أمام المد الهائل لترسانة العدو الإعلامية التي خبرت الحروب الإعلامية وحملات التضليل والخداع، تخوض كاميرا الإعلام الحربي معركة لا تقل هوادة عن تلك التي يخوضها المقاتل اليمني في صد القوات الغازية ودحر عناصر المرتزقة، إذ يبرز كصرخة رفض للسائد والعتمة الإعلامية التي تفرضها دول تحالف العدوان، بإبراز الأحداث على جبهات قتال متعددة، الأمر الذي يضع وسائط إعلام العدو في حرج الزيف والتعتيم.
ويطرح أمام وسائل الإعلام والوكالات العالمية حقائق لا تستطيع تجاهلها، بإظهاره التسجيلات المصورة للمعارك المحتدمة في ما وراء الحدود اليمنية - السعودية، وهي مناطق تحظر المملكة على وسائل الإعلام نقل الأحداث منها، باستثناء قنواتها الرسمية التي تزيد من قتامة الوضع في تلك المناطق، وتتستر على خسائر العدو السعودي هناك.
ليس من يحمل السلاح هو المقاتل فقط في المعركة، فهناك جنود مجهولون حملوا على عاتقهم إيصال الحقيقة وتبيانها للرأي العام، في ظل اتساع زيف وتضليل وسائل إعلام البترودولار، وبالرغم من المخاطر التي تحدق بهم من كل اتجاه في مواجهة عدو بلا أخلاق ولا يُفرّق بين الصحفي والمواطن المدني من المقاتل، يصمد هؤلاء الجنود لتوثيق اللحظة التاريخية ورصد ملاحم الانتصار.
114 ثانية تغير مسار الحرب
في 22 أيار من العام المنصرم أظهر الإعلام الحربي تسجيلاً مرئياً مدته 114 ثانية، لاقتحام موقع المعزاب العسكري السعودي، تضمن صوراً من داخل الموقع العسكري قبل اقتحامه، التقطتها قوة الاستطلاع، باستخدام (التكبير/ Zoom)، ثم انتقل المشهد إلى الراجمات وهي تطلق الصواريخ باتجاه الموقع تمهيداً لاقتحامه حسبما ورد في التوضيح الكتابي للفيديو، لينتقل بعد ذلك إلى مشاهد تصاعد الأدخنة والآليات العسكرية المعطوبة في جولة داخل الموقع العسكري بعد السيطرة عليه وفرار جنود وضباط جيش العدو، لترد المملكة السعودية على ذلك الفيديو بالضغط على إدارة القمر «نايل سات» وحجب عدد من القنوات التي قامت بنشر وتداول ذلك التسجيل المرئي، كالمسيرة والميادين والمنار والعالم.
مثّل ذلك الفيديو بداية الإعلام الحربي وتوثيق الرد على العدوان بالمشاهد المصورة، وتحدّث محللون عقب تلك المشاهد عن تغير في مسار الحرب، وأن الإعلام الحربي بدأ يأخذ منحى جديداً، بعد الظهور الإعلامي لقائد الثورة عبد الملك الحوثي، الذي ظهرت خلفه الآية القرآنية «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير»، وهي الآية التي نزلت في إجازة القتال.
يقول أحد المراسلين الحربيين إنهم يجتهدون لتصوير كافة المعارك وتوثيقها، غير أن قلة الإمكانيات والكادر المؤهل، تقف حائلاً دون نقل كافة المعارك التي يخوضها أبطال الجيش واللجان الشعبية، إذ لا يتم توثيق ضربات القوة الصاروخية للجيش واللجان إلا ما ندر منها.
وأضاف أنهم يستخدمون كاميرا سوني 20.7 ميجا بكسل، وتمكنهم هذه الكاميرا من التقاط صور بدقة 8 ميجا بكسل، مما يسمح بعمل تكبير رقمي بدون تشويش، وتلتقط صوراً ليلية ذات تعريض مناسب أقل تشويشاً وأكثر نقاء، كما تتيح التقاط الصور في الوضع العادي بدقة 20 ميجا بكسل. بيد أن عدم توفر وسائل الاتصال يحول دون نقل الأحداث يوم وقوعها، بحسب إفادة المراسل الحربي.
تُظهر المشاهد التي يثبها الإعلام الحربي قدرات تصويرية عالية في خوض المعارك وتوثيق كامل أحداثها، الأمر الذي يكشف وجود جيش من التقنيين خلف تلك التغطية الإعلامية التي أزعجت العدو وأصابته في مقتل.
