 
							«لا» 21 السياسي -
عن طريق التحليل المخبري للفيديوهات وربط محتواها بالسياقات والملابسات والإحداثيات الجغرافية وبما استطاعت التأكد منه من مصادرها الخاصة، قدمت قناة «سكاي نيوز» البريطانية سلسلة جديدة من الأدلة (التي ترقى إلى مرتبة الأدلة الجنائية) على «تعاون» مليشيات مناهضة لحماس مع قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، لتخلص القناة إلى مجموعة من الحقائق، من أبرزها:
•هناك 4 مليشيات تطوق القطاع بطوله، جميعها تتمركز داخل المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال حتى بعد انسحابه جزئياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
•تتمركز هذه المليشيات جميعاً في مواقع توجد على أقل من 400 متر من مواقع قوات الاحتلال.
•بينما كان سكان القطاع يموتون جوعاً، كان هؤلاء يحصلون على الطعام والماء والوقود بصورة منتظمة، سواء عن طريق معبر كرم أبو سالم أو معبر بيت حانون (إيريز) أو مباشرةً من مواقع قوات الاحتلال.
•وبينما كان سكان القطاع يُقتلون قنصاً في طوابير ما يسمى «صندوق غزة الإنساني»، كانت البضائع التي تحمل شعار هذا الصندوق تملأ مخازن المليشيات.
•توثق القناة كذلك وصول الأسلحة والدراجات البخارية الحديثة وسيارات الدفع الرباعي إلى المليشيات. بعضها في الواقع يحمل لوحات مرور «إسرائيلية».
•أضف هذا إلى تأكيد نتنياهو يوم 6 حزيران/ يونيو الماضي أن قواته تقوم بتسليح عشائر بعينها في غزة: «ما الخطأ في هذا؟! إن من شأنه أن يحفظ أرواح جنودنا».
إذا افترضت حسن نية تلك المليشيات، بل وحقها الوطني في الاعتراض على حماس، كما يقول يسري فودة، يكفي هذا التصريح من زعيم عدو الوطن -وما تلاه من أدلة جنائية دامغة- لإدانتها بتهمة خيانة الوطن.
ثم يكفي بعد انتشار المقاومة بحثاً عنهم أن (أحدهم) على «سكاي نيوز عربية» اكتأب وانزعج لسماح ترامب للأبطال بالبقاء في القطاع! لم يخجل الإعلامي المصري عماد الدين أديب من وقاحته تلك، متبجحاً بكآبته وانزعاجه على «سكاي نيوز عربية» (النسخة «العربية» من «سكاي نيوز» البريطانية) الممولة من الإمارات والمؤيدة للكيان.
يُتهم أديب بالارتزاق وبيع مواقفه لمن يدفع أكثر. ولا أكثر من أموال الجاز المختفي في أعماق صحراء الجزيرة العربية. غير أن ثمة رأياً آخر لا يرى في أديب مجرد مرتزق، بل هو بالفعل يعبر عن مواقفه المنحطة لا أكثر، كما يؤكد عبده فايد، الذي يشير إلى أديب كوجه للانحطاط العربي المتخابر مع الاحتلال وذروة سنامه. هو المدفع الأول في ترسانة الاحتلال لتبييض صورته، لتمهيد الميدان وبتر كل وعي ما يزال يحافظ على كلمة «لا» في وجه العدو. هو ذخيرة دويلة الجاز. أديب هو مصنع النسخة العربية الجديدة المطلوبة بأي ثمن؛ العربي الخائن لوطنه وعروبته، والذي يخرج علينا مردّداً دعاية العدو تحت اسم السلام.
بعد سقوط نظام حسني مبارك، وجد أديب العوض في دويلة الجاز هذه. لم يكن تقاطعاً مصلحياً، بل مبدئياً، لطرفين لهما الطموح نفسه: تشكيل الشرق الأوسط على عتبة الخادم للعدو، وإفناء أي صوت معارض. تحتاج الدويلة لأصوات، ويحتاج أديب لكفيل. فكان الاحتضان من الباب الأوسع كتابة وصوتاً وصورة في محطة إعلامية رديئة. عماد الدين أديب حقق أخيراً أحلامه بالسفر إلى الكيان خمس مرات، بل واستضافة رئيس وزراء العدو السابق في لقاء تلفزيوني والثناء عليه كصانع للسلام.
