ما هـو الثمن لإلغاء «قانون قيصر» عن سورية؟
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا
دمشق - خاص / لا ميديا -
أخيراً وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القانون الذي ينص على إلغاء «قانون قيصر» حول العقوبات على سورية، بعد موافقة مجلسي الشيوخ والنواب.
إلغاء القانون لم يكن بهذه السهولة، أو بلا ثمن، وإنما جاء نتيجة مسار طويل ومعقد، وبعد الوصول إلى الهدف الأساسي من القانون، وهو إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ورغم ذلك لم يتم إلغاء القانون بشكل أتوماتيكي، مع تحقق الهدف الذي تم إقراره لأجله، وإنما بقي سيفاً مسلطاً فوق الشعب السوري، والسلطة الجديدة، التي تولت الحكم في دمشق، بقيادة رئيس السلطة الانتقالية أبو محمد الجولاني بهدف تحقيق مكاسب سياسية منه.
المطالب من سلطة دمشق مقابل إلغاء القانون لم تعد سرية، وتم التفاوض عليها في دمشق، وفي الكيان الصهيوني، وفي تركيا وقطر وفرنسا وأذربيجان وعُمان وأماكن أخرى، كما أن الأخبار والتقارير، كانت تتوالى عن محادثات سرية وتبادل وفود لم تنقطع، لكنها صبت كلها في النهاية في واشنطن، خلال زيارة الشرع للبيت الأبيض، بعد مسار طويل ومعقد، لتعويمه شخصيا، ولتعويم حكومته، حيث تم تسلميه جملة مطالب، تخص الداخل السوري، لكن الأهم منها، ما يخص العلاقات مع الكيان الصهيوني، والتي يراد منها في النهاية، الذهاب إلى التطبيع مع كيان الاحتلال، والدخول في «الاتفاق الإبراهيمي»، وبدون انسحاب كيان الاحتلال من الجولان السوري المحتل، ومن الأراضي التي تمدد فيها بعد سقوط نظام الأسد، وتم تحديد أكثر من موعد للقاء بين الشرع ونتنياهو، لكن ذلك لم يتم حتى الآن، بسبب الاختلاف على بعض التفاصيل.
رغم ذلك فقد كان لافتاً، أن عملية التطبيع لم تنتظر التوصل إلى اتفاق رسمي، حيث بدأت منذ الأيام الأولى لتولي السلطة الجديدة الحكم في دمشق، وبدأت مع تسليم جثث جنود «إسرائيليين»، كانوا مدفونين في مخيم اليرموك قرب دمشق، وتسليم بقايا من أغراض وحاجات الجاسوس «الإسرائيلي» إيلي كوهين، الذي أعدم في دمشق عام 1965، وفي زيارات وفود من اليهود السوريين الذين غادروا سورية، ومنهم إلى الكيان «الإسرائيلي»، والحديث عن استعادة أملاكهم، وزيارات إعلاميين «إسرائيليين»، وتجولهم في دمشق بكل حرية، كما تحدثت تقارير إخبارية عديدة، عن تواجد شبه دائم لوفود «إسرائيلية»، وخاصة من العسكرية ومن «الموساد» لدمشق، وإقامتهم في فندق «فور سيزنس» في العاصمة دمشق.
القراءة الواقعية للحدث، تؤكد أن قانون قيصر، كان سيفاً موضوعاً على رقبة الشعب السوري، ينحرها ببطء وبألم، وأن إلغاءه كان ضرورة لا بد منها للشعب السوري، الذي أنهكته الحرب طوال أربعة عشر عاماً، وأوصلته إلى حد التشرد والفقر وفقدان الأمن والأمان.
كما أن هذه القراءة، تؤكد بأن الخيارات باتت محدودة أمام السلطة الجديدة، بعد التغيير الدراماتيكي في السلطة، وما نتج عنها من تغيرات وتطورات وتبدلات جذرية، في موازين القوى والقوة في سورية والمنطقة، وأهمها قيام كيان العدو «الإسرائيلي»، بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد، بمئات الغارات، التي دمرت معظم ما كان يمتلكه الجيش السوري السابق، من أسلحة ومعدات، وتجهيزات، ومقرات، ومراكز بحوث، حتى باتت سورية، بدون جيش قادر على الدفاع عنها، وهو ما سمح لحكومة الاحتلال، بالتمدد في منطقة الجولان، وجنوب سورية، وفرض سيطرتها على الأجواء السورية، ووصول دوريات جنودها، إلى بعد 15 كم فقط عن دمشق.
