حامد أبو العز

حامد أبو العز / لا ميديا -

لطالما تغنّت دول الخليج بالوحدة الثقافية بين دولها الست، ولطالما تمّت الدعوة إلى تشكيل اتحاد خليجي يشبه الاتحاد الأوروبي، فبرزت الدعوات إلى إلغاء نظام التأشيرة المعمول به بين هذه الدول، إضافةً إلى الدعوات المتكررة لإصدار عملة موحّدة لمنطقة الخليج، إلا أنّ جميع 
هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح مع بروز أزمة قطر وانقسام الدول الخليجية إلى قسمين: قسم قاطعها (كالسعودية والإمارات والبحرين)، وقسم آخر أبقى علاقته معها (كعُمان والكويت). 
لطالما تغنّت دول الخليج بالوحدة الثقافية بين دولها الست، ولطالما تمّت الدعوة إلى تشكيل اتحاد خليجي يشبه الاتحاد الأوروبي، فبرزت الدعوات إلى إلغاء نظام التأشيرة المعمول به بين هذه الدول، إضافةً إلى الدعوات المتكررة لإصدار عملة موحّدة لمنطقة الخليج، إلا أنّ جميع هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح مع بروز أزمة قطر وانقسام الدول الخليجية إلى قسمين: قسم قاطعها (كالسعودية والإمارات والبحرين)، وقسم آخر أبقى علاقته معها (كعُمان والكويت). 
بعد الأزمة الخليجية، ظهر ما يسمى التحالف الإماراتي السعودي، والذي طُبّلَ له على أنه تحالف استراتيجي بين الدولتين، ليس في اليمن وحدها، بل هو تحالف يشمل كل قضايا المنطقة أيضاً، ولكنه ما لبث أن اصطدم بالواقع المرير، وهو أن الحلفاء ليسوا حلفاء تقريباً، وأنّ لكلٍّ منهم أجندة خاصة به يحاول تحقيقها من دون الرجوع إلى الآخر.
بالفعل، أعلنت الإمارات انسحابها من حرب اليمن، ثم أنشأت مليشيات موازية لحكومة هادي تنافسها على مناطق النفوذ في جنوب اليمن وعدن. أُطلق على هذه القوات اسم «قوات المجلس الانتقالي اليمني»، وكانت مهمتها هي التنكيل بحكومة هادي أولاً، ثم تنفيذ المشاريع الإماراتية في اليمن ثانياً.
هذه الخلافات بين السعودية والإمارات بقيت تحت الغطاء بتعتيم إعلامي متعمد، ورغبة إماراتية سعودية بعدم إظهارها إلى العلن، إلا أن الإمارات، وبعد توجه السعودية نحو تحقيق «المصالحة» مع قطر، اتجهت نحو معاقبة المملكة، وقررت أن تُظهر هذا الخلاف إلى العلن.
وعليه، بدأت صحيفة «العرب» اللندنية الممولة من قبل الإمارات بشن هجمات لاذعة وموجهة وغير مسبوقة على السعودية. بدأت حملتها هذه بمقال بعنوان «لا المقاطعة استمرّت ولا قطر انتصرت»، شنّت فيه هجوماً لاذعاً وصفت فيه السعودية بأنها «دولة فاشلة» ولا تملك استراتيجية سياسية. وتساءلت الصحيفة في مقال مدير تحريرها: «متى نجحت السعودية من قبل، من الخليج إلى العراق واليمن وتركيا وإيران، إن لم تكن ثمة قوة خارجية تساندها؟».
لم تلبث الصحيفة أياماً حتى عادت لتهاجم ولي العهد السعودي والشعب السعودي كافة، بعنوان صاخب جاء فيه «إنشاء مدن ذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية»، وأرفقت التقرير بصورة الرياض، في هجمة واضحة على مشروع «ذا لاين» الذي روّج له ولي العهد السعودي منذ أيام.
لم تقتصر الإمارات على إظهار خلافها مع السعودية فحسب، بل ذهبت أبعد من ذلك عندما هاجمت الصحيفة نفسها أمير الكويت، الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، وانتقدت دوره في المصالحة الخليجية، ووصفته بالأمير المنتشي بنجاح وساطته في المصالحة الخليجية.