في الخامس من حزيران العام المنصرم بثّ الإعلام الحربي مشاهد عملية اقتحام القوات اليمنية لموقع «الرديف السعودي»، وضرب الموقع بالمدفعية وقذائف الهاون حتى السيطرة على الموقع بشكلٍ كامل بعد أن هرب الجنود السعوديون وتركوا وراءهم الآليات الثقيلة من دبابات وعربات مدرعة، تزامن ذلك مع تكتم إعلامي انتهجته السعودية للتغطية على تقدم القوات اليمنية في ما وراء الحدود، لكن تلك المشاهد المصورة أجبرت العدو السعودي على الاعتراف بالهجوم عبر بيان نقلته وكالة «واس» السعودية، معترفاً بمقتل أربعة عسكريين بينهم ضابطان، مشيراً إلى تعرض عدة محاور بقطاع جيزان ونجران لمهاجمة القوات اليمنية.
الجندي الحافي مثالاً للمقاتل اليمني
مثّلت مشاهد معركة الربوعة حدثاً استثنائياً لم تستطع وسائل الإعلام والوكالات العالمية إغفالها، ونالت مساحات واسعة من التغطية الإعلامية، وتناقلها في مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول عمار باشا مخرج تلفزيوني: «إن سلاح الفن ومقاتليه خلدوا الهوية اليمنية، فمثل هذه اللحظات والأحداث ستُحكى لمئات السنين». معتبراً صورة الجندي الحافي (الشهيرة في اقتحام موقع الربوعة) استطاع المصور من خلالها تخليد المحارب اليمني الذي يتحلى بالشجاعة والثبات، ولا يثنيه الفقر ونقص العتاد.
وأضاف: «عندما أشاهد مقاطع يبثها الإعلام الحربي من خطوط المواجهة، يتوجه تفكيري إلى الشخص الذي يحمل الكاميرا، بعيداً عن الجنود الشجعان ومشاهد القتال، وعن أجواء النصر أو الهزيمة، أحمل جل الاحترام لذلك الذي يحمل الكاميرا، بل إني أحسد شجاعته وثبات يده ونظرته المبدعة التي على الرغم من أجواء الحرب والاقتتال والإمكانيات البسيطة، إلا أنها تحمل نظرة فنان قدير سخّر هذا الفن وجعله سلاحاً هو الأشد فتكاً في خطوط المواجهة».
ويرى باشا أن التأثيرات النفسية التي لها علاقة برفع معنويات، استطاع الفنان المصور التغلب عليها، بقنص اللقطات المناسبة التي أظهرت سر قوة الجيش واللجان الشعبية من إيمان وثبات وإصرار وشجاعة، لا يثنيهم الفقر ولا نقص العتاد، موضحاً أن مشاهد الإعلام الحربي تظهر جنود العدوان في حالة فرار دائم، الأمر الذي يعني الكثير للمتابع والمشاهد لتلك الأحداث، بالإضافة إلى ظهور حقيقي للشخصية اليمنية المقاتلة والمحاربة.
إلى ذلك، قام الإعلام الحربي، مساء الأربعاء الفائت، ببثّ تسجيل مرئي عن تفعيل الدفاعات الجوية وإسقاط طائرة استطلاع في العاصمة صنعاء، بدأ الفيديو بعرض رادارات الاستطلاع وغرف التحكم والصاروخ الذي أسقط الطائرة، ثم مشهد ليلي لعملية إطلاق الصاروخ، وانتقل بعدها لعرض حطام الطائرة، واعتبر متابعون ذلك الفيديو تحولاً جديداً في الحرب، وأن الإعلام الحربي أظهر بذلك الفيديو قدرة الجيش واللجان الشعبية على ردع طائرات العدوان، مما يُفصح عن اقتراب موعد خريف إسقاط الطائرات.
لاشك أن الإعلام شهد تطوراً كبيراً نتيجة التطور المتلاحق في وسائل الاتصال، فالإعلام الحربي مع بداية الحرب العالمية الثانية 1939م، غيره تماماً في حرب الخليج 1990/1991، واستمراراً في التطور فقد أدخل حزب الله اللبناني تطويرات وتعديلات تقنية على أداء المقاتلين في المعارك، باستخدام الكاميرات الحرارية لمسح نقاط التهديد، وكاميرات ذات قدرة على الرؤية الليلية جميعها متصلة بغرفة تحكم محلية تقوم بتجميع الصور والفيديوهات المسجلة، وإرسالها إلى غرفة تحكم محورية تمهيداً لإرسالها إلى قيادة عمليات حزب الله، مما يمكن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، من مشاهدة سير المعارك بشكل شخصي.
