«نصر من الله» لكرامة الإنسان
 

د. أحمد عبدالله الصعدي

د. أحمد عبدالله الصعدي / لا ميديا -

الكرامة الإنسانية هي قيمة أخلاقية مطلقة، وهذا يعني أنها مثال أخلاقي. وبين المثال والواقع مسافة، وإلا لما كان مثالا يرشد ويحفز الوعي والممارسة الأخلاقيين على التطلع إلى الأفضل. ويقدم التاريخ الإنساني أدلة كثيرة على المواجهة الدائمة بين التوحش وشتى أساليب إهدار الكرامة الإنسانية، وبين السعي لصون حياة الإنسان وكرامته وجعله قيمة عليا. وهذا ما أوصت به الأديان، وسعت لتبريره عقلياً ومنطقياً الفلسفة الأخلاقية على مر العصور.
من هذه الزاوية يجدر بنا التوقف ملياً عند النصر الأخلاقي الجلي الذي تحقق في عملية "نصر من الله"، والذي لا يجوز بأي حال التقليل من شأنه بالتركيز على العربات والآليات المدمرة فقط. إن التعامل الذي لقيه الأسرى جسَّد عقيدة أخلاقية ثابتة لا تسمح بإهدار كرامة الإنسان أو احتقاره وإذلاله، حتى لو كان عدواً، وفي أخطر وأحرج الظروف. ففي غمرة المواجهات العسكرية ودوي القذائف ولعلعة الرصاص، وتحليق وقصف الطيران، لم يسمح المقاتل اليمني لنفسه بالتفريط بمبدئه الأخلاقي، بل تحمل كلفة تجنيب الأسرى قصف الطيران وقام بإيوائهم ونقلهم، وسقط العديد من الشهداء في إنجاز هذه المهمة النبيلة، وكان يستطيع حصارهم وتركهم لطيران العدوان ليصفي حسابه مع أدواته.
قال أحد الأسرى مخاطباً مجهادي قواتنا المسلحة: "ما سلمنا لكم إلَّا ونحن نعرف معاملتكم"، وهذا اعتراف بأن التعامل مع الأسرى انطلاقاً من روح الدين وأصالة أخلاق الشهامة والشجاعة والنبل قد صار سلاحاً معنوياً مؤثراً في جبهة العدو، وأنه لم يكن ذريعة، بل موقفاً عقائدياً راسخاً.
إن احترام كرامة الأسير يعني احترام كرامة الإنسان بوجه عام. وهذا التعميم هو الأرضية التي نشأت عنها المفاهيم الأخلاقية العامة. وكل خصم يتسم بشيء من الشجاعة لا يستطيع إلا أن يعترف بالتفوق الأخلاقي للجيش واللجان الشعبية في التعامل مع أسرى الحرب منذ بداية العدوان، وبرز ذلك بصورة أوضح وأقوى في عملية "نصر من الله"، التي كانت نصراً مبيناً للكرامة الإنسانية. وأي إنسان يستطيع أن يُعمل خياله ليرى ما كان سيحدث لو أن العدوان ومرتزقته هم الذين انتصروا، وأن تلك الحشود الكبيرة من الأسرى هم من الجيش واللجان!
نحن أمام جبهتين متقاتلتين في مجال الأخلاق، وقد علمنا القرآن الكريم أن كلا يعمل على شاكلته.

أترك تعليقاً

التعليقات