السعوديون يدفعون ضريبة هواجس أمراءهم
- تم النشر بواسطة لا ميديا
قال المفكر العربي محمد حسنين هيكل ان“اليمن بركان نائم في جنوب شبه الجزيرة العربية، واذا انفجر سوف يجرف كل المنطقة. لم يكن السعوديون يشعرون بالخوف من أي أحد، إلا أن اليمن ظل هاجسهم الوحيد” .
يُحسن البعض قراءة التاريخ، وهو بذلك يتمكن من استشراف مآلات المستقبل. هكذا كان محمد حسنين هيكل، الذي كان له فضل في عدم إنزلاق مصر إلى المستنقع اليمني، الذي خلّف إلى اليوم أكثر من 30 ألف ضحية يمني (بين شهيد وجريح)، وأبقى على السعودية وحلفائها في موقع العاجز عن التقدم، أو حتى الانسحاب من المشهد.
منتصف ليل هذا اليوم، يطوي اليمنيون عامان على العدوان الأسود، الذي انطلق بإشارة من الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز منتصف ليل 25 آذار/مارس 2015، وتصدّر مشهده ابنه الحديث على السياسة محمد بن سلمان.
بررت السعودية حربها على اليمن، بأنها أتت استجابة لطلب عبد ربه منصور هادي، الرئيس المنتهية ولايته والفار من بلاده بترتيب من الاستخبارات السعودية. وإلى جانب مملكة آل سعود، دخلت الإمارات والبحرين والكويت وقطر والأردن والسودان. فيما وفرت الولايات المتحدة وبريطانيا دعماً استخبارياً ولوجستياً أساسياً للعدوان، والتزمت دول العالم المتبقية الصمت المدفوع ثمنه سُعودياً.
عامان من الحرب، قدم اليمنيون خلالهما أكثر من 30 ألف شهيد وجريح، بينهم: 4541 طفلاً، و3551 امرأة، ونحو 20619 من الذكور. وخسر الكادر الطبي في اليمن 80 شهيداً و220 جريحاً خلال عامين. وقد استهدف العدوان أكثر من 412 منشأة ووحدة صحية وبلغت خسائر القطع الصحي 8 مليارات ريال، وفقاً لحصيلة نشرتها وزارة الصحة اليمنية اليوم.
منظمة العفو الدولية توقفت في آخر تقاريرها عند الوضع الإنساني الصعب الذي أفرزه العدوان. قالت المنظمة إن 18.8 مليون يمني حاجة إلى مساعدات إنسانية للاستمرار في الحياة، وقالت إن 2 مليون طفل يمني هم اليوم خارج المدارس بفعل الأوضاع. تقارير المنظمات الدولية بمعظمها اهتمت بالمجاعة تفتك باليمن، في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، تحدث مسؤول العمليات الإنسانية فى الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن محنة الأطفال في اليمن، قائلاً إن “طفلاً يموت كل ١٠ دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها”.
في إحدى الشهادات ينقل عيسى البكري، والد أيمن البكري (17 عاماً) والذي كان يعمل سائقاً لسيارة إسعاف عندما لقي حتفه أثناء غارة جوية على مستشفى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في عبس بمحافظة حجة في أغسطس/آب 2016. وقال عيسى وقد مزّقه الحزن وبدا عليه الذهول: “كان أيمن في المنزل يتناول غداءه عندما استُدعي لنقل إحدى المريضات إلى المستشفى. وعندما وقعت الغارة الجوية أحسَّ الأب بأن قلبه انتُزع من صدره على الفور. وقال: “بحثنا عنه في كل مكان”. وعندما وجدوه كان أيمن لا يزال يحمل المريضة بين يديه وقد احترقت كقطعة فحم!
ومن تعز، تتحدث ليلى هايل، التي فقدت والدتها وأربعة من أشقائها وشقيقاتها عندما دمرت ضربة جوية شنها التحالف منزلهم: “أدّت قوة الإنفجار إلى قذف شقيقاتي ووالدتي في الهواء على ارتفاع خمسة أمتار، مما أسفر عن مقتلهن فوراً. ولم يتم انتشال جثة هاني إلا بعد مرور 12 ساعة. وكان والدي فيصل (60 عاماً) الناجي الوحيد.”