الإعلام عدوان يوازي الإف 16
بالموازاة مع العدوان الذي تشنه المملكة وحلفها، يجري عدوان آخر عتاده وسائل الإعلام ومنابر التواصل الاجتماعي المتكفلة بتبرير الجرائم التي يرتكبها التحالف بحق اليمنيين وإيجاد التبريرات له، بيد أن الإعلام الحربي مثل وسيلة ردع قوية نسفت أوهام وشائعات إعلام العدوان، بأن صاحب المقاتلين اليمنيين في تحركاتهم العسكرية، وفتح أمام العدو جبهة لم يستطع بقوته العسكرية ردمها، الأمر الذي انعكس على الآلة الإعلامية، ولم تستطع أيضا تكذيب المشاهد المصورة التي يثبها الإعلام الحربي من المواقع السعودية وراء الحدود.
يرى نايف حيدان، ناشط إعلامي، أن العدوان السعودي الأمريكي على الشعب اليمني صاحبه تغييب وإسكات للصوت الإعلامي لثورة 21 أيلول، بحجب وسائل الإعلام التي تتناول أخبار العدوان، كما حدث لقنوات المنار والميادين والعالم، غير أن الإعلام الحربي برز كهدهد للحقيقة، واستطاع كشف جرائم العدوان وانكساراته بصوت واقعي يسمعه الأعداء قبل الأصدقاء، على حد تعبيره.
وتابع حيدان قوله: «لعب الإعلام الحربي دوراً كبيراً في كشف هزائم العدو وتقهقره أمام بسالة وشجاعة المقاتل اليمني، إضافة للدور الكبير الذي يلعبه هذا الإعلام في كشف وفضح جرائم العدوان بحق الأطفال والنساء والآمنين، كون هذا العدو قد بذل أموالاً كبيرة لحجب هذه الجرائم عن العالم».
وأضاف: استطاع الإعلام الحربي إيجاد وعي بحقيقة العدوان لدى كثير من الذين كانوا قد انخرطوا في صف العمالة والارتزاق، وأدت مشاهد الانتصارات للجيش واللجان، إضافة إلى الجرائم التي تمارسها طائرات العدوان بحق اليمنيين، إلى مراجعة مواقفهم إزاء الوطن.
أصبح الإعلام الحربي بنقله للمشاهد الحية من أرض المعارك - لا سيما في عمق جنوب المملكة - مصدراً موثوقاً لكثير من المواطنين والوسائل الإعلامية من خلال النقل الواقعي لأخبار الجبهات المدعمة بالتسجيلات المصورة من أرض المعركة؛ وبحسب حيدان فإن الإعلام الحربي أفشل محاولات العدو على التعتيم على جرائمه وانكساراته أمام القوات اليمنية في ما وراء الحدود، وحقق نجاحاً باهراً بعد إعلان التحضير للبدء في الخيارات الاستراتيجية، وأصبح مرافقاً لجبهات القتال، واليوم بعد أكثر من 300 يوم من العدوان ومن المحاولات الكبيرة لإسكات صوت الحقيقة، استطاع أن يكون إعلاماً يمنياً صادقاً ومؤثراً على كافة الأصعدة.
الإف 16 يغتال صحفياً
لا يُعد الإعلام الحربي ابتكاراً خاصاً باليمنيين، فعادة ما يكون في الحروب مراسلون حربيون يرسمون الصورة الحية لما يدور على أرض المعركة، غير أن النادر والجديد الذي صنعه أبطال الإعلام الحربي اليمني، يكمن في كونهم جزءاً من المعركة ورديفاً للمقاتل دفاعاً عن الوطن.
إن أفراد الإعلام الحربي لا تحميهم قوانين الحروب التي تتضمن حماية المراسلين الصحفيين، أسوة بغيرهم ممن يقومون بتغطية أحداث حربية على مستوى العالم..
ورغماً عن ذلك، ظلت كتيبة الكاميرا تواصل استبسالها بجسارة في ميادين الوغى على مدى أشهر مضت، وتوثق بطولات الجيش واللجان الشعبية في تكبيد العدو السعودي الخسائر، ويلحقون بقواته هزائم مدوية، ولا يكاد يخلو يوم من مشاهد التنكيل بجيش آل سعود على امتداد الشريط الحدودي وفي الجبهات الداخلية.
وتعيش الصحافة في اليمن أسوأ حالاتها في ظل العدوان السعودي الأمريكي المنفلت من المواثيق والنواميس الدولية، إذ بلغ عدد المنشآت الإعلامية التي استهدفها العدوان 16 مؤسسة إعلامية خلال 300 يوم مضت، فيما استشهد، الأحد الفائت، الصحفي اليمني مقداد مجلي بغارة للإف 16، أثناء إعداده تقريراً عن آثار العدوان على اليمن، حيث يعمل مجلي مراسلاً لعدد من الوكالات ووسائل الإعلام الأجنبية، منها إذاعة «فويس أوف أمريكا» (صوت أمريكا)، وشبكة (آي آر آي إن).
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين