغرق مصر بها الخديوي إسماعيل، وعاد الخديوي توفيق بالقوات البريطانية باتجاه القاهرة لتدور رحى معركة ضارية في (التل الكبير) هزمت على إثرها مصر جراء فوارق التسليح والخيانات الداخلية، واجتيحت القاهرة في سبتمبر 1882م، ليستمر الاحتلال لمصر حتى منتصف القرن العشرين. بينما تم القبض على أحمد عرابي وبعض رفاقه ونفيهم إلى سيريلانكا.

ليبيا.. جبل في حضرة المشنقة
في ليبيا تزعم الحرب الوطنية ضد الاحتلال الإيطالي أحمد الشريف السنوسي، بينما كان عمر المختار نائباً له، وقد اشتعلت المقاومة الوطنية الليبية بدءاً من العام 1911م، واستمر تزعم أحمد السنوسي للمقاومة حتى العام 1921م بمغادرته ليبيا إلى تركيا، ليترك ابنه إدريس السنوسي خلفاً له، وفيما واصل الشهيد عمر المختار قيادة المقاومة الوطنية شرق ليبيا، اتجه إدريس السنوسي ومعه الشارف الغريان ومعظم زعماء قبائل السعادي، لعقد صفقات مع الاستعمار الإيطالي وخيانة المقاومة الوطنية، وكانت النكسة الأكبر هي خيانة الشهيد عمر المختار والمقاتلين معه المتمركزين في الجبل الأخضر، إذ أقدم السنوسي على التبليغ بمواقع تمركز المقاتلين في الجبل وكشف الطرق السرية للمقاومة، ليتمكن بذلك الاستعمار الإيطالي من حصار عمر المختار والمقاتلين تحت قيادته، ووقوع مذبحة مهولة للمقاومة الليبية في الشرق انتهت بإعدام المقاوم الأشيب في سبتمبر 1931م.. وفي العام 42م تقدم إدريس السنوسي جيوش (الكومنولث) البريطاني لفرض قيادته بالقوة لسرية (عمر المختار)-التي تشكلت سراً في مصر بعد خيانة السنوسي وانقسام المقاومة- واقتحام ليبيا، وكان ذلك بعد انقلاب موازين الحرب العالمية الثانية لصالح دول الحلفاء التي تحول في ظلها السنوسي للعمل لصالح بريطانيا.

النرويج.. هدف سهل بيدي فيدكن
فيدكن كيسلنغ، مؤسس (حزب الاتحاد الوطني) في النرويج عام 1933م، نشط في الوسط السياسي بهدوء يجمع المعلومات العسكرية والأمنية وخطط الدفاع الوطني واستراتيجية الجيش النرويجي العسكرية، ملقياً بها بين يدي هتلر الذي ضمن احتلالاً سهلاً للنرويج تلك الفترة شارك فيه فيدكن وحزبه العميل، لينصب بعدها فيدكن رئيساً للوزراء من قبل النازية، وسريعاً مع انتفضت ضده الجماهير، إلا أن القوات الألمانية قمعتها بعنف وأعادت تنصيبه مرة أخرى، وفي العام 45م انسحبت ألمانيا من النرويج فيما دنكن واجه مصيره وحده، إذ قبض عليه من قبل السلطات الوطنية الجديدة كخائن ومرتكب جرائم حرب، ليعدم بعدها في نفس ذلك العام.

بابٌ على مصراعيه، فرنسا وفيشي
فرنسا، وبالمواجهة مع النازية الألمانية، كانت حكومة فيشي بزعامة فيليب بيتان خانت شعبها وفتحت الأبواب أمام الجيش النازي الذي حصدت وحشيته قرابة 90 ألف جندي فرنسي في غضون أسابيع قليلة بين مايو ويونيو 1940م، منتهية بسقوط باريس ووقوع ثلثي أراضي فرنسا في القبضة النازية، وأقرت فيشي ببقائها لقيادة الجزء الباقي، مشاركة بعمليات قمع وذبح ضد الفرنسيين بعشرات الآلاف، إذ مثلت بعد ذلك العصا الغليظة للاستعمار في قمع الشعب الفرنسي.