وهنا يمكن فهم كلام «النائحة المستأجرة» وبرميل الطرشي هذا -كما يصفه خليل العناني- أو كلام الذي يشغّله ويدفع له، ورئيس المحطة التي ظهر عليها مندوبه لإدارتها: نديم قطيش، الذي قال صراحةً: «يجب دفن فكرة المقاومة وتجريم من يتبناها»؛ هكذا صراحةً ودون مواربة. مدير «سكاي نيوز عربية» دعا علناً إلى إنهاء المقاومة في المنطقة العربية، من خلال ما سماه «كيّ الوعي»، وهو مفهوم «إسرائيلي» راج في فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وأسست عليه «إسرائيل» عقيدة الضاحية في حرب تموز/ يوليو 2006، وأخيراً الإبادة الجماعية على غزّة.
يخبرنا ساري عرابي بأن هذا المسار الإعلامي تحوّل بالضرورة إلى دعاية نسبية للسردية «الإسرائيلية». بدأ ذلك من بعد توقيع اتفاقية أوسلو وموجة التطبيع الأولى أواسط تسعينيات القرن الماضي، ثمّ تعزز أكثر بعد احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وتأسيس قنوات إخبارية ممولة حكوميّاً إثر ذلك، تنحاز لهذا الاحتلال وتعادي المقاومة العراقية حينها، حتى باتت الإبادة أخيراً تبدو كأنّها مقبولة على مثل هكذا شاشات، أو على الأقل تختفي بهولها الرهيب خلف الهجوم المستمر على حركة حماس، وقلب الموقف بتصوير الحركة وكأنّها المسؤولة عن الإبادة، بل قلب موقف الصراع كله بتحويل الضحية إلى أصل المشكلة الأصلية لا الاستعمار الصهيوني وسياساته!
يتضح أنّ إدارات هذه القنوات، والضيوف الذين تعنى باستضافتهم، لم تكن مشكلتهم أبداً في الإبادة، بل في كون حماس لم تفنَ بهذه الإبادة.
«انظروا! إنهم يأتون على الأبرياء بحجة الخيانة! حماس تبدأ حرباً أهلية». يا إلهي! عندما تسمع وقع الكلمة لا بد أن تنصرف لإدانة الحركة، بل ربما يحن قلبك لـ»أبو شباب» ورفاقه. يهدف أديب وقطيش وغيرهم الكثير لتصوير الحركة بصفتها المسؤولة عن أكبر حرب في تاريخ المنطقة منذ النكسة؛ فلما فشلوا، سعوا لتحميلها مسؤولية حرب أهلية.
يسوق لنا عبده فايد -في تفكيكه اللافت لخطاب «الأسرلة» الناطق بالعربية ضداً للمقاومة- مثالين تاريخيين عن كيفية التعامل مع الخونة، ويتساءل أديب:
هل سمعت بالأمر التنفيذي 9066؟! حسناً، أصدره الرئيس الأمريكي روزفلت في شباط/ فبراير عام 1942. كان صفحة مظلمة في التاريخ الأمريكي. بموجب الأمر، تم ترحيل 120 ألف مواطن أمريكي من أصول يابانية لمعسكرات مخيفة على امتداد الساحل الغربي. جرى عزلهم عن أهاليهم وقطع اتصالهم بالعالم. مسجونين على يد بلادهم في بلادهم، نازحين ومشردين من ديارهم التي خدموها، لا لشيء إلا لخوف أمريكي من أصولهم اليابانية أن يكونوا جواسيس محتملين للإمبراطور. لمجرد شك في خيانة محتملة جرى سجن عشرات ألوف الأمريكيين في مخيمات حتى انتهاء الحرب. هذا عن الشك فقط.
المثال الآخر من فرنسا بعد النصر على الألمان في نورماندي وعودة الجنرال ديجول. كان الفرنسيون غاضبين وقاموا بحلاقة رؤوس 20 ألف امرأة اشتبهوا في أنهن يعملن كفتيات هوى مع الألمان. آلية عقاب جماعي مخيفة دون تحقق أو تدقيق. لم يفعل رجال القطاع هذا ولا ذاك. لم يستهدفوا عشائر كاملة، ولم يخرجوا أحداً من دياره، بل أسماء بعينها معلومة للجميع خيانتها. ومع ذلك ينظر أديب ومؤيدوه من المنحطين العرب لرد الفعل الأمريكي كآلية حماية، ولرد فعل أبطال القطاع على الخونة بأنه حرب أهلية... تخيّلوا الانحطاط!
							 
 .jpg) 
					
                
            
   

 
								 
								 
								 
								 
								 
								







المصدر «لا» 21 السياسي