الصور التي يتنقلها الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الإجتماعي، تعكس بقساوتها الإجرام المستفحل ضد الشعب الذي يُعد من أفقر شعوب شبه الجزيرة العربية. وهي لا تعكس هذا فقط، بل كل ما يعتصر اليمنيين من ألم جراء هذه القسوة.
الوضع الذي عاشه اليمنيون خلال عقود ما قبل الحرب، والمحنة الإنسانية التي كرستها السعودية خلال عامي العدوان انعكسا انجازات ميدانية نوعية في سجل اليمنيين.
الحصار الخانق الذي يُحكم على اليمن، والقتل المستفحل، يبدو أنه كان دافعاً لليمنيين في نجاحهم بإفشال زحوفات العدوان التي كانت تهدف للسيطرة على مناطق استراتيجية تؤمن التوغل إلى عمق العاصمة صنعاء. أكثر من مرة كان الإعلام السعودي يروّج إلى أنه بات على مشارف العاصمة صنعاء، وإلى اليوم لم يُسجل أي خرق أو دخول أو اقتراب من العاصمة.
ليس هذا وبحسب، سُجل لليمنيين تمكنهم من نقل المعركة إلى العمق السعودي في المناطق الحدودية المجاورة. ولهذا السبب منعت وزارة الخارجية الأميركية موظفيها من الاقتراب من الحدود اليمنية أو مدن جيزان ونجران. وبسبب العجز في الميزان العسكري عن مواجهة المقاتل السعودي لمقاتلي اللجان الشعبية في اليمن، استقدمت المملكة مقاتلين من جنوب اليمن كمرتزقة انتشرت في المناق الحدودية السعودية لخوض المعارك نيابة عن الجندي السعودي، بعد تفاقم الخسائر السعودية.
يُسجل لليمنيين أيضاً تمكنهم من إنتاج طائرات بدون طيار وتطوير منظومات صاروخية كصواريخ “بركان1” و “بركان2R43;، التي حققت معادلة ردعية بجعلها الرياض في مرمى النيران اليمنية. وفي وقت يحتشد فيه العالم على شرعنة قتل اليمنيين وغض النظر عن الجرائم المتمادية، كان المقاتلون على الأرض يخوضون المعارك بيد، ويطورون المنظومات الصاروخية بيد أخرى.
وفي عمليتين نوعيتين، استهدفت القوة الصاروخية اليمنية قاعدة الملك سلمان في الرياض، وذلك عشية وصول الملك السعودي إلى الرياض بعد جولة زار فيها عدداً من البلدان الاسلامية. وفي عملية سابقة، دشنت القوة الصاروخية استهداف الرياض من خلال ضرب قاعدة عسكرية سعودية في منطقة المزاحمية غرب الرياض. وتأتي هذه العمليات ضمن ملاحم يخوضها اليمنيون ضد المواقع العسكرية السعودية المدججة بالسلاح.
نجح اليمنيون في نقل المعركة إلى الرياض، في المقابل لم يجد المسؤولون السعوديون غير الصمت، وترجمة عجزهم بالاستفحال في الإجرام.
واليوم، يدفع اليمنيون ضريبة قلق تعيشه السعودية منذ عهد مؤسسها “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” الذي ينقل عنه مقولته لأبنائه: عزكم في ذُل اليمن. فيما يدفع سكان المملكة ضريبة هواجس الأمراء، التي لم تكن يوماً إلا على حسابهم.