فاجعة حلم يافع.. من النازية إلى الطاعون الأمريكي
أما إسبانيا فكانت تحت قيادة (الجبهة الشعبية) تخوض معارك انتصارها ضد واقعها المزري الذي غرق فيه الشعب الإسباني طيلة قرون، ليأتي العام 36م محمولاً بالضربة التي كسرت النهضة الإسبانية في انقلاب فرانسيسكو فرانكو على الجمهورية الإسبانية، والإطاحة بـ(الجبهة الشعبية)، وإقامة منظومة ملكية بمعية الحكم النازي والفاشي في ألمانيا وإيطاليا، وتشير المعلومات التاريخية إلى أنه بجانب عشرات المذابح نفي ما يزيد عن نصف مليون مواطن إسباني خارج البلاد، وبعد الهزيمة التي مُنيت بها النازية، انتقل فرانكو للصف الأمريكي، وتكللت العلاقات التبعية بين الجانبين في العام 53م بتوقيع اتفاقية بين فرانكو وأمريكا لبناء قواعد عسكرية في السواحل الإسبانية مقابل الوفورات الاقتصادية والعسكرية.

موسليني.. من ظهر الدبابة الألمانية إلى ظهر محطة البنزين
وانتقالاً إلى إيطاليا فقد أسس بينيتو موسليني في عشرينيات القرن الماضي (الحزب الوطني الفاشي)، وتمكن في العام 22م من الوصول للسلطة وإقامة حكم فاشي انضم لحلف النازية الألمانية (دول المحور)، وخلال حكمه مطلع الأربعينيات تزايدت حدة الغضب الشعبي الإيطالي تجاهه جراء المعاناة والإرهاب الفاشي والانتكاسات العسكرية، وقامت ضده تظاهرات كبيرة وتم اعتقاله، إلا أن حليفه هتلر تدخل بقوات من الصاعقة لتقوم بإخراجه من السجن والذهاب به إلى ألمانيا التي قاد منها حملة عسكرية للعودة إلى إيطاليا، ومع هزيمة دول المحور ومنها إيطاليا تم القبض عليه من قبل قوات (جبهة التحرير الشعبية) الإيطالية في العام 1945م، وتم تنفيذ حكم الإعدام ضده ومجموعة من معاونيه، وللعبرة تم تعليقهم من أرجلهم في إحدى محطات البنزين في مدينة ميلانو الإيطالية.

من الربيع إلى جحيم الخريف.. بينوشيه وتشيلي
وفي تشيلي (أمريكا اللاتينية) اشتهرت عمليات التصفيات الجماعية التي تعرضت لها القوى الوطنية على يد الجنرال أوغستو بينوشيه بإملاءات أمريكية طبقاً لمذكراته، إذ قام في العام 1973م بانقلاب عسكري بإملاء أمريكي ضد الحكومة الاشتراكية المعادية للمنظومة الاستعمارية والتي كان يتزعمها الرئيس سلفادور أليندي، الذي قتل على يد جنود بينوشيه في القصر الرئاسي، وقد ساند بينوشيه عدد من ضباط الجيش أهمهم الأدميرال خوسيه ميرنو قائد البحرية التشيلية، لتتحول تشيلي فترة حكمه حتى العام 1990م إلى سجن كبير، تتم فيه كافة أنواع الجرائم والانتهاكات الإنسانية.
دوماً ما يتقدم صورة هذه الظاهرة شخصيات جديدة، ودوماً ما يظن الخائن أن عورته مخفية ويجاهد تلوينها، ربما كما هو الحال اليوم مع الفار هادي، إلا أن التاريخ جدير بكشفها وإلباسها وجهها الواقعي بلا شائبة. ودائماً ما يجهل الخائن أن عمله يجعل منه معدوم الثقة بالمقام الأول لمن تمت لصالحهم الخيانة، وهو ما تؤكده مقولة نابليون تجاه أحد عملائه أثناء حملاته العسكرية التوسعية في أوروبا: (من يخون وطنه مستعدٌ لأن يخون غيره).