وقبل هذا وذاك، قرّر رجل الأعمال الإماراتي الشيخ صقر بن محمد بن زايد بن نهيان (وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات) رفع قضية تزوير واحتيال ضد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودي، أحمد الراجحي، وذلك في أعقاب ذكر اسم الشيخ صقر في قضية شركة «تعمير».
يشار إلى أن آخر قرار صدر في القضية كان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، عندما أصدرت محكمة دبي حكمها بإلزام الوزير السعودي أحمد سليمان الراجحي، والذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة «تعمير»، بدفع مبلغ 600 مليون دولار كالتزامات وتعويضات لمؤسس الشركة الفلسطيني عمر عايش.
وبعيداً عن الخلافات السعودية الإماراتية الكويتية، هناك أزمة سعودية عُمانية مستمرة منذ سنوات، قوامها الخلاف حول جدوى حرب اليمن من جهة، وكيفية التعامل مع إيران من جهة أخرى. وبعد الهجوم على ميناء جدة في السعودية، استدعت المملكة سفير عُمان لديها، وأبلغته بأنّها غير راضية عن السلوك العماني بالنسبة إلى حرب اليمن.
في واقع الأمر، إن الخلاف بين عمان والسعودية حول اليمن يعود إلى الأيام الأولى التي شنّت فيها الرياض هجومها الواسع في عام 2015، إذ تنظر عمان إلى هذا العمل على أنه مخطّط سعودي إماراتي لمحاصرة بلد فقير وتجويعه، وترفض (من منطلق دورها التقليدي الذي يبتعد عن الحروب ويمارس دور الوساطة في أي نزاع إقليمي) أن تكون شريكاً في هذا المشروع، بينما تنظر السعودية إلى الدور العماني على أنه دور مزعزع للموقف الخليجي وداعم لحركة «أنصار الله»، الذين استضافتهم عمان أكثر من مرة وعالجت جرحاهم. كما تتّهم السعودية عُمان بأنّ لها دوراً في تهريب السلاح لجماعة الحوثي في اليمن.
أما في الشأن الإيراني، فإنَّ السعودية غاضبة من التقارب العماني الإيراني منذ أيام السلطان قابوس. كما أنها ترفض الصمت العُماني حيال مطالبات السعودية الأخيرة بأن يكون لديها مقعد في أي مفاوضات قادمة بين الدول الكبرى 5+1 وإيران، إذ ترى عُمان أنّ دورها التاريخي اقتصر على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء والمحاولة للدفع بالوسائل الدبلوماسية إلى الأمام، كما ترى أنّ اشتراك كل من الإمارات أو السعودية في المفاوضات مع إيران لن يعود عليهما بالنفع، ذلك أنها ستكون حاضرة في أي مفاوضات مستقبلية بشأن السلاح النووي السعودي أو الإماراتي.
أخيراً، لا تعتبر هذه الخلافات الخليجية جديدة، بل إنها تجددٌ لما هو قديم، بسبب اختلاف في المصالح والاستراتيجيات السياسية للدول العربية. هذه الخلافات دفعت الإمارات والسعودية ذات يوم إلى التفكير في شن هجوم عسكري ضد قطر، ناهيك بأنَّ قطع العلاقات مع قطر تكرَّر أكثر من 3 مرّات في الأعوام 1997 و2014 و2017، فضلاً عن التدخل العسكري السعودي في البحرين لقمع انتفاضتها. ولم تعد هذه الخلافات تقتصر على الطرف القطري ـ الخليجي، بل تحوّلت إلى اختلافات عميقة بين السعودية والإمارات، وبين الإمارات والكويت، وبين السعودية وعُمان... وهلم جراً.

كاتب فلسطيني

أترك تعليقاً

التعليقات