ولكن هل فكر السعوديون أي جيل ستخلفه سياسات أصحاب القرار في المملكة؟ هل هناك من يسأل أمراء آل سعود عن مسؤوليتهم تجاه كل هذه الكراهية التي تخلفها المآسي المرتكبة في اليمن؟ هل من صوت سيخرج ليُطالب بمحاكمة هؤلاء عن جرائهم بحق اليمنيين وعن جريمتهم الكبرى في تشويه سمعة سكان المملكة؟
إسراء الفاس/ المنار
يُحسن البعض قراءة التاريخ، وهو بذلك يتمكن من استشراف مآلات المستقبل. هكذا كان محمد حسنين هيكل، الذي كان له فضل في عدم إنزلاق مصر إلى المستنقع اليمني، الذي خلّف إلى اليوم أكثر من 30 ألف ضحية يمني (بين شهيد وجريح)، وأبقى على السعودية وحلفائها في موقع العاجز عن التقدم، أو حتى الانسحاب من المشهد.
منتصف ليل هذا اليوم، يطوي اليمنيون عامان على العدوان الأسود، الذي انطلق بإشارة من الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز منتصف ليل 25 آذار/مارس 2015، وتصدّر مشهده ابنه الحديث على السياسة محمد بن سلمان.
بررت السعودية حربها على اليمن، بأنها أتت استجابة لطلب عبد ربه منصور هادي، الرئيس المنتهية ولايته والفار من بلاده بترتيب من الاستخبارات السعودية. وإلى جانب مملكة آل سعود، دخلت الإمارات والبحرين والكويت وقطر والأردن والسودان. فيما وفرت الولايات المتحدة وبريطانيا دعماً استخبارياً ولوجستياً أساسياً للعدوان، والتزمت دول العالم المتبقية الصمت المدفوع ثمنه سُعودياً.
عامان من الحرب، قدم اليمنيون خلالهما أكثر من 30 ألف شهيد وجريح، بينهم: 4541 طفلاً، و3551 امرأة، ونحو 20619 من الذكور. وخسر الكادر الطبي في اليمن 80 شهيداً و220 جريحاً خلال عامين. وقد استهدف العدوان أكثر من 412 منشأة ووحدة صحية وبلغت خسائر القطع الصحي 8 مليارات ريال، وفقاً لحصيلة نشرتها وزارة الصحة اليمنية اليوم.
منظمة العفو الدولية توقفت في آخر تقاريرها عند الوضع الإنساني الصعب الذي أفرزه العدوان. قالت المنظمة إن 18.8 مليون يمني حاجة إلى مساعدات إنسانية للاستمرار في الحياة، وقالت إن 2 مليون طفل يمني هم اليوم خارج المدارس بفعل الأوضاع. تقارير المنظمات الدولية بمعظمها اهتمت بالمجاعة تفتك باليمن، في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، تحدث مسؤول العمليات الإنسانية فى الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن محنة الأطفال في اليمن، قائلاً إن “طفلاً يموت كل ١٠ دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها”.
في إحدى الشهادات ينقل عيسى البكري، والد أيمن البكري (17 عاماً) والذي كان يعمل سائقاً لسيارة إسعاف عندما لقي حتفه أثناء غارة جوية على مستشفى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في عبس بمحافظة حجة في أغسطس/آب 2016. وقال عيسى وقد مزّقه الحزن وبدا عليه الذهول: “كان أيمن في المنزل يتناول غداءه عندما استُدعي لنقل إحدى المريضات إلى المستشفى. وعندما وقعت الغارة الجوية أحسَّ الأب بأن قلبه انتُزع من صدره على الفور. وقال: “بحثنا عنه في كل مكان”. وعندما وجدوه كان أيمن لا يزال يحمل المريضة بين يديه وقد احترقت كقطعة فحم!
ومن تعز، تتحدث ليلى هايل، التي فقدت والدتها وأربعة من أشقائها وشقيقاتها عندما دمرت ضربة جوية شنها التحالف منزلهم: “أدّت قوة الإنفجار إلى قذف شقيقاتي ووالدتي في الهواء على ارتفاع خمسة أمتار، مما أسفر عن مقتلهن فوراً. ولم يتم انتشال جثة هاني إلا بعد مرور 12 ساعة. وكان والدي فيصل (60 عاماً) الناجي الوحيد.”
