ثمن الشجاعة وأمل التغيير
 

سيف النوفلي

سيف النوفلي / لا ميديا -
عندما ترفع صوت الحق في زمن يزدهر فيه الباطل، يتحول صوتك إلى مرآة تكشف وجوهاً لا ترغب في الانكشاف. الحق ببساطته ووضوحه يربك أصحاب المصالح والأهواء؛ لأن الحقيقة تفضح التلاعب وتقطع أوهام القوة. لذلك ليس غريباً أن تجد نفسك مكروهاً من كثيرين، متعرضاً للاحتيال، وربما للملاحقة من قِبَل من اعتادوا أن تحجب عنهم الحقيقة.
لكن ثمن السكوت أخطر من ثمن القول. من يصمت أمام الظلم يصبح شريكاً في استمرار الجريمة، ومن يتردد في نصح الناس خوفاً من العواقب يترك الساحة لمن يستغلون الجراح ويزرعون الكراهية. الحق لا يحتاج إلى من يدافع عنه فحسب، بل يحتاج إلى من يذكر الناس بضمائرهم، ويعيد إلى القلوب ضوء الضمير الذي طمسته أوهام الانتماءات الضيقة والمصالح الشخصية.
الوقوف عند الحق لا يعني التعالي أو العنف اللفظي، بل هو موقفٌ أخلاقي ينبع من مسؤولية تجاه الإنسان قبل أن يكون موقفاً سياسياً أو طائفياً. يتطلب ذلك شجاعة لبناء خطاب هادف، ووضوحاً في الطرح، وحكمة في اختيار الزمان والمكان. فالقلم الذي يكتب الحق بصدق أبلغ أثراً من الصراخ الذي يولد مقاومة وغضباً بلا نتيجة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن أصحاب الباطل سيحاولون جاهداً إسكاتك؛ يهاجمون سمعتك، يشيطنون مبادئك، يطلقون الإشاعات لزرع الشكور بين أصدقائك... هذا ليس فشلاً في دعوتك، بل هو شهادة أن ما تقول يُشكّل خطراً حقيقياً على مصالحهم. اجعل من هذه الهجمات وقوداً لمزيد من الصبر والتوثيق والعودة إلى المنطق والحجة.
كيف نثبت على الحق دون أن نخسر إنسانيتنا؟
- توثيق الحقائق: اجمع الأدلة، وثّق الكلمات والأفعال، ولا تعتمد على الانفعالات. الحقيقة الموثقة أقوى من هراء الدعاة.
- لغة حضارية: كن واعياً في اختيار الكلمات، الاحترام يقنع من لا تقنعهم العصبية.
- بناء تحالفات: الحق لا يقف بمفرده، شارك الآخرين الذين يؤمنون بالقيم المشتركة.
- الحماية الذاتية: تجنّب المخاطرة غير الضرورية؛ حافظ على سلامتك وسلامة أسرتك، واستشر أهل الخبرة حين تتعرض لتهديدات.
- الصبر والمثابرة: التغيير غالباً ما يكون تدريجياً؛ لا تتوقع نتيجة فورية، لكن لا تتوقف عن المحاولة.
الأهم أن تتذكر: التاريخ لا يقدّر محبوب الجماهير بقدر ما يقدّر مَن وقف مع الحق حين كان موقفه قاسياً ومداناً. قصص الرجال والنساء الذين تحدّوا الظلم ستبقى شاهدةً على أن الحقيقة أقوى من التزييف، وأن الكراهية المنشورة تزول، لكن أثر كلمة الحق يبقى.
في النهاية، لا تسعَ لأن تُحبّك كل النفوس أطمح أن تبقى محباً للحق، متواضعاً في طرحك، وثابتاً أمام المؤامرات. هذا هو الطريق الذي يبني أمة لا تُباع ولا تُقسَم، طريق يعيد للناس كرامتهم ويبني مجتمعاً يعتمد على العدل لا على الخوف.
 كاتب عُماني

أترك تعليقاً

التعليقات