د. أحمد عبدالله الصعدي

د. أحمد عبدالله الصعدي / #لا_ميديا -

أكد رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، الأربعاء الماضي 1/1/2020، في كلمته التي دشن بها الخطة الاستراتيجية للعام 2020م، من المرحلة الأولى لتنفيذ الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، على أهمية العدالة الاجتماعية وعلى ترسيخ مبدأ الإحسان والعدل ومكافحة الفقر وتحسين سبيل العيش.
وبينما كان الرئيس المشاط يلقي كلمته، كان مجلس النواب يصدر توصيات بشأن التعليم العالي، منها توصيته للحكومة بتوجيه وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتعليم الفني والتدريب المهني، للبحث عن حلول لاستيعاب خريجي الثانوية العامة الذين لم يستطيعوا الالتحاق بالتعليم العالي والفني، حيث إن ما يتم استيعابه من خريجي الثانوية العامة لا يزيد عن 30%. 
في البداية يجب أن نشير إلى أن عدم تمكن 70% من خريجي الثانوية في الأعوام الأخيرة من الحصول على حقهم في التعليم، ولا شك أن عددهم قد بلغ مئات الآلاف، هو مظهر فاقع من مظاهر الظلم الاجتماعي الذي يكرس الفوارق بين الطبقات والفئات، ويؤدي إلى المزيد من الشعور بالاستبعاد والتوتر الاجتماعي وضعف الولاء الوطني.
لكن ما لا يعلمه الرئيس المشاط ولا مجلس النواب، هو أن حرمان عشرات الآلاف من خريجي الثانوية كل عام من الالتحاق بالتعليم العالي، ليس سببه ضيق الطاقة الاستيعابية، بل انحراف مؤسسات التعليم العالي عن مهامها ورسالتها التي أقيمت من أجلها إلى تكريس كل همها لتحصيل الأموال، وذلك ما جعل فرص الالتحاق بالجامعات تعرض كالسلع التجارية.
قبل أن تنحرف الجامعات عن رسالتها ومهامها كان الطالب المتقدم لأية كلية يسجل 3 رغبات، فيجري توزيع الطلاب على الأقسام بحيث لا يتكدسون في أقسام بعينها، وتبقى أقسام أخرى شبه خالية كما هو حاصل اليوم في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صنعاء على سبيل المثال، ولا يفكر أحد بإلغاء رسوم الموازي من بعض الأقسام لتمكين غير القادرين ماليا من الالتحاق بتلك الأقسام.
فقسم التاريخ الذي يضم نخبة من كبار أساتذة وعلماء التاريخ، وبينهم الأستاذ والعالم الكبير الدكتور نزار الحديثي (من العراق الشقيق)، استقبل هذا العام ما لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، بينما استقبل قسم آخر ليس فيه من أعضاء هيئة التدريس حملة الدكتوراه إلا شخص واحداً، حوالي 150 طالبا وطالبة! لم يلتفت أحد لمعنى أن يخلو قسم التاريخ من الطلاب، ولم يستوعب القائمون على الأمر أن عدم اكتراثنا بالتاريخ هو عدم احترام لماضينا وحاضرنا.
وبدلا من أن يفكر المعنيون بالأمر في المسألة جديا، ويعترفوا بأن النظام الموازي وعرض الأقسام عرض السلع قد أصاب التعليم الجامعي بمقتل، راحوا يقترحون حلولا مضحكة من قبيل تغيير أسماء الأقسام لجعلها جذابة للزبائن! إن حرمان مئات الآلاف من أبناء الشعب الكادح من حق التعليم العالي مشكلة أخطر مما يتصورها من يديرون أمور التعليم العالي بعقول دكانجية.
وما لم يعد النظر بشكل جدي في سياسات التعليم العالي، ستسير الأمور من سيئ إلى أسوأ، ولن تنقذ دعوات الرئيس المشاط وتوصيات مجلس النواب فقيرا واحدا وتنتشله من الحرمان والضياع في بلد فقير تتكرس فيه قيم تبدأ بالمال وتنتهي بالمال. وحيث تكون الإيرادات وجمع المال هي كل شيء، يضيع الإنسان والحقوق والأخلاق والعدالة والمواطنة، ولا تبقى إلا خطابات وكلمات تدحض الوقائع اليومية مصداقيتها.

أترك تعليقاً

التعليقات