مع هذه التطورات، أصبحت خيارات السلطة تتعلق بمسارين لا ثالث لهما، والخيار بينهما هو خيار بين سيئ وأسوأ، الأول وهو الأسوأ، وتعاند فيه السلطة الأمريكيين و»الإسرائيليين»، ومعهم كل الدول والقوى المؤثرة في سورية، وكان لها دور في التغيير الدراماتيكي الذي حصل فيها، ويستمر قانون قيصر، وتزداد الضغوط على السلطة الشعب، وسيطرة الفصائل المسلحة المتشددة على الوضع، والمزيد من المجازر، وتحول سورية إلى إمارات طائفية، يسيطر عليها المسلحون، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من الدماء، والمزيد من إفقار وإذلال الشعب السوري، رغم ما يعانيه من استنزاف وأزمات وفقر وقهر.
والخيار الثاني، وهو الأقل سوءاً، ويقضي بتنفيذ السلطة للطلبات التي تم تسليمها للشرع في واشنطن، وتنفيذ ما يريده الأمريكيون و«الإسرائيليون»، وفيها نقطة مهمة، وهي أن ما يتعلق منها بالداخل السوري، يتوافق بشكل غير مسبوق، بين المطالب الإقليمية والدولية، وما تطلبه معظم شرائح ومكونات الشعب السوري، الذي أصبح همه الأول هو الأمان ولقمة العيش.
وهناك نقطة مهمة أخرى أيضاً، وهي أن مبادرة ترامب، لإلغاء «قانون قيصر» سيئ الذكر، لم تأت لكرم أخلاق منه، ولا بسبب حبه للشعب السوري، أو حرصه عليه، ولا في لحظة مراجعة، أو تأنيب ضمير (غير موجود) أمريكية أو من القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، على ما فعلوه بالشعب السوري، وهم يتصارعون على الأرض السورية، وعلى حساب دما الشعب السوري، وإنما فرضته حاجة إقليمية ودولية، تتطلب الهدوء والاستقرار في المنطقة، وهذا مستحيل بدون سورية.
أما تبجح ترامب حول الجولان، فهو ليس سوى كلام فارغ وسخيف، فالجولان أرض سورية، لا يملك أحد في العالم، لا في الداخل ولا في الخارج، حق التنازل عنه، لأنه حق مصان للشعب السوري، بموجب القوانين الأممية، والشرعية الدولية، وقد خسرته سورية في لحظة اختلال في توازنات القوى، التي أدت إلى هزيمة حزيران عام 1967، ولم نستطع استعادته خلال 57 عاماً، بسبب استمرار هذا الخلل، ورغم وجود القرارات الأممية والدولية، التي تتكرر سنوياً، حول هذا الحق، وعندما تتغير هذه التوازنات، فسوف تستعيده سورية، رغماً عن أنف ترامب، وتوقيعه وتبجحه.
رغم حالة الاستقطاب التي يعيشها السوريون هذه الأيام، بين مؤيد ومعارض للسلطة الجديدة، لكن إلغاء القانون، لاقى ترحيباً من معظم شرائح الشعب المنهك، خاصة وأن المهلة المعطاة للسلطة، لتنفيذ ما هو مطلوب منها في الداخل محددة بالأشهر، ويأمل فيها السوريون، أن تبادر السلطة إلى إقرار دستور جديد، تتم صياغته على أسس وطنية، وتتناسب مع خصوصية الشعب السوري، كبديل عن البيان الدستوري الذي اقرته على قياسها، وتشكيل حكومة موسعة، تشمل كل المكونات السورية، وإعادة هيكلة الجيش وأجهزة الأمن، وبانتظار أن تتغير الظروف الداخلية، والتوازنات الإقليمية والدولية، التي تعيد لسورية توازنها.










المصدر خاص / لا ميديا