الصور التي يتنقلها الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الإجتماعي، تعكس بقساوتها الإجرام المستفحل ضد الشعب الذي يُعد من أفقر شعوب شبه الجزيرة العربية. وهي لا تعكس هذا فقط، بل كل ما يعتصر اليمنيين من ألم جراء هذه القسوة.
الوضع الذي عاشه اليمنيون خلال عقود ما قبل الحرب، والمحنة الإنسانية التي كرستها السعودية خلال عامي العدوان انعكسا انجازات ميدانية نوعية في سجل اليمنيين.
الحصار الخانق الذي يُحكم على اليمن، والقتل المستفحل، يبدو أنه كان دافعاً لليمنيين في نجاحهم بإفشال زحوفات العدوان التي كانت تهدف للسيطرة على مناطق استراتيجية تؤمن التوغل إلى عمق العاصمة صنعاء. أكثر من مرة كان الإعلام السعودي يروّج إلى أنه بات على مشارف العاصمة صنعاء، وإلى اليوم لم يُسجل أي خرق أو دخول أو اقتراب من العاصمة.
ليس هذا وبحسب، سُجل لليمنيين تمكنهم من نقل المعركة إلى العمق السعودي في المناطق الحدودية المجاورة. ولهذا السبب منعت وزارة الخارجية الأميركية موظفيها من الاقتراب من الحدود اليمنية أو مدن جيزان ونجران. وبسبب العجز في الميزان العسكري عن مواجهة المقاتل السعودي لمقاتلي اللجان الشعبية في اليمن، استقدمت المملكة مقاتلين من جنوب اليمن كمرتزقة انتشرت في المناق الحدودية السعودية لخوض المعارك نيابة عن الجندي السعودي، بعد تفاقم الخسائر السعودية.
يُسجل لليمنيين أيضاً تمكنهم من إنتاج طائرات بدون طيار وتطوير منظومات صاروخية كصواريخ “بركان1” و “بركان2R43;، التي حققت معادلة ردعية بجعلها الرياض في مرمى النيران اليمنية. وفي وقت يحتشد فيه العالم على شرعنة قتل اليمنيين وغض النظر عن الجرائم المتمادية، كان المقاتلون على الأرض يخوضون المعارك بيد، ويطورون المنظومات الصاروخية بيد أخرى.
وفي عمليتين نوعيتين، استهدفت القوة الصاروخية اليمنية قاعدة الملك سلمان في الرياض، وذلك عشية وصول الملك السعودي إلى الرياض بعد جولة زار فيها عدداً من البلدان الاسلامية. وفي عملية سابقة، دشنت القوة الصاروخية استهداف الرياض من خلال ضرب قاعدة عسكرية سعودية في منطقة المزاحمية غرب الرياض. وتأتي هذه العمليات ضمن ملاحم يخوضها اليمنيون ضد المواقع العسكرية السعودية المدججة بالسلاح.
نجح اليمنيون في نقل المعركة إلى الرياض، في المقابل لم يجد المسؤولون السعوديون غير الصمت، وترجمة عجزهم بالاستفحال في الإجرام.
واليوم، يدفع اليمنيون ضريبة قلق تعيشه السعودية منذ عهد مؤسسها “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” الذي ينقل عنه مقولته لأبنائه: عزكم في ذُل اليمن. فيما يدفع سكان المملكة ضريبة هواجس الأمراء، التي لم تكن يوماً إلا على حسابهم.
ولكن هل فكر السعوديون أي جيل ستخلفه سياسات أصحاب القرار في المملكة؟ هل هناك من يسأل أمراء آل سعود عن مسؤوليتهم تجاه كل هذه الكراهية التي تخلفها المآسي المرتكبة في اليمن؟ هل من صوت سيخرج ليُطالب بمحاكمة هؤلاء عن جرائهم بحق اليمنيين وعن جريمتهم الكبرى في تشويه سمعة سكان المملكة؟
إسراء الفاس/ المنار
المصدر لا ميديا